
emamian
أمن وسلامة أطفالنا وحمايتهم من الإرهاب
الأمن مبدأ مهم في حياة الإنسان، وهو أساس من أسس وجوده، ولا يتوافر الأمن للإنسان بمجرد ضمانه أمنه على حياته فحسب، فهو كذلك يحتاج إلى الأمن لعقيدته التي يؤمن بها ولهويته الفكرية والثقافية ولموارد حياته المادية، واستقراره وسعادته وأولاده، كما أنّ الشعوب تحتاج إلى الأمن الداخلي والخارجي لضمان الاستقرار الاجتماعي والسياسي والاقتصادي، فالأمن سواء كان داخلياً أو خارجياً ضروري للفرد وللمجتمع.
أصبح الإرهاب، وما يرتبط به من عنف وتطرف وترويع وجريمة منظمة، وما يستتبعه من خوف ورعب ومقاومة مسلحة واختطاف رهائن وطائرات وقتل وتدمير، أصبح من أهم سمات العالم المعاصر الذي نعيش فيه.. ففي كل يوم نجد أخبار الإرهاب تملأ الصحف والمجلات ونشرات الأخبار، وفي كل مكان على سطح الكرة الأرضية نجد حوادث الاختطاف واحتجاز الرهائن وقتلهم تجري وأصوات المفرقعات تدوي، وأصبح ضحايا الإرهاب في كل مكان بالمئات والآلاف، ولِمَ لا؟! فالإرهاب لا قلب له، ولا وطن يسكن ويستقر فيه، ولا وقت محدداً له، لأنك تجد بين الضحايا الغني والفقير، والمسيحي والمسلم واليهودي واللّاديني وعابد البقر، والطفل والشاب والرجل والشيخ العجوز والفتاة والمرأة، وقد يحدث الإرهاب والناس نيام لا حول لهم ولا قوّة، وقد يحدث في وضح النهار، لا تفرقة بين الآمنين والمسلحين، ولا تفرقة بين الهدف والضحية، الكل أمام خندق وميدان الإرهاب سواء بسواء.
وإذا كان الإرهاب قد استقرّ في وجدان الإنسانية منذ قديم الزمن، فقد واجهته البشرية منذ ظهوره، ومازالت تواجهه حتى الآن، إلّا أنّ هناك بعض الدول قد اكتوت أكثر من غيرها بنيران الإرهاب، وهناك من المجتمعات مَن وجَّه قوّته ووضع أولوياته لمواجهة الإرهاب، فإنّ هناك مجتمعات لم تحسّ بالإرهاب إلّا أخيراً، مثل الولايات المتحدة الأمريكية، التي ظنّت أنها بمعزل عن العالم ببُعدها عنه وبقوّتها الجبّارة وبأمنها المستتب، إلّا أنها صعقت يوم الحادي عشر من سبتمبر 2001، بأنها في وسط المعركة، وأنّ نيران الإرهاب تجتاحها، فاستيقظت، وحاولت أخذ زمام المبادرة من جديد، وبدأت تقود حملة دولية لمكافحة الإرهاب بمفهومها هي، وهاهي مازالت تبدأ أولى خطواتها لمحاربة الإرهاب ومواجهته على المستوى الدولي.
وقبل أن نبدأ مقالنا هذا عن حماية أطفالنا من الإرهاب، يستحب أن نتعرف على بعض مفاهيم الإرهاب، وما تجسده من وضوح الرؤية:
- الإرهاب هو كل استخدام أو تهديد باستخدام عنف غير مشروع يتسبب في حالة من الخوف أو الرعب بقصد تحقيق تأثير أو السيطرة على فرد أو مجموعة من الأفراد أو حتى المجتمع بأسره وصولاً إلى هدف معيَّن يسعى الفاعل (الفرد أو الجماعة الإرهابية) إلى تحقيقه، كما أنّ العمل الإرهابي يتكوَّن من عناصر رئيسية لابدّ من توافرها، مثل: استخدام أو تهديد باستخدام العنف على وجه غير مشروع أو غير مألوف ويقوم به فرد أو مجموعة من الأفراد أو من الدولة ذاتها، ويوجه ضد فرد أو مجموعة من الأفراد أو ضدّ المجتمع بأسره ويهدف إلى خلق حالة من الرعب والفزع، ويبث رسالة ما ويخلق تأثيراً نفسياً معيناً يسمح بالتأثير على المستهدفين من العمل الإرهابي، وعادة ما يتجاوز العمل الإرهابي حدود الهدف المباشر الذي لا يكون له أدنى علاقة بقضية الإرهابيين.
- الإرهاب أحد مظاهر العنف الإجتماعي، وعليه فهو ظاهرة مركبة ومتعددة الأبعاد، يختلط فيها العنصر النفسي بالعناصر الإجتماعية والمادية والثقافية والسياسية والتاريخية، ولذلك نميل لتعريف الإرهاب بأنّه "التهديد باستخدام أو استخدام منهج منظم لكل ما من شأنه الإضرار البدني والفكري والنفسي والفسيولوجي والاجتماعي لبعض الأفراد أو لجسم المجتمع ولا يتطلب الإرهاب تحديداً دقيقاً للأهداف، حيث إنّ الآثار النفسية للعمليات الإرهابية غالباً ما تفوق الآثار المادية التي قد لا تكون مرتبطة بالقضية الأساسية، وعليه فإنّ الهدف التكتيكي للعمل الإرهابي هو خلق مناخ من الخوف والرعب يمكن القائمين على العمل أو التنظيمات التابعين لها من تحقيق أهداف استراتيجية يكون طابعها الابتزاز السياسي الذي قد يصل لمحاولة الاستيلاء على السلطة بالقوة، وحينئذ يصعب التفريق بين مفهوم الإرهاب وبعض أشكال العنف السياسي".
- وإذا بحثنا عن معنى الإرهاب في القواميس اللغوية والمعاجم والموسوعات من أجل تكامل البحث عن هذا المفهوم، سنجد أنّ الإرهاب شملته أغلب هذه الموسوعات والمعاجم والقواميس، وأشارت إليه على النحو التالي:
- ففي المعجم الوجيز، أرهب فلاناً أي خوفه وفزعه، و"الإرهابيون" وصف يطلق على الذين يسلكون سبل العنف والإرهاب لتحقيق مطامعهم وأهدافهم السياسية.
- وفي معجم "مختار الصحاح"، نجد أنّ رهب أي خاف، ويقال رهبوت خير من رحموت، أي لأن ترهب خير من أن ترحم، وأرهبه واسترهبه أي أخافه.
- وفي موسوعة السياسة، يتضمن معنى الإرهاب "استخدام العنف غير المقنن أو التهديد باستخدامه بمختلف أشكاله وصورة كالاغتيال أو التشويه أو التعذيب أو التخريب أو النسف، وذلك بغية تحقيق هدف سياسي معين، وهو بشكل عام وسيلة من وسائل الحصول على السلطة أو المعلومات أو المال واستخدام الإكراه للوصول لإخضاع الآخرين".
- وفي القاموس السياسي، يشار إلى معنى الإرهاب بأنه "محاولة نشر الذعر والفزع لأغراض سياسية، كما أنّ الإرهاب وسيلة تستخدمها حكومة استبدادية لإرغام الشعب على الخضوع والاستسلام لها كحكومة الإرهاب إبان الثورة الفرنسية عام 1793".
- وفي قاموس العلوم الاجتماعية، يتضمن معنى الإرهاب ما يلي: "هو نوع خاص من الإستبداد غير المقيد بقانون أو قاعدة ولا يعير اهتماماً بمسألة أمن ضحاياه، وهو يوجه قوّته إلى أهدافه المقصودة بقصد خلق جو من الرعب والخوف وتقليل فعالية الضحايا ومقاومتها".
- وفي المعجم العربي الحديث، نجد أنّ كلمة إرهاب تعني "الأخذ بالتعسف والتهديد"، كما أنّ الحكم الإرهابي هو "الحكم القائم على أعمال العنف".
- بينما تشير كلمة إرهاب في قاموس إكسفورد إلى "أي شخص يحاول أن يدعم آراءه بالإكراه أو التهديد أو الترويع".
ومن هنا، نتبع أهمية حماية أطفالنا من الإرهاب وضمان أمنهم وسلامتهم، ولِمَ لا؟! فالأطفال هم الأمل وفلذات الأكباد ولابدّ أن نضعهم في منظورنا، من أجل حمايتهم من كل أنواع العنف والإرهاب والترويع والتطرف: فحماية أطفالنا من الإرهاب وضمان أمنهم وسلامتهم مسؤولية تقع على الجميع، لأن حماية الأطفال من الإرهاب تعني حماية المستقبل وحماية الأمل، وحماية الأطفال من الإرهاب هي حماية مزدوجة، أي وقاية وأمان من العمليات الإرهابية، وعلى الأسرة دور كبير في حماية أطفالهم من الإرهاب؛ ولكن هناك دوراً أيضاً للكبار والأُمّهات والمعلِّمات والمشرفات، لأنّ الجميع مسؤول مسؤولية كاملة عن أمن الأطفال وحمايتهم ضد أي إرهاب محتمل، وذلك بتأمينهم وإزالة الخوف عنهم وتحفيزهم للدفاع عن أنفسهم وغير ذلك من طرق حماية الطفل وأمنه، ومنها:
- لابدّ أن تعلم الأُم ويعلم الأب أنه مهما كان المكان الذي يعيشان فيه، فإنهما مسؤولان عن أمن أطفالهما، لأنهم مجرد أطفال والكبار مسؤولون عن تأمين كل الأنشطة التي يقومون بها، ولابدّ أن يعلم الجميع أنّ الأب أو الأُم لن يكونا مع الأطفال طوال الوقت، وبالتالي عليهما تعريف الأطفال بكيفية التصرف في مختلف المواقف، خاصة تلك المواقف التي تتطلب منهم اتخاذ قرار ما، من هنا ينبغي عدم إخفاء الحقائق عن الأطفال، كما ينبغي أن نناقش معهم الأمور المتعلقة بأمنهم وأمن الأسرة عامّة، ولابدّ من التأكد من أنهم يتفهَّمون ويقدِّرون الحاجة إلى برنامج الأمن الشخصي، ومن ثمّ فإنّ تأمين ومتابعة نشاط الأطفال عند الانتقال للمعيشة أو العمل في بلد آخر لا يمثل شيئاً جديداً أو غريباً، وكل ما هنالك أنّ الأب والأُم مطالبان بزيادة الحذر عندما تكون الأسرة في بيئة بها نشاط إرهابي.
- وقد يتطلب الأمر الحد من بعض الأنشطة التي يقوم بها الأطفال، والنصيحة تكون بمعاملة الأطفال كأنهم كبار في كل ما يتعلق بأمن الأسرة، فيمكن شرح أسباب الحد من أنشطة معينة يودّ الأطفال القيام بها، لأنهم إذا تفهَّموا الأمر فسينفذون التعليمات. أمّا إذا حدث العكس، فقد يراودهم إحساس بأنهم يتعرضون لظلم أو تعسف أو قيود غير ضرورية، أو قد يرون في تلك القيود مجرد عقاب يوقع عليهم. ومن هنا، تأتي الكوارث. وعلى ذلك، فإنه من الضروري أن يفهم كل فرد من أفراد الأسرة أنّ الحياة في بيئة إرهابية، أو قريبة من موطن إرهابي، ستكون مختلفة عنها في بيئة عادية، وأنها تتطلب تضحيات من كل منهم بمن فيهم الأطفال.
- وحيث إنّ الأطفال يمضون معظم وقتهم في المدارس، فإنّ علينا أن نجد لهم مدرسة لا تقدم التربية الجيدة فحسب، وإنما توفر لهم أمناً جيداً كذلك، وينبغي الاتفاق مع إدارة المدرسة على عدم السماح للتلميذ بمغادرتها إلّا بعد الاتصال بوالديه أو الشخص الذي يحدده الوالدان لتسلم التلميذ من المدرسة خلال ساعات الدراسة، وعلى إدارة المدرسة أن تتأكد من شخصية أي إنسان يطلب من خلال التليفون السماح لتلميذ معين بالخروج قبل انتهاء اليوم الدراسي. وإذا راود الإدارة أي شك، فعليها ألّا تسمح بخروج التلميذ بأي حال من الأحوال. وإذا خرج التلاميذ في رحلة أو غيرها، فينبغي أن تقوم إدارة المدرسة بمراقبة الأشخاص، الذين يتسكعون حول المدرسة أو بالقرب منها، فإذا اشتبهت في أي منهم، فينبغي إبلاغ الشرطة فوراً، على أن تزودهم بأوصاف الشخص المشتبه فيه.
- عليكم أن تنصحوا أطفالكم باتخاذ خطّ السير الذي ترونه أكثر أمناً من وإلى البيت والمدرسة، وأكثر خطوط السير أمناً هو ذلك الذي يمر بشوارع مليئة بالناس والأطفال الآخرين.
- ينبغي التعرُّف على أصدقاء الأطفال ومراجعة خلفياتهم وأسرهم وعائلاتهم، كما ينبغي أن تخضع أنشطة الأطفال خارج المنزل للضوابط نفسها التي يخضع لها نشاط الكبار خارج المنزل، إذ يتعين على الأطفال أن يحذروا الذهاب إلى أماكن ومناطق مجهولة بالنسبة إليهم، خاصة في أوقات معينة من النهار أو الليل، وكل ذلك يوفر لهم قدراً من الحماية إزاء الهجمات الإرهابية العشوائية ضدّ الأطفال أو الفتيان، ومرّة أخرى ننصح بمراجعة نشاط أطفالهم خارج البيت، وأن تعمل بقوّة وحزم على الحد من الأنشطة التي تنطوي على أخطار مختلفة على حياتهم.
- ونلاحظ أنّ الأطفال يملكون ذكاء وقدرة على التصرف أكبر مما يراه آباؤهم وأُمّهاتهم فيهم، فالأطفال في بعض الأحيان يستطيعون اتخاذ القرار السليم في الوقت السليم، ويكتسب الأطفال، بمرور الوقت، مهارات جديدة تمكِّنهم من النجاة مما قد يتعرضون له من أخطار؛ ولكنّ المشكلة تكمن في قلة الخبرة وعدم القدرة على التصرف إزاء موقف يواجههم لأوّل مرّة، ولذلك، فهناك ضرورة لتزويدهم بما هو ضروري وملائم من المعلومات، ولابدّ من منحهم الثقة وجعلهم يثقون في قدرتهم على التصرف السليم.
- لابدّ من العلم بأنك إذا نجحت في تنفيذ برنامج الأمن الشخصي، فإنّ أطفالك سوف ينعمون بإقامة طيبة أينما كانوا، وبطفولة سعيدة أيضاً.
- عليك أن تشجع أطفالك على التحدث إليك عن أي مشكلات أو أُمور تتعلق بالأمن، ولابدّ من تحذيرهم من الاقتراب من أي سيارة غريبة أو الدخول فيها، بل يجب تحذيرهم من الخروج مع أي شخص يدّعي أنه جاء من طرف الأبوين ليأخذهم من المدرسة أو من عند الأصدقاء.
- لابدّ من تحذير الأطفال من عدم اللعب في أماكن خالية أو مهجورة، ولابدّ من تشجيعهم على اللعب مع أطفال آخرين.
- بالنسبة للأطفال الأكبر سناً، قد يتركون المنزل وحدهم ولو لفترة وجيزة، فلابدّ من متابعة سيرهم ومواعيدهم بدقة للاطمئنان.
- يتم تنبيه الأطفال بعدم تزويد أي متحدث على التليفون بأي معلومات خاصة عن أسمائهم وعناوين سكنهم، وعليهم في كلّ الحالات ألّا يخبروا المتحدث بأنهم وحدهم في المنزل، ومن الأفضل عدم قيام الأطفال بالرد على الهواتف إلّا إذا كان هناك اتفاق على مكالمة معينة في وقت محدد.
- ابتداء من سن الرابعة أو الخامسة ينبغي أن يعرف الأطفال كيفية طلب الشرطة تليفونياً لطلب النجدة، والتأكد من وجود أرقام الطوارئ قريبة من جهاز التليفون في مكان واضح، ولا يترك الأطفال بمفردهم دون تحديد الشخص الذي يمكنهم الاتصال به في حالات الطوارئ، اترك لهم رقم تليفونك وتليفون مَن تثق بهم.
- لابدّ أن يعرف الأطفال الأشخاص المسموح لهم بدخول البيت أثناء غياب الأب أو الأُم، والتأكيد عليهم بعدم دخول الغرباء المنزل لأي أمر كان.
- ضرورة إعداد خطة لمواجهة أي أمر لا يطيب للإنسان التفكير فيه، مثل اختفاء الطفل أو الطفلة، ولابدّ من التنبيه على المدرسة بإخطارك فوراً في حال عدم حضور طفلك للمدرسة أو تأخره لأي سبب كان.
- وهناك العديد من الإرشادات لحماية الأطفال من الإرهاب، ومنها: ترك أبواب غرف الأطفال مفتوحة حتى يمكن سماع أي صوت غير عادي يحدث فيها، عدم ترك الأطفال الصغار بمفردهم في المنزل، التنبيه على الأطفال بغلق الأبواب والنوافذ وعدم السماح لأي غريب أو غير معروف لديهم بدخول المنزل نهائياً بأي حجة مثل فحص الكهرباء أو المياه أو الهاتف إلّا بعد موافقة الأب أو الأُم، وتعريف الأطفال كيفية الاتصال بالشرطة في حال وجود أشخاص يحاولون اقتحام المنزل أو وجود غرباء يحومون حول المنزل، وضرورة الإضاءة الجيدة للمنزل، والتنبيه على الخدم بعدم السماح للغرباء أياً كانوا بدخول المنزل، والإشراف الكافي من المشرفين على كل الأنشطة المدرسية، وتنقل الأطفال في مجموعات أو أفواج أثناء الرحلات والزيارات، ورفض مرافقة أي غريب أثناء هذه الرحلات، واستخدام المناطق المخصصة للعب لحماية الأطفال، والإبلاغ عن الأشخاص الذين يضايقون الأطفال وتوفير تليفونات محمولة للاطمئنان الدائم على الأطفال أثناء الرحلات، والبُعد عن أماكن المشاجرات والصراعات والمشاحنات والعصابات والمظاهرات والعنف والاضطرابات بأي صورة من الصور، وغيرها من الوسائل.
تعاطي القرآن مع البُعد الإعلامي
في نظرة عامّة على تعاطي القرآن مع البُعد الإعلامي، يمكن إستخلاص المبادئ أو المعايير الحاكمة للإعلام الموثوق، في ظل انتشار وسائل الإعلام المُضللة والمتلاعبة بالعقول، قال تعالى: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ) (لقمان/ 6).
والإنصاف يقتضينا أن نفرز (الخبيث) من (الطيِّب)، فالإعلام اليوم يلعب دوراً مزدوجاً (تخريبياً) بإفساد الأخلاق وتمييع القيم وهدر الكرامات، و(بنائياً) بما يسهمُ في رفد العقل والذوق والثقافة الإنسانية.
إنّ أهم ما يُطالعنا على شاشة القرآن من معايير إعلامية:
1- تقصّي الخبر من مصادره:
مثاله، قصة مرافقة أُخت موسى ومتابعتها لمآل الصندوق الذي أودعت أُمّها فيه أخاها، فلقد تَقصَّت أثره من حين إنطلاقه وإلى حين عودته إلى أُمّه، فكانت مراسلاً صحفياً وإعلامياً مُطّلعاً وعليماً وموثوقاً، قال عزّوجلّ: (قَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ) (القصص/ 11).
2- الصِّدق والدقّة في نقل الخبر:
مثاله، قصة ذهاب الهُدهد إلى سبأ وإطلاعه عن كثب على أُمور المملكة وعبادة الناس للشمس هناك، وأنّ امرأة تحكمهم ولها قدرات هائلة وعرش عظيم، ونقل الخبر بحذافيره إلى سيِّده سليمان (عليه السلام)، قال تعالى على لسان الهُدهد: (فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ) (النمل/ 22).
3- التبنِّي والتحرِّي من صحّة الخبر:
قال تعالى على لسان سليمان (عليه السلام) عندما سمع خبر المملكة السبأية: (قَالَ سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ) (النمل( 27
وفي معيار عام، يقول جلّ جلاله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ) (الحجرات/ 6)
4- السعي لنشر فضيلة الخير والصلاح والهداية:
ومثاله (حبيب النجّار) الذي جاء من أقصى المدينة يسعى، قال تعالى: (وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ * اتَّبِعُوا مَنْ لَا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُمْ مُهْتَدُونَ * وَمَا لِيَ لَا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ * أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمَنُ بِضُرٍّ لا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا وَلا يُنْقِذُونِ * إِنِّي إِذًا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ * إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ * قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ * بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ) (يس/ 20-27)
5- التحرُّز والتحرُّج من كتمان الحقائق وبترها:
قال تعالى عن اليهود الذين كانوا على علم واطلاع بأنّ نبيّاً سيظهر بمواصفات محدودة في كتابهم، وكانوا يستفتحون به، وينتظرونه حتى إذا جاءهم لم يُكذِّبوه فقط، بل أخفوا كلّ تلك الأدلّة والبراهين التي كانوا يُروِّجون لها قبل بعثة النبيّ (صلى الله عليه وآله)، قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) (البقرة/ 174)
المصدر:البلاغ
السيد حسن نصر الله: صواريخنا الدقيقة تطال كل الأهداف الإسرائيلية برا وبحرا
وفي مقابلة مع شبكة الميادين، ليل الإثنين، تحدث السيد حسن نصر الله عن معادلة الردع بين لبنان والكيان الصهيوني المؤقت وعن معادلة كاريش.
وفي هذه المقابلة، قال السيد حسن نصر الله، إن بدايات الردع بين لبنان والكيان الصهيوني المؤقت بدأت عام 1985، عندما اضطر العدو الصهيوني، مبكراً، إلى الانسحاب من كثير من المناطق التي احتلها.
وأشار السيد نصر الله إلى أن "العدو الإسرائيلي تعاطى مع الشريط الحدودي كحزام أمني؛ لمنع المقاومين من دخول فلسطين، وحينها بدأ الردع".
وأضاف أنّ هذا الردع، يومها، كان إنجاز كل حركات المقاومة التي نفذت عمليات استشهادية وليس حزب الله فقط، لافتاً أيضاً إلى أنّ "المرحلة الثانية من الردع بدأت من خلال فعل المقاومة في القرى الأمامية، وصولاً إلى عام 1993 حين بدأت المرحلة الثالثة"، موضحا أنه "من عام 1993 حتى عام 1996، تم تحقيق مستوى عال من الردع".
وتابع: "تفاهم نيسان/أبريل 1996 أسس لانتصار عام 2000، حيث باتت للردع عناوين عدة، بينها منع الاحتلال من قصف أهداف مدنية من دون رد"، مؤكدا أن الكيان الصهيوني أدرك، نتيجة حرب تموز/يوليو، أن المواجهة مع المقاومة خطيرة وكبيرة، وأن قدرات المقاومة باتت تتجاوز المواجهة عند الحدود، ومضيفا أنه "منذ حرب تموز/يوليو حتى اليوم، بات العدو الإسرائيلي ينتبه إلى أن أي عمل تجاه لبنان سيقابل برد".
كما قال السيد نصر الله إن العدو يلجأ، اليوم، إلى عمليات لا تترك أي بصمة. ومنذ عام 2006 إلى اليوم، لا يجرؤ على أي عمل ضد لبنان.
معادلة "كاريش"
أما عن معادلة "كاريش"، التي أعلن عنها هذا الشهر في خطاب متلفز حول آخر التطورات السياسية، فقال الأمين العام لحزب الله، السيد حسن نصر الله، إن "لبنان، الآن، أمام فرصة تاريخية في ظل حاجة أوروبا إلى تأمين بديل للنفط والغاز الروسيين".
وأشار السيد نصر الله إلى أن "الرئيس الأميركي، جو بايدن، جاء إلى المنطقة من أجل الغاز والنفط، والإضافة التي يمكن أن تقدمها السعودية والإمارات لن تحل حاجة أوروبا"، مبينا أن "الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا بحاجة إلى النفط والغاز، و"إسرائيل" ترى فرصة في ذلك"، لافتاً إلى أن "بايدن لا يريد حرباً في المنطقة، وهذا الأمر فرصة لنا للضغط من أجل الحصول على نفطنا".
وتابع السيد نصر الله: "الموضوع ليس كاريش وقانا، وإنما كل حقول النفط والغاز المنهوبة من قبل "إسرائيل"، في مياه فلسطين، مقابل حقوق لبنان".
كما قال السيد نصر الله إن "الأميركيين أدخلوا لبنان في دوامة المفاوضات، فيما "إسرائيل" حفرت الآبار، ونقبت عن الغاز، وتستعد لاستخراجه"، مشدداً على أن "الولايات المتحدة ضغطت على الدولة اللبنانية من أجل القبول بخط "هوف"، أو بالطرح الإسرائيلي للحدود البحرية".
كذلك أكد السيد نصر الله أن "ما تريده الدولة اللبنانية يمكنها أن تحصل عليه الآن، وليس غداً"، مضيفاً أنه "لا يوجد هدف إسرائيلي في البحر أو في البر لا تطاله صواريخ المقاومة الدقيقة".
وقال السيد نصر الله إن "هذا العمل (استهداف ) كاريش أو ما بعدها متوقف على قرار العدو الإسرائيلي ومعه الولايات المتحدة الأميركية".
وأوضح السيد نصر الله أن "الدولة اللبنانية قدمت تنازلاً كبيراً من خلال ما طلبته من الوسيط الأميركي عندما تحدثت عن الخط الـ23+"، مشيراً إلى أن "الكرة، الآن، ليست في ملعب لبنان؛ لأنه هو الممنوع من استخراج النفط والغاز في المنطقة غير المتنازع عليها".
وأضاف الأمين العام لحزب الله، السيد حسن نصر الله، أن "المطلوب الالتزام بالحدود التي تطلبها الدولة اللبنانية، ورفع الفيتو عن الشركات التي تستخرج النفط".
وتابع السيد نصر الله: "إذا بدأ استخراج النفط والغاز من كاريش في أيلول/ سبتمبر، قبل أن يأخذ لبنان حقه، فنحن ذاهبون إلى مشكل". وأوضح السيد نصر الله: "وضعنا هدفاً وذاهبون إليه من دون أي تردد، وكل ما يحقق هذا الهدف سنلجأ إليه".
ورأى السيد نصر الله أن "الدولة اللبنانية عاجزة عن اتخاذ القرار المناسب الذي يحمي لبنان وثرواته، ولذلك فإن المقاومة مضطرة إلى اتخاذ القرار".
وفي سياق حديثه، شدد السيد نصر الله على أن الهدف هو أن يستخرج لبنان النفط والغاز؛ لأن هذا هو الطريق الوحيد لنجاته.
السعودية وإيران.. هل تفضي الجولة السادسة من المفاوضات إلى تسوية حقيقية ومستدامة؟
مراقبون يتوقعون عودة العلاقات الدبلوماسية بين طهران والرياض قريبا (الجزيرة)
طهران- بعد عقد 5 جولات من المباحثات الأمنية بين إيران والسعودية، ودعم طهران في ختامها فتحا متبادلا للسفارات مع الرياض، وافق الجانبان مؤخرا على انتقال الحوار إلى المستوى السياسي.
وأعلن وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، في حوار مع التلفزيون الإيراني، أن الوسيط العراقي أبلغ طهران استعداد الرياض لإطلاق محادثات علنية على المستوى السياسي، مؤكدا أن بلاده تبادل السعودية الاستعداد نفسه من أجل إعادة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين.
كما أكد عبد اللهيان، عزم أبو ظبي والكويت إرسال سفيريهما إلى طهران، متوقعا أن يحصل هذا الأمر خلال الأيام القليلة المقبلة.
وكانت الإمارات والكويت قد خفضت تمثيلهما الدبلوماسي في طهران إثر قطع السعودية علاقاتها مع إيران في يناير/كانون الثاني 2016، عقب تعرض سفارتها في طهران وقنصليتها في مشهد لاعتداءات من قبل محتجين على إعدام الرياض رجل الدين الشيعي المعارض نمر النمر.
متغيرات سياسية
ويصنف مراقبون في إيران، الملف اليمني بأنه العامل الأساس وراء إطالة أمد المفاوضات الأمنية بين إيران والسعودية على مدى أكثر من 16 شهرا تمكن خلالها الجانبان من تجاوز العديد من الملفات والخلافات المحتدمة.
وفي السياق، يعتقد الباحث السياسي، حسن هاني زاده، أن وقف إطلاق النار بين السعودية والحوثيين أسهم إلى حد بعيد في تذليل العقبات وحل القضايا الشائكة بين إيران والسعودية، متوقعا نجاح الجولة السادسة من المفاوضات السعودية الإيرانية في إنهاء الهجمات الإعلامية وإعادة فتح السفارات، تمهيدا للتعاون البَناء لحل الأزمات الإقليمية.
واعتبر هاني زاده -في حديث للجزيرة نت- أن المنطقة مقبلة على متغيرات سياسية وأن زيارة الرئيس الأميركي جو بايدن جاءت في هذا السياق، مضيفا أن بعض الأوساط الإيرانية ترى أن المساعي لخفض التوتر إنما تكتيكية ومن أجل كسب الوقت وتستبعد التوصل إلى تسوية حقيقية ومستدامة مع الرياض.
وأشار إلى أن بعض التسريبات في إيران، توحي بعزم الوزير عبد اللهيان التوجه إلى بغداد للقاء نظيره السعودي فيصل بن فرحان فور انتهاء الجولة المقبلة من المفاوضات السياسية بين الفريقين الإيراني والسعودي.
حسين عبد اللهيان أكد أن بلاده تبادل السعودية الاستعداد نفسه من أجل إعادة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين (رويترز)
قناعة إقليمية
ورأى زاده أن "الرئيس بايدن لم يحصل على كل ما أراده في قمة جدة لا سيما ما يتعلق بضمان أمن الكيان الصهيوني ومواجهة إيران"، مضيفا أن قادة الدول العربية لا سيما الخليجية أعربت عن رغبتها بخفض التوتر في المنطقة بعيدا عن التدخلات الأجنبية؛ ما يعني أن هناك توجها لموازنة العلاقات بين إيران وتل أبيب لدى الدول المطبعة مع الكيان الإسرائيلي.
كما سيحد -برأي زاده- رفع مستوى التمثيل الدبلوماسي بين الإمارات وإيران من نفوذ الكيان الإسرائيلي في المنطقة ويعزز مكانة طهران بين جيرانها العرب، وأما موسكو فترى مصلحة في التقارب الإيراني العربي لأنها ترغب بإبعاد الولايات المتحدة عن المنطقة، وفق زاده.
أما عن أسباب التقارب الإيراني الخليجي والمؤشرات الإيجابية بقرب موعد تبادل السفراء بين إيران وكل من السعودية والإمارات والكويت، يقول مدير المركز العربي للدراسات الإيرانية، محمد صالح صدقيان، إن التطورات الإقليمية والدولية الأخيرة أقنعت إيران والدول العربية بضرورة وضع الخلافات جانبا واعتماد لغة التفاهم والتنسيق لمصلحة المنطقة برمتها.
واعتبر صدقيان، في حديثه للجزيرة نت، أن دول الإقليم أضحت على قناعة تامة بأن المواجهة السياسية والأمنية والعسكرية لم تعد مجدية في خدمة مصالح شعوب المنطقة، ما أدى بها إلى إيفاد مسؤولين وممثلين عنها لزيارة العواصم الأخرى لتذليل العقبات في علاقاتها الثنائية.
وفد سعودي
وكشف المتحدث عن قيام وفد سعودي بزيارة العاصمة طهران لتفقد مقر سفارة بلاده في إيران، مؤكدا أن الوفد السعودي زار كذلك مدينة مشهد شمال شرقي البلاد وتفقد مبنى القنصلية السعودية فيها، في مؤشر يوحي بعودة العلاقات الدبلوماسية بين طهران والرياض قريبا.
ورأى مدير المركز العربي للدراسات الإيرانية، أن التقارب السعودي الإيراني سيكون محل ترحيب أميركي وروسي، موضحا أن واشنطن ترى في التقارب بين طهران والرياض فرصة لإنهاء الأزمة اليمنية، كما أن موسكو سبق وطرحت مبادرة لإنهاء الخلاف بين إيران والسعودية.
ونفى أن يكون التقارب الإيراني الخليجي مرتبطا بمخرجات قمة بايدن مع السعوديين في جدة ودعوته إلى زيادة ضخ النفط، مؤكدا أن طهران غير معنية بالحصص المحددة في منظمتي "أوبك" و"أوبك بلس" بسبب خفض إنتاجها وصادراتها جراء العقوبات الأميركية خلال السنوات الماضية.
ورأى صدقيان، أن السعودية غير راغبة بزيادة ضخ النفط نظرا إلى تفاهمات سابقة مع روسيا في إطار منظمة "أوبك بلس".
وخلص الباحث الإيراني، إلى أن الشرق الأوسط منطقة مفعمة بالأزمات منذ عقود، وأن دخول إسرائيل على خط التطورات الأمنية والسياسية من خلال عمليات التطبيع، سيزيد التوتر فيها من خلال فبركة أزمات بين دولها.
المصدر : الجزيرة
«الدعاء» وسيلة الوصال
قيمة الدعاء:
الدعاء هو إقبال العبد على الله، والإقبال على الله هو روح العبادة، والعبادة هي الغاية من خلق الإنسان. هذه النقاط الثلاث تجسّد لنا قيمة الدعاء وتوضح لنا حقيقته. فالقرآن صرّح بشكل واضح أنّ العبادة هي الغاية من خلق الإنسان حيث قال: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ) (الذاريات/ 56)، وقيمة العبادة أنّها تشدّ الإنسان إلى الله وتربطه به تعالى.
ولذلك فإنّ قصد التقرُّب إلى الله في العبادة أمرٌ جوهري في تحقيقها، ومن دونه لا تكون العبادة عبادة. فالعبادة في حقيقتها حركةٌ إلى الله، وإقبالٌ على الله، وقصدٌ لوجه الله، وابتغاءٌ لمرضاته. والدعاء هو في الحقيقة إقبالٌ على الله، ومن أبرز مصاديق الانشداد والارتباط به عزّ وجلّ، ولا يوجد في العبادات عبادة تقرُّب الإنسان إلى الله أكثر من الدعاء. عن الإمام الصادق (ع) أنّه قال: "عليكم بالدعاء، فإنّكم لا تتقربون بمثله".
وكلما كانت حاجة الإنسان إلى الله أعظم وفقره إليه تعالى أشدّ واضطراره إليه أكثر يكون إقبال في الدعاء على الله أكثر. والنسبة بين إحساس الإنسان بفقره إلى الله واضطراره إليه تعالى، وبين إقبال الإنسان عليه سبحانه في الدعاء نسبة طردية. فإنّ الحاجة والاضطرار يلجئان الإنسان إلى الله، وبقدر ما يشعر بهذه الحاجة يكون إقباله على الله، كما أنّ العكس كذلك أيضاً.
يقول الله تعالى في كتابه الكريم: (كَلا إِنَّ الإنْسَانَ لَيَطْغَى * أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى) (العلق/ 6-7). إنّ الإنسان ليطغى ويعرض عن الله بقدر ما يتراءى له أنّه قد استغنى، ويقبل على الله بقدر ما يعي من فقره وحاجته إلى الله. وتعبير القرآن الدقيق (أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى)، فلا غنى للإنسان عن الله، بل الإنسان فقرٌ كلّه إلى الله (يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ) (فاطر/ 15)، ولكن يتراءى له أنّه قد استغنى، وغرور الإنسان هو الذي يخيّل إليه ذلك. فإذا تراءى له أنّه قد استغنى عن الله، أعرض ونأى بجانبه وطغى. فإذا مسّه الضر وأحسّ بالاضطرار إلى الله عاد وأقبل إليه. الدعاء في الحقيقة هو إقبالٌ على الله. ومن يدع الله تعالى ويتضرّع إليه فلابدّ أن يقبل عليه تعالى، وهذا الإقبال هو حقيقة الدعاء وجوهر قيمته. فالدعاء إذاً جوهر العبادة وروحها، فإنّ الغاية من خلق الإنسان العبادة، والغاية من العبادة الانشداد إلى الله. والدعاء يحقق هذا الانشداد والارتباط من أوسع الأبواب وبأقوى الوسائل. فعن النبيّ الأكرم (ص) أنّه قال: "الدعاء مخ العبادة، ولا يهلك مع الدعاء أحد". ولأنّ حقيقة الدعاء هي الإقبال على الله كان الدعاء أحب الأشياء عند الله وأكرمها عنده. عن رسول الله (ص): "ما من شيء أكرم على الله تعالى من الدعاء".
وسُئل الإمام الباقر (ع) أي العبادة أفضل؟ فقال: "ما من شيء أفضل عند الله عزّ وجلّ من أن يُسأل ويُطلب مما عنده وما أحد أبغض إلى الله عزّ وجلّ ممّن يستكبر عن عبادته ولا يسألُ ما عنده".
آداب الدعاء وشروطه:
لكلّ عبادة آدابٌ وشروطٌ لابدّ من مراعاتها لتحقيق الثمرة المرجوّة منها وكذلك الدعاء. فما لم يتأدب الإنسان بآداب الدعاء فلا ينتظر إجابة دعائه ولا السكينة الروحية والراحة النفسية التي ينالها الداعي عادةً. فعن الإمام الصادق (ع) أنّه قال: "احفظ أدب الدعاء وانظر مَن تدعو، كيف تدعو، ولماذا تدعو، وحقّق عظمة الله وكبرياءه، وعاين بقلبك علمه بما في ضميرك واطّلاعه على سرك وما تكون فيه من الحقّ والباطل، واعرف طرق نجاتك وهلاكك كيلا تدعو الله تعالى بشيء فيه هلاكك وأنت تظن أنّ فيه نجاتك، قال الله تعالى: (وَيَدْعُ الإنْسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الإنْسَانُ عَجُولا) (الإسراء/ 11)، وتفكّر ماذا تسأل ولماذا تسأل... فإن لم تأتِ بشرط الدعاء فلا تنتظر الإجابة، فإنّه يعلم السر وأخفى، فلعلك تدعوه بشيءٍ قد علم من سرك خلاف ذلك".
أما آداب الدعاء وشروطه فهي:
1- البدء بالبسملة وبالصلاة على محمّد وآله والختم بها:
وهي من الآداب الضرورية، فعن الرسول الأكرم (ص) قال: "لا يردّ دعاء أوّله بسم الله الرحمن الرحيم". وعن الإمام الصادق (ع): "لا يزال الدعاء محجوباً حتى يصلّي على محمد وآل محمد". وعنه (ع) أيضاً قال: "مَن كانت له إلى الله حاجة فليبدأ بالصلاة على محمد وآله، ثمّ يسأل حاجته، ثمّ يختم بالصلاة على محمد وآل محمد، فإنّ الله أكرم من أن يقبل الطرفين ويدع الوسط".
2- معرفة الله:
من أهمّ شروط استجابة الدعاء معرفة الله تعالى، والإيمان بسلطانه وقدرته المطلقة على تحقيق ما يطلبه منه. فعن رسول الله (ص) أنّه قال: "لو عرفتم الله حقّ معرفته، لزالت الجبال بدعائكم".
وروي أنّ الإمام الصادق (ع) قرأ "(أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ) (النمل/ 62)، فسُئل: ما لنا ندعو ولا يستجاب لنا؟ فقال (ع): لأنّكم تدعون مَن لا تعرفون، وتسألون ما لا تفهمون".
3- حسن الظنّ بالله:
وهو من شعب الإيمان بالله تعالى، فالله تعالى يعطي عباده بقدر حسن ظنّهم به ويقينهم بسعة رحمته وكرمه. ففي الحديث القدسي: "أنا عند ظنّ عبدي المؤمن بي، إن خيراً فخيراً، وإن شراً فشراً". وعن الإمام الصادق (ع) قال: "لا يزال العبد بخير ورجاء ورحمة من الله عزّ وجلّ، ما لم يستعجل فيقنط، ويترك الدعاء، وقيل له: كيف يستعجل؟ قال: يقول: قد دعوت منذ كذا وكذا وما أرى الإجابة".
4- إقبال القلب على الله:
وهو من أهمّ شروط الاستجابة، فإنّ حقيقة الدعاء في إقبال القلب على الله، فإذا اشتغل قلب الإنسان بغير الله تعالى من شواغل الدنيا لم يحقّق الإنسان حقيقة الدعاء. فعن الإمام الصادق (ع) أنّه قال (ع): "إنّ الله عزّ وجلّ لا يستجيب دعاءً بظهر قلبٍ ساه، فإذا دعوت فأقبل بقلبك ثمّ استيقن الإجابة".
5- الإخلاص:
على الداعي أن يخلص لله تعالى ولا يشرك في دعائه شيئاً، لأنّ الله تعالى لا يقبل إلّا ما كان له خالصاً، فعن الإمام السجاد (ع): "مَن لم يرجُ الناس في شيء وردّ أمره إلى الله عزّ وجلّ في جميع أموره استجاب الله عزّ وجلّ له في كلّ شيء".
6- المداومة على الدعاء في الشدّة والرخاء:
فعن الإمام الصادق (ع) أنّه قال: "ينبغي للمؤمن أن يكون دعاؤه في الرخاء نحواً من دعائه في الشدة، ليس إذا أعطي فتر، فلا تملّ الدعاء فإنّه من الله عزّ وجلّ بمكان". وعنه (ع) أيضاً قال: "مَن سَرّه أن يُستجاب له في الشدّة فليُكثر الدعاء في الرخاء".
7- اقتران الدعاء بالعمل:
فمن شروط الدعاء الأساسية اقتران الدعاء بالعمل، لا ينفع دعاء من غير عمل، كما وأنّه لا يغني العمل عن الدعاء أيضاً. من وصايا النبيّ الأكرم (ص) لأبي ذر: "يا أبا ذر، مثل الذي يدعو بغير عملٍ كمثل الذي يرمي بغير وتر". وروي أنّ رجلاً قال للإمام الصادق (ع): "لأقعدنّ في بيتي ولأصلينّ ولأصومنّ ولأعبدنّ ربي، فأمّا رزقي فسيأتيني. فقال (ع): هذا أحد الثلاثة الذين لا يستجاب لهم".
8- اجتناب الذنوب:
فإنّ جوهر العبادة كما علمنا هو الإقبال على الله، فكيف يتأتّى لإنسان يمارس معصية الله تعالى ويعرض عن أمره وحكمه أن يقبل عليه؟! فعن الإمام الصادق (ع) أنّه قال: "إنّ العبادة يسأل الله تعالى الحاجة، فيكون من شأنه قضاؤها إلى أجلٍ قريب، أو إلى وقتٍ بطيء، فيذنب العبد ذنباً، فيقول الله تعالى للملك، لا تقضِ حاجته، واحرمه إياها، فإنّه تعرّض لسخطي، واستوجب الحرمان منّي".
9- بثّ الحاجة بين يدي الله:
فالله عزّ وجلّ وإن كان يعلم حوائجنا، ولكنّه يحبّ أن نبثّها إليه كما في الحديث عن الإمام الصادق (ع) أنّه قال: "إنّ الله تبارك وتعالى يعلم ما يريد العبد إذا دعاه، ولكن يحبّ أن يبثّ إليه الحوائج، فإذا دعوت فسمّ حاجاتك، وما من شيءٍ أحبّ إلى الله من أن يُسأل".
10- الإلحاح في الدعاء:
الإلحاح في الدعاء يكشف عن عمق ثقة العبد ورجائه في الله تعالى وعمق تعلّقه به. فكلما كانت ثقة الإنسان بالله أكثر كان إلحاحه في الدعاء أكثر والعكس صحيح. فعن رسول الله (ص) قال: "إنّ الله يحبّ الملحّين في الدعاء". وعن الإمام الباقر (ع) قال: "إنّ الله كره إلحاح الناس بعضهم على بعضٍ في المسألة، وأحبّ ذلك لنفسه".
11- الدعاء للآخرين:
فعن رسول الله (ص) أنّه قال: "مَن دعا لمؤمنٍ بظهر الغيب قال الملك: فَلَكَ مثل ذلك". وعن الإمام الصادق (ع) قال: "دعاء المرء لأخيه بظهر الغيب يدرّ الرزق، ويدفع المكروه".
12- التوجّه إلى معاني الدعاء:
فلا يدعو وهو غافلٌ عمّا يتلفّظ به ويطلبه، فعن الإمام الصادق (ع) قال: "إنّ الله لا يستجيب دعاءً بظهر قلبٍ ساه، فإذا دعوت فأقبل بقلبك ثمّ استيقن بالإجابة".
13- الدعاء بالمأثور:
أي بالأدعية التي وصلتنا من أهل بيت النبوّة صلوات الله عليهم، ففي كلامهم أفضل تعبير عن العبودية والتضرُّع والخضوع لربّ العالمين، حيث إنّ الأدعية والمناجاة التي وصلتنا عن الأئمة المعصومين هي أعظم أدلة إلى معرفة الله جلّ وعلا، وأسمى مفاتيح العبودية وأرفع رابطة بين الحقّ والخلق. كما أنّها تشتمل في طياتها على المعارف الإلهية، وتمثّل أيضاً وسيلةً ابتكرها أهل بيت الوحي للأنس بالله جلّت عظمته فضلاً عن أنّها تمثل نموذجاً لحال أصحاب القلوب وأرباب السلوك.
موانع استجابة الدعاء:
وينبغي للمؤمن أن يحترز عن القيام بما من شأنه حجب دعائه وعدم استجابته مخافة أن يصل إلى الحدّ الذي لا يوفّق بعده للدعاء أصلاً فيكون شقيّاً، كما نقرأه في دعاء كميل: "فأسألك بعزّتك أن لا يحجب عنك دعائي سوء عملي وفعالي"، و"اللّهمّ اغفر لي الذنوب التي تحبس الدعاء"، وقد أكّد أهل العصمة (عليهم السلام) على عدّة موانع تقف حائلاً دون إجابة الدعاء وهي:
1- الشرك:
فعندما يتوجّه الإنسان بالطلب إلى الله تعالى ولكنه في نفس الوقت يرى مؤثريّةً لغيره عزّ وجلّ في تدبير أموره وتسيير شؤونه، فإنّ ذلك يعدّ من مراتب الشرك الخفيّ، والتي يمكن أن تكون سبباً لعدم استجابة الدعاء.
فعن الإمام الصادق (ع) قال: "أوحى الله عزّ وجلّ إلى داود (ع): ما اعتصم بي عبدٌ من عبادي دون أحدٍ من خلقي عرفت ذلك من نيّته ثمّ تكيده السماوات والأرض ومن فيهنّ إلّا جعلت له المخرج من بينهنّ، وما اعتصم عبد من عبادي بأحدٍ من خلقي عرفت ذلك من نيته إلّا قطعت أسباب السماوات والأرض من يديه، وأسخت الأرض من تحته، ولم أبالِ بأيّ وادٍ هلك". والسبب في ذلك أنّه عندما يسأل الإنسان ربّه أمراً ما وقلبه متعلقٌ بالأسباب ومعتمدٌ عليها فهذا ينافي الإخلاص له تعالى وهو القائل: (فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) (غافر/ 14)، (وَلا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَنْفَعُكَ وَلا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ) (يونس/ 106).
2- الذنوب والمعاصي:
حيث تشكّل حاجباً ومانعاً بين العبد ومولاه، لذا على الإنسان أن لا يتأخّر عن التوبة والاستغفار فيما لو وقع في هفوةٍ لا سمح الله، لأنّ الذنوب تحول دون قضاء الحوائج واستجابة الدعاء، فعن الإمام الباقر (ع): "إنّ العبد يسأل الحاجة من حوائج الدنيا فيكون من شأن الله قضاءها إلى أجلٍ قريب أو إلى وقتٍ بطيء، فيذنب العبد ذنباً فيقول الله تبارك وتعالى للملك لا تنجز حاجته واحرمه إيّاها، فإنّه تعرّض لسخطي، واستوجب الحرمان مني".
3- سؤال ما فيه الضرر:
قد يظن الإنسان في أمرٍ ما خيراً له، فيسأل الله ويلحّ في طلبه ولكن الله اللطيف الحكيم لعلمه بعاقبة الأمور وخفاياها وبواطنها يمنع هذا الأمر عن عبده رفقاً به ورحمة، أو يؤخّره عنه لأنّ صلاحه لا يكون في العاجل وإنّما في وقت لاحق، أو قد يبدله بما هو أفضل منه. فيظنّ الجاهل حينها أنّ الله تعالى أخلف وعده في استجابة الدعاء، ولكنّ الواقع أنّ الله تعالى إنّما امتنع عن إيصال الضرر إليه والذي طلبه نتيجة جهله. يقول الله عزّ وجلّ: (وَيَدْعُ الإنْسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الإنْسَانُ عَجُولا) (الإسراء/ 11).
4- عدم الصدق في الطلب:
فقد يطلب الإنسان من الله تعالى ويسأله وهو غير صادقٍ في طلبه، والاستجابة إنما تطابق الدعوة، فما يسأله السائل ويعقد عليه ضميره ونيّته هو ما سيناله وليس ما يسأله بلسانه ويظهره بلفظه دون أن يقصده حقاً. فحقيقة الدعاء هو ما يحمله القلب دون ما يأتي به اللسان الذي يدور كيفما أدير صدقاً أو كذباً. ولهذا يقول النبيّ (ص): "ادعو الله وأنتم موقنون بالإجابة". وعن الإمام الصادق (ع): "إنّ الله لا يستجيب دعاء بظهر قلب ساهٍ، فإذا دعوت فأقبل بقلبك، ثمّ استيقن بالإجابة".►
المصدر: كتاب دروس في التربية الأخلاقية
الاتفاق النووي الإيراني.. الاتحاد الأوروبي يقدم مسودة جديدة وطهران وواشنطن تدرسان الرد
بوريل: إذا تم رفض الاتفاق فسنخاطر بمواجهة أزمة نووية خطيرة (الأوروبية)
27/7/2022
أعلن الاتحاد الأوروبي الثلاثاء أنه اقترح مسودة نص جديد لإحياء الاتفاق النووي الإيراني، وبينما أكدت طهران أنها ستطرح رأيها، قالت واشنطن إنها تدرس الرد على المسودة.
وقال مسؤول السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل "لقد وضعت الآن على الطاولة نصا يتناول بالتفصيل الدقيق رفع العقوبات بالإضافة إلى الخطوات النووية اللازمة لاستعادة العمل بخطة العمل الشاملة المشتركة"، في إشارة إلى اتفاق عام 2015
وأضاف في مقال بصحيفة فايننشال تايمز (Financial Times) أنه بعد 15 شهرا من المفاوضات المكثفة والبناءة في فيينا، والتفاعلات التي لا تحصى مع المشاركين، قد نفدت كل الفرص لتقديم تنازلات إضافية مهمة، حسب وصفه.
وكتب بوريل "إذا تم رفض الاتفاق، فإننا نخاطر بمواجهة أزمة نووية خطيرة مع احتمال زيادة عزلة إيران وشعبها".
نقاشات بناءة
وفي تغريدة على تويتر، قال كبير المفاوضين الإيرانيين علي باقري إن نقاشات بناءة وجادة جرت خلال الأسبوع الماضي مع الأطراف الأخرى بشأن مفاوضات فيينا الخاصة بالملف النووي.
وأضاف باقري أن المنسق الأوروبي قدم أفكاره بشأن كيفية إتمام المفاوضات، مشددا على أن لدى إيران أفكارها الخاصة لإتمام المفاوضات من حيث الشكل والمضمون، وأنها ستقدمها.
في المقابل، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية نيد برايس للصحفيين إن واشنطن تراجع "مسودة التفاهم" التي طرحها بوريل، وسترد مباشرة على الاتحاد الأوروبي.
تصريحات سابقة
وفي وقت سابق، قال الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي إن تحقيق نتيجة في محادثات إعادة تفعيل الاتفاق النووي مرهون بوجود إرادة حقيقية لدى الطرف المقابل، مضيفا أن بلاده لن تتراجع عن مواقفها وأنه لا يمكن التعامل معها "بلغة القوة".
كما أكد رئيسي أنه إذا تعامل الطرف المقابل بحكمة وبصورة منطقية يمكن التوصل إلى نتيجة في محادثات إعادة تفعيل الاتفاق النووي.
وكان المتحدث باسم الخارجية الإيرانية ناصر كنعاني قال في تغريدة على تويتر إن بلاده لم تنسحب من الاتفاق النووي، وما زالت باقية فيه، وإن الولايات المتحدة هي الطرف الذي ينبغي أن يثبت حسن نيته والتزامه بالاتفاق النووي لكي يتمكن من العودة للاتفاق، حسب تعبيره.
وأضاف كنعاني أن بلاده ما زالت ملتزمة بالسعي للوصول إلى اتفاق جيد ومستدام وقوي، يضمن مصالح إيران المنصوص عليها في الاتفاق النووي؛ مؤكدا أن التوصل لهذا الاتفاق مرهون بإرادة الإدارة الأميركية.
المصدر : الجزيرة + وكالات
استفتاء تونس.. هيئة الانتخابات تعلن النتائج الأولية ودعوات لتوحيد المعارضة ولانتخابات مبكرة
بوعسكر أعلن قبول هيئة الانتخابات لمشروع نص الدستور
أعلنت هيئة الانتخابات في تونس مساء الثلاثاء النتائج الأولية للاستفتاء على مشروع الدستور الجديد، وبينما تعالت أصوات المعارضة الرافضة لنتيجة الاستفتاء، جددت واشنطن التعبير عن مخاوفها من تقويض الرئيس التونسي قيس سعيد للمؤسسات الديمقراطية في البلاد.
وقال رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات في تونس فاروق بوعسكر إن نسبة التصويت بنعم في الاستفتاء على مشروع الدستور الجديد بلغت 94.6%، في حين بلغت نسبة المشاركة 30.5%.
وفي مؤتمر صحفي للهيئة، أعلن بوعسكر قبول الهيئة مشروع نص الدستور الجديد للجمهورية التونسية المعروض على الاستفتاء بعد هذه النتيجة.
وقال إن العدد الإجمالي للمشاركين في الاستفتاء بلغ مليونين و756 ألفا و607 ناخبا من أصل 9,3 ملايين يحق لهم التصويت، وقد صوّت مليونان و607 آلاف و848 ناخبا بـ"نعم" على الدستور الجديد.
رفض متصاعد
يأتي ذلك بينما جددت أحزاب وقوى معارضة رفضها لنتيجة الاستفتاء على الدستور ودعت لإجراء انتخابات رئاسية وتشريعية مبكرة.
واتهمت "جبهة الخلاص الوطني"، وهي تحالف أحزاب معارضة في تونس، هيئة الانتخابات بـ"تزوير" أرقام نسبة المشاركة في الاستفتاء، مدعية أن استفتاء الرئيس قيس سعيد "فشل".
وقال رئيس الجبهة أحمد نجيب الشابي إن "الأرقام التي خرجت من الهيئة المنظمة للانتخابات مضخمة ولا تتفق مع ما تم ملاحظته في الجهات ومن قبل مراقبين، هذه الهيئة لا تتحلى بالنزاهة والحياد والأرقام مبنية على التزوير".
وأضاف في مؤتمر صحفي الثلاثاء أن "المرجع الوحيد للشرعية في البلاد هو دستور 2014. قيس سعيد لم يبق له أي مكان. خاب انقلابه، يجب أن يفسح المجال لانتخابات عامة رئاسية وتشريعية حتى يسود الاستقرار".
وأشار إلى أن الإقبال المنخفض على المشاركة في الاستفتاء الذي قال إن "ثلثَي" الناخبين قاطعوه، يثبت "فشل انقلاب قيس سعيد".
ووفقا للشابي، فإن أي التزام من جانب صندوق النقد الدولي مع السلطة الحالية سيؤدي إلى مزيد من الاضطرابات الاجتماعية والسياسية.
يذكر أن تونس طلبت قرضا من صندوق النقد الدولي لمساعدتها في التعامل مع أزمة مالية حادة تفاقمت بعد احتكار الرئيس قيس سعيّد للسلطتين التنفيذية والتشريعية في يوليو/تموز 2021.
وفي كلمة وسَط حشد من أنصاره بشارع الحبيب بورقيبة قبيل ظهور النتائج الأولية مساء الاثنين، قال الرئيس التونسي إن التوافد كان كبيرا على لجان الاقتراع، وإن تونس دخلت مرحلة جديدة. وكشف أن أول قرار بعد الاستفتاء سيكون سن قانون انتخابي جديد.
توحيد المواقف
وإضافة لجبهة الخلاص، تعالت أصوات المعارضة لتوحيد المواقف وتعبئة صفوفها واستثمار ضعف عدد المصوتين في الاستفتاء وبنسبة مشاركة لم تشهدها البلاد في جميع المحطات الانتخابية التي أعقبت الثورة.
وقال رئيس البرلمان التونسي المنحل راشد الغنوشي إن إجراءات الاستفتاء على مشروع الدستور باطلة.
وخلال مقابلة مع الجزيرة مباشر، أكد أن مشروع الدستور الذي تم الاستفتاء عليه يكرس نظاما فرديا، مشيرا إلى أن الرئيس قيس سعيد فشل في تعبئة أنصاره وهو ما ظهر من خلال نسبة المشاركة في الاستفتاء.
من جهتها، قالت نائبة رئيس البرلمان المنحل سميرة الشواشي إن الشعب التونسي رفض مشروع الدستور الجديد من خلال مقاطعته الاستفتاء.
وأكدت أن جبهة الخلاص متمسكة بدستور عام 2014. وأضافت، في مؤتمر صحفي، أن التونسيين لن ينخرطوا فيما وصفته بالجريمة المرتكبة في حق بلادهم.
بدوره، قال الرئيس الأسبق المنصف المرزوقي للجزيرة في نشرة سابقة إن الدستور التونسي الذي اقترحه الرئيس سعيد على التونسيين هو عملة مزيفة وإن العملة الحقيقية هي دستور 2014، وفق قوله.
من جانبه، شكك الأمين العام لحزب العمال التونسي حمة الهمامي في صحة الأرقام التي تقدمها الهيئة المستقلة للانتخابات بشأن الاستفتاء. وقال في مقابلة مع الجزيرة إن الاستفتاء على مشروع الدستور أفقد الرئيس قيس سعيد الشرعية. وأضاف أنه أمام رئيس لا يعترف بشرعيته، وأمام دستور استبدادي.
في المقابل، انتقد عميد المحامين التونسيين عضو الهيئة الاستشارية التي صاغت مشروع الدستور التونسي الجديد إبراهيم بودربالة دعوة جبهة الخلاص لسعيّد بالاستقالة، ووصف طلب الاستقالة بالعبثي وغير المقبول. وقال في لقاء إعلامي إن نسبة المشاركة في الاستفتاء كانت منتظرة ومعقولة.
مخاوف أميركية
وفي واشنطن، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية نيد برايس إن واشنطن على علم بأن الدستور الجديد قلل من المراقبة وقلص الحريات، حسب قوله.
وأشار برايس خلال مؤتمر صحفي إلى القلق من احتواء الدستور التونسي الجديد على فصل ضعيف بين السلطات.
من جهته، اعتبر بيان أصدره رئيس لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب الأميركي غريغوري ميكس، ورئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ وبوب منينديز، إضافة إلى أعضاء بارزين في اللجنتين، أن الاستفتاء على دستور تونسي جديد خطوة أخرى مقلقة يقوِّض بها الرئيس قيس سعيد المؤسسات الديمقراطية.
وأشار الموقعون إلى قلقهم بشكل خاص إزاء ما سموه انعدام حد أدنى للإقبال، وعدم كفاية النقاش العام والمشاركة من قبل التونسيين.
وقال البيان إن التقارير عن استخدام موارد الدولة التونسية للحث على التصويت بـ"نعم"، ومنع مراقبي الانتخابات المحلية والصحفيين من دخول مراكز التصويت تبعث على القلق أيضا.
وحث الموقعون على البيان الرئيس سعيد على العمل بشكل بناء مع جميع التونسيين، وإنهاء حالة الطوارئ، واتخاذ خطوات لاستعادة تونس الفصل بين السلطات والمؤسسات الديمقراطية وسيادة القانون.
المصدر : وكالات
المباهلة بخير أهل الأرض
تقع منطقة نجران على سبع مراحل من مكّة إلى جهة اليمن. وكل أهل نجران نصارى، صالحهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وكتب إليهم قبل أن ينزل عليه: ﴿طس﴾[1]، و﴿إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾[2]، ما يلي: "بسم إله إبراهيم وإسحاق ويعقوب، من محمّد النبيّ إلى أسقف نجران وأهل نجران، إن أسلمتم فإنّي أحمد إليكم إله إبراهيم وإسحاق ويعقوب. أما بعد، فإنّي أدعوكم إلى عبادة الله من عبادة العباد، وأدعوكم إلى ولاية الله من ولاية العباد، فإن أبيتم فالجزية، فإن أبيتم فقد آذنتكم بحرب والسلام"[3].
فاجتمع زعماء نصارى نجران وحكماؤهم يتدارسون أمر كتاب النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم الذي يدعوهم فيه إلى الإسلام، فأجمع أهل الرأي منهم على أن يبعثوا شرحبيل بن وداعة الهمداني، وجماعة، فيأتيانهم بخبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
فاستقبلهم النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، وعرض عليهم الإسلام، وتلا عليهم آيات من القرآن، فامتنعوا وكثر الحِجَاج معهم. فلمّا أصبحوا عادوا إليه، فقرأ عليهم الآيات، فأبوا أن يقرؤوا. فأمر تعالى نبيّه الكريم صلى الله عليه وآله وسلم بمباهلتهم، فأقبل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مشتملًا على الحسن والحسين عليهما السلام في خميلة له، وفاطمة الزهراء عليها السلام تمشي خلفه، وعليّ بن أبي طالب عليه السلام خلفها، فقال النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم: "اللهم هؤلاء أهل بيتي"، "إن أنا دعوت فأمّنوا أنتم"[4].
وخرج النصارى يقدمهم أسقفهم، فلمّا رأى النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أقبل بمن معه، سأل عنهم فقيل له: "هؤلاء أعزّ الناس عليه، وأقربهم إلى قلبه"، فقال له أهل نجران: "لم لا تباهلنا بأهل الكرامة والكبر، وأهل الشارة ممّن آمن بك واتّبعك؟!"، فقال صلى الله عليه وآله وسلم: "أجل، أباهلكم بهؤلاء خير أهل الأرض، وأفضل الخلق". ولم يصحب النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم أحدًا من المسلمين سوى أهل بيته عليهم السلام هؤلاء الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيرًا. فقال أسقفهم: "إني لأرى وجوهًا لو سألوا الله أن يزيل جبلًا من مكانه لأزاله، فلا تباهلوا فتهلكوا"[5]. وبعد امتناع وفد نصارى نجران عن الدخول في الملاعنة، وتقرّر ضرب الجزية عليهم، انصرفوا. وكتب له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كتابًا أقرّهم فيه على دينهم، ولم يتدخل في شؤونهم، فأعطاهم ذمّته في أمور كثيرة كلّها لمصلحتهم، وكان الكاتب لهذا الكتاب هو عليّ بن أبي طالب عليه السلام. ولما قبض النجرانيّون كتابهم انصرفوا إلى نجران[6].
السيرة النبوية المباركة، دار المعارف الإسلامية الثقافية
[1] سورة النمل، الآية 1.
[2] سورة النمل، الآية 30 .
[3] الصالحي الشامي، سبل الهدى والرشاد، ج6، ص415، ابن كثير، البداية والنهاية، ج5، ص53، اليعقوبي، تاريخ اليعقوبيّ، ج2، ص65، ابن قيم الجوزية، زاد المعاد، ج3، ص39، ابن كثير، تفسير القرآن العظيم، ج2، ص50.
[4] ابن البطريق، عمدة عيون صحاح الاخبار في مناقب إمام الأبرار، ص132، ص188، السيد ابن طاووس، الطرائف في معرفة مذاهب الطوائف، ص45، ص129، الصالحي الشامي، سبل الهدى والرشاد، ج6 ص419، 64.
[5] علي بن إبراهيم القمي، تفسير القمّيّ، ج1، ص104، العياشي، تفسير العياشيّ، ج1، ص176، الشيخ المفيد، الإرشاد، ج1، ص166، مسلم النيسابوري، صحيح مسلم، ج7، ص120، ابن كثير، البداية والنهاية، ج5، ص54، ابن شهر آشوب، مناقب آل أبي طالب، ج3، ص368، أبو نعيم، أحمد بن عبد الله، دلائل النبوّة، لا.ت، لا.ط، ص298، الحاكم الحسكاني، شواهد التنزيل، ج1، ص123، الخوارزمي، المناقب، ص59، فرات بن إبراهيم الكوفي، تفسير فرات الكوفي، ص14، الحاكم النيسابوري، المستدرك على الصحيحين، ج3، ص150، ابن الأثير، أسد الغابة، ج4، ص26، البيهقي، السنن الكبرى، ج7، ص63، الشيخ الطوسي، التبيان في تفسير القرآن، ج2، ص485، ابن الأثير، الكامل في التاريخ، ج2، ص392.
[6] اليعقوبي، تاريخ اليعقوبيّ، ج2، ص82، البلاذري، فتوح البلدان، ج1، ص78، الحموي، معجم البلدان، ج5، ص269، ابن أبي شيبة، المصنف، ج14، ص550.
كيف تكون أعمالنا صالحة؟
إنّ ما يمضي قدمًا بالإنسان في مسيرة القرب إلى الله هو العمل الصالح، والعمل الصالح هو العمل الذي فيه مرضاة الله، وهو حرث الآخرة كما قال أمير المؤمنين عليه السلام: "الْعَمَلَ الصَّالِحُ حَرْثُ الْآخِرَة"[1].
وورد عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام أنّه قَالَ: "إِنَّكُمْ لَا تَكُونُونَ صَالِحِينَ حَتّى تَعْرِفُوا، وَلَا تَعْرِفُوا حَتّى تُصَدِّقُوا، وَلَا تُصَدِّقُوا حَتّى تُسَلِّمُوا أَبْوَابًا أَرْبَعَةً لَا يَصْلُحُ أَوَّلُهَا إِلَّا بِآخِرِهَا، ضَلَّ أَصْحَابُ الثَّلَاثَةِ، وَتَاهُوا تَيْهًا بَعِيدًا، إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالى لَا يَقْبَلُ إِلَّا الْعَمَلَ الصَّالِحَ، وَلَا يَقْبَلُ اللَّهُ إِلَّا الْوَفَاءَ بِالشُّرُوطِ وَالْعُهُودِ، فَمَنْ وَفى لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بِشَرْطِه، واسْتَعْمَلَ مَا وَصَفَ فِي عَهْدِه، نَالَ مَا عِنْدَه، واسْتَكْمَلَ مَا وَعَدَه. إِنَّ اللَّه تَبَارَكَ وتَعَالَى أَخْبَرَ الْعِبَادَ بِطُرُقِ الْهُدَى، وشَرَعَ لَهُمْ فِيهَا الْمَنَارَ، وأَخْبَرَهُمْ كَيْفَ يَسْلُكُونَ، فَقَالَ: ﴿وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى﴾[2].[3]
ويُطلَق العمل الصالح في المصطلح القرآنيّ على العمل الطيّب والصالح في نفسه، الذي يقوم به الفرد بنيّة التقرّب إلى الله ونيل رضاه، فمثل هذا العمل هو الذي يرتقي بالإنسان، ويتسلّق به سُلَّم الكمال، ويسمّى هذا العمل في الثقافة الإسلاميّة والقرآنيّة "عبادة".
ولا تُطلق العبادة على الصلاة والصيام والحجّ وما شابهها فقط، بل إنَّ كلّ عمل صالح وحَسَنٍ في ذاته ويُفعل بنيّة نيل رضى الله، سيكون عبادة، كما ورد عن أبي عبد الله عليه السلام حيث قال: "مِن أشدّ ما فرض الله على خلقه ذِكرُ الله كثيرًا، ثمَّ قال: لا أعني سبحان الله والحمد لله ولا إله إلّا الله والله أكبر، وإن كان منه، ولكنّ ذكر الله عندما أحلّ وحرّم، فإن كان طاعة عمل بها، وإن كان معصية تركها"[4].
وهذا المعنى هو المراد من العبادة في الآية الكريمة ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾[5]. إنّ الهدف المرسوم للإنسان هو القرب من الله، وما يرفع الإنسان إلى مقام القرب هو أعماله الصالحة، ﴿إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ﴾[6].
الأعمال التي تقرّب من الله
إنّ الإيمان الكامل هو الذي يكون القلب معه لله وحده دون سواه، فتكون جميع تحرّكات هذا الإنسان إلهيّة، وعندها يصبح في أعلى درجات الاستعداد لاستقبال ألطاف الحقّ ومواهبه السنيّة.
أمّا الوسيلة الفضلى لنيل هذه الدرجة من الإيمان وتعميقها وترسيخها في القلب، فهي العمل الصّالح، ﴿وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُوْلَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَى﴾[7].
التربية الإيمانية، دار المعارف الإسلامية الثقافية
[1] الشيخ الكليني، الكافي، ج5، ص57.
[2] سورة طه، آية 82.
[3] الشيخ الكليني، الكافي، ج1، ص445.
[4] المجلسي، محمد تقي، روضة المتّقين في شرح من لا يحضره الفقيه، ج12، ص74.
[5] سورة الذاريات، الآية 56.
[6] سورة فاطر، الآية 10.
[7] سورة طه، الآية 75.
20-07-2022
الاجتماع الثلاثي في طهران.. هل سنشهد خرقا في الموقف التركي حول سوريا؟
تحمل هذه القمة معها أهمية مضافة، كونها تعقد لترتيب العلاقة البينية للدول الضامنة لاستانا، وسط تباين واضح في ملفات كثير، وقراءات متعددة ومواقف وتحالفات، بالإضافة الى توافق لإيجاد حل للحرب المفروضة على سوريا، بالرغم من عدم التزام تركيا الدائم بمخرجات هذه القمم، وتهديد انقرة بعدوانها الخامس على سوريا، بذريعة إقامة المنطقة الامنة على طول الحدود وبعمق 30 كلم. هذا الحراك يترافق مع رفض ايراني روسي للعملية العسكرية التركية، وتبذل الدولتان جهود استثنائية على المستوى السياسي والدبلوماسي، مترافقة مع تحركات ميدانية لإنهاء هذه التهديدات، لتكون قمة الفرصة الأخيرة قبل العدوان التركي، فأنقرة التي يرتبط موقفها بالموقف الأمريكي، تختبر من خلاله صراع الإيرادات، معتمدة على موقف امريكي غامض، في الوقت الذي يدرك التركي تماما، ان لديه احمال زائدة من وجود الإرهابيين، والتنصل من تعهدات كثيرة، والمماطلة بتنفيذ التزامات، ويعي تماما انه لن يستطع هذه المرة دفع ثمن العدوان على شمال سوريا، ولو على المستوى السياسي.
القمة الثلاثية في هذه الظروف، بالرغم من العلاقة الملتبسة التي تربط التركي مع الروسي والايراني، تحاول رتق العيوب التركية، واذابة جبل الجليد حول التباينات الحادة بين الأطراف، وبالذات فيما يخص الشمال السوري ومسار استانا، وتشكل اختبار حقيقي لهذا المسار الممتد لسنوات، ما يعني انها أكثر من لقاء الضرورة بين الرؤساء الثلاثة، وقمة اكثر من المتاح سياسياً، في ظل ادراك المشاركين فيها، ان ما يجمعهم في هذا الطروف السياسية الصعبة، في الإقليم والعالم، اكبر بكثير مما يفرقهم، ما يجعل هذه القمة التي اعد لها بشكل جيد، ستتيح المساهمة في انهاء ملفات شائكة، ومنها العدوان التركي والتزامات انقرة في ادلب، والجميع يعي ان عدم التوافق سيكون مكلفا هذه المرة على الأقل، خصوصا ان هناك الكثير من دول المنطقة تتربص فشل الجهود السياسية والدبلوماسية الروسية والإيرانية، تجاه الازمة السورية.
ليتبادر السؤال الى الاذهان، هل تحمل القمة بادرة حسن نية تركية لفتح افاق المصالحة بين انقرة ودمشق، ولأي مدى انقرة مستعدة لحل المشكلة الكردية مع دمشق، ام انها ستبقى مواقفها دون خرق يذكر واصطفاف غير منطقي الى جانب الامريكي، هل سيستمع الاتراك لمطالب الدولة السورية، بوقف دعم المجموعات المسلحة والانسحاب من الاراضي السورية، والخفاظ على وحدة اراضيها وعدم التدخل في شؤونها الداخلية؟.
وهنا لا بد ان نذكر ان الجميع في المنطقة ينتظر مخرجات هذه القمة، وان الرهان هو على مسار استانا بشكل كامل، وليس على اللقاء الثلاثي فقط، كون هذه القمة تحاكي اقصى الممكن في الالتزامات السياسية التي لا مفر منها في بعض الأحيان، ولا ينفع الا التعاطي معها بجدية، والرهان فعلا هو على الصبر الإيراني والروسي، الذي يعول عليه، والذي يعمل دبلوماسيا وسياسيا منذ اطلاق تركيا التهديدات، لمنع انزلاق المنطقة للحرب، بالإضافة الى محاولة محمومة للحفاظ على صيغة استانا، والابتعاد عن الافخاخ التركية الدائمة لتفجير هذه الصيغة، وان المرحلة هذه لا تتحمل التأجيل وترحيل المشاكل والخلافات الى وقت لاحق، بل المطلوب الفاعلية في حلها، بالذات هذا الجموح التركي في الحديث عن الامن القومي، والذي تقلد فيه الإدارة التركية، ما تتخذه الولايات المتحدة الامريكية ذريعة في كل عدوان تشنه على أي شعب او دولة.
حسام زيدان