مع اقتراب تنفيذ قانون "قيصر" في الـ17 من الشهر الحالي يشتد الخناق على الشعب السوري الذي لايزال يقاوم منذ 9 سنوات وحتى كتابة هذه السطور ولم تستطع الولايات المتحدة ولا غيرها ارضاخه لا بالترغيب ولا بالترهيب ولكن واشنطن هذه المرة تلعب لعبة قذرة تستهدف من خلالها قوت الشعب وحاجاتهم الأساسية لجعلهم ينتفضون على الحكومة ومن ثم على النظام وصولا لاسقاطه بعد ان فشلت ادارة ترامب والادرات السابقة في تطويع الدولة السورية لخدمتها كما هو الحال بالنسبة للأنظمة الخليجية وبالتالي على دمشق تحمل عصيانها أوامر البيت الأبيض وانتمائها لمحور المقاومة الذي تحاول واشنطن عزلها عنه منذ عدة عقود ولكن دمشق لاتزال صامدة.
الدولة السورية رفضت جميع العروض التي قدمت لها للابتعاد عن محور المقاومة والتي وصلت الى مليارات الدولارات، ولكن دمشق تعلم ان التنازل والابتعاد عن خطها المقاوم يعني بطبيعة الحال نهاية سيادتها وكرامتها، لأن جميع الذين رضخوا للولايات المتحدة الأمريكية وتنازلوا لها كان مصيرهم محتوم، ومنهم صدام حسين والقذافي والبشير وغيرهم، والجميع تمت محاصرتهم اقتصاديا تمهيدا لجرهم نحو الاستسلام.
الولايات المتحدة الامريكية لم تخفي وقوفها خلف انهيار الاقتصاد السوري، وجاء ذلك على لسان جيمس جيفري المبعوث الأمريكي الى سوريا، جيفري الذي وضع سوريا أمام مجموعة خيارات منها الابتعاد عن المقاومة واخراج ايران من سوريا وتعديل سلوكها، ردت عليه اليوم سوريا عبر وزارة الخارجية والمغتربين السورية وقالت أن تصريحات جيفري تشكل اعترافاً صريحاً من الإدارة الأمريكية بمسؤوليتها المباشرة عن معاناة السوريين، وإن تشديد العقوبات هو الوجه الآخر للحرب المعلنة على سوريا بعد ترنح المشروع العدواني أمام الهزائم المتتالية لأدواته من المجموعات الإرهابية.
وبيّن مصدر رسمي في الوزارة أن هذه التصريحات تؤكد مجدداً أن الولايات المتحدة تنظر إلى المنطقة بعيون إسرائيلية، لأن المطالب التي يتحدث عنها جيفري هي مطالب اسرائيلية قديمة متجددة لفرض سيطرتها على المنطقة مشيراً إلى أن "هذه السياسة الأمريكية التي تشكل انتهاكاً سافراً لأبسط حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني سوف تفشل مجدداً أمام إصرار السوريين على التمسك بسيادة وطنهم واستقلالية خياراتهم السياسية والاقتصادية".
وشدد المصدر على أنه "لو كان هناك شرعية دولية حقيقية وتضامن عربي لكان من الواجب محاسبة الإدارة الأمريكية على هذه السياسة التي تستهدف الإنسان السوري في حياته اليومية".
الكلام الأخير من وزارة الخارجية مهم جدا بهذا الخصوص، حيث يجب على الدول العربية أن تكفر عن ذنبها بمحاصرة الشعب السوري وايصاله الى الوضع الذي هو عليه اليوم، حيث تم اخراج سوريا من الجامعة العربية التي هي أوائل المؤسسين لها وقامت دول عربية بدعم جماعات ارهابية مسلحة داخل سوريا لاسقاط النظام السوري، واليوم استسلمت جميع هذه الدول لفكرة اسقاط النظام، وبدأت تعيد علاقاتها مع دمشق، ولكنها حتى اللحظة لم تتخذ اي قرار جريء لمساعدة الشعب السوري وتخفيف معاناته وانما بقيت صامتة حيال كل المؤامرات التي تحيكها واشنطن ضد سوريا، ولو كان هناك رأي عربي موحد لما كان الاقتصاد السوري على ما هو عليه اليوم.
ومن يعتقد ان قانون "قيصر" سيستهدف سوريا فقط فهو واهم، لان دمشق لديها ارتباطات مع الكثير من الدول المجاورة ولاسيما لبنان وعندما تخنق واشنطن دمشق فهي تفعل الامر ذاته على بيروت، وبطبيعة الحال سوف يتأثر الاردن والعراق وغيرها من الدول، ولا يمكن التخمين بماذا ستكون ردة فعل سوريا تجاه هذا الحصار، وقد يكون رد دمشق موجع على الارض، وقد يؤدي ردها الى اخراج امريكا من كامل الاراضي السورية، خاصة في حال وصلت دمشق الى مرحلة لم يعد هناك ما تخسره.
قانون قيصر في ظاهرة لصالح اسرائيل والولايات المتحدة الامريكية ولكنه في نفس الوقت سيكون اختبار قوي لدمشق وعلاقتها مع محور المقاومة وقد يأتي الرد صاعقا من دمشق وحلفائها، وفي حال كانت تبحث واشنطن عن غزو دمشق فلن يكون بمقدورها القيام بذلك في ظل تماسك الجيش اسوري ووجود قوى كبرى تدافع عن دمشق على الاراضي السورية.
الفوضى هي ما تبحث عنه واشنطن في سوريا واستمرار هذه الفوضى هو المهم بالنسبة لها، فهي استشعرت ان دمشق بدأت تتعافى وتنفض عنها غبار الحرب وبالتالي لابد من اعادتها الى نقطة الصفر، وبعد عجزها عسكريا، وجدت ان الطريقة الافضل هي ضرب الاقتصاد لدفع الشعب للنزول الى الشارع والمطالبة باسقاط النظام.
ارضاخ سوريا لن يكون امرا سهلا خاصة في ظل وجود حلفائها، ستكون الايام المقبلة قاسية على الشعب السوري، وفي حال الصمود ستكون النتائج افضل بألف مرة من جر الامور نحو الفوضى، لان النتائج مجهولة بالدرجة الاولى وليس هناك حلول واضحة في الافق، وبالتالي فإن الفوضى ل تخدم الشعب السوري، في المقابل على الحكومة أن تفعل جميع مؤسساتها لخدمة المواطن السوري وتذليل العقبات التي تستهدف لقمة عيشه.
الوحدة هي المطلوبة، وعلى الدول العربية المساهمة بهذا الامر، لأن انهيار دمشق يعني انهيار بيروت وهكذا دولة خلف دولة حتى تصل واشنطن الى مبتغاها بنشر الفوضى الخلاقة، وتقسيم الشرق الاوسط الى دويلات بما يخدم مصالح العدو الصهيوني.
الصمود مرهون بعدة عوامل اساسها الشعب الذي عليه ان يحدد خياراته بشكل واضح أمام التحولات القادمة على المنطقة، وعلى الحكومة كما ذكرنا ان تتخذ سلسلة قرارات لخدمة هذا الشعب الذي تحمل ويلات الحرب لعشر سنوات متتالية وبقي صامدا وهو اليوم يعاني في لقمة عيشه وهذا امر خطير على الدولة السورية توفير جميع الامكانات اللازمة لمنع ذهاب الامور الى اماكن لاتحمد عقباها.