عقيدتنا في التجسيم

قيم هذا المقال
(0 صوت)
عقيدتنا في التجسيم

آيات قرآنية:    
1 ـ ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾([1]).
ليس له في المخلوقات كلها، شبيه ولا نظير في ذاته وصفاته، بأي وجه من الوجوه.

2 ـ ﴿لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ﴾([2]).
أي لا تصل إليه، فالله تعالى لا تدركه الأوهام، فضلاً عن الأبصار، وهو يدركها وهو محيط بكل شيء.

3 ـ ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ﴾([3]).
عن الرضا «عليه السلام» قال: يعني مشرقة تنتظر ثواب ربها.. فليس المراد: النظر إليه سبحانه بالعين، لأنه تعالى يستحيل أن تدركه الأبصار، وليس كمثله شيء([4]).

4 ـ ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللهَ يَدُ اللهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ﴾([5])
كان المسلمون يبايعون النبي «صلى الله عليه وآله»، فيضع النبي يده فوق يد من يبايعه، فجعلَتِ الآيةُ مبايعتهم للنبي مبايعة لله، فكأنّ يد النبي «صلّى الله عليه وآله» يد الله سبحانه.

5 ـ ﴿وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُواْ بِمَا قَالُواْ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ﴾([6]).
اليد كناية عن القدرة، وقوله تعالى: ﴿بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ﴾ كناية عن كمال القدرة والفضل والنعمة.. فلا يعجزه شيء في الدنيا والآخرة.
 
روايات معتـبرة ســنداً:    
1 ـ روى الشيخ الصدوق عن مُحَمَّد بْن مُوسَى بْنِ الْمُتَوَكِّلِ «رَحِمَهُ اللهُ»، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ الْحِمْيَرِيُّ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مَحْبُوبٍ، عَنْ يَعْقُوبَ السَّرَّاجِ قَالَ:
«قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللهِ «عليه السلام»: إِنَّ بَعْضَ أَصْحَابِنَا يَزْعُمُ أَنَّ لِلهِ صُورَةً مِثْلَ صُورَةِ الْإِنْسَانِ، وَقَالَ آخَرُ: إِنَّهُ فِي صُورَةِ أَمْرَدَ جَعْدٍ قَطَطٍ.
فَخَرَّ أَبُو عَبْدِ اللهِ سَاجِداً، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ، فَقَالَ: سُبْحَانَ اللهِ الَّذِي‏ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْ‏ءٌ، وَلا تُدْرِكُه‏ الْأَبْصارُ، وَلَا يُحِيطُ بِهِ عِلْمٌ.. لَمْ يَلِدْ، لِأَنَّ الْوَلَدَ يُشْبِهُ أَبَاهُ، وَلَمْ يُولَدْ فَيُشْبِهَ مَنْ كَانَ قَبْلَهُ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ مِنْ خَلْقِهِ كُفُواً أَحَدٌ، تَعَالَى عَنْ صِفَةِ مَنْ سِوَاهُ عُلُوّاً كَبِيراً([7]).

2 ـ روى الشيخ الصدوق عن مُحَمَّد بْن مُوسَى بْنِ الْمُتَوَكِّلِ «رَضِيَ اللهُ عَنْهُ»، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ هَاشِمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي عَنِ الرَّيَّانِ بْنِ الصَّلْتِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُوسَى الرِّضَا «عليه السلام»، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ آبَائِهِ، عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ «عليه السلام» قَالَ:
«قَالَ رَسُولُ اللهِ «صلى الله عليه وآله»: قَالَ اللهُ جَلَّ جَلَالُهُ:‏ مَا آمَنَ بِي مَنْ فَسَّرَ بِرَأْيِهِ كَلَامِي، وَمَا عَرَفَنِي مَنْ شَبَّهَنِي بِخَلْقِي، وَمَا عَلَى دِينِي مَنِ اسْتَعْمَلَ الْقِيَاسَ فِي دِينِي([8]).

3 ـ روى الشيخ الصدوق عن الْحُسَيْن بْن أَحْمَدَ بْنِ إِدْرِيسَ «رَحِمَهُ اللهُ»، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ يَحْيَى، عَنْ عَاصِمِ بْنِ حُمَيْدٍ قَالَ:
«ذَاكَرْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ «عليه السلام» فِيمَا يَرْوُونَ مِنَ الرُّؤْيَةِ.
فَقَالَ: الشَّمْسُ جُزْءٌ مِنْ سَبْعِينَ جُزْءاً مِنْ نُورِ الْكُرْسِيِّ، وَالْكُرْسِيُّ جُزْءٌ مِنْ سَبْعِينَ جُزْءاً مِنْ نُورِ الْعَرْشِ، وَالْعَرْشُ جُزْءٌ مِنْ سَبْعِينَ جُزْءاً مِنْ نُورِ الْحِجَابِ، وَالْحِجَابُ جُزْءٌ مِنْ سَبْعِينَ جُزْءاً مِنْ نُورِ السِّتْرِ، فَإِنْ كَانُوا صَادِقِينَ، فَلْيَمْلَئُوا أَعْيُنَهُمْ مِنَ الشَّمْسِ لَيْسَ دُونَهَا سَحَابٌ(‏[9]).

4 ـ روى الشيخ الصدوق عن مُحَمَّد بْن الْحَسَنِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ الْوَلِيدِ «رَضِيَ اللهُ عَنْهُ»، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الصَّفَّارُ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ، عَنِ النَّضْرِ بْنِ سُوَيْدٍ، عَنْ يَحْيَى الْحَلَبِيِّ، عَنِ ابْنِ مُسْكَانَ، عَنْ زُرَارَةَ قَالَ:
سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ «عليه السلام» يَقُولُ‏: إِنَّ اللهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى خِلْوٌ مِنْ خَلْقِهِ، وَخَلْقُهُ خِلْوٌ مِنْهُ،‏ وَكُلُّ مَا وَقَعَ عَلَيْهِ اسْمُ شَيْ‏ءٍ، مَا خَلَا اللهَ عَزَّ وَجَلَّ، فَهُوَ مَخْلُوقٌ، وَاللهُ خالِقُ كُلِّ شَيْ‏ءٍ، تَبَارَكَ الَّذِي‏ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْ‏ء([10]).

5 ـ روى الشيخ الصدوق عن أبيه، عن مُحَمَّد بْن يَحْيَى الْعَطَّارُ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجْرَانَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ سِنَانٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ «عليه السلام»‏ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَ هُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ﴾.
قَالَ: إِحَاطَةُ الْوَهْمِ، أَلَا تَرَى إِلَى قَوْلِهِ: ﴿قَدْ جاءَكُمْ بَصائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ‏﴾. لَيْسَ يَعْنِي بَصَرَ الْعُيُونِ، ﴿فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ‏﴾.‏ لَيْسَ يَعْنِي مِنَ الْبَصَرِ بِعَيْنِهِ، ﴿وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْها‏﴾، لَمْ يَعْنِ عَمَى الْعُيُونِ، إِنَّمَا عَنَى إِحَاطَةَ الْوَهْمِ، كَمَا يُقَالُ: فُلَانٌ بَصِيرٌ بِالشِّعْرِ، وَفُلَانٌ بَصِيرٌ بِالْفِقْهِ، وَفُلَانٌ بَصِيرٌ بِالدَّرَاهِمِ، وَفُلَانٌ بَصِيرٌ بِالثِّيَابِ.. اللهُ أَعْظَمُ مِنْ أَنْ يُرَى بِالْعَيْنِ‏[11].
 
هذه عقيدتنا في التجسيم:
الله تعالى منزّه عن نقائص التجسيم وعوارضه، فلا جسم له ولا صورة لا في الدّنيا ولا في الآخرة، ولا هو في جهة دون أخرى، أو في مكان دون آخر، ولا يتجزّأ ولا يتناهى.
وقد أجمع أئمة أهل البيت «عليهم السلام» على أنّ رؤية الله تعالى بالعين مستحيلة، في الدنيا والآخرة، لأنّ الرؤية بالعين لا تكون إلا لجسم، والله تعالى منزه عن الجسمانية. فليس هو محدوداً كالأجسام في مكان وزمان.
لا يُعرف سبحانه بالقياس، ولا يُدرَك بالحواس، ولا يُشبه الناس، موصوف بالآيات، معروف بالعلامات([12]).
وإنّما تعرفه وتدركه القلوب بحقائق الإيمان، وهذا أرقى من رؤية البصر وأعمق منها.
ولا يمكن الركون إلى ظواهر بعض الآيات للقول بالتجسيم، فلا بد من إرجاعها إلى المحكم من الكتاب كقوله تعالى: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾[13].
فالله تعالى متّصف بصفات الكمال، ومنزّه عن النقص والتشبيه والتجسيم والمشاهدة..
 
عقــائد شـيعة أهل البيت (عليهم السلام) في الأدلة المعتبرة، سماحة الشيخ نبيل قاووق

([1]) الآية 11 من سورة الشورى.
([2]) الآية 103 من سورة الأنعام.
([3]) الآيتان 22 و 23 من سورة القيامة.
([4]) التوحيد للصدوق، ص116.
([5]) الآية 10 من سورة الفتح.
([6]) الآية 64 من سورة المائدة
([7]) التوحيد، ص103، وبحار الأنوار، ج3 ص304.
([8]) التوحيد، ص 68، وعيون أخبار الرضا، ج1 ص107، وبحار الأنوار، ج2 ص297.
([9]) التوحيد للشيخ الصدوق، ص108، والكافي، ج1 ص98.
([10]) التوحيد للشيخ الصدوق، ص105، والكافي، ج1 ص82.
([11]) التوحيد للشيخ الصدوق، ص112، والكافي، ج1 ص99.
([12]) كما ورد عن الإمام محمد الباقر «عليه السلام». راجع: التوحيد للصدوق ، ص108.
([13]) سورة الشورى الآية 11.

قراءة 1138 مرة