الشهيد نقوي، من تنظيم الشباب بالتعاون مع علماء باكستان، حتى مساعدة المحرومين

قيم هذا المقال
(0 صوت)
الشهيد نقوي، من تنظيم الشباب بالتعاون مع علماء باكستان، حتى مساعدة المحرومين

من خلال تواصله مع علماء المذهب الجعفري في باكستان، تمکن الشهید "محمد علي نقوي"، من إسباغ الطابع الحركي على العماء وأتباع مدرسة أهل البيت، وإخراجهم من حالة الضمور التي كانوا يعيشونها، وبث فيهم دماء جديدة ليعيشوا النشاط والحيوية.

آخر شهر من السنة الهجرية الشمسية الذي يتزامن مع شهر مارس/آذار للعام الميلادي، يكون الباكستانيون على موعد مع ذكرى استشهاد الرجل الثوري والنخبة من المواطنين الباكستانيين "الشهيد محمد علي نقوي"، ذلك الرجل الذي تتلمذ في مدرسة الإسلام المحمدي الإصيل بزعامة الإمام الخميني الراحل(قده)، واستشهد قبل ستة وعشرين عاما، على يد عملاء زمرة وهابية إرهابية، تطلق على نفسها "جيش الصحابة" لتسيئ للصحابة أولا، ومن ثم تُوقع الفرقة والخلاف بين أبناء الأمة الإسلامية الواحدة.

وبهذه المناسبة قام إثنان من زملاء ومعارف هذا الشهيد الجليل، بكتابة مقالين تطرقا خلالهما لبعض ميزات الشهيد، وبدورنا ننقلها اليكم.

اولا: نص مقال الدكتور"راشد عباس نقوي" أحد الخبراء المتميزين في منطقة شبه القارة الهندية.

 

یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ یَجْعَلْ لَکُمْ فُرْقَانًا (سورة الأنفال الآیة ۲۹)

في هذه الآية الكريمة يعدُ اللهُ المؤمنين المتقين، بأن يكتب لهم التوفيق، ويجعلهم مرآة للحق وتمييزه عن الباطل، أي يكونوا بسلوكهم الحد الفاصل في تمييز الخطأ والصواب، والنفع والضرر.

لقد بلغ الشهيد الدكتور محمد علي نقوي مراتب متقدمة في التقوى، جعلته يتميز بها في سلوكياته الفكرية ونشاطاته الحركية. فعلى سبيل المثال نرى أن الشهيد كان يبتعد عن الزور، والنفاق، وخلف الوعد والتكبر، وباقي السلوكيات المنبوذة، بحيث لم يشهد له أحد، على أنه ذات يوم تآمر على شخص، أو صدر منه سلوك يتعارض والسلوك الإنساني الرفيع. وكان دائما لايخلف مواعيده، بل حتى أنه لم يكن ينوي التحايل وخديعة الآخرين. و كان يوقن بأن الله سبحانه وتعالى شاهد على سلوكياته، بحيث لم يتحدث يوما عن شخص بلغة، ويفعل خلاف كلامه على أرض الواقع. كما أنه خلال نشاطاته الحركية والمؤسساتية للشيعة في باكستان، لم يتطلع لأستلام أي منصب أو سلطة، ولايعمل لتوفير مصالحه الخاصة، بل كان حضوره يؤكد خلوصه وعدم التنافس أو الإختلاف مع الآخرين.

 كان الشهيد الدكتور محمد علي نقوي يساعد الفقراء والمعوزين سرا، لأنه كان قد تربى على ذلك رغم الإمكانيات القليلة والمستوى المعيشي المتدني الذي نشأ فيه، لكنه تمكن من إكمال دراساته والحصول على فرص عمل راقية، كباقي المواطنين من الطبقات المتدنية للمجتمع. كل سلوكياته ومعاشراته مع المواطنين كانت متواضعة، فقد كان يواصل اعماله اليومية كباقي أبناء المجتمع، ولن يسمح لنفسه أن يكون متميزا عن الآخرين. كما أنه كان يثمن الشخصيات الصالحة والنشيطة، ويدعم ترشيحهم لقبول المهام المختلفة، وفق الأسس البنيوية للإسلام، ويتصدى للإنتهازين والمتعطشين للسلطة، خاصة المعادين للدين منهم، ولايساوم معهم أبدا. وهو الذي أرسى العديد من السلوكيات الأساسية الإسلامية بين المؤسسات التي تنتمي لأتباع مدرسة أهل البيت(ع)، كالصدق والإخلاص والبساطة، والتواضع والعمل بالواجبات. وكان يرى تقلد وقبول المهام مسؤولية كبرى تثقل كاهل مَن يتقبلها، ويتصدى لكل كلام غير معقول. ومن سلوكياته الرفيعة أنه كان حتى لو إختلف مع شخص أو مؤسسة، لكنه يبقى متمسكا بالأصول الأساسية رغم إختلافه معهم، ولايعمل على إقصاء الطرف الآخر من الساحة، بل كان يحاول ومن خلال سلوكيات وأعماله الإيجابية أن يدعم بل ويساعد الطرف الآخر ليبقى في الساحة. فعلى سبيل المثال لو شاهد عملا صالحا من شخص أو مؤسسة، لم يكتف بتشجيعه بل كان يشير إليه بين أصدقائه ومعارفه.

لم تكن نشاطات الشهيد نقوي تقتصر على المؤسسات والجماعات الباكستانية السائرة على نهج مدرسة أهل البيت(ع)، بل كان يدعم كل المؤسسات والحركات الإسلامية ايضا. وقد نشاهد في مجتمعاتنا من يختلف مع الطرف الآخر في الرؤى، وقد ينشب بينهم سوء الظن، بل وقد يتخذ أحد الأطراف موقفا معاديا للطراف الآخر، ويتهمه بالعمالة للإستعمار. حتى أن بعض الأحيان تتطور المواقف ليتهم طرف، منافسه بالحسد والضغينة، والأنانية، وأكثر من ذلك قد يتهمه بالخروج عن الدين، لكن الشهيد نقوي وعلى مدى حياته لم ينتهج مثل هذه السلوكيات أبدا. وفي نفس الوقت يمكن أن نشير إلى أن الشهيد محمد علي نقوي كانت له مواقع صلبة بالنسبة لمبادئ الدين الإسلامي الحنيف، ولم يتراجع عنها أبدا، ما يدل على أنه حقا كان من أتباع نبي الرحمة محمد (ص)، وأنه أحد مصاديق الآية 27 من سورة الفتح التي يقول فيها عز من قائل:

مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِینَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَی الْکُفَّارِ رُحَمَاء بَیْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُکَّعًا سُجَّدًا یَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِیمَاهُمْ فِی وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِکَ مَثَلُهُمْ فِی التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِی الْإِنجِیلِ کَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَی عَلَی سُوقِهِ یُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِیَغِیظَ بِهِمُ الْکُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِینَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِیمًا(سورة الفتح الآیة۲۷).

فالآية تؤكد أن محمد(ص) هو مبعوث من قبل الله سبحانه وتعالى، وأصحابه الذين معه، يجب أن يكونوا أقوياء وصامدين أمام الكفار، ويتراحمون فيما بينهم، وتعلوهم سلوكيات الإلتزام بالمبادئ الإسلامية وعلى رأسها الصلاة(الركوع والسجود) والخشوع لله، ويتأملون الفضل والرضى من الله فقط، حتى تظهر كل علائم الخلوص والخشوع في وجوههم وجباههم، كما ذُكرت هذه الأوصاف للمؤمنين في التورات والإنجيل، وهي تكون كالزرع المتنامي، وعندما يستقوي يفرح المزارعون بنموه، لكن الكفار يتألمون ويغضبون له، لأنه سينفع المؤمنين، وقد وعد الله للمؤمنين والصلحاء، بأن يغفر لهم خطيئاتهم، ويعطيهم أجرا وفيرا على أعمالهم.

 

أبرز ميزات الشهيد نقوي

يروي السيدعلي رضا نقوي وهو من قدامى زملاء الدكتور الشهيد محمد علي نقوي، بأن الشهيد كان يتميز بشخصية تظهر عليها 16 خصيصة متميزة، ومن خلال التعرف على هذه الميزات يمكن التعرف على كافة خصوصيات وأفكار وآراء الشهيد الإستراتيجية. فالشهيد نقوي منذ أن عرفه نفسه، وحتى آخر أيام حياته كان يفكر بخدمت أتباع مدرسة أهل البيت(ع)، ومسلمي باكستان والدين الإسلامي والإنسانية برمتها، ولم يألو جهدا في هذا المجال.

 

إهتمامه وتفضيله مدرسة أهل البيت(ع)

  • كان الشهيد الدكتور محمد علي نقوي يفكر بتحسين الظروف المعيشية لأتباع مدرسة أهل البيت، وطالما كان يتأمل ويتدبر ليكشف سبلا لتحقيق أهدافه، فمنذ بداية عمله كان قد عمل على تنظيم بعض زملائه لتحقيق أهدافه.
  • وفي الوقت الذي كان يتقبل مسؤولية التنظيم الذي كان يؤسسه، كان يعتبر نفسه أحد أعضاء التنظيم، ويمارس نشاطه كباقي الأعضاء من خلال الحضور في الساحة والتعاون.
  • كان مطلعا على كل مشاكل المجتمع وتفاصيلها، ويواصل جهوده لإيجاد نوع من اللتغيير في المجتمع وحلحلة مشاكله، وكان يكرس هو وزملائه كل طاقاتهم في هذا المجال.
  • كان الشهيد محمد علي نقوي يهتم بحياة وبقاء ورُقي أتباع مدرسة أهل البيت(ع)، حيث أنه كان يُقَدِّم هذا الهدف على نفسه واسرته أيضا.
  • كان الشهيد يجند طاقاته ونشاطاته للرقي بمستوى أتباع مدرسة اهل البيت، وكافة المسلمين، ومكانة الإسلام في العالم، ومن ثم يهتم بشؤون منزله واسرته.
  • لم يكن عضوا مشاركا فحسب، في التنظيمات والجمعيات التي كان يديرها، بل كان يشاطرهم في النشاطات ويتقاسم مشاكلهم ومتاعبهم وكل الصعوبات التي يواجهها الأعضاء والناشطون العاملين معه في التنظيمات والجمعيات المعنية.

 

أسوة ناشطي مدرسة أهل البيت في باكستان

  • كان الشهيد محمد علي نقوي مخلصا، تشمله الطاف الله سبحانه وتعالى، وكان من الممهدين حقا للتعجيل بفرج ظهور صاحب العصر والزمان(عج)، ومن أجل ذلك كان يُعرف بأنه اسوة للناشطين من أتباع مدرسة أهل البيت(ع) في باكستان.
  • الشهيد الدكتور محمد علي لم يكن طبيبا يحدد الإصابة بالأمراض الجسمية ويعالجها فحسب، بل إنه كان يعمل من أجل سلامة جسم ونفس بني الإنسان، ويحدد أمراض المجتمع التي تؤلم النفوس قبل الأجسام، ويعالجها بأنفاسه الروحانية العيسوية.
  • لم يكن الشهيد بكلامه العذب يثلج الصدور ويبعث الطمأنينة فيها فحسب، بل إنه كان ينشط في كل المجالات ويعمل بكل جدية كالجندي الشجاع، الأمر الذي كان يساعد على رفع معنويات المناضلين أيضا.
  • الدكتور محمد علي نقوي لم يكن يساعد على تنشيط الإجتماعات ومجالس علماء الدين، بل كان محترما في هذه الأوساط، لأنه كان يكرس جهوده لتذليل مصاعبها والمشاكل التي تطرح فيها.

تعاونه مع الحركات الاخرى للدفاع عن الإسلام، والتصدي للتآمر على الإسلام

  • كان الشهيد نقوي ذكيا جدا، ويتحسس لمؤامرات ودسائس الطغاة والمستعمرين وخطوات المستكبرين الدنيئة، وفور الإطلاع على أدنى دسيسة أو مؤامرة مهما تضاءلت، يستفر كل القوى للدفاع عن الإسلام والمسلمين وأتباع مدرسة أهل البيت(ع) بمن فيهم زملاءه وأعضاء التنظيمات والجمعيات الأخرى.
  • كان يتمتع بشخصية قوية، ويتصدى بنفسه للتحديات والمؤامرات التي تحاك ضد الإسلام على مدى حياته، كما كان يستعين بالتنظيمات وكل طاقات المجمتمع أيضا.
  • كان يعتقد جازما بأن الرفاهية لن تصنع الثورات، بل إن الثورات هي التي تكون سببا في توفير الرفاه والإمكانيات، ولأجل ذلك كان بخطواته الثورية، يستثمر الإمكانيات المتاحة ليحقق اهدافه.

 

الإمام الخميني(ره) وإقبال اللاهوري أسوة الشهيد نقوي

  • كان الشهيد محمد علي نقوي في حياته، نموذجا للرجل المجاهد، الذي كان يتحدث عنه الإمام الخميني الراحل(قد)، ويعيش كالرجل المؤمن والإنسان الكامل، الذي كان يتحدث عنه العلامة إقبال اللاهوري.
  • كان الشهيد يتحدث بكلام معقول ومدعما بالأدلة والبراهين، ومبتنيا على الأسس والقيم، ويدعو زملاءه للتعاون في الأعمال والشؤون المختلفة.
  • كان اسوة في الإيثار والتضحيات، وكانت أعماله تبعث الإرادة والعزيمة الثورية لدى الآلاف من الشباب المستعد للتضحيات والفداء في سبيل الإسلام والمسلمين، ليكونوا على إستعداد للتضحية بأنفسهم في الدفاع عن قيم الحياة.

 

تأسيس تنظيمات وحركات طلابية في جامعات باكستان

مراجعة سريعة لحياة الشهيد الدكتور محمد علي نقوي، تكشف لنا، بأنه كان وبعد إجراء البحوث الكاملة لأوضاع المجتمع وإستيعاب النقاط الإيجابية والسلبية، كان يتحرك بعزم وإرادة صلبة لتأسيس الحركات والمنظمات الإجتماعية. وبعد مراجعته الشاملة لتاريخ الإسلام والأحداث التي شهدها الصدر الأول للإسلام، وحياة الأئمة الطاهرين، والحركات التي تكونت في العالم الإسلامي، عرف الشهيد بأن توعية الشباب من أهم الشؤون التي يمكن ان توجد حركات مؤثرة في المجتمع، وإنطلاقا من هذه الإستراتيجية قام بتوحيد صفوف طلبة الجامعات الموالين له. وبما أنه كان من المتميزين في كلية الطب، بدأ نشاطه من تلك الكلية، ثم نقل نشاطاته لجامعة الهندسة، ومن ثم جامعة البنجاب، وإستمر في إيجاد نوع من التيار الشمولي المتنفذ بين الطلبة الباكستانيين.

 

تنظيم ودعم الجمعيات الفكرية والعقدية

بعد أن تمكن الشهيد نقوي من تنظيم وتدعيم المؤسسات الفكرية والعقدية، حاول في المرحلة الثانية أن يسوق تلك التنظيمات نحو علماء الدين في باكستان، ما ساعد على تنشيط العلماء انفسهم، بعد أن شاهدوا المتعلمين، ناشطين ومستعدين لتقديم أي مساعدات في المجالات التنفيذية. وإنطلاقا من هذه الإستراتيجية تمكن الشهيد نقوي من إصطحاب علماء مدرسة أهل البيت في باكستان، وإخراجهم من حالة الضمور والسكون التي كانت تطغى عليهم، وكأنه بث فيهم روحا جديدة، وأوجد نوعا من النشاط الدؤوب فيما بين أتباع هذه المدرسة.

 

توحيد الصف والتضامن غير المعهود

إثر الجهود التي بذلها الدكتورمحمد علي نقوي وزملائه في توحيد الصف والتضامن غير المعهود بين أتباع مدرسة أهل البيت في باكستان، أدرك العلماء الباكستانيون أهمية الأمر وإنظموا إلى صفوف الوحدة والتضامن فيما بينهم أيضا.

 

الشهيد نقوي في ذكريات زملائه:

فيما تبقى من هذا الحديث نستمع إلى ذكريات عن الشهيد على لسان أحد زملائه الذي قدم نفسه بعنوان شقيق الشهيد: (س- ح) لدواع أمنية.

يروي هذا الأخ في ذكرياته أنه كان يعرف الشهيد منذ سنوات عن كثب، وقد رأى لزاما على نفسه أن يسجل بعض ذكرياته في عدة سطور في ذكرى استشهاد هذا الشهيد العاشق والباعث على الفخر والإعتزاز.

كانت أول معرفتي به تعود لعام 1987، عندما كنت مقيما في باكستان. فأول لقاء جرى بين وبينه كان في اسلام آباد، حيث كان طبيبا خلوقا ومتواضعا في نفس الوقت. ومن ميزاته كان يجذب الطرف الآخر في اول لقاء بخلقه السامي، والرفيع، وكأن الذي يتحدث معه يشعر بالأخوة معه، حيث كان يعشق الإسلام والثورة الإسلامية والإمام الخميني الراحل(قده). وكان منذ فترة طويلة، قد عمل على تأسيس التنظيمات الإمامية للطلبة الجامعيين، وكان يقضي معظم أوقاته لدعم التنظيمات الإسلامية للطلاب الملتزمين رغم إنشغاله بالطبابة أيضا.

 

تأسيس تنظيم الطلبة السائرين على نهج الإمام الراحل والعلامة عارف حسين الحسيني

لقد شارك الشهيد نقوي فترة في جبهات الدفاع المقدس كطبيب متدين، كما كانت لديه تجارب ومعلومات عن ظلم صدام المقبور وجرائم الإستكبار، ولدى عودته إلى باكستان، قام بنشر الأفكار والمعنويات الجهادية وراح يُنظِّر لتأسيس تنظيمات اسلامية على أعلى المستويات، بما فيها تنظيم الطلبة السائرين على نهج الإمام الخميني الراحل والعلامة الشهيد عارف حسين الحسيني زعيم مسلمي باكستان.

 

الطبيب الشهيد الذي عاش حياة بسيطة

كان الشهيد الدكتور نقوي يعيش حياة بسيطة خالية من أي معالم ترفيهية، وكان تعامله مع زملائه وأقرانه في التنظيمات والعمل، حافلا بالود والصداقة، والشفافية، فكان متواضعا دون أي تكبر، وتعلو سلوكياته الأخوة المشهودة في تعامله.

ذات يوم كنت ذاهبا إلى مدينة لاهور لإنجاز عمل ما، حيث التقيت الدكتور نقوي قبيل الظهر، فما كان منه إلا أن يدعوني للغداء في منزله، فلما ذهبنا لمنزله وجدته منزلا صغيرا وبسيطا، في أحد المناطق الشعبية بمدينة لاهور. وبالرغم من المائدة البسيطة التي كان يقدمها لضيوفه، إلا أنها كانت مفعمة بالود والأخوة والحنان، في حين لم تكن تتجاوز الخبز والبيض فقط.

وعصر نفس اليوم إصطحبني لعيادته التي كانت في إحدى المناطق الشعبية في مدينة لاهور، حيث كانت عيادته ملاصقة لبيوت الفقراء، وإسطبل يضم بقرتين أيضا. كان الكثير من المرضى يرتادون عيادته، وفي تلك الفترة كان معدل كشفية الطبيب في اسلام آباد يتراوح بين 70و 100 روبية، في حين أنه كان لايتقاضى أكثر من سبع روبيات من كل مريض في تلك المنطقة الآهلة بالفقراء.

الكثير من المرضى كانوا يرتادون عيادته، وفي ذلك اليوم أتذكر أن إمرأة عجوز جاءت لعيادته، ويبدو أنها كانت تعاني من عدة أمراض، كأوجاع البطن، والمعدة والرجل، واليد، وإلى غير ذلك من الأوجاع. فبعد أن كشف عليها، بشكل دقيق، كتب لها الوصفة، وراح يقدم لها التعليمات اللازمة لدى تناول كل دواء، فلما سألته المرأة العجوز عن ثمن الكشفية، قال لها سبع روبيات، قالت له يا دكتور لم يكن معي سوى ثلاث روبيات، فقال لها، إنها كافية، ثم أخرج أدوية من جارور الطاولة المجاورة لطاولته، وناولها كل الأدوية، بعد أن قدم لها التوضيحات الكاملة لها حول كل دواء. ولم تصدق المرأة بأنها حصلت على الدواء مجانا.

 

إقامة مسيرة البراءة من المشركين مع حجاج باكستانيين

عندما حدثت مجزرة الحج الدامي عام 1987م. في مكة المكرمة، لم يتمكن الحجاج الإيرانيون في العام القادم من الذهاب للسعودية لأداء مناسك الحج، ما حمل الدكتور الشهيد نقوي وعدد من الأخوة والأخوات الباكستانيين أن يذهبوا للحج عام 1988م.، ليقيموا مسيرة البراءة من المشركين في نفس اليوم الذي كان إخوتهم الإيرانيون أقاموها في العام المنصرم، وبنفس الترتيب، بحيث شاركهم العديد من حجاج بيت الله الحرام من الدول الأخرى، كي لا تتعطل مراسم البراء في موسم الحج. أما السعوديون فلم يكونوا يتصوروا إقامة مثل هذه المراسم أبدا دون وجود الحجاج الإيرانيين، وقبل أن يتمكنوا من فعل أي شيئ إزاء الحجاج المشاركين في المسيرة، كانت مراسم البراءة قد إنتهت، وإنصرف الحجاج من الساحة، قبل ينال السعوديون منهم.

 بعد عشرة أيام من استشهاد  العلامة عارف الحسيني، قتل الجنرال محمد ضياء الحق في حادث سقوط طائرته، وبعد ذلك وجدت السعودية الضغوط تتزايد عليها، ما اضطرها لإطلاق سراح كل المعتقلين، بمن فيهم المعتقلين الباكستانيين المقيمين لديها. وبعد بضعة أيام من إطلاق سراح الدكتور الشهيد نقوي، قامت الوحدة المركزية للأنباء في مؤسسة الإذاعة والتلفزيون الإيراني، بإجراء مقابلة معه آنذاك، ليكشف عن تفاصيل كيفية إعتقاله وما جرى عليه خلال تلك الفترة.

أما أصعب الأيام التي مرت علي وعلى زملائي وخاصة الشهيد الدكتور نقوي، كانت أيام رحيل الإمام الخميني رضوان الله تعالى عليه، حيث عم العزاء كل أرجاء باكستان، ومدنها، وكانت هذه الظاهرة أكثر ظهورا في الكثير من المناطق والمدن.

 

الشهيد نقوي: الإمام الخميني كان عاصفة في التاريخ

كانت الضغوط النفسية والمعنوية والألم تحيق بالقلوب، وفي تلك الفترة تحريت أخبار الدكتور الشهيد من الزملاء، لكن الجميع كان يجهل أخباره، أعتقد أنه كان يحتاج إلى الإختلاء بنفسه لينفس عنها هذا المصاب الجلل. وخلال اربعينية الإمام تمكنت من لقائه في مدينة راولبندي بالقرب من اسلام آباد. فما أن شاهدني، فتح ذراعيه ليحتضنني، وبدأنا نعج بالبكاء معا، وقد قال لي حينها: "إن الإمام الخميني كان كالعاصفة التي عصفت بالتاريخ". فقد وجدته ذائبا في الإمام الخميني، وملتزما بالإسلام المحمدي الأصيل.

وخلال الآونة الأخيرة وصلني كتاب تحت عنوان: "رفيق النور في باكستان"، قامت بترجمته وطبعه "دار فيض الكاشاني للطباعة والنشر"، وهويعكس سيرة حياة هذا الشهيد السعيد. وبدوري أوصي مفكري العالم الإسلامي بقراءة هذا الكتاب، وأعتذر على الإطالة في الكلام. والسلام عليكم.

 

المصدر: مجلة الحوزة

قراءة 679 مرة