Print this page

رأس السنة الهجرية الشمسية (عيد النوروز)

قيم هذا المقال
(1 Vote)
رأس السنة الهجرية الشمسية (عيد النوروز)

(أول فروردين هـ ش / من کل عام = 21 آذار / من کل عام)

التاريخ الهجري الشمسي
الظاهر أنَّ العمل بالتاريخ الشمسي كان معروفاً قبل الإسلام مع اختلاف في مبدأ السنة الشمسية، ولكن بعد ظهور الإسلام وانتشاره في إيران بكل ذلك القبول والشوق جعل عام هجرة الرسول (ص) من مكة إلى المدينة مبدأ للسنة الشمسية، وأصبح يطلق على مثل هذا التقويم بالهجري الشمسي لأنهم اتخذوا الشمس وسيلة للحساب، من خلال دوران الأرض حول الشمس، والتي تستغرق 365 يوماً تقريباً أما من اعتمد دوران القمر حول الأرض وحده للحساب فإن السنة تستغرق 355 يوماً تقريباً حيث اتخذ بعض المسلمين القمر وسيلة لحساب السنة، ولذا فالسنة الشمسية أزيد من السنة القمرية بـ 10 إلى 11 يوماً. فقد يتطابق مبدأ السنتين في إحدى السنوات ويتغايران لسنوات أخرى، فمبدأ التاريخين الهجريين الشمسي والقمري واحد وهو هجرة الرسول(ص) مع اختلاف في طريقة حساب السنة من ذلك التاريخ ،وقد بيَّنا کيفية حسابه ومبدئه و حقيقته، إذ يشتبه علی بعض الناس جهلاً أنَّ هذا التقويم لاصلة له بالإسلام.

و الجمهورية الإسلامية الإيرانية وبعض الدول الإسلامية الأخرى المجاورة تعمل علی هذا التقويم في الدَّوائر الرسمية،و قد حاول نظام الطاغوت الشاهنشاهى في إيران أن يغيّر مبدأ التاريخ الشمسي من الهجرة النبوية إلى بداية الملوكية الشاهنشاهية في إيران فقاوم علماء الدين وتبعهم الناس وصار ذلك سبباً لتسريع سقوط ذلك النظام ببركة الثورة الإسلامية المباركة.

تنظيم التقويم الشمسي
قُسِّمت الأشهر الشمسية إلى إثني عشر( 12) شهراً بحيث تتطابق مع فصول السنة الأربعة، (الربيع، الصيف، الخريف، الشتاء)، ولذا نرى شهراً معيناً يتطابق مع بداية فصل معين، وهو أدق من سائر التقاويم وأكثرها عملية بالنسبة للأمور الإدارية والمالية.

وتبدأ السنةالميلادية الشمسية(اي: علی مبدأ ميلاد المسيح) في منتصف فصل الشتاء ويتطابق مع الأول من كانون الثاني، و تبدأ السنة الهجرية الشمسية(اي: علی مبدأ هجرة الرسول الأعظم ) في اليوم الأول من شهر فروردين بداية فصل الربيع،وهو يوم النيروز والذي تتَّخذه بعض الشعوب ودولها عيداً وطنياً تستقبله بالأفراح وتحتفل به ،وهذا اليوم يتطابق دائماً مع 21 آذار من السنة الميلادية، والذي اتَّخذته الأمم المتحدة عيداً عالمياً للأم حيث يحتفل به كثير من دول العالم وشعوبها في هذا اليوم([1]) تكريماًوتعظيماً للأم لأنها تجسد معاني التضحية والعطاء.

 وحيث تبدأ السنة الهجرية الشمسية بفصل الربيع فهي تمتاز على الميلادية الشمسية،و الشهور الهجرية الشمسية هي کالتالي:

أشهر فصل الربيع: فروردين، أرديبهشت، خرداد.

أشهر فصل الصيف: تير ، مرداد، شهريور.

أشهر فصل الخريف: مهر، آبان، آذر.

أشهر فصل الشتاء: دي، بهمن ، اسفند.

أما عدد أيامها فهي كما يلي:الأشهر الستة الأولى من السنة = 31 يوماً.

والأشهر الخمسة الثانية من السنة = 30 يوماً، وآخر شهر من السنة (اسفند) = 29 يوماً إلا في السنة الكبيسة = 30 يوماً.

ومما يجدر ذكره أن من وضع التقويم الهجري الشمسي هم ثلاثة من علماء الفلك، أحدهم عمر الخيام في عصر السلطان ملكشاه السلجوقي.

يوم الأول من شهرفروردين هـ ش= عيد النوروز

لم تزل عادة البشر منذ ظهور الحضارات إلى الآن، يحتفلون بأيام خاصة في السنة، يستذكرون الأحداث أو المناسبات المهمة التي لها علاقة بتاريخهم وثقافتهم، ويؤدون خلالها مراسم خاصة، وتسمى بالأعياد، ومن تلك الأيام يوم النيروز الذي يرتبط بتاريخ وثقافة الشعب الإيراني وبعض شعوب الدول المجاورة كأفغانستان وتاجيكستان وغيرها من البلدان، حيث يحتفلون به ويتَّخذونه عيداً وهو اليوم الأول من فروردين رأس السنة الهجرية الشمسية والذي يصادف دائماً 21/ آذار من السنة الميلادية، حيث أنَّ حساب التقويم الهجري والميلادي واحد وإن اختلفا في المبدأ.

 وهذا اليوم هو بداية فصل الربيع وإخضرار الأرض وإزدهارها فالإنسان يستقبل أيام هذا الفصل بفرح وسرور ويتمتع من الطبيعة الجميلة المهداة إليه من رب العالمين، وأخيراً سُجِّل هذا اليوم عيداً رسمياً من قبل منظمة الأمم المتحدة.

المفهوم الحقيقي للعيد
في التعاليم الإسلامية، أخذ مفهوم العيد معنى أعمق وأوسع يتعدى حدود الاحتفال والزينة والفرح، ليؤثر على سلوك الإنسان ومصيره، لذلك يقول الميبدي:«سمي العيد عيداً لأن الله تعالى يعود بالرحمة إلى العبد، والعبد يعود بالطاعة إلى الرب»([2])،وهذا ما نلاحظه عندما نرى أن الروايات تذکر أهم أعياد المسلمين هي: عيد الفطر،عيد الأضحى، عيديوم الجمعة وعيد الغدير.

فمعيار العيد في الإسلام، هو التوفيق لإصلاح النفس، والنجاح في ترويضها بالصبر والاستقامة، وتوثيق عرى العلاقات بين المسلمين من أبناء الأمة الواحدة، جاء عيد الفطر بعد صوم شهر رمضان وموسم العبادة والصبر، ويأتي عيد الأضحى بعد أداء فريضة الحج، وهكذا....ولذلك جاء في الحديث عن أمير المؤمنين(ع): «كل يوم لا يعصى الله فيه، فهو يوم عيد»([3]).

ولعيد النيروز جوانب إيمانية مهمة في حياة الإنسان، باعتباره يحل مع بداية فصل الربيع، حيث تتجدد الحياة على الأرض وتخضر، فتذكر الإنسان بعظمة وقدرة الله، وعلى إيجاد الحياة بعد الموت، وتبصره بمواقف يوم القيامة، وتحث الإنسان على العمل لطاعة الله وإرضائه، يقول تعالى: «وَمِنْ آيَاتِهِ أَنّكَ تَرَى الأرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَآ أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَآءَ اهْتَزّتْ وَرَبَتْ إِنّ الّذِيَ أَحْيَاهَا لَمُحْىِ الْمَوْتَىَ إِنّهُ عَلَىَ كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ»([4]).

يوم النيروز في الأحاديث
على الرغم من اندثار العديد من العادات التي كانت منتشرة قبل ظهور الإسلام، إذ حلت مكانها العادات الإسلامية، إلا أن يوم النيروز ظل من الأيام النادرة التي حافظت على بقائها بعد ظهور الإسلام، وربما يعود ذلك إلى وقوع أحداث مهمَّةفيها أكسبت ذلك اليوم الخلود والدوام، ولاسيما أنه وردت عدة روايات تشير إلى المكانة المهمَّة لهذا اليوم.

بقي أن نشير هنا إلى ملاحظات ينبغي أخذها بعين الاعتبار عند التعرض للأحاديث المتعلقة بهذا المقام:

أولاً: قد يطلق النيروز في بعض الروايات، ويراد منها المعنى اللغوي فحسب، إذ كلمة (النوروز) فارسية معربة إلى النيروز ومعناها (اليوم الجديد)، بكل ما تحمله هذه الكلمة من معاني التجديد والتجدد في الحياة والسعي للبدء بصفحة جديدة نقية صافية نحو المستقبل المشرق الزاهر لما فيه رضا الله تعالى وإقامة شرعه ومنهاجه.

ولعلَّ الأحاديث الشريفة التالية تہشير إلی ذلک المعنی: قال رسول الله(ص): «فَنَيرِزُوا إن قدرتم كل يوم يعني تهادوا وتواصلوا في الله»([5])،و قال الإمام الصادق(ع): «نيروزنا كل يوم»([6])،وعنه (ع): «يوم النيروز هو اليوم الذي يظهر فيه قائمنا أهل البيت»([7])،وعنه (ع): «ما من يوم نيروز إلا ونحن نتوقع فيه الفرج لأنه من أيامنا وأيام شيعتنا»([8]).

ثانياً: قد يطلق النيروز في بعض الروايات، ويراد منها معناها الاصطلاحي، أي اليوم الأول من شهر فروردين، رأس السنة الهجرية الشمسية، وذلك حسب التقويم الهجري الشمسي، وحينها قد يصادف ذلك اليوم حدثاً مهمَّاً في التاريخ الإسلامي، کظهور الإمام الحجة(عج)،  كما ورد عن الإمام الصادق(ع): «يوم النيروز هو اليوم الذي يظهر فيه قائمنا أهل البيت»([9]).

آداب عيد النيروز
لعيد النيروز آداب ينبغي مراعاتها، منها ما رواه المعلى بن خنيس عن الإمام الصادق(ع)، حول يوم النيروز حيث قال (ع): «إذا كان يوم النيروز فاغتسل والبس أنظف ثيابك وتطيب بأطيب طيبك وتكون صائماً ذلك اليوم...»([10]).

كما تستحب صلاة أربع ركعات بعد صلاتي الظهر والعصر، وأداء سجدة الشكر وقراءة دعاء مخصوص بذلك اليوم، حيث ينقل الشيخ البهائي ذلك الدعاء الذي يقرأ في السجدة وهو: «اللهم صل على محمد وآل محمد الأوصياء المرضيين وعلى جميع أنبيائك ورسلك أفضل صلواتك وبارك عليهم بأفضل بركاتك وصل على أرواحهم وأجسادهم، اللهم بارك على محمد وآل محمد وبارك لنا في يومنا هذا الذي فضلته وكرمته وشرفته وعظمت خطره، اللهم بارك لي فيما أنعمت به عليّ حتى لا أشكر أحداً غيرك، ووسع عليّ في رزقي يا ذا الجلال والإكرام».

والدعاء المشهور قراؤته عند تحويل السنة هوالدعاء التالي:«يا مقلب القلوب والأبصار، يا مدبر الليل والنهار، يا محول الحول والأحوال، حوّل حالنا إلى أحسن الحال»([11]).

وقد كان الإمام الراحل الخميني(ره) يقرأوه ضمن خطابه الذي كان يلقيه للشعب بمناسبة حلول رأس السنة الهجرية الشمسية الجديدة، واستمرَّ علی هذه السيرة خليفته الأمام الخامنئي(مدَّ ظله).


الهوامش:
([1]) أما في الجمهورية الإسلامية، فقد أمر الإمام الخميني(ره) بجعل تاريخ ميلاد السيدة الزهراء(س) المصادف لـ 20 من جمادى الثانيةمن کل عام يوماً للأم.
([2]) كشف الأسرار، للميبدي 3: 273.
([3]) نهج البلاغة: 551.
([4]) سورة فصلت: الآية 39.
([5])مستدرك الوسائل 6: 353، ب6، عن دعائم الإسلام 2: 326.
([6])من لا يحضره الفقيه 3: 300.
([7]) بحار الأنوار 52: 276.
([8]) مستدرك الوسائل 6: 352.
([9]) بحار الأنوار 52: 276.
([10]) وسائل الشيعة 5: 288، باب 48، حديث 1.
([11]) مفاتيح الجنان، أعمال عيد النيروز، مرسلاً بلا إسناد.

قراءة 5072 مرة