Print this page

ما هي تداعيات تصنيف حرس الثورة إرهابياً على المصالح الأميركية؟

قيم هذا المقال
(0 صوت)
ما هي تداعيات تصنيف حرس الثورة إرهابياً على المصالح الأميركية؟

يذكي الرئيس الأميركي النيران تحت قدر المنطقة. قراره القاضي بوضع حرس الثورة في إيران على لائحة الإرهاب يؤجج التوتر القائم أصلاً بينه وبين إيران. مخاطرة ليس بالضرورة هدفها الوصول إلى مرحلة الغليان التي تستدعي مواجهة عسكرية. إلا أنّ القرار يقود تلقائياً إلى زيادة إمكانية الاحتكاك العسكري المباشر وغير المباشر بين الطرفين. إمكانية لطالما كانت موجودة على سلّم الاحتمالات لكنّها لوقت طويل بقيت قابعة في مستويات متدنية.

لا يسعى ترامب بالضرورة إلى خيار الحرب. لكنّ الحروب لا تنجم دائماً عن خيارات أو نوايا مقصودة. قد تتدحرج خطوة غير محسوبة العواقب إلى ردود أفعال تصبح بعدها الأمور خارجة عن السيطرة.

هذا ما دفع البنتاغون إلى معارضة قرار ترامب الأخير الذي سانده فيه مجلس الأمن القومي بحسب ما تكشف عنه صحيفة "بوليتيكو".

تنقل الصحيفة عن مسؤولين اطّلعوا على النقاشات التي أفضت إلى قرار ترامب أن الأخير اختار الإطاحة بالبنتاغون بعد أن أقنعه وزير خارجيته مايك بومبيو ومستشار الأمن القومي جون بولتون بأن تحذيرات كبار القادة العسكريين بشأن المخاطر التي قد يتعرض لها الجنود الأميركيون مبالغ فيها.

هذه المخاطر ترصدها "جيروزاليم بوست" في أكثر من ساحة. في العراق وسوريا وأفغانستان وعند حدود الكيان الإسرائيلي في جنوب لبنان والجولان.

ما لم تشر إليه الصحيفة الإسرائيلية هو عشرات القواعد الأميركية المنتشرة في الخليج وفي مرمى الصواريخ الإيرانية الدقيقة. لكنّ الأهمّ من بين هذه الأهداف هو إسرائيل نفسها، الخاصرة الرخوة والقاعدة العسكرية المكشوفة والأكثر إيلاماً للأميركيين.

عواقب خطوة ترامب تناولتها صحيفة "ذي أتلانتيك" الأميركية بالبارزة من زاوية اليد الإيرانية القادرة على استهداف المقاولين الأميركيين، كوسيلة من وسائل محتملة للتصعيد لا تجعل إيران مضطرة إلى مواجهة مباشرة.

هذا الخطر بحسب الصحيفة هو ما منع تصنيف الحرس الثوري منظمة إرهابية في الماضي. في هذا الإطار تستعيد "ذي أتلانتيك" ما عبّر عنه وزير الخارجية الأميركي السابق ريكس تيلرسون عبر الحديث عن مخاطر وتعقيدات قد تقود إليها هذه الخطوة. خطوة من شأنها أن تؤدي إلى اتخاذ إجراءات قد لا تكون بالضرورة في مصلحة النشاطات العسكرية الأميركية.

هذه الاعتبارات يدركها البنتاغون جيّداً. هي من دون شك من بين الاعتبارات التي دفعته طوال سنوات إلى استبعاد أي ضربة عسكرية لإيران رغم التهويل والحرب النفسية المصاحبة التي سبقت ذهاب الإدارة الأميركية السابقة إلى توقيع اتفاق معها.

لا يريد ترامب الحرب ولا يسعى إليها على الأرجح. خطوة كهذه لا يعرف كيف تنتهي، لكنّها بالتأكيد لن تبقى محصورة في إيران. عواقبها إشعال المنطقة وإحراق المصالح والقواعد الأميركية فيها. في هذه الحال ستصبح صفقة القرن، وربما إسرائيل معها، شيئاً من الماضي. الخسائر لن تقتصر على مشاريع ترامب في المنطقة بل يمكن أن تطيح طموحه إلى ولاية ثانية.

عدا عن ذلك لا أحد يضمن أن تبقى المواجهة تحت السيطرة من دون أن تستدرج دولاً من خارج المنطقة.

تؤكد صحيفة "ناشيونال انترست" في هذا السياق أن استهداف إيران سوف يعزّز خطر الاصطدام بالصين وروسيا. وتوضح أن الدول الثلاث لا تعتبر أهدافاً منفصلة فالأمر أشبه بحجارة الدومينو. أي زعزعة للاستقرار في إحداها سرعان ما سيؤدي إلى مشاكل خطيرة في البلدان الأخرى. مثال على ذلك، الصين ستفقد كميات كبيرة من شحنات النفط الرخيص، والأوضاع ستنقلب في جنوب القوقاز وقزوين مهدّدةً روسيا.

في حوار سابق مع جاريت بلان عضو فريق المفاوضات الأميركي مع إيران بشأن الاتفاق النووي خلال إدارة أوباما، أن ترامب لا يمتلك رؤية استراتيجية لمواجهة إيران، لكنّه لا يحب أي شيء وضع أوباما بصماته عليه.

يقول إن ترامب غير مُهتم بالانخراط العسكري مع إيران أو مع أي خصم آخر في الشرق الأوسط أو في العالم، لكن مبعث القلق يكمن في احتمالات التصعيد غير المقصود.

تصعيد ربما يتوخاه ترامب لتسخين القدر من دون الوصول به إلى درجة الغليان. هدفه تأمين موقع تفاوضي أفضل يتيح له انتزاع تنازلات من إيران، عجز عنها سلفه، وحدّدها بومبيو باثني عشر مطلباً.

ضمن هذا السياق يندرج ما ورد في قناة "كان" العبرية التي وصفت ما قام به ترامب بالخطوة الهامة، لكنها أضافت أنها تبقى تصريحية ولن تغير من الواقع شيئاً. كما اعتبرت أن القرار أقل دراماتيكية مما يبدو، فكبار مسؤولي حرس الثورة والشركات التابعة له هم أصلاً تحت العقوبات.

القناة التي شكّكت في قدرة الأميركيين أو رغبتهم بالانتقال إلى المرحلة التالية وملاحقة الجهات التي تتعامل سراً مع حرس الثورة، جاءت تصريحات منسق مكافحة الإرهاب في وزارة الخارجية الأميركية ناثان سايلز لتضعها في جملة مفيدة. إذ أوضح سايلز أن إدراج الحرس في قائمة المنظمات الإرهابية لا يعني فرض حظر على قنوات الاتصال معهم من قبل الدبلوماسيين الأميركيين.

ما سبق لا يقلّل من خطورة الخطوة الأميركية بدليل الردود السابقة واللاحقة التي تخللتها. تحذير قائد حرس الثورة محمد علي جعفري استبق القرار جازماً أن الجيش الأميركي لن ينعم بالهدوء في غرب آسيا إذا ما تم تصنيف الحرس منظمة إرهابية.

الإجراءات الإيرانية المضادة لم تتأخر بدورها. المرشد الإيراني أكد في هذا الإطار أن الأميركيين لن يحققوا أي نتيجة، بينما شدّد مستشاره للشؤون العسكرية على حتمية الردّ الإيراني في حال "ارتكبت واشنطن حماقة".  

دولياً، لم يقتصر رفض القرار على حلفاء إيران وأصدقائها. قطر وتركيا رفضتا الخطوة. الخارجية الفرنسية دعت من جهتها إلى تجنب أي تصعيد وزعزعة الاستقرار في المنطقة.

المخاوف التي يبديها المراقبون وصناّع القرار من هذه الخطوة لا يبدو أنها تقف عند تداعياتها المباشرة، بل بالأحرى على ما تستبطنه من نوايا.

مجلة "سبكتاتور" البريطانية الأسبوعية تشرح ذلك في مقال مطوّل. يستند كاتب المقال إلى مجموعة مقابلات أجراها مع مسؤولين أميركيين حالين وسابقين خلال العاميين المنصرمين. يقول المسؤولون أنه في حال ضمن ترامب فوزه في انتخابات 2020 وفي حال لم يسقط النظام في إيران فإنه قد يلجأ إلى اتخاذ إجراءات عسكرية للتصدي لطهران.

وينقل ما قاله له مسؤول سابق العام الماضي بأن احتمال الحرب مع إيران لا يزال وارد جداً. ويوضح الكاتب أن تصنيف الحرس الإيراني قد يكون مبرراً لشن ضربة في إطار "الإذن باستخدام القوة العسكرية لضرب إرهابيين".

تتقاطع هذه المعلومات، التي إن صحّت ولم تكن تسريباً متعمداً في إطار الحرب النفسية، مع ما أوردته صحيفة "الواشنطن بوست".

ترصد الصحيفة بوادر متزايدة لحملة منسقة هدفها إعداد الرأي العام الأميركي لمواجهة عسكرية تعتبرها غير ضرورية مع إيران. وتعتبر أنه مع بدء الحملة للانتخابات الرئاسية 2020 يجب الاستعداد لتهديدات الإدارة المتناسقة بشن حرب ضد إيران.

أي من الاحتمالات والسيناريوهات هو الأقرب إلى التحقق؟ الأغلب أن ترامب لن يذهب باتجاه خطوة يعارض فيها البنتاغون ويتحمّل وحده وزر تبعاتها، خصوصاً إذا ما كانت تكلفتها الاقتصادية والاستراتيجية تفوق مردودها.

علي فواز

قراءة 1179 مرة