Print this page

شهادة السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام (3 / جمادى الثانية / السنة 11 هـ)

قيم هذا المقال
(4 صوت)
شهادة السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام  (3 / جمادى الثانية / السنة 11 هـ)

مناسبات شهر جمادی الثانية

تمهيد

في هذه السلسلة من المناسبات الإسلامية لشهر جمادى الثانية نقدّم للقارئ الكريم باقات عطرة من باقات الأحداث والوقائع الإسلامية التي جرت في هذا الشهر شهر الأحزان والأفراح، حيث اجتمعت فيه ذكرى شهادة الصدّيقة الكبرى أم أبيها سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراءعليها السلام وذكرى ميلادها الميمون، ولهذا ينبغي الاهتمام بهاتين المناسبتين من إقامة مجالس الأحزان والأفراح، ففي ذكرى الشهادة في الثالث منه لابد من إقامة العزاء والزيارة، وأما في ذكرى الولادة في العشرين منه فلابد من تجديد السرور والفرح، واستحباب الصيام، والتطوّع فيه بالخيرات والصدقات على المؤمنين، وزيارة سيدة النساء.

والجدير بالذكر أنّ يوم ميلاد الزهراء عليها السلام يصادف ذكرى ميلاد حفيدها البار الإمام روح الله الموسوي الخميني  مفجّر الثورة الإسلامية في إيران.

وقد أعلن الإمام (رضوان الله عليه) هذا اليوم يوماً وعيداً للمرأة المسلمة تكريماً لها، وذلك من أجل ربط المرأة بالقدوة المثلى، وتوجيه نساء الأمة للاتصاف بأوصافها والتخلّق بأخلاقها والالتزام بنهجها فكراً وعملاً، لترتفع المرأة من حضيض حضارة الفساد إلى قمة القيم والعظمة.

ومن المناسبات الإسلامية المهمة التي جرت في الشهر المذكور واقعة مؤتة وشهادة جعفر بن أبي طالب(ع)، وذكرى وفاة السيدة فاطمة الكلابية الملقّبة بأم البنين، وهدم عبد الله بن الزبير الكعبة وإعادة بنائها.فحريٌّ على القارئ الكريم أن يستثمر هذا الشهر، وينهض به إلى تحقيق الأهداف الإلهية المأمولة فيه.

ونرجو من العلي القدير أن تكون هذه السلسلة من البحوث والمواضيع مفيدة وتكوّن ثقافة واعية وهادفة.منه تعالى التوفيق، ومن القارئ العزيز حسن المتابعة، وهو من وراء القصد، إنه سميع مجيب.وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

 

اختلف المؤرخون من العامة والخاصة في المدة التي عاشتها السيدة فاطمة الزهراءعليها السلام  بعد أبيها رسول الله(ص)، بعد اتفاقهم على أن سنة وفاتها عليها السلام  كانت في السنة الحادية عشرة من الهجرة.

وأقوالهم في ذلك خمسة:

القول الأول: أنها بقيت بعد أبيها (30) أو (35 يوماً)، كما اختاره اليعقوبي في (تاريخه)، وجماعة من مؤرخي العامة، وهذا أقل ما قيل في مدة بقائها بعد النبي(ص)([1]).

القول الثاني: أنها عاشت بعده (ص) أربعين أو خمسة وأربعين يوماً، كما اختاره القرطبي في (تفسيره)([2])، ونقل عن جماعة.

القول الثالث: أنها عاشت بعده(ص) (75 يوماً)، وهذا هو الأشهر بين المؤرخين، ويتوافق مع (13 جمادى الأولى) تقريباً([3]).

القول الرابع: أنها عاشت بعده (ص) (95 يوماً)، ويتوافق في (3 جمادى الآخرة)، وقد رواه الطبري في كتابه (دلائل الإمامة) بإسناده، عن الإمام الصادق(ع)، قال: «قُبضت فاطمةعليها السلام  في جمادى الآخرة يوم الثلاثاء لثلاث خلون منه، سنة إحدى عشرة من الهجرة»([4]).

القول الخامس: عاشت عليها السلام  بعد وفاة أبيها ستة أشهر، وهذا هو المشهور بين مؤرخي أبناء العامة([5]).

وهناك أقوال أخرى لا يُعبأ بها بين جمهور المؤرخين، وقد تقدم موجز عن حياتها في مناسبات جمادى الأولى، فراجع.

وهنا ينبغي أن نذكر مواقف عن فاطمة الزهراءعليها السلام  في:

دفاع السيدة الزهراءعليها السلام  عن الوصي والإمامة:

من أبرز ملامح شخصية الزهراءعليها السلام  أنها كانت أول مدافعة ومجاهدة عن إمامة أمير المؤمنين(ع)، وقد برزت مواقفها الجهادية في مواطن متعددة، وإليك بعضها:

الموقف الأول:

لما هجم القوم على دارها، وكان في الدار علي(ع) مع لفيف من أصحابه، كانت قد منعتهم من دخوله، غير أن القوم اقتحموا الدار، ودخلوا على أمير المؤمنين وأخرجوه من الدار، لكن السيدة فاطمةعليها السلام  وقفت وصرخت في وجوههم رغم ما حلّ بها جراء الاقتحام، وقالت: والله لا أدعكم تجرّون ابن عمّي، ويلكم ما أسرع ما خلفتم الله ورسوله فينا أهل البيت، وقد أوصاكم رسول الله(ص) باتباعنا، ومودّتنا والتمسّك بنا، فقال الله تعالى: (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى)([6]).

ولما أخرجوا الإمام من داره - على الرغم عنها - خرجت وراءهم وهي تنادي: خلّوا عن ابن عمي، فو الله الذي بعث محمداً أبي بالحق إن لم تخلّّوا عنه لأنشرنّ شعري، ولأضعنّ قميص رسول الله(ص) على رأسي، ولأصرخن إلى الله تبارك وتعالى، فما صالح بأكرم على الله من أبي، ولا الناقة بأكرم مني، ولا الفصيل بأكرم على الله من ولدي([7]).

وهذا الموقف منها (ص) فيه حجة واضحة على أنهم يتجرؤون على أهل بيتٍ أَمر الله تعالى باتباعهم ومودتهم والتمسك بهم، ولقد أرادت عبر موقفها هذا أن تقارن بين ما نص التشريع عليه من حقهم ومقامهم، وبين قلب الأمة لهذا التشريع إلى الظلم لهم، والاستهانة بهم، وهذا منها فضيحة لهم.

 الموقف الثاني:

واصلت فاطمةعليها السلام ، دفاعها عن وصيّ رسول الله(ص) الإمام أمير المؤمنين(ع) بشتى طرق الدفاع ومختلف أساليبه، فكانت تخرج مع إمامها وتأتي أبواب المهاجرين والأنصار لتذكرهم حقوق الإمام على الأمة، ودعوتهم إلى نصرته بعد أن ابتزّوا حقّه وغصبوا خلافته.

وقال ابن قتيبة: وخرج عليّ كرم الله وجهه يحمل فاطمة بنت رسول الله(ص) على دابة ليلاً في مجالس الأنصار تسألهم النصرة، فكانوا يقولون: يا بنت رسول الله، قد مضت بيعتنا لهذا الرجل، ولو أنّ زوجك وابن عمك سبق إلينا قبل أبي بكر ما عدلنا به، فيقول عليّ - كرم الله وجهه -: أفكنتُ أدع رسول الله(ص) في بيته لم أدفنه، وأخرج أنازع الناس سلطانه؟

فقالت فاطمة: «ما صنع أبو الحسن إلاّ ما كان ينبغي له، ولقد صنعوا ما الله حسيبهم وطالبهم»([8]).

وهذا الموقف من فاطمة انتفاضة صارخة بوجه الذين ابتزّوا الخلافة، ورفض عنيف لفعلهم، وإنما كان خروجها بتلك الحالة لرد الحق إلى نصابه، والدفاع عن الإمام المشروع، فإن لم توفق إلى ذلك فتكون قد أقامت الحجّة عليهم لتقتطع عذرهم.

الموقف الثالث:

دخلت أم سلمة على فاطمةعليها السلام ، فقالت لها: «كيف أصبحت عن علتك يا بنت رسول الله»؟.

فقالت عليها السلام : «أصبحت بين كمد وكرب، فقد النبي وظلم الوصيّ هتك والله حجابه، أصبحت إمامته مقتصة على غير ما شرع الله في التنزيل وسنّها النبي في التأويل، ولكنّها أحقاد بدرية وتِرات أحديّة كانت عليها قلوب النفاق مكتمنة»([9]).

ولما سمعت نساء المهاجرين والأنصار خبر علّة فاطمة بنت رسول الله، اجتمعن وذهبن إلى بيت فاطمة لعيادتها فقلن لها: «كيف أصبحت من علّتك يا ابنة رسول الله؟».

فحمدت الله وصلّت على أبيها(ص) ثم قالت: «أصبحت والله عائفة لدنيا كنّ، قالية لرجالكن، لفظتهم بعد أن عجنتهم وشنأتهم بعد أن سبـرتهم، فقبحاً لفلول الحدّ واللعب بعد الجدِّ وقرع الصفاة وصدع القناة وخطل الآراء وزلل الأهواء، وبئس ما قدّمت لهم أنفسهم أن سخط الله عليهم وفي العذاب هم خالدون، لا جرم لقد قلّدتهم ربقتها، وحملتهم أوقتها، وشنت عليهم غارها، فجدعاً، وعقراً وبعداً للقوم الظالمين.

ويحكم أين زعزعوها عن رواسي الرسالة وقواعد النبوة والدلالة، ومهبط الروح الأمين، والطيبين بأمور الدنيا والدين، ألا ذلك هو الخسران المبين.

وما نقموا من أبي الحسن؟ نقموا منه والله نكير سيفه، وقلّة مبالاته بحتفه، وشدّة وطأته، ونكال وقعته وتنمره في ذات الله، وتالله لو مالوا على المحجة اللائحة وزالوا عن قبول الحجة الواضحة لردّهم إليها، وحملهم عليها، ولسار بهم سيراً سجحاً لا يكلم خشاشه، ولا يكلّ سائره، ولا يملّ راكبه، ولأوردهم منهلاً نميراً صافياً رويّاً تطفح ضفتاه ولا يترنق جانباه، ولأصدرهم بطاناً، ونصح لهم سراً وإعلاناً، ولم يكن يحلى من الغنى بطائل، ولا يحظى من الدنيا بنائل، غير ريّ الناهل، وشبعة الكافل، ولبان لهم الزاهد من الراغب، والصادق من الكاذب، (وَلَوْ أَنّ أَهْلَ الْقُرَىَ آمَنُواْ وَاتّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مّنَ السّمَآءِ وَالأرْضِ وَلَـَكِن كَذّبُواْ فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ)([10])، (وَالّذِينَ ظَلَمُواْ مِنْ هَـَؤُلاَءِ سَيُصِيبُهُمْ سَيّئَاتُ مَا كَسَبُواْ وَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ)([11])، ألا هلمّ فاستمع، وما عشت أراك الدهر عجباً، وإن تعجب فعجب قولهم، ليت شعري إلى أيّ سناد استندوا، وعلى أيّ عماد اعتمدوا، وبأيّة عروة تمسكوا، وعلى أيّة ذريّة أقدموا واحتنكوا؟! لبئس المولى ولبئس العشير، وبئس للظالمين بدلاً، استبدلوا والله الذُّنابى بالقوادم والعجز بالكاهل، فرغماً لمعاطس قوم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً ألا أنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون، ويحهم (أَفَمَن يَهْدِيَ إِلَى الْحَقّ أَحَقّ أَن يُتّبَعَ أَمّن لاّ يَهِدّيَ إِلاّ أَن يُهْدَىَ فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ)([12]).

أما لعمري لقد لُقحت فنظرة ريثما تُنتج، ثم احتلبوا ملء القعب دماً عبيطاً وذُعافاً مُبيداً، هنالك يخسر المبطلون ويعرف التالون، غبّ ما أسَّس الأوّلون، ثم طيبوا عن دنياكم أنفساً، واطمأنوا للفتنة جأشاً، وأبشروا بسيف صارم وسطوة معتد غاشم، وبهرج شامل واستبداد من الظالمين، يدع فيئكم زهيداً وجمعكم حصيداً، فيا حسرة لكم وأنّى بكم وقد (عُمّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنتُمْ لَهَا كَارِهُونَ)([13])؟!».

فأعادت النساء قولها عليها السلام  على الرجال، فجاء إليها قوم من وجوه المهاجرين والأنصار معتذرين، وقالوا: يا سيدة النساء لو كان أبو الحسن ذكر لنا هذا الأمر من قبل أن نبرم العهد، ونحكم العقد، لما عدلنا عنه إلى غيره. فقالت عليها السلام : «إليكم عني فلا عذر بعد تعذيركم، ولا أمر بعد تقصيركم»([14]).

لقد بيّنت عليها السلام  لهم المستقبل الذي ينتظرهم جراء مخالفتهم للحق وعروجهم عن ولاية صاحبه، وقدمت لهم الأدلة الناصحة على أن علياً(ع) هو الإمام المفترض الطاعة وعلى أن اتباعه يفتح لهم بركات السماء والأرض، ومخالفته محقق للظلم والاستبداد، وهي التي لا تنطق إلا عما يرضي الله.

وختمت عليها السلام  مواقفها الاحتجاجية على القوم، بأن أوصت أن لا يحضر أحد منهم جنازتها، ويعفى قبرها فلا يعرفها أحد، لتبقى هذه حجّة على جبين التاريخ تصل إلى كل طالب للحق والحقيقة، وتصل إلى كل من يسأل: أين قبر فاطمة؟، ولماذا أوصت أن لا يشهد جنازتها من القوم أحد؟ فيثيره ذلك البحث والاستفسار فيصل إلى حقيقة ما كانت الزهراء تناشد به وتدعو إليه.

 

([1]) تاريخ اليعقوبي 1: 67.

([2]) تفسير القرطبي 14: 214.

([3]) مجمع الزوائد 9: 166.

([4]) دلائل الإمامة للإمام الطبري: 167.

([5]) المستدرك على الصحيحين 3: 176 حديث 4761.

([6]) سورة الشورى: الآية23.

([7]) الاحتجاج 1: 113.

([8]) الإمامة والسياسة: 19.

([9]) مناقب آل أبي طالب 2: 205.

([10]) سورة الأعراف: الآية 96.

([11]) سورة الزمر: الآية 51.

([12]) سورة يونس: الآية 35.

([13]) سورة هود: الآية 28.

([14]) بحار الأنوار 43: 159.

قراءة 8210 مرة