ما جرى يوم الجمعة بقدر ما هو صفعة سياسية قوية بالوجهين الأميركي والإسرائيلي وفضحاً لأكذوبة إسمها الوسيط الأميركي، فهو نصر دبلوماسي عربي، يتعين على الفلسطينيين والعرب عموماً وبالذات النُخَب العربية وأنظمة الحُكم العربية التي ما تزال تدعم الحق الفلسطيني - على قلّة هذه الأنظمة - والعالم الإسلامي ككل, استثمار هذا النصر والاستفادة منه في مواجهة العدوان ورفضاً لقرارات واشنطن وانحيازها إلى جانب الطرف المعتدي "إسرائيل".
ما حدثَ في جلسة مجلس الأمن الدولي مساء الجمعة 1 حزيران/يونيو الجاري أثناء التصويت على مشروع قرارين قُدّما من مندوبَـي دولة الكويت والولايات المتحدة بشأن الأحداث الأخيرة في غزّة يشكّل حدثاً فريداً بكل المقاييس والأول من نوعه في تاريخ نقاشات مجلس الأمن الدولي بخصوص النزاع العربي الإسرائيلي وربما في تاريخ الأمم المتحدة، ناهيك عن المنظمات الدولية الأخرى والحقوقية بالذات حين وجدتْ ممثلة أميركا "نيكي هايلي" نفسها وحيدة وبموقف مُحرِج للغاية وهي تستخدم حق النقض ضد مشروع قرار دولة الكويت الذي طالب المجتمع الدولي إرسال قوّة دولية لحماية الشعب الفلسطيني من البطش الإسرائيلي، مقابل 14 عضواً في المجلس صوّتوا لصالح القرار أو تحفّظوا. ليس هذا وحسب بل أن وجه الغرابة بلغ مبلغه في ذات الجلسة ولذات الغرض حين صوّت 14 عضواً في المجلس "مجلس الأمن الدولي" رافضاَ ومتحفّظاً على مشروع قرار أميركي يُدين حركة حماس بإطلاق صواريخ باتجاه أهدافٍ إسرائيلية، فالمندوبة الأميركية وخلال دقائق فقط وجدتْ نفسها للمرة الثانية "وحيدة" وبشكل أكثر إحراجاً من ذي قبل وهي ترفع يدها مؤيّدة لمشروعها كل الأعضاء الآخرين.
هذه الجلسة لمجلس الأمن الدولي بتصويتيها آنفيّ الذكر ستسجل في صفحة التاريخ الإنساني كفضيحة سياسية غير مسبوقة لأميركا تستحق التوقّف عندها ودراستها دراسة مُستفيضة، كما ستُسجّل كوصمة فشل في جبين الدبلوماسية الأميركية، ويوم أميركي ناهيك "إسرائيلي" أسود ونكسة سياسية، بل وإذلالاً لكبرياء أقوى دولة في العالم، لم يشهد التاريخ الأميركي له نظيراً حتى في ذروة الحرب الباردة مع المعسكر الاشتراكي.
لا يمثّل ما جرى الجمعة فشلاً سياسياً أميركياً في مساندة الغطرسة الإسرائيلية فقط بل مؤشّراً صريحاً لمدى حال العُـزلة السياسية التي تعيشها أميركا بعد وصول الرئيس "ترامب"، وبعد قراراته المثيرة للجدل التي اتخذها مؤخراً ومنها نقل سفارته إلى القدس والتنصّل من الاتفاقية النووية مع إيران، وغيرها من القرارات العنيفة كالمتعقلّة بالمناخ والتجارة الدولية وفرْض الضرائب على السلع الداخلة للسوق الأميركي.
وبالعودة إلى الموضوع الرئيس "موضوع الصراع العربي الإسرائيلي" والمواقف الأميركية المنحازة إلى جانب الأخيرة، فقد استخدمت الولايات المتحدة خلال تاريخ هذا الصراع 43 قرار نقض يدين إسرائيل حتى شهر كانون الأول/ ديسمبر الماضي، كان آخرها وأغربها ما جرى الجمعة، وقبل هذا ما جرى في الجمعية العامة للأمم المتحدة في كانون الأول/ ديسمبر الماضي حين صوّتت 128دولة ضد قرار نقل السفارة الأميركية إلى القدس مقابل 9 دول برغم التلويح بالصولجان الأميركي، في واحدة من أبرز جلسات الأمم المتحدة إدانة للسياسة الأميركية، كما هي إدانة للقمع الإسرائلي حيث مثلّت تلك الجلسة التي دعت إليها مصر بعد أن أفشلت واشنطن مشروع قرار يرفض قرار نقل السفارة، هو فشل آخر للدبلوماسية الأميركية وإهانة فاضحه لسياساتها، ورسالة دولية فحواها الرفض لسياسة الكيل بمكيالين التي تتبعها واشنطن حيال القضايا الدولية ومنها الفلسطينية.
عموماً فإن ما جرى يوم الجمعة بقدر ما هو صفعة سياسية قوية بالوجهين الأميركي والإسرائيلي وفضحاً لأكذوبة إسمها الوسيط الأميركي، فهو نصر دبلوماسي عربي، يتعين على الفلسطينيين والعرب عموماً وبالذات النُخَب العربية وأنظمة الحُكم العربية التي ما تزال تدعم الحق الفلسطيني - على قلّة هذه الأنظمة - والعالم الإسلامي ككل, استثمار هذا النصر والاستفادة منه في مواجهة العدوان ورفضاً لقرارات واشنطن وانحيازها إلى جانب الطرف المعتدي "إسرائيل", وتوظيفه في حشد مزيداً من التأييد الدولي لمصلحة الشعب الفلسطيني ومجابهة الخطوات الخطيرة التي تنوي واشنطن وتل أبيب وبعض الحكّام العرب تمريرها وبالذات المشروع سيّىء الصيت "صفقة القرن" الذي يبدو قد نضجت طبخته، ولم يبق غير إشهارها، وهو المشروع الذي للأسف يحظى بتأييد أنظمة عربية رخوة كالسعودية، والذي سيعني تمريره بالنسبة للعرب إعلان وفاة رسمي للقضية الفلسطينية بل وللعرب أجمع.
صلاح السقلدي، كاتب صحافي يمني