Print this page

صفقة ترامب.. ساعة الصفر دقت لمواجهة حتميّة

قيم هذا المقال
(0 صوت)
صفقة ترامب.. ساعة الصفر دقت لمواجهة حتميّة

ساعات قليلة تفصلنا عن الإعلان الأمريكي عن تفاصيل صفقة ترامب، الفلسطينيون يحبسون أنفاسهم والزعماء العرب يتفرجون بينما الكيان الاسرائيلي فيظن أنها لحظته التاريخية، والحقيقة أن مكان إعلان الصفقة يدلل على شكلها ومضمونها.

انها ستعلن حيث ولدت داخل البيت الأبيض فهي صفقة حولت القضية الفلسطينية إلى مشروع اقتصادي وتناست الشعب والأرض والحقوق التاريخية، وحتى القرارات الدولية وضعها ترامب خلف ظهره، ان دلالات التوقيت فتؤكد أن تلك الصفقة ما هي إلا طوق نجاة يقدمه ترامب لنفسه ولصديقه نتنياهو فالأول بدأت محاكمته الثلاثاء الماضي في مجلس الشيوخ بتهمة إساءة استخدام السلطة الرئاسية وعرقلة عمل الكونغرس، والثاني متهم في ثلاث قضايا فساد سيجري الكنيست مداولات حول حصانته من هذه التهم من عدمها، كلاهما مصيرهما السياسي على المحك ولهذا فهي فرصة مناسبة للخروج بهذه الخطة التي يقدمها ترامب على أنها وصفة للسلام بينما هي في حقيقة الأمر وصفة مسمومة ستقضي على ما تبقى من القضية الفلسطينية.

المؤرخ الإسرائيلي إيلان بابيه المعروف بمناهضته للصهيونية ودفاعه عن الحق الفلسطيني قال بأن مبادرة ترامب (الصفقة) تستند إلى الأساطير الصهيونية التي تنكر وجود الفلسطينيين فالحركة الصهيونية هي حركة استعمارية استيطانية، وفي عام 1948 بدأوا في تحويل هذه الخرافات إلى حقيقة هي عن طريق التطهير العرقي.

ويتم ذلك اليوم من خلال مؤتمرات تقام في البحرين تنكر وجود الفلسطينيين، وإغلاق أرشيف النكبة والإضرار بشخصيات ومؤسسات ثقافية فلسطينية، إلى جانب استمرار سياسة التطهير العرقي بشكل يومي في النقب والجليل والضفة الغربية، وسياسة "جينوسايد" (إبادة جماعية) في قطاع غزة.

وبالتالي يجب أن ندرك جوهر هذه الأيديولوجية التي تسمح بمثل هذه الأفعال.

من الواضح أن نقطة انطلاق صفقة ترامب ستكون على أرضية تفاهم إسرائيلي-إسرائيلي أولا، ثم إسرائيلي-أمريكي ثانيا، لتقدم بعدها للطرف الفلسطيني عبر وسيط وهنا ليس على الفلسطينيين أن يعدلوا عليها أو حتى يبدوا رأيهم، أما الرفض الذي هو قائم بالفعل من الكل الفلسطيني فسيواجَه بعقوبات أمريكية واسرائيلية قد تصل إلى حد الاستفراد بالقدس والعودة لعدوان على غزة والتضييق أكثر على السلطة في رام الله سياسيا واقتصاديا.

ولذلك فالأعين تتجه الآن صوب الفلسطينيين ماذا سيفعلون؟ وهل سيكتفون بالرفض؟ وهل إدارة الظهر لترامب ونتنياهو كافية؟ بالطبع هذا لا يكفي، وربما ما يتم تسريبه من حديث منسوب لرئيس السلطة محمود عباس يدلل على أن الانفجار قادم لاسيما إذا ما رفع يده عن التنسيق الأمني وسمح للاحتجاجات والمسيرات أن تصل إلى مناطق التماس مع الاحتلال حينها ستنقلب الضفة إلى كتلة نار تحرق صفقة ترامب قولاً وليس فعلاً وهذا ما لا يجب أن يتردد في فعله عباس لاسيما وأن أول المستهدفين من صفقة ترامب هي سلطته.

فترامب يرى وبشكل واضح أن وجود السلطة الفلسطينية عائق في حد ذاته، ويريد أن يتسلم إدارة الضفة والقطاع مجموعة من رجال الأعمال يديرونها كمشروع اقتصادي لا سياسي فالسلطة الفلسطينية لا مكان لها في رؤية ترامب -نتنياهو.

وفي ورشة البحرين (المعروفة بمؤتمر البحرين للسلام الاقتصادي) بدا واضحا محاولة تجنيد دعم عربي عام لفكرة أن "مشكلة فلسطين هي اقتصادية فقط" وليست سياسية، ويبدو أن نتنياهو قد حظي بتأييد عربي من بعض الدول لاسيما الخليجية منها لخطته وهذا ما بدا واضحا من خلال سلسلة الخطوات التطبيعية بشكل علني مع الاحتلال وقد أشار إلى ذلك صراحةً عندما قال إنه يحظى بمرافقة من بعض الزعماء العرب على الصفقة، ولكن الزعماء العرب لن يستطيعوا تحدي شعوبهم بقبول جريء ومباشر للصفقة ولهذا لايجب التهوين من العداء التاريخي ما بين الشعوب العربية والكيان الاسرائيلي والصحوة من التطبيع قد تحدث في أية لحظة لكن التعويل الأساسي الذي يمكن أن يكون منطلقا لجر المنطقة للمواجهة الشامة مع الاحتلال والنفوذ الأمريكي هو الموقف الفلسطيني الذي يجب أن لا يكتفي بالرفض، فالمواجهة حتمية ويجب أن تنتبه الأطراف الفلسطينية كلها لسياسة الاستفراد الاسرائيلية بمعنى غزة والضفة والقدس، فالفاتورة على الجميع أن يدفعها لحماية الكل الوطني أرضاً وشعباً.

والخطوة الأولى هي بالاسراع للمصالحة والوحدة الفلسطينية، ترامب ونتنياهو سيواجهان مصيرهما السياسي خلال أربعة الى ستة أشهر وهي فترة كافية ليعلن فيها رئيس السلطة محمود عباس موعداً لانتخابات فلسطينية شاملة تفرز قيادة موحدة وحكومة وطنية لتواجه مصيرا مشتركا.

وأخيرا .. خطة ترامب تدق المسمار الأخير في نعش حل الدولتين، وتفتح الباب لحركات التحرر الفلسطينية أينما كانت لإعادة تعريف مفهوم التحرر من الاحتلال، وهنا فإن الفلسطينيين داخل الأرض المحتلة عليهم أن يكونوا متراسا من متاريس المواجهة، فربما ينقلب السحر على الساحر وتكون خطة ترامب مسمارا في نعش الكيان الاسرائيلي..

اسراء البحيصي / العالم

 

قراءة 875 مرة