عندما تتدخل الولايات المتحدة الأمريكية في دولة ما وترسل بوارجها الحربية، هذا يعني ان هناك صيدا ثمينا في هذه الدولة، واكثر ما يثير غريزة الادارة الامريكية هو "النفط"؛ هذه المادة التي دمرت من أجلها واشنطن معظم دول الشرق الاوسط وخلقت فوضى داخلها للسيطرة على ثرواتها الباطنية على مبدأ "فرق تسد"، واليوم تلعب هذه اللعبة مجددا في اليمن، حيث ارسلت بوارجها إلى المياه الاقليمية المطلة على الساحل الشرقي لليمن، وانزلت وحدات وآليات ومروحيات في شبوة وجزيرة سقطرى اللتان تمثلان نقاط استراتيجية على بحر العرب والمحيط الهندي وخليج عدن، ناهيك عن انتاج شبوة من النفط والغاز.
وتشير التحركات إلى أن الولايات المتحدة تسعى للانتشار في هذه المناطق بتشييد قواعد عسكرية ثابتة مع استخدام عائدات الجزء الشرقي لليمن، المنتج للنفط والغاز لتأمين احتياجات قواتها .
ويشارك في الولايات المتحدة الامريكية أطماعها في نفط اليمن "الامارات ومن خلفها السعودية"، وتأكيدا لذلك فقد بدأت الامارات تدريبات مشتركة مع القوات الامريكية قبال السواحل اليمنية، والغاية الاساسية من هذه التدريبات، ابراز قوة الامارات مجددا في اليمن وايصال رسالة لجميع الاطراف المحلية المتناحرة على حقول النفط، بأن أبو ظبي تستند في قوتها إلى دعم واشنطن، وهي رسالة موجهة بالتحديد إلى قوات محسن الاحمر التي تسيطر على الهلال النفطي لليمن والممتد من شبوة في الجنوب الشرقي حتى مأرب في الشمال الشرقي، واجبار هذه الجماعة التي منيت توا بخسائر كبيرة في مأرب والجوف على تسليم تلك المناطق بدون مقاومة.
لماذا نفط اليمن؟
يعد موقع اليمن الاستراتيجي، وثروته من النفط والغاز، من أهم الدوافع القوية لشن الحرب على اليمن، فبينما جعلت الإمارات ضمن استراتيجيتها التمدد على طول سواحل القرن الأفريقي وبما يقابله من الساحل اليمني في سبيل أطماعها الاقتصادية والتجارية، كانت ثروة اليمن النفطية في قلب الحلم السعودي.
ورغم أن السعودية تملك ثاني أكبر احتياطي نفطي بالعالم، في حين يمتلك اليمن ما يتراوح بين 3 و4 مليارات برميل، أي ما لا يتجاوز 1.5% من الاحتياطي السعودي، فإنها تطمح إلى توسيع أنشطة التنقيب عن النفط والغاز في المناطق الواعدة باليمن، في الوقت الذي لم تتحقق فيه اكتشافات نفطية كبيرة بالمملكة خلال العقود الأخيرة.
ووصل اليمن إلى ذروة إنتاجه اليومي حين بلغ الإنتاج من حقوله 440 ألف برميل يومياً في مطلع الألفية الجديدة، لكنَّه تراجع بصورةٍ حادة منذ ذلك الحين.
وتسبَّب عدم نضج الحقول وانعدام الاستقرار السياسي المستمر بالبلاد في تراجع الإنتاج إلى 110 آلاف برميل يومياً قبل اندلاع الحرب الأهلية أواخر 2014، إلى أن توقف تماماً في 2015 بعد تدخُّل السعودية والإمارات.
ويربط كثير من اليمنيين تأخر استئناف النفط في الحقول النفطية اليمنية، بمحاولة السعودية والإمارات الاستحواذ على النفط اليمني وبيعه بشكل غير رسمي لحسابهما، واستخدام الأموال لشراء ولاءات قبلية ومحلية.
مؤخرا كشفت مصادر يمنية عن إجراءات إماراتية للهيمنة على مواقع نفطية حيوية في المياه اليمنية، في خطوة إضافية لوضع يدها على ثروات البلد الذي تمزقه الحرب منذ نحو خمس سنوات، حيث تمكنت خلال الفترة الماضية من التسلل إلى مناجم الذهب، والسيطرة على العديد من المطارات والموانئ الحيوية.
وقالت المصادر، التي فضلت عدم الكشف عن هويتها، إن الإمارات حددت 7 قطاعات بحرية للبدء بالتنقيب عن النفط فيها، بعد دراسة هذه المواقع بعناية منذ عام 2016، مشيرة إلى أن أربعة من هذه القطاعات في البحر العربي وخليج عدن، والباقي في الساحل الغربي لليمن على البحر الأحمر، منها مواقع في رأس عمران القريبة من باب المندب.
واستغلت الإمارات وجودها في التحالف العسكري، الذي قادته السعودية، لدعم الحكومة اليمنية ضد الحوثيين، مطلع 2015، في بسط نفوذها على المنافذ التجارية الحيوية والجزر الاستراتيجية، من خلال جماعات مسلحة موالية لها.
وفي الوقت الراهن تدفع الإمارات بالمجلس الانتقالي الجنوبي ليكون له دور في الإشراف على عملية التصدير وإدارة الموارد العامة، في إطار مساعيها لتفتيت اليمن وتكوين سلطات موازية للحكومة، سواء على المستوى العسكري أو الاقتصادي، ليتسنى لها تنفيذ مشروعها في نهب ثروات البلد، خصوصاً النفطية والغازية.
وبينما تتمدد الإمارات للسيطرة على ثروات اليمن، تعمل في المقابل على عرقلة جهود الحكومة لتصدير الإنتاج الشحيح بالأساس، بسبب السيطرة على موانئ التصدير، ما يدفعها للبحث عن طرق بديلة، وفق ما كشف عنه تقرير صادر عن وزارة النفط والمعادن اليمنية في يناير/ كانون الثاني الماضي.
وأشارت تقارير إلى أن الخطط الحكومية تتضمن إنشاء أنبوب لنقل النفط الخام بطول 82 كيلومترا، لربط قطاعات الإنتاج بميناء "النشيمة" النفطي على ساحل بحر العرب في منطقة رضوم بشبوة، جنوب البلاد، لافتا إلى أن مشروع خط النقل الجديد يكتسب أهمية كبيرة كونه سينقل 57 ألف برميل نفط يومياً قابلة للزيادة
ويعمل في محافظتي شبوة وحضرموت، وفق تقارير رسمية، 35 قطاعاً نفطياً، وهو ما شكل دافعاً للإمارات لتعزيز وجودها في المحافظتين، إذ ما زالت المناطق النفطية في شبوة تحت سيطرتها، بينما 50 في المائة من حضرموت تحت سيطرة قوات محلية موالية لها.
في المقابل تعمل السعودية حاليا، على تغيير الخريطة الجيوسياسية لتوزيع لثروة النفطية في اليمن، بما يعزز مصالحها، ومصالح حليفها المحلي الرئيسي علي محسن الأحمر، وبما يقطع الطريق على أي محاولة من أي طرف آخر، بما في ذلك الإمارات، للوصول إلى هذه الثروة أو المشاركة فيها.