يستعد العراق لجمعة تاريخية تؤسس لمرحلة جديدة في العلاقة مع "المحتلّ الأمريكي". كان الأمريكي محتلّاً من العام 2003 حتى العام 2011 عندما خرج تحت وطأة ضربات المقاومة، ليعود في العام 2014 عبر بوابة تنظيم داعش الإرهابي. العودة الأمريكية كانت احتلالاً من نوع آخر، وتنظيم داعش لم يكن إلاّ ذريعة، ليواصل انتهاكاته للسيادة العراقية.
قرّر الأمريكي الدخول في مرحلة جديدة بعد القضاء على تنظيم داعش الإرهابي حيث عمد إلى الاستهداف المباشرة لقوات الحشد الشعبي، كتائب حزب الله العراق، بعد سنوات من محاولات الاستهداف الناعم التي باءت جميعها بالفشل. المرحلة الجديد التي وصلت إلى ذروتها باغتيال الشهيدين القائدين قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس، وضع المنطقة على مفترق جديد، ليعمد البرلمان العراقي إلى التصويت على قرار انهاء الاتفاقية الأمنية، والخروج الأمريكي من العراق بعد الانتهاك السافر الذي استهدف شخصية قيادية في الحشد الشعبي، التابع للمؤسسة العسكرية الرسميّة العراقية.
مسار رسمي
اليوم، يواصل رئيس الحكومة عادل عبد المهدي متابعة قضيّة الخروج الأمريكي، حيث توجه بطلب إلى وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، يتضمن إرسال مندوبين لتطبيق قرار مجلس النواب ووضع آليات الانسحاب الآمن للقوات الأمريكية من العراق، فيما أشار الى أن هناك قوات وطائرات مسيّرة أمريكية تدخل العراق دون إذن الحكومة. واشنطن ومن منصة وزارة الخارجية قالت أن أي وفد يتم إرساله إلى العراق مكرسًا لمناقشة أفضل طريقة لإعادة الالتزام بشراكتنا الاستراتيجية، وليس لمناقشة انسحاب القوات"، متذرعة "بحماية الأمريكيين والعراقيين"، ليجيب بعدها السيد عبد المهدي بالقول "العراق ليس ضعيفا وهو بالطبع قادر على تخطي الأزمات، ويجب العمل لعودة النظام إلى العراق وفق الطرق الأنسب، وعلى الجميع بما في ذلك الأحزاب السياسية احترام الدستور".
الطرف الأمريكي لم يقتنع حتى الساعة "بالخروج الآمن" ويعمد إلى بث الشائعات والتأكيد على بقائه، ليرد مكتب رئيس الوزراء وليام وردة بعد كلام ابراهيم قالن المتحدث باسم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان حول اتفاق بين العراق وأمريكا بالقول: إن بلاده لن توقع على اتفاق يتعلق بإبقاء القوات الأمريكية في العراق لمواصلة القتال ضد داعش، والحكومة العراقية ستدعم تصويت البرلمان والذي جرى في 5 يناير كانون الثاني الحالي، الذي ينص على أن جميع القوات الأجنبية يجب أن تنسحب من العراق، سواء الأمريكية أم غير الأمريكية.
مسار شعبي
بالتوازي مع المسار الرسمي الذي سلكه رئيس الوزراء، هناك مسار شعبي قد بدأ حيث يستعد العراقيون الجمعة بتاريخ 2020/1/24 لتنظيم مليونية تاريخية ضد الاحتلال الأمريكي كان قد دعا إليها زعيم التيار الصدري السيد مقتدى الصدر، وقد أثنت الكثير من التيارات والأحزب العراقيّة على دعوة السيد الصدر معلنة استعدادها للمشاركة في هذه التظاهرة المليونيّة.
المليونية المنتظرة تشكل بداية لمسار شعبي جديث حيث سيلي هذه المظاهرات وقفات شعبية وسياسية وبرلمانية للحفاظ على العراق وشعبه وكرامته وسيادته.
مسار المقاومة
المقاومة العراقية كانت قد توعّدت المحتلّ الأمريكي بتوجيه ضربات قاسية بعد اغتيال الشهيد المهندس، بالتوازي مع إعلان السيد مقتدى الصدر إحياء جيش المهدي، الذي كان من أبرز القوى التي قاتلت القوات الأمريكية في العراق بعد اجتياحها للبلاد عام 2003.
فصائل المقاومة العراقية لا تريد سوى الخروج الأمريكي من العراق ثمناً لدماء الشهيدين المهندس وسليماني، وبالتالي يبدو أنها أعطت مهلة محدد للخروج الأمريكي العامودي عبر المسار الدبلوماسي، أو الخروج الأمريكي الأفقي عبر مسار المقاومة، فقد كشف المتحدث باسم حركة النجباء العراقي نصر الشمري أن فصائل المقاومة العراقية أعطت فرصة ومدة للحكومة ومجلس النواب، من أجل إنهاء الوجود الأجنبي عبر الطرق الدبلوماسية والسياسية.
وبالتالي،إن فصائل المقاومة اليوم تمارس عمليات التخطيط والرصد على أن تبدأ ساعة الصفر في الوقت الذي تحدّده هذه الفصائل. إن تريّث فصائل المقاومة، يخدم المسار السياسي اليوم، وبالتالي تريد إعطاء الفرصة الكافية لرئيس الوزراء ومجلس النواب من جهة، وإتمام الحجة على كل الذين قد يتهمون هذه المقاومة بالقضاء على المسار الدبلوماسي في حال بدأت عملياتها.
لكن هذا التريث لن يدوم طويلاً، فالرايات الحمراء لا تزال مرفوعة، والثار مسألة وقت لا أكثر. بعد هذه المرحلة سنكون أمام واقع جديد ومسار تكاملي بين الحكومة والشعب وفصائل المقاومة. هذه الثلاثية الذهبية ستجبر الأمريكي على الخروج من العراق طوعاً أو كرهاً.