Print this page

تونس في مأزق عدم الاستقرار والأزمة السياسية.. الأسباب والرؤى

قيم هذا المقال
(0 صوت)
تونس في مأزق عدم الاستقرار والأزمة السياسية.. الأسباب والرؤى

تشعر أبو ظبي والرياض بقلق بالغ إزاء نجاح حزب النهضة، خاصة بعدما أصبح راشد الغنوشي، الذي يرأس الحزب، رئيساً للبرلمان التونسي، وقد دفعت هذه التطورات، محور ابو ظبي - الرياض، لبذل قصارى جهدهم لضرب الحزب وإبعاده عن المشهد السياسي التونسي.-في الوقت الذي تمت فيه الموافقة على استقالة رئيس الوزراء التونسي من قبل الرئيس قيس سعيد، دعا الأخير، الكتل البرلمانية إلى تسمية مرشحيها لمنصب رئيس الوزراء خلال العشرة أيام القادمة كحد أقصى. في حين طالبت أربع كتل سياسية مؤخرًا، من خلال مشروع قرار جديد، إلى سحب الثقة عن رئيس مجلس النواب راشد الغنوشي. لذلك يبدو أن تونس، باعتبارها الدولة التي كانت نقطة الانطلاق للثورات العربية "الربيع العربي" وتعتبر نموذجًا ناجحًا في الثورات العربية، تدخل في مأزق عدم الاستقرار السياسي ونشوب الصراعات الداخلية. 

أسباب الأزمة السياسية في تونس

منذ بداية الأحداث المعروفة بـ"الربيع العربي" عام 2011 وما تلاها من حضور قوي للتيارات السياسية المقربة من جماعة الإخوان المسلمين في هذه الأحداث، حاول محور أبو ظبي - الرياض بجدية منع هذا التيار من الوصول الى السلطة في الدول العربية، خاصة في دول شمال إفريقيا.
وقد ركز هذا المحور، بعد مصر، بشكل رئيسٍ على تونس، ولم تتمكن تنازلات حزب النهضة التونسي من المبادئ والأسس التي كان من المتوقع أن يلتزم بها، من إعاقة مساعي أبو ظبي والرياض لإبعاد هذا التيار بشكل كامل من الساحة السياسية في تونس.
 وفي هذا الصدد، تشعر أبو ظبي والرياض بقلق بالغ إزاء نجاح حزب النهضة، الذي فاز بـ 52 من أصل 217 مقعدًا في الانتخابات البرلمانية الأخيرة في تونس، والتي حاز خلالها حزب النهضة على أكثر المقاعد البرلمانية في البلاد، وأصبح راشد الغنوشي، الذي يرأس الحزب، رئيسا للبرلمان التونسي، وقد دفعت هذه التطورات، محور ابو ظبي - الرياض، لبذل قصارى جهدهم لضرب الحزب وإبعاده عن المشهد السياسي التونسي. وقد أصبح وجود راشد الغنوشي في رئاسة مجلس النواب التونسي مثيرًا للقلق بشكل متزايد على السعودية والإمارات، خاصة بعدما أعلن عن دعمه لدولة الوفاق في الأزمة الليبية. لذلك، توصلت أبو ظبي والرياض إلى استراتيجيتين رئيسيتين لمحاولة ضرب حزب النهضة الذي يرأسه الغنوشي:
1 - مساعي لتصنيف الإخوان المسلمين في تونس ضمن المجاميع الإرهابية: وفي هذا الصدد، تحاول الإمارات العربية المتحدة استغلال قدرات الأحزاب القريبة من هذه الدولة في البرلمان التونسي لوضع اسم الإخوان المسلمين على تصنيف الجماعات الإرهابية من أجل تهميش الوجهة القانونية لحزب النهضة وجعله غير شرعي ومن ثم اقصاءه. وفي هذا السياق، أعلن مؤخرا حزب "الدستور الحر"، الذي يملك 17 مقعداً في البرلمان والقريب من أبوظبي، أنه أرسل مشروع قانون إلى البرلمان لإدراج جماعة الإخوان المسلمين في قائمة الجماعات الإرهابية في تونس.
2. شن هجمات إعلامية ضد حزب النهضة: يلعب هذا الجزء من استراتيجية محور أبوظبي - الرياض دور إضفاء الشرعية على أي عمل يستهدف حزب النهضة، حيث يحاول الإعلام القريب من هذا المحور باستمرار، من خلال تشويه سمعة راشد الغنوشي وحزب النهضة، تمهيد الطريق لإقالته من رئاسة البرلمان، بالإضافة إلى محاولة تهميش حزب النهضة، من أجل تهيئة الأجواء والظروف نحو إجراء انتخابات مبكرة.
بالإضافة إلى ذلك، فإن تعدد الأحزاب في البرلمان التونسي وفشل كل هذه الأحزاب في تحقيق أغلبية ملحوظة في البرلمان قد وفر أسبابًا للانقسام وعدم الاستقرار في الحكومة، بعبارة أخرى ، بالإضافة الى مخططات الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية، فقد تسبب النظام السياسي التونسي وتعدد الأحزاب التي لا تستطيع تحقيق أغلبية كبيرة في البرلمان التونسي، بظهور عدم الاستقرار السياسي في تونس. 

رؤية الأزمة السياسية في تونس

بالنظر إلى أن الكتل البرلمانية التونسية الأربعة التي طالبت بسحب الثقة عن راشد الغنوشي تمكنت من جمع 73 توقيعا من النواب، الا إن هذا العدد لا يكفي لإقالة رئيس البرلمان، ولكنه أظهر ارتفاعا ملحوظا في عدد التواقيه مقارنة بالمحاولة السابقة التي قام بها معارضو الغنوشي، حيث تمكنوا من جمع 26 توقيعا فقط، الأمر الذي يشير إلى أن رئاسة الغنوشي في خطر، وهذا لا يشير إلى مستقبل مستقر للبرلمان التونسي.
بالتأكيد على الرغم من أن إقالة رئيس البرلمان لا تتحقق الا بعد موافقة ما لا يقل عن 109 نائب (نصف زائد واحد من إجمالي النواب)، لكن يبدو أن اللوبي الإماراتي السعودي، إلى جانب أعمال ومواقف الغنوشي الأخيرة، وضعته أمام انتقادات حقيقية من قبل بعض النواب التونسيين، مما عرض منصبه كرئيس للبرلمان التونسي للخطر.
نظرا لهذه الظروف، يبدو أن مستقبل السياسية التونسية يتوقف بالدرجة الأولى على موقف برلمان البلاد وكذلك على النتائج التي ستسفر عنها المواجهة الحالية القائمة بين حزب النهضة والأحزاب القريبة من محور ابو ظبي - الرياض، لأن نوع النظام السياسي في تونس وتعدد أحزابه هو أمر ثابت في البلاد رغم أنه أدى الى زعزعة الاستقرار السياسي فيه، وبالتالي هو يتغير بتغير التأثير الخارجي عليه بالإضافة الى تأثره بكل ما يمس الهيكل السياسي في البلاد ويؤدي بالتالي الى حدوث زعزعة سياسية ونزاعات داخلية، وهو ما يعمل لأجله محور ابو ظبي - الرياض. 

المصدر:الوقت

قراءة 789 مرة