يختلف تكليف مصطفى الكاظمي بتشكيل الحكومة الجديدة العراقية عمن سبقه من بعد استقالة رئيس الوزراء التوافقي عادل عبد المهدي تحت ضغط الشارع وطلب المرجعية العليا في النجف الاشرف.
فقد حظي الكاظمي بإجماع القوى السياسية وقادة كتلها النيابية وبمباركة رئاسة الجمهورية ورئاسة القضاء، بعد مخاض صعب تعذر على سلفيه محمد توفيق علاوي وعدنان الزرفي في عبور مرحلة التكليف الى التأليف لإخفاقهما في كسب تأييد غالبية ممثلي المكونات العراقية لتمرير اي منهما دستوريا عبر منحه الثقة تحت قبة مجلس النواب العراقي.
وبعد الاجماع الوطني عليه، نأى الكاظمي وهو رئيس جهاز المخابرات العراقي بنفسه عن اية مماحكات مع القوى السياسية تحت دوافع شعبوية او لإرضاء موجة التظاهرات التي انحسرت كثيرا وخفتت بشكل ملحوظ ولم تعد تنشط الا في وسائل التواصل الاجتماعي عبر حسابات محددة ومقربة من وسائل إعلامية ليست على وئام مع النظام السياسي الحاكم في العراق. ونجح الكاظمي في الابتعاد عن أضواء الإعلام، و في عدم خوضه في تصريحات ومواقف قد تفتح جدلا وسجالا، في ابقاء الآخرين في حالة ترقب وانتظار وحذر وتبني تسريبات ظنية بدل السعي للي الكلمات وتأويل التصريحات واثارة زوابع وعواصف ضده.
ومع الاجماع الوطني وتجنب الأضواء والخوض في سجالات او الانجرار لرغبة اثبات الذات للغير، تمكن الكاظمي أيضا من إجراء مشاوراته مع قادة الكتل السياسية لمختلف المكونات وانجاز تشكيلته الوزارية دون كثير ضجيج وبما يرضي قادة هذه الكتل الذين لم يصدر عن اي منهم لحد هذه اللحظة اي تصريح او تلميح يكشف عن اختلافات مع الرجل قد تعرقل انعقاد جلسة مجلس النواب للفوز بثقة نوابه في مهمة التأليف والبرنامج الحكومي.
وعلاوة على ما تقدم وما حظي به الكاظمي من اجماع وطني وما تمتع به من النأي عن المماحكات وتجنب اثارة القوى السياسية وما تركه تكليفه من تهدئة سياسية على المستوى المحلي، لم يثر تكليف الكاظمي اية تحفظات اقليمية او دولية ولم توجه له اتهامات بالميل نحو هذه التخندق الاقليمي او ذاك، خاصة وانه اكد في خطاباته ان العراق ومصلحة العراقيين ستكون بوصلته في برنامجه الحكومي وفي اداء وزرائه في فترة انتقالية تمهد لانتخابات مبكرة قد تعيد رسم الخارطة السياسية في العراق بشكل مختلف تكون فيه قطاعات الشعب ممثلة اكثر في مؤسسات الدولة ومشاركة بشكل فاعل في صناعة القرار السياسي العراقي.
وقد يثار حول مشاورات الكاظمي مع القوى السياسية والكتل النيابية انه خضع لمبدأ المحاصصة من جديد وانه سيكون تحت رحمة هذه القوى والكتل، لكن المحاصصة السياسية وليس الطائفية وفق نسب تمثيل القوى السياسية في كتلها النيابية، امر متعارف ومعمول به في البلدان الديمقراطية ذات النظام البرلماني وبالتالي لا بد من تشكيل حكومة ائتلافية تكون فيها الاحزاب الفائزة بمقاعد برلمانية ممثلة في هذه الحكومة لتمنحها اصواتها ويمكن لهذه الكتل ان تقرر ان كانت تريد وزراء متحزبين او مستقلين او متخصصين حسبما يمليه الاجماع الوطني.
وبذلك تكون فرص مصطفى الكاظمي وعلى ضوء ما تقدم، كبيرة جدا في نيل ثقة مجلس النواب العراقي، ليتفرغ الكاظمي بعد التكليف والتأليف الى تنفيذ برنامجه الحكومي وعلى صدر اولوياته متابعة تحصين العراق من وباء كورونا وتدارك حلول اقتصادية عاجلة بسبب انخفاض اسعار النفط، وتلبية مطالب الجماهير في محاربة الفساد والفاسدين، وتنفيذ مطالب البرلمان بانسحاب كافة القوات الاجنبية وخاصة الأميركية من الأراضي العراقية وابعاد ارض الرافدين عن محاولات جعلها ساحة لتصفية حسابات اقليمية او دولية.
احمد المقدادي