كلمة زكاة أصلها زَكَا ومعناها الخلوص، ويقال لها: عشر الغلّات، أو الصدَقة، وهي واجبة بحسب الشريعة، ويُعتبَر أداءُ هذه الفريضة بمنزلة إشراك الفقراء والمحتاجين في قسم من النعم والمواهب الإلهية التي وهبها الله للإنسان، وهي وسيلة لتطهير تلك المواهب والنعم، ويتمّ عادة إعطاءُ أموال الزكاة إلى حساب بيت المال لصرفها في المنافع والمصالح العامة من بناء المدارس والمستشفيات ودُور الأيتام، وأمثال ذلك.
إنّ من يعرف الآدابَ والرسوم اليهودية والمسيحية يدرك جيداً الشَّبَهَ الواضح والكبير بين الأديان الإبراهيمية الثلاثة (الإسلام والمسيحية واليهودية) في استفادتهم من عُشر الغلّات كلمة (tithe) التي تستعمل في المسيحية مأخوذة من كلمة إنكليزية قديمة بمعنى عشر، لكنّ هذه الرسوم ترجع إلى دين اليهودية في شريعة (mosaic) إذ يفرض عشر الغلّات لأجل دعم اللاويين ودوُرِ العبادة.
جاء في العهد القديم: (لقد أعطيتُ عُشْرَ مالِ إسرائيلَ لبني لاوي بدلاً عن الخدمة التي يُسدُونها).
وبعد ذلك أصبحَت الكنيسةُ الكاثوليكية تتبنّى هذا النوع من الرسوم، وتصرّفه في دعم الفقراء والشخصيات الروحية في الكنيسة، ففي القرن السادس الميلادي دخل هذا الرسم في قوانين الكنيسة وأصبح مؤيداً من قِبَلها.
إنّ أكثر ما كان يُصرف في القرون الوسطى من تزيين وترتيب للكنائس كان يؤمَّن من ذلك المورد، وكان مارتين لوثر مؤيداً لدفع عشر المال إلّا أنّ الثورة الفرنسية ألغَت ذلك، وفي أمريكا أيضاً لم يفعّل هذا الإجراء إلّا على يد (المُوْرمون)[1].
وعلى العموم إنّ من ينظر إلى المسيحية الغربية في دفع عشر المال يكتشف أنّ ذلك يناظر إلى حدّ ما الزكاة عند المسلمين، وإن كان مقدار ذلك يختلف في اليهودية والمسيحية والإسلام.
إنّ الشريعة وعلاوةً على دفعهم الزكاةً عندهم ضريبة دينية أخرى باسم الخُمْسِ، ومن جهة أخرى، فإنّ خيرات كثيرة أخرى اعتاد المسلمون على إعطائها ودفعها، من ضمنها الصدقة والفطرة، إلّا أنّه لا يجب الخلط هنا بينها وبين الزكاة الواجبة، الأمر الذي يُعدّ ركناً من أركان الإسلام.
إنّ الشريعة عموماً تشجّع على الإيثار والبذل في سبيل الله، والمسلمون متفقون مع حكم الأناجيل الذي يقول: (إنّ الإعطاء والبذل أيمنُ وأفضلُ من الأخذ).
في الواقع إنّ الكثير من نواحي الحياة الاجتماعية والاقتصادية للمجتمع الإسلامي تؤمَّن من المشاريع الخيرية المختلفة كالمؤسسات الوقفية ذات الأحكام الخاصة في الشريعة الإسلامية، وقد أدّى وجودُ مثل هكذا مؤسسات على مدى تاريخ الإسلام إلى إيجاد الدوائر التربوية والصحية كالمدارس والمستشفيات، واليوم، وإن كان الوقف بيدِ الحكومات الإسلامية إلّا أنّ استمرار هذا الوقف من ناحية تراثية كالصدقات في أمريكا جهة معيّنة خارج الحكومات مع وجود فارق، وهو أنّ الوقف في العالم الإسلامي ذو صبغة دينية دائماً.
الهامش:
[1]- أتباع فرقة دينية باسم (Mormonism) أسسها جوزيف سمث حوالي سنة 1830م.
المصدر: كتاب قلب الإسلام (قيم خالدة من أجل الإنسانية)