Print this page

استقرار فرض الصلاة حضراً وسفراً (12/ ربيع الثاني/ السنة 1 هـ)

قيم هذا المقال
(0 صوت)
استقرار فرض الصلاة حضراً وسفراً (12/ ربيع الثاني/ السنة 1 هـ)

قال الله تعالى: )إِنّ الصّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مّوْقُوتاً)([1]).

ورد في بعض الروايات المعتبرة: أن الصلاة كانت في أول الأمر ركعتين ركعتين، فرضها الله تعالى على العباد مباشرة، وفوّض لرسوله زيادة معينة يزيدها عليها في الوقت المناسب، من دون حاجة إلى وحي جديد، فزاد (ص) في المغرب ركعة واحدة، وفي الظهر والعصر والعشاء ركعتين ركعتين.

وقيل إن هذه الزيادة كانت في السنة الأولى من الهجرة، وقيل بعد ولادة الحسنين(عليهما السلام).

وفي قبال ذلك هناك قول آخر يثبت أن الصلاة قد فرضت من أول الأمر تامة كاملة، فعن نافع بن جبير وغيره، أنه لما أصبح رسول الله(ص) ليلة أسري به فيها، لم يرعه جبرئيل يتدلى حين زاغت الشمس، ثم تذكر الرواية: أنه صلى بهم الظهر أربعاً، والعصر كذلك ومعنى ذلك أن الصلاة أول ما فرضت فرضت تامة([2]).

وعن الحسن البصري: إن صلاة الحضر أول ما فرضت فرضت أربعاً([3]).

ولكننا لا نستطع قبول ذلك، لوجود الروايات الثابتة والصحيحة عند الشيعة، وعند غيرهم، الدالة على أن صلاة الحضر قد فرضت أولاً ركعتين، ثم زيد فيها، ففي موثق فضيل بن يسار قال: سمعت أبا عبد الله(ع) يقول في حديث إن الله عز وجل فرض الصلاة ركعتين ركعتين، عشر ركعات، فأضاف رسول الله(ص)  إلى الركعتين ركعتين، وإلى المغرب ركعة، فصارت عديل الفريضة، لا يجوز تركهن إلا في سفر، وأفرد الركعة في المغرب، فتركها قائمة في السفر والحضر، فأجاز الله له ذلك كله، فصارت الفريضة سبع عشرة ركعة([4]).

ولعل المراد أن الصلاة أبلغت إلى النبي(ص)  أولاً كاملة، ولكن المصلحة كانت تلزم أولاً بركعتين، ثم صارت تلزم بالكل، وفُوّض إلى النبي(ص)  أمر تبليغ ذلك في الوقت المناسب، ولذلك فقد اعتبرت الركعتان الأوليان فريضة، أي ما فرض من الله مباشرة على العبد، والباقي سُنّة، وهو ما أبلغ حكمه للنبي(ص)  ليبلغه في صورة تحقق موضوعه، وهو المصلحة المقتضية له([5]).

وهكذا فإن الله تعالى أول ما كلم موسى بن عمران في الوادي المقدس أمره بإقامة الصلاة، قال تعالى: (...وَأَقِمِ الصّلاَةَ لِذِكْرِيَ)([6])، وهكذا عيسى الذي جعله الله تعالى نبياً وهو في المهد صبياً، فعندما كلّم الناس أخبرهم بأنّ الله تعالى أوصاه بالصلاة، قال تعالى: (وَأَوْصَانِي بِالصّلاَةِ وَالزّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيّاً)([7])، وكذلك لقمان الحكيم عندما كان يوصي ابنه، جعل من كبريات وصاياه التذكير بإقامة الصلاة: (يَبُنَيّ أَقِمِ الصّلاَةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ)([8])، وكل هذا يكشف عن أن الصلاة من التشريعات التي اهتمت بها الأديان اهتماماً بليغاً.

وكذلك الإسلام فقد اهتم بها اهتماماً عظيماً، ودعا إليها بما لم يدع إلى غيرها، وقد ظهر اهتمامه بها في عدة نقاط.

النقطة الأولى: النداء إليها، فإننا لا نجد عبادة ينادى إليها في كل يوم خمس مرات إلا الصلاة، فالأذان هو الذي يذكّر الإنسان بالصلاة، كما أننا لو تأملنا فصول الأذان وجدنا أن الصلاة قد وصفت فيه بصفات عظيمة‏ وجليلة، كقوله: حيّ على الفلاح، وقوله: حيّ على خير العمل، فالصلاة هي الفلاح، وهي خير عمل يتقرب به الإنسان الى ربه.

النقطة الثانية: أنّ الله تعالى قد فرضها على الإنسان في كل يوم، وفي خمسة أوقات، وهذا يكشف عن شدة اهتمامه بها، بينما لم يفرض الزكاة الا في زمن خاص، وكذا الصيام والخمس، ولم يفرض الحج إلا مرة واحدة في العمر، فجميع العبادات فرضت في أوقات خاصة، ولم يفرضها في كل وقت كالصلاة وهذا يعني أن الإسلام يريد من الإنسان حصول التذكر من الصلاة في كل مجريات حياته، ويستشعر بها في كل أوقات يومه، ليعيش الصلة الوثيقة مع الله تعالى، ولتكون المذّكرة للطاعة، ولترك المعصية.

النقطة الثالثة: أنّ الصلاة لا تسقط عن الإنسان بحال من الأحوال، حتى وإن كان مريضاً أو خائفاً أو غريقاً، بل يجب عليه أداؤها بكيفية خاصة تتلاءم مع حاله، بينما نجد‏ أن الصيام يسقط عن المريض والمسافر، كما أن الحج لا يجب على غير المستطيع، والخمس والزكاة لا يجبان على غير المالك لأزيد من قوته، وكل هذا دليل واضح على عظيم اهتمام الإسلام بأمر الصلاة.

النقطة الرابعة: أنه جعل قبول الأعمال رهين قبولها، فعن النبي الأكرم(ص)  أنه قال: «الصلاة عمود الدين إن قبلت قبل ما سواها وإن ردت رد ما سواها»([9]).

النقطة الخامسة: أن الصلاة مكفّرة للذنوب، ففي تفسير قوله تعالى: (إِنّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السّـيّئَاتِ) قال علي(ع): «إنّ الصلوات هي الحسنات التي تذهب السيئات الحاصلة بينهن»([10]).

آثار الاستخفاف بالصلاة

بعد ما ذكرنا من اهتمام الإسلام بأمر الصلاة، فلابد وأن يعلم أن التهاون والاستخفاف بها يوجب تضيعها، وتضيع آثارها الخيّرة التي تعود إلى كمال الإنسان وسعادته في الدنيا والآخرة، وقد رتب على التهاون والاستخفاف بها آثار وخيمة نذكر بعضها:

1- إن الله لا ينظر إلى المستخف بصلاته: فقد تظافرت الأخبار على أن المستخف بصلاته لا يقبل الله منه عملاً، ولا ينظر إليه، فعن أبي عبد الله الصادق(ع) أنه قال: «والله إنه ليأتِ على الرجل خمسون سنة ما قبل الله منه صلاة واحدة، فأي شيء أشد من هذا، والله إنكم لتعرفون من جيرانكم وأصحابكم من لو كان يصلي لبعضكم ما قبلها منه لاستخفافه بها، إن الله لا يقبل إلا الحسن فكيف يقبل ما يستخف به»([11]).

2- أن المستخف بصلاته لا تشمله شفاعة النبي(ص)  وآله(عليهم السلام) يوم القيامة، فقد جاء عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(ع) أنه قال لما حضرته الوفاة: «لا ينال شفاعتنا من استخفّ بالصلاة»، وقال الإمام جعفر الصادق(ع): «إن شفاعتنا لا تنال مستخفاً بالصلاة»([12]).

3- أن المستخف بصلاته يخرج عن ملة رسول الله(ص) ، ولا يرد عليه الحوض عندما يسقي المؤمنين، بيده الشريفة، فعن أبي جعفر الباقر(ع) قال: «لا تتهاون بصلاتك، فإن النبي(ص)  قال عند موته: ليس مني من استخف بصلاته، ولا يرد عليّ الحوض لا والله»([13])، إلى غير ذلك من آثار الاستخفاف والتهاون.

بماذا يتحقق التهاون في الصلاة

إن الاستخفاف والتهاون بالصلاة عنوان ينطبق على حالات نذكر بعضها:

أولاً: ما لو ترك الإنسان أداءها في أوقاتها المحدّدة لغير ضرورة، حيث أنّ المكلف مأمور بتأديتها في أوقاتها المحددة شرعاً، ويحاول جاهداً أن لا يقدّم عليها أي عمل مهما كان مهماً، لأن الصلاة أهم من سائر الأعمال، بل ينبغي المبادرة إلى الصلاة وأدائها في أول وقتها، لأن ذلك من علامة الإيمان، فقد كان نبي الرحمة(ص)  يجلس في محرابه قبل دخول وقت الصلاة، وينتظر حلول الوقت بفارغ الصبر منادياً: يا بلال أرحنا؛ تعبيراً منه عن عشقه وحبه وتعلقه الشديد بالصلاة، وهذا في الحقيقة درس لنا أراد النبي(ص)  أن يعلمنا، ويريد أن يقول لنا: أن على المؤمن أن ينتظر قدوم الصلاة، وأن يتجهّز لها قبل حلول وقتها، وأن ينادي للصلاة بنفسه، لا أن ينتظر إلى أن تناديه، وأن عليه أن تنبسط أسارير نفسه وينشرح صدره لدخول وقت الصلاة، لا أن يرتاح وينبسط عند فراغه منها، وكأنها الجبل أثقلت ظهره، فعن الإمام الصادق(ع) أنه قال: «لا يزال الشيطان ذعراً من المؤمن ما حافظ على الصلوات الخمس لوقتهن، فإذا ضيعهن تجرأ عليه فأدخله في العظام»([14]).

وهذا معنى دقيق ينبغي التأمل فيه، إذ أنّ الحفاظ على الصلاة بأدائها في أوقاتها المحدّدة شرعاً يقيّد إبليس ويحجّمه، ويمنعه عن أن يخترق المملكة الإيمانية للإنسان، فالصلاة هي الحصن المنيع الذي يحفظ كيان المؤمن، ولا يسمح للشيطان أن يتوغّل فيه، فإذا ضيّعها، ولم يؤدها في أوائل أوقاتها انهدم هذا الحصن، وفسح المجال أمام الشيطان للسيطرة على المؤمن، فيدخله في الذنوب العظام.

وجاء عن محمد بن الفضيل، قال: سألت الإمام موسى بن جعفر الكاظم(ع) عن قول الله (عز وجل): (الّذِينَ هُمْ عَن صَلاَتِهِمْ سَاهُونَ)([15])، قال: «هو التضييع»([16]).

ثانياً: يتحقق التهاون والاستخفاف بعدم إتمام أفعالها وأقوالها على الوجه
المطلوب شرعاً، فالعجلة في أدائها بحيث لا تتأدى على وفق الأوامر الإلهية الواصلة إلينا
هو في الحقيقة استخفاف بها وتهاون فيها، فعن الإمام الباقر(ع) أنه قال: «بينما كان رسول الله جالساً في المسجد، إذ دخل رجل فقام يصلي فلم يتم ركوعه ولا سجوده، فقال (ص): نقر كنقر الغراب لئن مات هذا وهكذا صلاته، ليموتنّ على غير ديني»([17]).

ثالثاً: مما يصدق عليه التهاون عدم التوجه القلبي إلى مضامين الصلاة، ومعانيها السامية التي من شأنها تربية المصلي على الفضائل، والأخلاق الحميدة، فقد قال الإمام الصادق(ع): «ليس لك من صلاتك إلا ما أقبل عليها قلبك»([18]).

 

([1]) سورة النساء: الآية 103.

([2]) مصنف الحافظ عبد الرزاق 1: 455.

([3]) البداية والنهاية 3: 331.

([4]) الوسائل: باب عدد الفرائض اليومية من أبواب أعداد الفرائض.

([5]) الصحيح من سيرة النبي الأعظم: 4/397.

([6]) سورة طه: الآية 14.

([7]) سورة مريم: الآية 31.

([8]) سورة لقمان: الآية 17.

([9]) بحار الأنوار 10: 183.

([10]) بحار الأنوار 82: 233.

([11]) وسائل الشيعة 4: 24/2.

([12]) المصدر السابق 4: 24/3.

([13]) المصدر السابق 4: 24.

([14]) المصدر السابق 4: 28.

([15]) سورة الماعون: الآية 5.

([16]) وسائل الشيعة 4: 27.

([17]) المصدر السابق4: 31.

([18]) تحف العقول: 45.

قراءة 3282 مرة