Print this page

العلماء والحوزة العلمية في فكر الإمام الخامنئي(1)

قيم هذا المقال
(0 صوت)

.."بين الشيعة هناك سُنّة سارية هي التواصل مع الناس، والإشفاق على الناس، واستشعار آلامهم والتألّم لها، هذه السُنّة السارية ينبغي الحفاظ عليها. هذا شيء مهم جدّاً." الإمام الخامنئي 22/06/2012

العلماء والحوزة العلمية في فكر الإمام الخامنئي(1)

الفصل الأوّل: المنهج السلوكي لرجال الدين

ضروريّات عمل رجال الدين

إنَّ العلم والتقوى من ضروريات عمل رجال الدين. التقوى لرجل الدين تعني المراقبة والحذر كي لا يخطأ ولا ينزلق ولا ينهمك في المفاسد، ومخافة أن يصيبه من البلايا ما يصيب بعض الناس و يجعلهم ينحرفون عن سواء السبيل.

عالم الدين يطمح إلى انقاذ أمثال اولئك الناس و انتشالهم من المستنقع الذي غرقوا فيه. وهو يخشى أن يُبتلى بذلك البلاء. فالفقهاء أُمناء الله ما لم يدخلوا في الدنيا؛ و امّا إذا دخلوا في طلب الدنيا فهم بعدئذ ليسوا أُمناء الله.

عوامل نفوذ الكلام

يكون كلام رجل الدين نافذاً متى ما أثبت في العمل انّه لا يأبه لزخارف الدنيا. و ان ذلك الطمع المستحوذ على قلوب أهل الدنيا و طلاّبها، غير مستحوذ عليه. و هذا ما ينبغي أن يثبته للناس. لقد اكتسب رجال الدين هذه المنزلة و نالوا هذا الاعتبار على أثر ما كان منهم من ورعٍ و تقوى. و لهذا ينبغي أن يُستدام هذا الورع و هذا الزهد في الدنيا و زخرفها. و الزهد طبعاً لا يتنافى مع نيل الحدّ المتوسّط منها.

أمّا اللهاث وراء الدنيا و التكالب من أجل نيل كلّ ما ينمّ عن مظاهر الرفاهية و الأُبّهة و العيش الرغيد، و السعي المحموم وراء ذلك ـ و هو ما يتراكض وراءه أهل الدنيا في كلّ لحظة من لحظات أعمارهم ـ فهو دون شأن أهل العلم و رجال الدين.

زيّ طلبة العلوم الدينية

أستطيع وصف زيّ طلبة العلوم الدينية في جملتين: الورع بعزّ، و النظم في الدراسة و في الحياة. فطالب العلوم الدينية يعيش حياة الزاهدين.

يُضاف إلى ذلك النظم في دراسته، و يأتي تبعاً لذلك أيضاً النظم في حياته. إذ أنّ السمة التي تتصف بها دراسة العلوم الدينية هي النظم.

أرکان شريحة رجال الدين

القوام الأساسي لشريحة رجال الدين في شيئين: أحدهما العلم، و الآخر المعنوية. هذان الشيئان يمثّلان الركيزتين الأساسيّتين للروحانية.

إنّ الروحانية في الإسلام ليست كغيرها في الأديان الأُخرى؛ إذ أنّ علم الدين هناك هو العلم بالنصوص الدينية فحسب ـ و هو أن يعرفوا الكتاب السماوي و بعضاً ممّا جاء حوله من المنقولات ـ بل بما ان الإسلام هو دين إدارة الحياة و دين الدنيا و الآخرة، فإن علم الروحانية أيضاً علم أوسع و أشمل.

فهو من جهة يشمل العقائد و المعارف و الفلسفة و الاسس الاعتقادية، و من جهة أُخرى يغطّي مساحة شاسعة جدّاً من الفقاهة الدينية؛ ان علم الدين عند رجال الدين في الإسلام، علم حقيقي، و علم عويص و عملیة فنية و تخصّصية. الركن الثاني ـ الذي هو بمنزلة الروح من الجسد هو ذلك الجانب المعنوي و التوجّه إلى الله و الإعراض عن الدنيا و الاستهانة بمتاعها و اعتباره شيئاً تافهاً.

هذا هو العنصر الأساسي في رجال الدين. فرجال الدين ان شاءوا اداء واجباتهم و ان أرادوا أن تتكلّل مساعيهم على هذا الطريق بالنجاح، و ان شاءوا إدارة شأنهم و مسؤوليتهم البالغة الأهمية في إدارة البلد بالشكل الصحيح، عليهم أن يأخذوا هذا المعنى بنظر الاعتبار في ذاتهم. إنّ شأن رجال الدين لا يتناسب مع الاقبال على الدنيا و الانشداد إليها.

فأساس عمل رجال الدين الإعراض عن المظاهر الدنيوية في الحدّ الممكن و المقدور و المُتصوّر لغير المعصوم. هذه هي ركيزة عمل رجال الدين.

طبيعة عمل رجال الدين

من طباع رجل الدين انّه لا يسعى من أجل بطنه و طعامه و تأمين حياته. فهذه هي طبيعة عمله. و هذا الكلام لا يعني طبعاً ان رجل الدين لا بطن له و لا يحتاج إلى الطعام، و لا يريد داراً. فهو يحتاج إلى كلّ هذه الامور.

غير أن الفارق بين الكاسب و رجل الدين هو أنّ الكاسب لو سُئِل: لماذا اخترت هذه المهنة؟ لقال: لأنّها تدرّ عليَّ ربحاً أوفر. و لا أحد يلومه على هذا طبعاً. و لو قيل لتاجرٍ: ما الذي دعاك إلى اختيار عمل التجارة؟ لقال: نظرت فرأيت ان عملي في التجارة يعود عليَّ بدخل يفوق مداخيل الأعمال الأُخرى. بمعنى ان الجهد هنا يدور حول محور الدخل المادّي.

بينما طالب العلوم الدينية لا يقول: «انّني حضرت درس فلان؛ لأنّ فيه مردوداً مادياً أكثر»، بل إن مثل هذا التفكير لا معنى له أصلاً و غير مقبول و لا معقول.

من المحتمل طبعاً أن يحضر طالب درس شخص، أو يذهب إلى دار شخص أو يقصد شخصاً من أجل نيل مردود مادي؛ غير أن عمله هذا خرق للقواعد. و هو عمل ممنوع. فلو علم آخرون أن أحد أصحاب العمائم يدرس الدرس الفلاني، أو يسافر إلى كذا مكان، أو يقوم بكذا عمل، أو يسلّم على شخص، من أجل المال، فهم يتوجّهون إليه باللوم. لماذا؟ لأن عمل رجل الدين عمل روحاني. البعض يظن أنّنا عندما نقول: «نحن رجال الدين»؛ فذلك يعني أنّنا مجرّدون من الأجسام المادية، و اننا قد طلّقنا الدنيا و نحّيناها جانباً. و الأمر ليس كذلك طبعاً؛ فنحن مثل سائر الناس.

و حتّى بالنسبة إلى رسول الله الذي يتصدر سلسلة جميع رجال الدين على امتداد التاريخ، فقد وصفه الله تبارك و تعالى بقوله: {يَأْكُلُ الطَّعَامَ و يَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ}. إذا كان الشخص رجل دين فذلك لا يعني أنه يهمل جسمه و يعتني بروحه فقط. كلا طبعاً، بل يعني أنّ لكلّ شغل هدف. و شغل عالم الدين هدفه تهذيب نفوس الناس. و نحن رجالُ دينٍ بهذا المعنى. و لهذا فإنَّ الانخراط في سلك دراسة العلوم الدينية، شغل إلهي و معنوي.

طبيعة سلك رجال الدين الشيعة

على رجل الدين أن يسير على ذلك النهج الروحي، و على ذلك الشكل الروحي الموجود في العالم الشيعي. و هذه الحالة طبعاً غير منتفية كلياً في المذاهب و الأديان الأُخرى؛ بل موجودة في مواطن منها. و هو شيء جيّد جداً بالنسبة إليهم طبعاً. و لكن بين الشيعة هناك سُنّة سارية. هذه الحالة التي كانت سارية عند رجال الدين الشيعة في التواصل مع الناس، و أن تكون أرزاقهم من الناس، و الإشفاق على الناس، واستشعار آلامهم و التألّم لها، هذه السُنّة السارية ينبغي الحفاظ عليها. هذا شيء مهم جدّاً.

قراءة 2628 مرة