لم تسمح السلطات الإسرائيلية للأسير الفلسطيني رشدي بالمشاركة في جنازة والدته أو حضور بيت العزاء، واختار أن تكون أولى محطاته في مسقط رأسه زيارة المقبرة حيث احتضن ضريح والدته
الأسير المحرر رشدي أبو مخ على ضريح والدته المرحومة رسمية أبو مخ
"ياما يا ياما.. وينك ياما.. ليش ما أنتظرتيني.."، بهذه الكلمات بكى الأسير الفلسطيني المحرر رشدي أبو مخ (58 عاما) من مدينة باقة الغربية -إلى الشمال من طولكرم- والدته المرحومة رسمية أبو مخ الملقبة بـ"أم الأسرى".
توقف الكلام وفاضت المشاعر عند ضريحها الذي ضمه رشدي إلى صدره لعله يلمس حضن والدته الذي حرم منه 35 عاما قضاها في غياهب السجون الإسرائيلية.
ففي مثل هذا اليوم وقبل عامين، رحلت والدة الأسير المحرر رشدي الحاجة رسمية، بعد أن غيبها الموت بسن (85 عاما) عقب 33 عاما من الانتظار بين الأمل والحلم ترافقت مع عقود من المعاناة التي جسدت هواجس الغياب والفراق والتضييق من قبل المؤسسة الإسرائيلية على عائلات الأسرى.
عاشت الحاجة رسمية من أجل تلك اللحظة على أمل أن تعانق الحرية باحتضان نجلها المحرر والاحتفال بزفافه.
قصة تروى
تروي قصة المحرر رشدي المحطات التي تعيشها الحركة الأسيرة في باقة الغربية منذ عام 1986، وتحمل في فصولها معاناة 4 عائلات من البلدة رفاق ورفيقات الدرب بالأسر ومعركة الحرية التي خاضتها الحاجة رسمية إلى جانب الحاجة عائشة بيادسة والدة الأسير إبراهيم التي غيبها الموت في نهاية عام 2015، والحاجة فريدة دقة والدة الأسير وليد التي أعياها المرض.
كان مارس/آذار 1986 محطة فارقة في حياة كل الأسرى إبراهيم أبو مخ ورشدي أبو مخ، ووليد دقة وإبراهيم بيادسة، بعد أن اعتقلتهم السلطات الإسرائيلية وأدانتهم بـ"العضوية في خلية نفذت عملية خطف وقتل الجندي الإسرائيلي موشيه تمام في عام 1985″.
يضاف أسرى باقة إلى الأسرى القدامى من فلسطينيي 48 البالغ عددهم 12 أسيرا تم اعتقالهم قبل اتفاقية أوسلو، وأقدمهم الأسيران كريم يونس وماهر يونس من بلدة عرعرة -عارة قرب أم الفحم- المعتقلان منذ عام 1983، بينما يبلغ عدد الأسرى من الداخل حوالي 120 أسيرا، 50 أسيرا منهم أمضوا بالسجون الإسرائيلية 20 عاما وما فوق.
وتعكس سيرة ومسيرة المحرر رشدي وعائلته واقع ومعاناة الحركة الأسيرة عامة وواقع التحديات التي تواجهها عائلات أسرى الداخل الفلسطيني ممن فرضت عليهم الجنسية الإسرائيلية وتجاوزت حريتهم اتفاقية أوسلو، وهي الورقة التي استثنتهم من العديد من صفقات التبادل التي أجرتها فصائل المقاومة الفلسطينية والعربية مع الحكومات الإسرائيلية التي اعتبرت أسرى فلسطينيي 48 "شأنا داخليا".
اعلان
ويعتبر 12 أسيرا من قدامى الأسرى الفلسطينيين الذين اعتقلوا قبل اتفاقية أوسلو، وكانوا ضمن الدفعة الرابعة الذين كان من المفترض أن تفرج تل أبيب عنهم عقب تفاهمات تمت بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل في مارس/آذار 2014 بوساطة أميركية، إلا أن الحكومة الإسرائيلية تنصلت من ذلك، ولم تقم بالإفراج عنهم.
فراق وفرح
في حضرة الفراق والدموع ومحطات الفرح والابتهاج والأهازيج رافقت الجزيرة نت المحرر رشدي أبو مخ بعد تحرره من سجن النقب الصحراوي الذي يبعد قرابة 250 كيلومترا عن مسقط رأسه في باقة الغربية، حيث أصر رشدي على أن يعرج على مدينة اللد لزيارة والدة رفيق الزنزانة الأسير المحرر مخلص برغال.
الأسير رشدي أبو مخ فور خروجه من السجن الإسرائيلي
لم تسمح السلطات الإسرائيلية للأسير رشدي بالمشاركة في جنازة والدته أو حضور بيت العزاء، واختار أن تكون أولى محطاته في مسقط رأسه زيارة المقبرة حيث احتضن ضريح والدته، لقد أجهش بالبكاء وعبرت مشاعره عن كلماته التي عجز لسانه النطق به في حضرة الموت والفراق.
وفي طريقه لزيارة والدة الأسير وليد دقة، بدا المحرر رشدي غير مصدق مشاهد ضريح والدته، وقال "كان من المفروض أن تكون بيننا.. لا أستوعب.. انتظرتني 33 عاما وعاشت على الحلم والأمل بحريتي وزفافي لكنها لم تتحمل معاناة الأسر والفراق والتنقل بين السجون".
الأسير المحرر رشدي أبو مخ مع زوجة وطفلة الأسير وليد دقة
تنكيل وعذاب
يستذكر رشدي والدته ومعاناتها -كما هي حال مختلف أمهات الأسرى القدامى- حين واظبت على زيارته على مدى 10 أعوام.
لقد تم استئناف الزيارات لمدة نصف ساعة من وراء جدار زجاجي، حيث كانت والدته المقعدة تمثل أمامه على كرسي عجلات للحديث معه عبر الهاتف دون السماح له باحتضانها أو تقبيل حتى رأسها. هذا المشهد، يصفه رشدي بـ"قمة التنكيل والعذاب للأسير وعائلته".
رشدي أبو مخ يزور الحاجة فريدة دقة والدة الأسير وليد دقة (الجزيرة)
أمهات الأسرى بمكانة أمي
يقول المحرر رشدي "لقد فجعت برحيل أمي وأنا بداخل السجون، لكن كل أمهات الأسرى بمكانة أمي.. أنظر إلى أمهات رفاق الأسر كريم وماهر ووليد وإبراهيم ومخلص وأرى بهن أمي، ولعل هذا هو عزائي وما يخفف عني مصابي بفقداني أمي دون وداع ودون احتضان".
قبالة والدة الأسير وليد دقة المقعدة التي غيّبها المرض عن الوعي، يحاول المحرر رشدي أن يحفز ذاكرتها بتفاصيل من الزيارات الأولى للأسر وعلاقته الوطيدة بوليد حتى قبل الأسر. وبلغة العيون وصمت لسانها وكأن الوالدة ترحب برشدي وتقول له "عقبال حرية وليد".
وتعكس أم الأسير وليد -بحسب رشدي- عقودا من معاناة الأسرى في سجن الحياة الكبير في ظل الاحتلال ومعاناة الحركة الأسيرة في غياهب السجون.
دعا المحرر رشدي إلى إنهاء حالة الانقسام التي انعكست سلبا على الحركة الأسيرة وترسباتها التي باتت تهدد الشعب الفلسطيني.
وطالب جميع الأحزاب والفصائل والقوى الوطنية الفلسطينية بتكثيف الضغوط من أجل الإفراج عن جميع الأسرى والأسيرات وإنقاذهم من الموت البطيء في السجون الإسرائيلية.
وقال "نحن شعب حر ومن حقنا الحرية، فالإنسان خلق ليعيش حرا في أرضه ووطنه، فنحن أصحاب حق ولا نخجل بما قمنا به".
المصدر : الجزيرة