سيرة‌ جناب "خديجة‌ الكبرى"

قيم هذا المقال
(67 صوت)

السيرة الذاتية لأم المؤمنين السيدة خديجة الكبرى(س)

 

اصالة العائلة:

ولدت السيدة خديجة بنت خويلد في مدينة مكة المكرمة، خمسة عشر عاما قبل عام الفيل، اي ثمانیة وستين عاما، قبل الهجرة النبوية الشريفة. و والدها هو "خويلد" بن اسد بن عبدالعزى بن قصي. وكان جدها اسد بن عبدالعزى احد كبار الموقعين على حلف الفضول(1). اما جد خويلد الرابع فهو "قصي بن كلاب" والذي كان جد رسول الله (ص) ايضا.(2) وكان عبدالعزى جد خويلد وعبد مناف، جد النبي(ص) اخوين وكان ابوهما قصي بن كلاب، ما يؤكد ان الرسول الاعظم (ص) والسيدة خديجة الكبرى، كانا من قبيلة قريش(3) وتربطهما قرابة قريبة من ناحية الانساب. اما خويلد فكان مرهفا، وكريما، رفيع المقام ويتحلى بأخلاق طيبة وكان سنام قوم بني اسد وشيخهم. وكانت امه فاطمة بنت زايدة بن الاصم (4). وام فاطمة هالة بنت عبد مناف بن قصي الذي كان جدها الثالث يصل الى جد الرسول الاكرم(ص). اذا فالسيدة خديجة تمت بصلة من ناحية جدیها الى رسول الله وتعتبر لها قرابة نسبية معه، ويكفي انهما كانا من قبيلة قريش. وكان لخديجة خمسة اخوان واربع اخوات.

 

اسماء اخوة خديجة:

1- عوام بن خويلد، وقد تزوج من صفية بنت عبدالمطلب عمة رسول الله(ص) وأنجبت منه ثلاثة ابناء وهم الزبير وسائب وعبدالكعبة(5). وان مصعب بن الزبير وعبدالله بن الزبير كانا من اشهر ابناء الزبير وقد لمع نجمهما في التاريخ الاسلامي.

2- حزام بن خويلد والذي قتل في حرب الفجار على العهد الجاهلي وكان له ولدان يدعيان حكيم بن حزام وخالد بن حزام.

3- نوفل بن خويلد وكان له ثلاثة ابناء ايضا وهم ورقة بن نوفل وصفون بن نوفل والاسود بن نوفل.

4- عدي بن خويلد الذي لم يذكر التاريخ له اي حدث او شهرة.

5- عمرو بن خويلد وهو الذي جرت في بيته خطبة السيدة خديجة (س) وعقد قرانها للرسول الاكرم(ص).

 

أسماء اخوات خديجة:

1- هالة بنت خويلد وكانت اشهر اخوات السيدة خديجة (س) وقد التحقت بالرسول الاكرم (ص) بعد هجرته.

2- خالدة بنت خويلد هي الاخرى لم يذكر لها التاريخ اي حدث او شهرة.

3- رقيقة بنت خويلد لم يذكرها التاريخ باي حدث او شهرة.

4- هند بنت خويلد، يقول البعض انها نفس هالة، ولكن التاريخ يذكرها بهذا الاسم(6). وقد ذكرت بعض مصادر التاريخ اسم الاخت الخامسة للسيدة خديجة (س) (س) وتدعى طاهرة(7)، لكن يعتقد بعض المؤرخين، من المؤكد ان "الطاهرة" كانت كنية السيدة خديجة على عهد الجاهلية. اما ابن عمها ورقة بن نوفل بن اسد، فكان من العلماء والرهبان الموحدين في الجزيرة العربية (8)، وكان عالما وملمّا بالكتب السماوية، وكان احد العبّاد الاربعة المعروفين على عهد الجاهلية في الجزيرة العربية. وكان ورقة يعارض عبادة الاصنام والاوثان. وطالما كان يخاطب العرب الوثنيين قائلا: " والله انكم لنسيتم دين ابراهيم الحنيف عليه السلام وانحرفتم عنه، وها انتم تعبدون اصناما بغير حق، لانها لاتسمع ولاتبصر ولا تنفعكم ولاتضركم، فيا اهل قريش... اذهبوا وسيحوا في البلاد، وابحثوا عن دين ابراهيم الحنيف عليه السلام وتعرفوا عليه والتزموا به. ابحثوا عن الدين الحق، واعلموا ان الأصنام ليست على حق.(9)

 

السيدة خديجة قبل الاسلام:

بالرغم من ان التاريخ لم ينقل الكثير عن سيرة السيدة خديجة وحياتها قبل الاسلام، الا ان هذا النزر اليسير يدل على انها كانت امرأة عاقلة، فاهمة مدبرة، وذات بصيرة بين ابناء زمانها. وكانت سخية، تؤثر الآخرين على نفسها، وهي عفيفة طاهرة، بعيدة النظر، وحليمة وصبورة. وهذه جملة من اخلاق السيدة خديجة، التي ينقلها المؤرخون ويعترفون بها لها. وبالرغم من دلالها وجمالها وثروتها الطائلة والامكانيات الوفيرة التي كانت تتمتع بها الى جانب موقعها الاجتماعي، الا ان السيدة خديجة (س) لم تتأثر بظواهر الامور، ولم تترك السجايا والفضائل والصفات الانسانية الرفيعة. ففي الوقت الذي كانت الجزيرة العربية غارقة في الاعراف الجاهلية والوثنية، كانت السيدة خديجة (س) تحترم القضايا المعنوية والانسانية. فكانت موحدة في العبادة وتحترم الكتب السماوية(10).

فعلى سبيل المثال، كانت قبل تسيير قوافلها التجارية الى المدن والبلدان القريبة والبعيدة من الجزيرة العربية، كانت تذهب الى بيت الله الحرام، وتطوف حول الكعبة، وتستمد العون من رب ابراهيم الخليل(ع) ليبارك لها في تجارتها واموالها(11)، حتى عرفت في عهدها بأنها امراة عفيفة خيرة، وتتمتع بشخصية فذة وحقا كان اطلاق كنية "الطاهرة" عليها، وان الكثير من المؤرخين كانوا عندما يتطرقون الى سيرتها الذاتية، يؤكدون انها "كانت تدعى في الجاهلية بـ "الطاهرة"، لشدة عفافها وصيانتها"(12).

ولم تغفل قريش عن هذه السيدة الجليلة، بل انها كانت تعتبرها "سيدة قريش"(13)، اي انهم كانوا يعترفون بأنها سيدة نساء قريش بأسرها، ما يؤكد مكانتها المرموقة، حتى بين المجتمع العربي الذي كان يعيش عصر الجاهلية. وبالرغم من ان السيدة خديجة(س)، كانت من التجار الناجحين، الا انها كانت تسعى للحصول على ثروات وارباح اكثر، ولم يمنعها ذلك من مواصلة اعمالها العبادية والانسانية، كالذهاب إلى بيت الله الحرام، والطواف حول الكعبة المشرفة من جهة، وابقاء ابواب منزلها مفتوحة للسائلين والمعوزين من جهة اخرى. ولم يذكر التاريخ ان محتاجا خرج من بيتها غاضبا او مطرودا (14)... ففي الوقت الذي كان فيه ابناء الجزيرة العربية، منهمكين بعبادة الاصنام والاوثان التي كانوا يصنعونها بايديهم، وتغمرهم الترهات والخرافات، كانت السيدة خديحة(س)توحد الله سبحانه وتعالى وتاخذ عن ابن عمها ورقة بن نوفل الذي كان يعتبر احد العبّاد الأربعة في زمانه، تأخذ منه معالم دينها و دنياها. كما انها كانت تعقد اجتماعات وحلقات دينية تدعو لها كبار الشخصيات المرموقة من الكتابيين من الرجال والنساء وتستمتع إلى تعاليمهم والنصائح السماوية التي كانوا يطرحونها، حتى تمكنت من تحديد شمائل نبي آخر الزمان وكانت متيقّنة بانه سيبعث على ارض الجزيرة العربية.(15)

كما ان درجات الكمال الرفيعة التي بلغتها السيدة خديجة (س) والشخصیة الفریدة التي کانت تتمتع بها، حملت العديد من زعماء القبائل والشخصيات المرموقة امثال عقبة بن ابي معيط، و السلت بن ابي ايهاب، وابو جهل، وابو سفيان، يتقدمون لخطبتها، لكنها كانت ترى ان هؤلاء لم يكونوا بنفس المستوى الذي تعيشه هي ولايرتقون الى درجة الاقتران بها، ولا يليق بها ان تلتحق بهذا النمط من الشخصيات في المجتمع(16).

 

زوج وابناء خديجة (ص) قبل الاسلام:

يؤكد غالبية المؤرخين ان السيدة خديجة (س) تزوجت من شخصين قبل زواجها من النبي محمد (ص) وانجبت منهما ابناء.

1- الزوج الاول للسيدة خديجة(س): في مطلع شبابها تزوجت السيدة خديجة من ابي هالة النباش بن زرارة التميمي و انجبت منه إبنین (17) هما هند وهالة(18). وما ان كانت الحياة الزوجية للزوجين في بداياتها، حتى فُجعت السيدة خديجة بوفاة زوجها ابوهالة، الذي ترك لها وابنائها اموالا طائلة وثروة عظيمة. فبعد زواجها من النبي محمد(ص)، التحق هند وهالة مع امهما ببيت النبي محمد(ص)، حيث كان يُكّنُ لهما الود والاحترام. اما هند فقد ادرك نبوة الرسول الاكرم(ص) وآمن برسالته، وهاجر مع المسلمين الاوائل من مكة الى المدينة المنورة وشارك في غزوتي بدر واحد المظفرتين، حيث كان يرتجز في غزوة احد ويقول:

"انا اكرم الناس ابا واما واخا واختا، فأبي رسول الله (ص) واخي القاسم واختي فاطمة الزهراء (س) و امى خدیجه سلام الله علیها...» ".(19) وكان هند بن ابي هالة رضوان الله عليه متكلما سليط اللسان، يُجيد الفصاحة ويُتقن البلاغة، كما برع في فن الوصف والتوصيف، حتى ان المؤرخين يؤكدون ان الامام الحسن بن علي بن ابيطالب (ع) كان قد طلب منه ان يصف له رسول الله(ص)، فما كان من هندـ الا ان يُلبي طلب الإمام الحسن بن علي (ع)، ويقدم له وصفا كاملا عن النبي (ص)، أبت الكتب الروائية الا ان تتناقله جيلا بعد جيل(20). كما ينقل الامام الحسن بن علي (ع) حديثا عن هند و يذكره في جملة رواة الحديث ويقول "حدثني خالي، اي هند بن ابي هالة".

وبعد رحيل النبي (ص) الى جوار ربه ، كان هند ملازما للامام علي (ع) وشارك معه في حرب الجمل وقضى سنوات عمره الاخيرة في البصرة، حتى ابتلاه الله بمرض الطاعون ليختار له عبره الدار الاخرة(21). اما هالة، الابن الثاني للسيدة خديجة (س) هو الاخر كان محط اهتمام واحترام رسول الله (ص). فبعد رحيل امه تزوج، واضحت له حياة كريمة وذات يوم قرر هالة زيارة الرسول(ص)، وفي حينها كان (ص) يستريح في بيت عائشة، فسمع صوت هالة قادما اليه، فانتفض مسرعا وقبّله وعانقه بحرارة وهو ينادي اهلا بك يا هالة، هالة يا هالة... .

2- الزوج الثاني للسيدة خديجة(س): بعد رحيل ابي هالة عن الحياة، تزوجت السيدة خديجة بأحد اشراف قريش وكان يُدعى عتيق بن عايد بن عبدالله عمر بن مخزوم، ورُزقت منه بنتا اسماها هند. لكن حياة السيدة خديجة لم تستمر طويلا مع عتيق، حتى فارق الاخير الحياة ايضا وهو في بدايات حياته الزوجية معها(22).

وقد ذكرت بعض المصادر التاريخية، ان هند بنت عتيق تزوجت من ابن عمها صفي بن امية بن عايد المخزومي ورُزقت منه عدة ابناء. وكان المسلمون يحترمون السيدة خديجة حتى في العصر الجاهلي، حيث كانوا يلقبونها بـ "الطاهرة" كما كانوا يُسمون ابناء هند بـ "الطاهرة" ايضا. وبعد رحيل عتيق الزوج الثاني للسيدة خديجة، حاول الكثير من زعماء وشيوخ قريش ان يطلبوا يد هذه السيدة الجليلة، لكنها امتنعت من ذلك وقررت الانعزال عن الحياة الزوجية، والبقاء في المنزل لتواصل تربية ابنائها. لكن غالبية المؤرخين يتفقون على ان السيدة خديجة بعد ذلك تزوجت مرتين قبل ان تتزوج مع النبي محمد(ص). وفي المقابل هناك الكثير من مؤرخي الفريقين ومن بينهم ابو القاسم اسماعيل بن محمد الاصفهاني من علماء الجمهور(23) وابو القاسم الكوفي (24) واحمد البلاذري وعلم الهدي، والسيد المرتضى في كتابه "الشافي"، والشيخ الطوسي في كتابه تلخيص الشافي، كل هؤلاء يؤكدون ان السيدة خديجة(س) عندما تزوجت النبي محمد(ص) كانت عذراء (25) ولم تتزوج بأحد قبله(26). ولكل من هؤلاء الشخصيات التاريخية دلائله التي يؤكد عبرها مقولته، ومن هذه الدلائل، الدلائل التالية:-

1- الحديث المنقول عن ابن عباس، والذي يؤكد ان السيدة خديجة(س) كانت تبلغ من العمر 28 عاما عند زواجها من الرسول الاعظم (ص) (27) وانها لم تتزوج مع احد قبل ذلك.

2- اختلاف المؤرخين في ذكر اسماء الزوج الاول والثاني للسيدة خديجة خاصة وان السيدة خديجة لم تكن من النساء المجهولات(غير المعروفات) كي تبقى اسماء ازواجها محل اختلاف او نسيان.

3- اختلاف المؤرخين في ذكر اسماء وعدد ابناء السيدة خديجة من ازواجها السابقين.

4- الحالة المادية والموقع الاجتماعي للسيدة خديجة (س) لم يسمحا لها بأن تتزوج من افراد نكرة وغير معروفين (امثال الحطاب او حفار القبور) كما ذكر لزوجَيها السابقَين.

5- اختلاف المؤرخين في ذكر عمر السيدة خديجة حين الزواج.

 

الرؤيا المنيرة:

كانت كانت السيدة خديجة (س) تذهب مع زميلاتها لزيارة بيت الله الحرام والطواف حول الكعبة في ساعات متأخرة من الليل. وذات يوم استوقفتها عظمة الكعبة وهيبتها، لتقف امام بابها وتبدأ بالنظر اليها، وتُتمتم بدعوات تناجي بها ربها الجليل. فلما افاقت من تلك الحالة الروحانية وجدت نفسها في وقت متأخر من الليل، فقررت العودة الى بيتها لكن تلك الليلة كانت قد انتصفت، ووجدت خديجة ابناءها نائمين، فاستلقت هي الاخرى في زاوية من الحجرة، وغطّت في نوم عميق لشدة تعبها... فلما مضى على نومها بعض الوقت، حلمت برؤيا غريبة، فكأن الشمس طلعت في سماء مكة على هيئة انسان، واخذت تقترب من منزلها شيئا فشيئا!!!... ولما وصلت الى منزلها، مكثت فيه، و من منزلها بدأت تُطل على العالم وتضيئه بأشعتها الذهبية، حتى اخذ الناس يقدمون زرافات زرافات الى منزلها، ليشاهدو الشمس عن كثب، فاستيقظت فزعة من تلك الرؤيا، ورمقت اطرافها بناظريها، فلم تجد سوى ابناءها النيام. مسحت بيديها على وجهها، وخطت بضعة خطوات، ثم عادت الى مكانها واستلقت على ظهرها وهي تفكر بالرؤيا التي خطفت منها قرارها ونومها تلك الليلة. ومنذ ذلك الحين شعرت ان تلك الرؤيا لم تكن رؤيا بسيطة وعابرة، ما حملها ان تبقى تفكر فيها لساعات وساعات، دون جدوى، وكادت تُصاب بالاعياء لعدم ارتياحها، وعدم قدرتها على النوم مع كل هذه الافكار. فظلت تلك اللحظات تتجسد امامها على هيئة انسان، اي ان الشمس تصبح على هيئة انسان وتأتي الى منزلها ثم تمكث فيه، ومنه تبدأ بالاشعاع والاطلال على كل العالم وتنيره، والناس يقدمون الى منزلها جماعات جماعات لمشاهدة الشمس المتواجدة في بيتها. فشاطرت الوقت بأنها ستذهب الى ابن عمها ورقة بن نوفل مع طلوع الفجر، لتقص عليه الرؤيا، وليُخبرها بما يعلم من تفسير للاحلام حول الرؤيا. فما ان طلعت الشمس، حتى سارعت خديجة الى منزل ابن عمها ورقة بن نوفل، وقصت عليه الرؤيا، فلما انتهت من كلامها، ارتسمت ابتسامة عريضة على شفاه ورقة وقال لها:-

" البشرى يا ابنة العم، فان صدقت الرؤيا، فان نور النبوة والرسالة سيدخل منزلك ومن منزلك سيسطع ذلك النور الى كل العالم". هذه العبارات زادت خديجة انصهارا في الافكار والتأملات، و ظلت تتحين الفرصة لتعبير الرؤيا على ارض الواقع، ما جعلها تردُ كل خطيب يتقدم لخطبتها. وظلت الشمس المضيئة التي رأتها في المنام، تتجسد نصب عينيها في كل وقت، وكلما كان الخطيب لايتواءم مع الشخصية التي تجسدت في تلك الرؤيا، كانت ترد طلبه بكل ادب واحترام(28).

 

السیدة خديجة تتعرف على نبي آخر الزمان:

اعتادت نساء مكة منذ العصور القديمة ان تجتمع في احدى ليالي شهر رجب بجوار الكعبة ليحضرن حفلا بهيجا ويتحدث لهن احد علماء الكتابيين، وذات ليلة لما وصلت خديجة الى الحفل كان احد علماء اليهود، قد بدأ حديثه لكنه سرعان ما توقف عن الكلام وشد نظره الى شاب كان يمر بالقرب من الكعبة!!!. ولم يكن ذلك الشاب سوى النبي محمد، فلما رآه ذلك العالم اليهودي، خاطب النسوة الحاضرات وقال: "ليوشك ان يُبعث فيكن نبيا، فأيُّكن استطاعت ان تكون له ارضا يطأها فلتفعل"(29). هذا الكلام أثار فضول النسوة(30) الحاضرات، وبدأن يتكلمن حول مقولة ذلك العالم اليهودي. فسخرت بعض تلك النسوة من مقولته، فيما وجهت الاخريات اللوم له على هذا الكلام واستقبحن حديثه. فانخرط عقد ذلك الحفل وتفرقت النسوة الى حيث دورهن(31). اما السيدة خديجة فسارعت لتعود الى منزلها لتختلي بنفسها وتبدأ بالتأمل في الحديث. فتذكرت انها بالأمس القريب شاهدت تلك الرؤيا الغريبة واليوم هي امام كلام هذا العالم اليهودي، فقالت في نفسها لا بد وان يكون ترابطا بين هذين الحدثين. وفي اليوم الثاني ارسلت احدى وصيفاتها الى ذلك العالم اليهودي لتدعوه الى منزلها. فلما نقلت الخادمة طلب السيدة خديجة الى العالم اليهودي، لبّى طلبها، وجاء مسرعا الى منزلها فسألته خديجة قائلة:

- ياشيخ كيف عرفت ان محمدا سيكون رسولا من قبل الله؟

- فأجابها العالم اليهودي قائلا: لقد قرأت صفات نبي آخر الزمان في التورات، ومن بينها ان أبوا نبي آخر الزمان يرحلان من الدنيا وهو طفل يافع، ويتكفله جده ثم عمه، وسيتزوج سيدة من سيدات قريش، تكون من كبار عشيرتها وقومها، وهي التي تكون بينهم كالأمير ولها المكنة و التدبير. ثم خاطبها قائلا: "ياخديجة إحفظي ذلك عني ولا تنسيه!!!" ثم قرأ ابياتا في مقام وعظمة الرسول ولدى مغادرته بيتها، اكد لها قائلا: "يا خديجة حاولي ان لايفوتك محمد، فالزواج منه سيجلب لك سعادة الدنيا والاخرة"(32).

 

بداية التعاون بين النبي وخديجة:

كان النبي (ص) في الخامسة والعشرين من عمره الشريف حيث اصاب الجزيرة العربية القحط والجفاف، فاضطربت حياة العوائل التي كانت تعتاش على المواشي والزراعة، واصبحت في عسرة شديدة. ابوطالب، شيخ قريش هو الآخر، اضحى يواجه مشاكل جمة في حياته، فعائلته كبيرة ورواد وزوار منزله كثيرون، ودخله اضحى يتضاءل يوما بعد آخر. وفي ذلك العام قرر تجار واثرياء قريش ان يوفدوا قافلة تجارية الى الشام. وقد اعتاد الناس حينها ان يشاركوا في القافلة قدر وسعهم. اما الذين لم يكن بوسعهم المشاركة بالاموال او البضاعة في القافلة، كانوا يستقرضون مالا ويشاركون من خلاله بالقافلة المتوجهة الى الشام. وبدوره قال ابو طالب لابن اخيه محمد(ص)، يا ابن اخي، انت اعلم بما يصنع الدهر بنا من ضنك العيش، واني اواجه العُسرة في شيخوختي هذه التي قد تكون من نهايات عمري. ولكن املي ان اختار لك قرينة تتزوجها قبل رحيلي، لاكون مرتاح البال لحظة الرحيل. وانت ترى ان ضنك العيش يكاد يُبعدني عن آمالي، ما يزيد من قلقي عليك، ثم اضاف مؤكدا:

"يا محمد ان قافلة قريش التجارية تشد رحالها الى الشام وان خديجة بنت خويلد، هي من ارحامنا ولديها اموالا طائلة، والكثير من اهل مكة استقرضوا منها اموالا وبضائع، وهم يتاجرون بها الآن. فاذا راجعت خديجة، أقطع بأنها ستقدم لك اموالا طائلة، فحاول ان تستثمر تلك الاموال في شراء البضائع وتذهب مع قافلة قريش الى الشام، عسى ولعله ان تحصل على ربح، يُسهل به الله علينا ويحل مشاكلنا عبره(33).

وشاء الله ان تكون اخلاق محمد وصدقه وامانته، حديث اهل مكة، حتى اطلقوا عليه كنية "الامين" و عرف بـ "محمد الامين". بدورها كانت السيدة خديجة تتعرف على الامناء والصالحين من اهل مكة، وتستقطبهم الى قافلتها. عندها وصلتها اقوالا عن صدق وامانة محمد ايضا، ومن جهة اخرى سمعت بالضنك الذي يحيط بحياة ابي طالب، وما تحدث به الاخير مع ابن اخيه، فارسلت اليه مبعوثا لتقول له: ان كنت مستعدا للتجارة فأنا على أتم الإستعداد لأقدم لك ضعف ما اقدمه للآخرين، لتشاركنا في القافلة التجارية. فلما بلغه الامر، استشار النبي محمد(ص) عمه ابو طالب في ذلك، فقال له عمه: يا ابن اخي ان هذا رزق يطلبك، وقد قدره الله لك، والافضل ان نفاتح خديجة بشأنه مباشرة(34). فانطلق ابو طالب مع اخيه العباس وعدد من وجهاء بني هاشم، الى دار خديجة. فلما دخلوا عليها رحبت بهم افضل ترحيب وقالت لهم:

" ياسادة مكة ويا سدنة الحرم، اهلا بكم في داري، اعلموا بأني سألبّي كل ماتطلبون. فقال ابو طالب، جئناك لحاجة يعود نفعها عليك ويبارك في مالك وثروتك. فقد جئنا نطلب منك مالا لمحمد يتاجر به معك. فما كان من السيدة خديجة التي كانت مسرورة بقدوم ابي طالب واستعداد محمد للاتجار معها، الا ان تقول لهم : "تطلبون مالا لمحمد؟!!!" اعلموا ان اكثر من نصف رأس مال وبضائع قافلة قريش التجارية هي لي، وانا بحاجة لشخص امين وصالح من امثال محمد، ليكون امينا على كل تلك الاموال، ويكون مخولا في استخدامها واستثمارها من خلال تدبيره كيفما شاء وحيثما شاء. فقال النبي محمد انا احب الرحلات، ومستعد للاتجار مع القافلة القاصدة الى الشام. اما السيدة خديجة امرت غلامَيها ميسرة وناصح وقالت لهما: "ان محمدا سيكون امينا على اموالي وله الخيار الكامل في التصرف بها، فاسمعوا له، ونفذوا ما يقرر، كونوا له عونا ولاتجترئوا عليه، ولا يحق لاحد ان يُعنّفه حتى بكلام."

 

رحلة النبي محمد(ص) التجارية لخديجة:

شد النبي محمد(35) رحال رحلته بمساعدة ميسرة وناصح، وجهز إبلَه للرحيل، ثم ودع عمامه وخديجة، (س) الذين شايعوه الى منطقة الابطح(36)، ليلتحق بركب قافلة قريش التجارية المنطلقة باتجاه الشام. كما ان الكثير من المشيعين، كانوا قد جاءوا لتوديع اقرانهم، وانطلقت القافلة وسط كل هذا التوديع و المشايعة باتجاه الشام. وبعد اجتياز عدة منازل وصلت القافلة إلى وادٍ يُسمى "وادي الأمواه"(37). فجأة غطت سماء الوادي، سُحبا سوداء. فقال النبي محمد لكبار القافلة ورُبّانها: "ان هذا الوادي تعصفُ به الامطار الغزيرة، وتجتاحه السيول المُدمّرة، ومن الافضل ان يبقى الركب على اعالي الجبل، لينتظر هطول الامطار وانسياب المياه. وبعد انجلاء الغيوم نواصل السير باتجاه الشام، وفي غير ذلك، سنكون نحن وكل الاموال والثروات التجارية، عرضة للسيول وقد نُعرّض انفسنا للخطر ايضا". فوافق رموز القافلة على اقتراح النبي محمد(ص) وظلوا في اعالي الجبال، فما كانت الا لحظات حتى هطلت الامطار واجتاحت المياه سفوح الجبال وبطون الوادي، ما اجبر القافلة على البقاء مكانها لأربعة ايام حتى تنقشع الغيوم وتنجلي المياه لينزلوا الى الوادي ويتحركوا بسلام. وبينما تُواصل القافلة مشوارها باتجاه الشام، حتى وصلت الى منزل يدعى "إيله او بُصرى" وكان في ذلك المنزل دير يعجُ بالرهبان المُتعبّدين، وكان بين اولئك الرهبان شيخ كبير، يفوقهم بالعلم والمعرفة، يدعى "فيلق بن يونان بن عبد الصليب"(38)، و كان يعلم ان نبي آخر الزمان سيكون من ارض الحجاز، وانه سيُرافق قافلة تجارية الى الشام. وكان فيلق يشاهد من بعيد ان سحابة تغطي القافلة القادمة من الحجاز، وتتحرك معها باتجاه "إيله=بُصرى" فتأمل كثيرا في ذلك حتى نزلت القافلة منزل "ايلة= بُصرى" ثم شاهد النبي محمدا (ص) ذهب بأتجاه بئر جافة ومعطلة، كانت قريبة من المنزل فأدخل يده فيها، وغرف غرفة من مياهها ثم غسل به يديه وشرب من مياه تلك البئر الجافة ايضا. ثم عمد الى شجرة قريبة من المنزل وهي خاوية يابسة، فجلس تحتها ليستظل بظلها، فإخضرت الشجرة وأظلته بظلها، وراح النبي يُمارس عبادته تحت ظلها. فلما رأى الراهب "فيلق" كل تلك الامور غير الطبيعية، استدعى كبراء وشيوخ القافلة وسألهم عنه، وقال:

- من هذا الرجل الجالس تحت تلك الشجرة؟

- فأجابوه بأنه رجل من قريش ومن اهل مكة.

- فقال: والله لاينزل تحت هذه الشجرة الا نبي. ثم اوصاهم بأن يهتموا به، وتنبأ لهم بأنه سيكون في المستقبل القريب نبيا لهذه الامة. فحفظ كبار القافلة كل تلك التنبُؤات وانطلقوا باتجاه الشام حتى دخلت القافلة المدينة، وهرع اهلها لشراء البضائع والسلع التي حملتها القافلة، لكن النبي محمد (ص)، اشار على ميسرة وناصح وباقي مرافقيه ان يتريثوا في عرض بضائعهم، حتى اصبح اليوم الثاني من حضور القافلة القرشية في الشام، وتواتر عليها من سَمَعَ بوصول قافلة قريش الى الشام من المدينة ذاتها وضواحيها، ولم يجدوا شيئا في القافلة، سوى ما ابقاه النبي محمد(ص) و العاملين معه، فتانولوها بأسعار راقية، مازاد من الارباح المتوقعة لباعتها، ورفع من مكانة و حنكة النبي محمد(ص) في هذه الخطوة. ولما عادت قافلة قريش التجارية من الشام الى مكة، توجه النبي محمد(ص) الى الكعبة ليطوف حولها. اما خديجة التي كانت مع بعض نسوة قريش في شرفة منزلها المطلة على الكعبة، كانت ترمق حركات محمد، وهو يطوف بالكعبة، وترى مَلَكَين يُظللان عليه من اشعة الشمس، كما شاهدت النسوة اللاتي كُنّ مع خديجة، نفس الظلال التي كانت الملائكة تحمله فوق رأس محمد، حماية له من حرارة الشمس. وبعد انتهائه من طواف البيت العتيق، توجه الرسول الاكرم نحو بيت خديجة ليقدم لها تقريرا عن رحلته والتجارة المربحة التي استقطبها لها. اما خديجة التي كانت تستمع لكلامه، ودقة بيانه عرفت ان ارباحها من هذه الرحلة، فاقت ارباح الرحلات السابقة التي لم يشارك فيها محمد حتى ذلك الحين، فما كان منها الا ان اوصت غِلمانها ليقدموا الاجر لمحمد ضعف ما كانت تقدم للآخرين المتاجرين معها في القافلة. ثم ودّع النبي محمد خديجة وانطلق راجعا الى منزل عمه ابو طالب.

 

تقرير "ميسرة" للسيدة خديجة عن رحلة النبي محمد(ص):

وما ان غادر نبي الرحمة، منزل خديجة، حتى دخله ميسرة الذي قدم لسيدته تقريرا شاملا عن مسايرة سَحابة مع القافلة، للتضليل على محمد من حرارة الشمس، كما حدثها عن التنبُؤات التي نقلها لهم كبير رهبان دير "بُصرى" فيلق بن عبدالصليب، حول محمد(ص)، اضافة الى اخضرار الشجرة الخاوية على عروشها بعد جلوس النبي تحتها. ثم سرد لها كل ماشاهده من حركات وسكنات النبي (ص) خلال تلك الرحلة.

تقرير ميسرة الشامل قلب احوال خديجة بنت خويلد، ما حملها على الاسراع في المضي الى ابن عمها ورقة بن نوفل لتُخبره بما سمعت، فباغتها الاخير قائلا: "يا ابنة العم لو صحت اقوال ميسرة عن محمد، فإنه سيكون النبي الذي وُعدت به هذه الامة برسالته، خاصة واني قرأت عن اوصافه واخباره في الكتب السماوية"(39).

هذه الاقوال والمشاهدات ادخلت اليقين في قلب السيدة خديجة بأن محمدا لم يكن كسائر الناس، وراحت تراجع تلك الرؤيا العالقة في مخيلتها، وتستمع لترانيم واقوال العالم اليهودي التي ادخرتها في ذاكرتها، حيث قال للنسوة التي كان يتحدث لهن بالقرب من الكعبة المشرفة عن ذلك الشاب، الذي كان يمر من امام الكعبة وقال بعد ما رآه: "ليُوشك ان يُبعَث فيكُن نبياً، فأيّكُنّ استطاعت ان تكون له ارضاً يطأها فلتفعل".

 

نشوء العلاقة الروحية لخديجة بالنبي محمد(ص):

الرحلة التجارية المربحة لمحمد، في اطار قافلة قريش برعاية السيدة خديجة وصدقه وتدبيره لشؤونها وادارة اعمالها والاخبار والتطورات التي نقلها ميسرة عن رحلة النبي الى الشام مع القافلة، جعلت السيدة خديجة تنشد اكثر فأكثر الى النبي محمد(ص) وتفكر بالاقتراب منه بل والزواج معه. لكن المجتمع الذي كانت تعيش فيه خديجة، كان الرجال هم الذين يخطبون الفتيات والنساء، واذا ماحدث العكس، فإن افواه الناس لاتكمم، وتكثر احاديث اللغط والسخرية حوله. فكانت تلك السيدة العفيفة مشغولة البال لفترة طويلة وتفكر كيف تبرز محبتها للنبي محمد(ص). حتى انها(40) ذات يوم، دعت "نفيسة بنت منية" الى منزلها وطلبت منها ان تذهب الى محمد (ص) وتخبره برغبة خديجة في الزواج منه بالطريقة التي تراها مناسبة لذلك وتستقرئ رأي النبي في هذا المجال ايضا. فما كان من السيدة نفيسه الى ان صادفت النبي محمداُ (ص) ذات يوم وهو عائد من طواف البيت العتيق، فسلمت عليه، ثم سألته قائلة:

يامحمد لم لا تتزوج؟

فأجابها: كيف الزواج وانا خالي اليدين؟

فأطرقت نفيسة برأسها، ثم قالت له: لو اخبرتك بعفيفة ذات جاه وجلال، وجمال وتتمنى الاقتران بك رغم ثرائها وثروتها الطائلة، فهل ستقبل بالزواج منها؟

فتأمل النبي محمد(ص) ثم استرسل قائلا: يجب ان ارى ومن هي هذه السيدة؟

فسارعت نفيسة بالقول: انها خديجة!!!...

فرد عليها النبي محمد(ص) متأملا: وهل ان خديجة تريد الزواج؟ فقد سمعت ان الكثير من الوجهاء طلبوا يدها، لكنها رفضتهم!!!... فان كانت توافق على ذلك فلا مانع لدي...

عندها اسرعت نفيسة الى منزل خديجة، لتخبرها برضى النبي في الزواج منها(41). وبعد بضعة ايام التقت السيدة خديجة بالنبي محمد واخبرته برغبتها في الزواج منه وقالت له:

"يا ابن العم، اني قد رغبت فيك لقرابتك، وسطوتك في قومك، وامانتك وحسن خلقك وصدق حديثك" (42) هذا الكلام الصادق الذي نبع من القلب وجد طريقه الى قلب محمد(ص)، ما حمله على مبادلتها بنفس المشاعر مؤكدا، انه سيبحث الامر مع عمومته الذين تولوا رعايته منذ طفولته تعظيما لهم واكراما لخدماتهم. ولدى طرح الامر امام عمومته، لم يواجه النبي اي معارضة منهم سوى احتجاج ابي لهب الذي نهره بالقول:

"با ابن اخي، لاتجعلنا حديث الافواه واقوال العرب، فإنك لم تكن كفوءاً لخديجة". لكن عمه الآخر العباس بن عبدالمطلب انتفض من مكانه وعنف ابا جهل بالقول:

" يا دني ويا حقير، فما الذي يمكن ان تأخذه خديجة على ابن اخي، ان لمحمدا جمالا خلابا وكمالا لايُدرك، وكيف يمكن لخديجة ان تعتبر نفسها افضل من محمد؟ فهل مالها او كمالها سيفوقان جمال وكمال محمد؟ قسما برب الكعبة، فمهما طلبت خديجة من مهر، سأركب فرسي واجود الصحاري والبراري وسأطرق أبواب الملوك، لأوفر ما تطلبه خديجة من محمد(ص)(43).

 

سفير الألفة والمحبة:

اقبل ابو طالب على اخوته وقال لهم، قبل اتخاذ اي قرار،علينا ان نعلم ما الذي تطلبه السيدة خديجة من شروط، ومن ثم نقرر اي خطة نريد القيام بها. بعد هذا الكلام بعث ابو طالب اخته صفية عمة الرسول الاكرم، لمنزل خديجة لتتحدث معها مباشرة حول الامر وتستقرئ رأيها في الموضوع. فقامت صفية بالمهمة، ولما سمعت خديجة بأن صفية قادمة لزيارتها، قامت لها واستقبلتها استقبال الكرام وادخلتها في حجرتها الخاصة بها.

وعندما دخلتا الى الحجرة، امرت خديجة وصيفاتها ليجلبن افضل المأكولات والمشروبات للسيدة صفية، لكن صفية قابلتها بالقول: اني لم اقصدك من اجل الطعام او الشراب، بل اني جئت لأتأكد من صحة مما سمعته!!! فردت عليها السيدة خديجة دون ان تسألها عما سمعت، وماذا قال الاخرون، وقالت:

نعم يا صفية، صدقت فيما سمعت، "سُعدت من تكون لمحمد قرينة فإنه يزين صاحبه"(44). وتابعت السيدة خديجة قولها بالقول، لقد شاهدت عظمة محمد وشخصيته الرفيعة، ورأيت الحياة معه فرصة ثمينة و كبيرة جدا، فأنا سأوفر له المهر من اموالي الخاصة.

عندما سمعت صفية هذا الكلام الصريح من خديجة فرحت فرحا شديدا وقالت لها:

ياخديجة، والله حقك أن تُكّن كل هذا الحب والاحترام لمحمد، لان كل عين لا يُمكن ان تبصر ذلك النور الذي احببتيه، ولم تسمع اي اذن احلى مما سمعتيه منه. ثم ودعتها ورجعت فرحة الى اخيها ابيطالب و كبار قريش الذين كانوا بانتظارها. فلما دخلت صفية منزل ابي طالب واخبرته باحترام خديجة لمحمد ومحبتها له، وسمعها وجهاء قريش وكل بني هاشم، فرحوا بذلك ما خلا ابي جهل الذي كان دائما يذم و يُعنّف النبي محمد ويحسده ويُكنُّ له العداء. لكن ذلك لم يمنع ابا طالب وباقي عمام النبي و وجهاء بني هاشم من اتخاذ قرار صارم في المضي قدما لخطبة خديجة للنبي محمد(ص).

 

مراسم الزواج:

في التاسع من شوال وفي العام الثامن والعشرين قبل الهجرة النبوية(خمسة عشرعاما قبل البعثة النبوية) الشريفة قام ابو طالب بارتداء ملابس العيد، وتقدم كبار بني هاشم مصطحبا اياهم الى بيت عمرو بن أسد، عم السيدة خديجة الذي كان من المقرر ان تجري فيه مراسم عقد قران السيدة خديجة مع النبي محمد(ص)(45). وبعد حسن الاستقبال الذي لقيه الضيوف قام ابو طالب وخطب خطبة في وحدانية الله سبحانه وتعالى ثم عظّم شأن مكة وابن اخيه محمد(ص).

ويروي كل من الشيخ محمد بن بابويه القمي، المعروف بالشيخ الصدوق والشيخ الكليني، يرويان الخطبة التي القاها ابو طالب قبل العقد، مع اختلاف يسير في النص. واليكم النص الذي يرويه الشيخ الصدوق (س):

"الحمدلله الذي جعلنا من زرع ابراهيم وذرية اسماعيل وجعل لنا بيتا محجوجا وحرما آمنا، يجبى اليه ثمرات كل شيئ، وجعلنا الحكام على الناس في بلادنا الذي نحن فيها، ثم ان ابن اخي محمد بن عبد الله بن عبدالمطلب لا يوزن برجل من قريش الا رجح، ولا يقاس بأحد منهم الا وكان اعظم منه، وان كان في المال قل، فان المال رزق حايل وظل زايل، وله في خديجة رغبة، ولها فيه رغبة والصداق ما سألتم عاجله وآجله، وله خطر عظيم وشأن رفيع ولسان شافع جسيم"(46).

بعد هذه الخطبة جرى الحديث عن المهر المعجل والمؤجل، وهناك اقوال مختلفة حول كمية المهر و الصداق، حيث يقال ان ابن عباس قال: ان مهر السيدة خديجة كان اثنتي عشرة اوقية(47) والاوقية كانت تساوي عندهم اربعين درهما شرعيا(48). فيما يذكر ابن هشام في سيرته ان مهر السيدة خديجة كان اثنتي عشرة بكرة(49).

ويقال ان عمرو بن اسد عم خديجة اراد ان يتحدث بشيئ عن المهر والصداق، لكن عظم الموقف حال بينه وبين ذلك، فتلكأ ولم يتمكن من التفوه بشيئ. فنظر ابو طالب الى عم خديجة وقال له:

"وله في خديجة رغبة ولها فيه رغبة" انهما متحابان ولا مجال لحديثك فلا تتعب نفسك في ذلك(50)، و قد جئنا الى هنا لنكون حلقة الوصل فيما بينهما من خلال الخطوبة وإجراء عقد القران.

وما ان انتهى ابو طالب من كلامه حتى قامت خديجة لتخاطب عمها قائلة:

"ياعم انك وان كنت اولى بنفسي مني في الشهود، فلست اولى بي من نفسي، ثم توجهت للنبي محمد (ص) وقالت له قد زوجتك نفسي يا محمد، والمهر علي في مالي(51)".

هذا الموقف اغضب ابا جهل الذي كان يعار ض الامر منذ البداية، ما حمله ليقوم ويتكلم بحقد وجفاء قائلا:

"عجبا لهذا الموقف، تتحمل فيه النساء صداقهن الذي يجب على الرجال دفعه لهن". فغضب ابو طالب من كلامه، وانتفض قائلا:

"نعم، اذا كان الحيث عن رجل مثل ابن اخي، فان النساء بكل دلالهن وصداقنه يتمنينه ويتحينّ الزواج منه، واذا كان الحديث عن اشخاص مثلك، لايرضين بالزواج حتى بأغلى الصداقات والمهور".

فبعد ان تم تحديد المهر، جرت مراسم عقد القران بين النبي محمد(ص) والسيدة خديجة ومنذ ذلك الحين اصبحت خديجة زوجة للنبي محمد بشكل رسمي. وبعد انهاء مراسم العقد قام الضيوف واراد كل منهم الذهاب الى منزله، وبدوره قام النبي محمد(ص) ليذهب مع عمه ابو طالب الى منزله. لكن خديجة التي كانت تعلم ان زوجها لم يكن له منزلا يملكه، توجهت اليه قائلة:

«...الى بيتك، فبيتى بيتك و انا جاريتك‏». (51) ثم اضافت على قولها قولا آخر قالت فيه:

«...يا محمد مر عمك ابا طالب ينحر بكرة من بكراتك‏ و لیطعم الناس ‏»(52).

فقام ابو طالب بنحر عشرة جمال ودعا اهالي مكة لمائدته وبها تمت كل مراسم عقد القران وزواج النبي محمد(ص) وخديجة(س)....

عبدالله بن غنم احد الشعراء الذي كان حاضرا في تلك المراسم أنشد فيهما قائلا:

هنیئا مریئا یا خدیجه قد جرت لك الطیر فیما كان منك بأسعد

تزوجت ‏خیر البریه كلها ومَن ذا الذى فى الناس مثل محمد؟

وبشر به البَران عیسى بن مریم وموسى ابن عمران فی اقرب موعد

أقرت به الكتاب قدما بأنه رسول من البطحاء هادٍ و مهتد

 

خديجة اول من اسلمت من النساء:

كان الرسول الاعظم (ص) يهجر بيته والمجتمع بأسره كل عام، ويتفرغ لعبادة الله في غار حراء. ولما بلغ الاربعين من العمر، ذات يوم وفي شهر رجب المرجب، ودع السيدة خديجة لينتقل الى غار حراء، لكنه هذه المرة سرعان ما عاد الى البيت، بعد بضعة ايام أمضاها في العبادة، لكن عودته هذه المرة لم تكن مثل عودته في المرات السابقة، حيث كان العَرق يتصبب من رأسه ووجهه المبارك، وتغير لون وجهه وهو يرتجف ويشعر بالاعياء والتعب الشديد. فلما رأته خديجة طلب منها ان تدثره وتغطيه (53). وبدورها قامت السيدة خديجة بتهيئة مكان دافئ، استلقى فيه(ص) لفترة قصيرة، ثم انتفض قائما (54)، فانتبهت السيدة خديجة لفزعته واحست بأن شيئا ما قد حدث له، لكنها اسرته في نفسها، ولما هدأ الرسول (ص)، بادرته بالسؤال وبهدوء تام، ماذا حدث؟ فأجابها النبي الاكرم: كنت خارجا من الغار لأعود الى الدار، وبينما كنت في سفح الجبل سمعت هاتفا يخاطبني قائلا :

"يامحمد انت رسول الله ... وأنا جبرائيل!!!..." فنظرت الى يساري فلم ار احدا، كما نظرت الى يميني ولم ار احدا، ونظرت الى الخلف فلم ار احدا، ولما رفعت رأسي نحو السماء، رأيت جبرائيل واقفا على هيئة انسان وخاطبني قائلا:

"يامحمد انت رسول الله ... وأنا جبرائيل!!!..."(55)

فلما سمعت خديجة هذا الكلام غمرتها الفرحة، وكأن روحا جديدة دبت في كيانها، وكأنها كانت تنتظر مثل هذا النبأ منذ عدة سنوات، فبادرته بالقول مسرعة: "يا ابن العم... انت رسول الله...، بابي انت وامي، انت رسول الله، اني صدقك واؤمن بالله وبك رسولا"(56). وقد اجرت السيدة خديجة هذه الكلمات على لسانها في وقت كانت في تكهنات الكهنة، واسحار الساحرين تصم آذان المجتمع والخرافات تحوط بالسكان من كل حدب وصوب، لكن هذه السيدة الفاضلة لم تتردد حتى للحظة واحدة ولم تسأل الرسول ولم تسمح للشك ان يساورها بما اخبرها الرسول به، فآمنت فور سماعها قول النبي بربوبية الله ونبوة رسوله، فكانت اول امرأة اسلمت على يده وفازت بلقب ام المؤمنين لأول مرة.(57)

الكاتبة العربية بنت الشاطئ في احدى مقالاتها تتساءل وتقول، فهل عرفتم امرأة غير خديجة (س) بحبها العذري وحنانها الوفي تؤمن ايمانا قويا بالنبي دون ان تتردد في اقواله حتى للحظة واحدة ولم تتوان في ترسيخ اعتقادها بالله ورسوله(ص) فقد آمنت بالدعوة الالهية منذ انطلاقها في محيط غار حراء (58). وبعد لحظات من تلك الحادثة، دخل علي بن ابيطالب الى منزل الرسول (ص) فلما سمع بالامر، لم يتردد هو الاخر بما نقله الرسول(ص) واضحى اول من آمن بالرسول (ص) من الرجال ليسجل التاريخ الاسلامي بأنه اول رجل آمن بنبوة الرسول ورسالته. حتى جاء في بعض المصادر التارخية، عندما آمن علي برسالة النبي محمد(ص) فرح الرسول(ص) فرحا شديدا وراح يبتسم ويضحك من شدة الفرح حتى بانت اسنانه الشريفة. وبعد خديجة وعلي، آمن زيد بن الحارثة بنبوة الرسول، ليصبح ثالث من آمن برسالة النبي محمد(ص). ثم قامت خديجة بدعوة بناتها للدخول في الاسلام فآمنت بناتها الاربع بوحدانية الله سبحانه وتعالى ورسالة النبي محمد(ص)وبذلك اصبح بيت السيدة خديجة (س)اول بيت آمن كل اعضائه بوحدانية الله ونبوة الرسول(ص).

 

نظرةسريعة على زواج النبي من السيدة خديجة(ص):

لقصة زواج الرسول(ص) من السيدة خديجة (س) خصوصيات فريدة من نوعها، وتحتوي على عبر قيمة لكل مسلم، وكلها جديرة بأن تكون عبرة مناسبة لكل من ينوي الدخول في بيت الزوجية والاستمتاع بحياة هنيئة وسعيدة وبعض تلك العبر هي كالآتي:-

1- الطرفان متعارفان قبل الزواج:

لم يكن زواج النبي محمد(ص) من السيدة خديجة ناجما عن الاهواء او الميول النفسية او المادية او العشائرية، بل انه كان ناجما عن معرفة عميقة ودقيقة، لكل طرف بالنسبة للطرف الآخر ومبتنيا على القيم والاسس والاهداف الانسانية والمعتقدات الرصينة. فالسيدة خديجة (س) بالرغم من انها كانت كباقي سكان مكة تعرف النبي محمد(ص) وسبق ان سمعت باوصافه وسجاياه، لكنها لم تكتف بما شاع عنه بين الناس، وراحت تدقق وتحقق في صحة ما سمعت عنه لفترة طويلة. ومنذ ان التحق النبي(ص) بركبها التجاري، كان خدمتها وغلمانها يراقبون كل حركات واعمال وحتى اقوال النبي، وتعامله مع من كانوا تحت امرته، وباقي شركائه، كما انها كانت تراقب ايمانه والتزامه بمعتقداته بالله سبحانه وتعالى. اذا فان خديجة لم تكتف بما سمعت عن نعوت وسجايا النبي التي شاعت عنه بين الناس، بل انها تحققت من ذلك بكل دقة ثم اختارت الزواج منه.

2- الزواج لم يتأثر بالفوارق الطبقية:

لم تكن حياة السيدة خديجة والنبي محمد تتساوى من الناحية الاقتصادية قبل الزواج. فالنبي لم تكن لديه اي امكانيات مادية، انه عاش لسنوات طوال تحت رعاية جده عبدالمطلب ثم عمه ابو طالب، وقد ساءت اوضاع كل منهما بعد ما شاخ وهرم ابو طالب. في حين ان السيدة خديجة كانت من اثرى نساء العرب ومن كبار تجار مكة. لكنهما بعد ان قررا الزواج، اسسا حياتهما على اسس لايمان والثقة المتبادلة بحيث لم تدخل ايا من سجايا الجاهلية كالتفاخر والتحامل على الآخر والضغائن الدفينة(لم تدخل) في حياتهما الزوجية قط. بل سادت حياتهما الثقة بالآخر والاحترام المتبادل والايثار وتبادل المحبة. فالسيدة خديجة ومنذ بدء الحياة الزوجية مع النبي(ص) تخلت عن كل التعلقات والالتزامات الظاهرية للحياة، ووهبت كل ثروتها واموالها للنبي(ص)، كي يتصرف بها كما يرى فيه المصلحة والصلاح، لنشر الدعوة الاسلامية او يصرفها في طريق المحافظة على الاسلام والمسلمين، واستبدلتها بالمحبة والوفاء لزوجها.

3- عدم التأثر بفارق العمر:

عندما اقدم النبي عل تكوين البيت الزوجي كان يبلغ من العمر خمسة وعشرين عاما فيما كانت السيدة خديجة تبلغ الاربعين عاما، اي كانت تكبره بخمسة عشر عاما، ما معناه – ووفق القيم السائدة حاليا- كان ينبغي ان تعج حياتهم الزوجية بالخلافات والمشاكل. لكن هذه الفوارق لم تكن تترك اي اثر سلبي على حياتهما الزوجية بل كانت مرتكزا لترسيخ اواصر المحبة والمساندة في ذلك العش الزوجي المبارك، ليهب لكل طرف السكينة والاطمئنان، مازاد من التعلق والاعتماد لكل طرف على الطرف الآخر. وبعبارة اخرى منح الفارق العمري مكانه للاحترام المتبادل ما ساعد على تذليل كل الصعاب والمشاكل التي قد كانت تطرأ على تلك الحياة الزوجية المباركة.

4- تبادل المحبة واحترام الحرمات:

لقد فاق الرسول الاكرم (ص) والسيدة خديجة الكبرى(س) اقرانهما في النمو والكمال جسما وعقلا، بحيث كانا يتمكنان من اتخاذ اي قرار تستلزمه حياتهما وبكل بساطة. لكن هذا النمو العقلي والمحبة المتبادلة لم يتسببا في التغاضي عن شأن الكبار وإبعادهم عن حياتهما المشتركة، او الاستغناء عنهم حين التشاور لاتخاذ قرار ما، لشؤون الحياة. بل انهما وبتدبيرهما العقلاني وبمحبتهما المتبادلة، كانا يشركان الكبار والشخصيات المعتبرة، في اتخاذ قراراتهاما، وهذا ما بان في اول قرارهما الذي جلب اعتماد الكبار لهما، وساعدهما في الاسراع على الاقتران واقامة مراسم العقد والزواج. فقد جند كل منهما العقلانية والمحبة لخدمة الطرف الآخر، وقررا الزواج على اساس الايمان والمعرفة عن الطرف الآخر، وحافظا على هذه العلاقة في اطار السنن والاعراف والقيم المتبعة انذاك وزيناها بمباركة الكبار. خاصة وان الكثير ممن يتغاضون عن الكثير من الامور المهمة والمصيرية، ولايعيرون اهمية لحرمة ومكانة الكبار، من اجل الوصول الى اهواءهم الخاصة، يدوسون على كل السنن والاعراف الاجتماعية، لم يتوصلوا الى حياة مطمئنة ومستديمة، لانهم سرعان ما يفيقون من سباتهم ويندمون على فعلتهم وعندها تبدأ المشاكل بالمشادات الكلامية والنفسية، وتتطور الى ان تجتاح راحة كل واحد منهما ويبدأ وجدان كل فرد بتأنيبه ويسلبه راحته الفكرية والنفسية. وبالتالي يلجأون الى النزاعات التي لا طائل منها، وسرعان ما تتفاقم الضغائن والاحقاد، وتتكاثر الخلافات العائلية، وتنعدم فيها السكينة وترحل عنها الراحة ولن تكون نتائج تلك الخطوات بعيدة عن هذه المصائر.

5- امتلاك قيم ومعايير لاختيار الشريك:

لم تتزوج السيدة خديجة مع النبي محمد(ص)، من اجل حاجة مالية او موقع اجتماعي او بعض حالات الحرمان الاجتماعي، لانها تقدم اليها الكثير من اصحاب المقامات و وجهاء مكة وشيوخها واثريائها، لكنها في كل مرة كانت تردهم بإحترام. وفي الحقيقة انها كانت قد وضعت شروطا وقيما لمن يطلب يدها ويروم العيش معها حتى تمكنت من اختيار الشخص المناسب لها. وكانت رضوان الله تعالى عليها اكدت قيمها عند انتخاب القرين، حينما خاطبت النبي محمد(ص)بالعبارات التالية واعلنت استعدادها للزواج منه حيث قالت له:

"يا ابن العم اني قد رغبت فيك لقرابتك وسطوتك في قومك وامانتك وحسن خلقك وصدق حديثك".(59) ولما كانت نسوة مكة تلومها لزواجها من يتيم عبدالله، كانت رضوان الله عليها تجيبهن بالقول:

"وهل وجدتن احدا مثل محمد، حسن الخلق وجميل التعامل، وله خصال حميدة وفضائل كثيرة لا مثيل له في كل بلاد العرب".(60)

والنقطة الاخيرة هي ان انتخاب خديجة للنبي محمد كزوج، ظهر عندما نرى ان خديجة كانت لها مكانة عالية ومرموقة في المجتمع، وكانت كل الظروف مهيأة لها وكان بإمكانها الزواج من اي شاب ثري.

6- عدم التفاخر على الآخر:

على مدى حياتها المشتركة مع النبي محمد(ص) لم تتفاخر السيدة خديجة بأموالها وثروتها التي منحتها لزوجها ليتصرف بها كيف يشاء لخدمة الاسلام والمسلمين، كما ان النبي هو الآخر لم يتفوه بكلمة يتفاخر بها على خديجة ولم يزعجها بعمل، بل انهما كانا يتحدثان عن ايثار الطرف الآخر في الحياة. فلم يكن النبي الاكرم(ص) يتباهى بجماله واخلاقه ونبوته على خديجة، كما ان الاخيرة لم تتباه بثروتها و مكانتها الاجتماعيةعلى النبي، بل انهما وبعد الزواج تركا كل التفاخر والتعالي الظاهري، وظلا اوفياء لحياتهم وخدمة اهدافهما المشتركة.

7- عدم التأثر بكلام الآخرين وطعنات كلامهم:

بعد زواج السيدة خديجة (س) من النبي الاعظم(ص)، كان الكثير من نساء ورجال مكة يوجهون لهما الكلام البذئ ويطعنوهما بالكلام، ويوجهون لهما السهام بمختلف الطرق، فأحيانا يطرحون قضية الفارق العمري فيما بينهم، كما يتحدثون احيانا اخرى عن اموال وثروات خديجة التي وضعتها بإختيار النبي محمد(ص)، فيما يشيرون الى حالة الفقر والضنك التي كان محمد (ص) يمر بها... وبالرغم من كل تلك المشادات الكلامية، الا ان اساس تلك الاسرة المباركة، لم يتأثر بأي من كلمات الاخرين واحاديثهم، ومحاولاتهم بث الفرقة، وزعزعة التلاحم المشهود بين افراد تلك الاسرة. بل ان كل تلك الاحاديث والمحاولات البائسة، كانت تزيد من اعتمادهما على الطرف الآخر، ما ساعدهما على اجتياز المشاكل والمتاعب اليومية ويكون هذا الاعتماد سندا داعما للاسرة وسكنا لها.

8- الطواعية والاستماع للشريك:

بعد ايمانها بالله، كانت السيدة خديجة (س) تؤمن بكل وجودها بزوجها وتعتقد اعتقادا شاملا بنبوته وتستمع الى كل نصائحه وتطبق كل تعليماته حرفيا. ومن اهم الاسباب التي جعلت مودة السيدة خديجة تتجذر في قلب النبي(ص) وان لا يتزوج من امرأة اخرى في حياتها ولاينساها بل ويذكرها بخير بعد وفاتها، استماعها لكلامه وطاعتها الشاملة اياه ووفاءها الكامل له، والمحافظة على الثقة التي كانت تطرحها فيه. حيث كان الرسول الاكرم (ص) يلاحظ الجوانب المختلفة لحياته، وكان يجتنب من اي عمل قد يقلق السيدة خديجة او يشغل بالها. ومن اجل ذلك كان عندما تطول فترة اعتكافه (ص) في غار حراء، ويحتمل ان ذلك قد يقلق السيدة خديجة، كان يرسل لها عمار بن ياسر ليقول لها: " يا خديجة لا تظني ان انعزالي واعتكافي نابع من عدم الاهتمام بك، بل ان ربي امرني بذلك ليحق امره. فلا تفكري بشيئ سوى الخير والسعادة، واعلمي ان الله يباهي بك الملائكة عدة مرات كل يوم. فاذا جن عليك الليل، فاغلقي بابك واستريح في مضجعك".(61)

9- الاحترام لشخصية النبي(ص):

اضافة الى ثروتها واموالها الطائلة كانت للسيدة خديجة مكانة مرموقة في المجتمع لكنها رغم كل ذلك عندما كانت تتكلم مع النبي(ص) تعتبر نفسها وصيفة صغيرة له، وتعتقد بأن الله حباها بهذا الزوج الكريم. وعلى مدى حياتها المشتركة مع الرسول الاكرم(ص) كانت السيدة خديجة تحترم شخصية النبي، ولا تقدم على اي عمل قد يؤدي لانزعاج النبي او التفوق عليه. وهذا الخلق النبيل للسيدة خديجة يمكن مشاهدته في قضية زواجهما، حيث انها وبعد انتهاء مراسم عقد القران والاحتفال الخاص به، اراد النبي (ص) ان يعود مع عمه ابي طالب الى منزله، لكن ملكة البطحاء وسيدة قريش التي اضحت قرينة الرسول(ص) خاطبته بالعبارات التالية:

«الى بيتك فبيتى بيتك و انا جاريتك" وکل هذا التبجیل والاحترام یدل على عمق العقیدة والایمان بالله سبحانه وتعالى والاعتقاد الراسخ الذي كانت السيدة خديجة تتمتع به تجاه النبي(ص).

وذات يوم وفي احدى المرات التي كان الرسول الاكرم يعتكف فيها للعبادة، حيث استمرت لاربعين يوما، امضت السيدة خديجة كل تلك الفترة وحدها في الدار. فمثل هذه الاعتكافات العبادية الطويلة الامد، وفي بداية الحياة الزوجية كان بإمكانها ان تثير القلق والانزعاجات المختلفة للسيدة خديجة(س). لكن تلك السيدة الكريمة لم تهتم بها فحسب، بل انها كانت تواكب الرسول فيها وتساعده على أداء مهامه خلالها. هذه المواكبة للسيدة خديجة وسعيها لكسب رضا النبي الاكرم(ص) بلغت حدا، كانت سلام الله عليها اوصت النبي حين وفاتها بأن يغفر لها ان كانت قد قصرت في مواكبتها له، حيث قالت له:

"أنا مقصرة في حقك، فأرجو ان تعفو عني".

فأجابها الرسول الاعظم:" كلا، لم ار منك اي تقصير فقد كرست كل جهودك، واتعبتي نفسك في بيتي".

10- استيعاب وتفهم الطرف الآخر:

كان النبي محمد(ص) وزوجته السيدة خديجة (س) متفاهمان ومتفهمان لبعضهما البعض على مدى حياتهما المشتركة. فكل منهما كان يستوعب الطرف الآخر، وهذا التفهم والاستيعاب كان ناجما عن المعرفة الدقيقة والايمان والثقة القوية المتبادلة فيما بينهما، ما أدى الى احباط كل المشاكل والمعارضات التي كانت قريش تفتعلها لحياتهم بالسر والعلانية. حتى انهما استثمرا هذا التفاهم لبلوغ اهدافهما وانجاز المهام الالهية في المجتمع، وكانا لا يألوان جهدا في مساعدة الطرف الآخر، بل كان كل واحد منهما سندا داعما للآخر.

 

ثروة خديجة في خدمة الاسلام:

بعيد اقترانها بالرسول الاكرم(ص) وهبت السيدة خديجة كل اموالها لرسول الله ليتصرف بها حيث يشاء. وبهذا الشأن يروي المرحوم العلامة المجلسي(ره) الحديث التالي ويقول فيه: ان خديجة (س) وبعد بضعة ايام من زواجها مع الرسول الاعظم (ص) ذهبت الى ابن عمها ورقة بن نوفل وقالت له:

"خذ هذه الاموال واذهب بها الى الرسول(ص) وقل له ان هذه اموال خديجة وقد وهبتها لك، لتتصرف بها حيث تشاء وكما ترى، كما ارجو منك ان تهب له كل غلماني ووصيفاتي واملاكي".

وما كان من ورقة بن نوفل ال ان جاء المسجد الحرام واقترب من الكعبة المشرفة حتى صار بين زمزم ومقام ابراهيم الخليل ثم رفع صوته عاليا مخاطبا الناس وقال:

"يامعشر العرب، ان خديجة بنت خويلد تُشهدكم على انها تقدم كل ما لديها من ثروات وغلمان ووصائف واملاك، وحشم ومواشي وهدايا، كلها تُقدمها لمحمد، وان محمدا قد قبلها منها. وان هذه الهبة نابعة من محبة خديجة وارتباطها الوثيق بمحمد، فها هي اليوم تُشهدكم بذلك فأشهدوا لها.(62)

وبدوره قام رسول الله (ص) باستثمار اموال خديجة بما فيه الخير والصلاح والفلاح لحفظ الاسلام والمسلمين، ولم يستثمرها لأي تجارة او عمل خاص. ويُجمع المؤرخون والمختصون في الشؤون الاسلامية ان اموال السيدة خديجة(س) كان لها دور اساسي في نمو الاسلام ونشره. فالسنين الصعاب العجاف التي امضاها المسلمون مُقاطعين ومُحاصرين من قبل مشركي قريش في شعب ابي طالب (س)(63)، كان لاموال خديجة فيها دور هام في المحافظة على الاسلام والمسلمين حتى انها رضوان الله تعالى عليها عاشت مع ابنتها الصغيرة فاطمة الزهراء الى جانب الرسول والمسلمين في شعب ابيطالب تحت الحصار، وكانت توصي اقربائها في مكة، ان يجمعوا شيئا من اموالها ويشتروا بها المواد الغذائية للمسلمين المحاصرين في شعب ابيطالب ويوفروا لهم حاجاتهم، ويرسلوها الى الشعب ليلا بعيدا عن انظار الكفار والمشركين.

وكان حكيم بن حزام، ابن اخيها يوفر الخبز والتمر ويضعه في حمل الجمال ليرسله ليلا الى شعب ابيطالب ليصل الى المسلمين المحاصرين في الشعب. بحيث يروي العلامة المجلسي عن تلك الظروف ويقول: "وانفق ابو طالب وخديجة رضوان الله تعالى عليهما جميع مالهما على من في الشعب".(64)

نعم لقد كان لثروة واموال خديجة دور هام في انتعاش الاسلام ونشره حتى اضحى هذا الدور يزين سيف علي بن ابيطالب في الدفاع عن الاسلام والمسلمين، حيث قيل منذ الصدر الاول للاسلام ومطلع الرسالة، ما قام الاسلام الا بثلاث: خلق محمد(ص) واموال خديجة(س) وسيف علي بن ابيطالب(ع). كما ان الرسول الاكرم (ص) كان يؤكد دائما دور اموال خديجة(س) في استقواء عود الاسلام وانتشاره و يقول: "ما نفعني مال قط مثل ما نفعني مال خديجة(س)".(65)

وکان (ص) قد ادى ديون الكثير من المسلمين بأموال خديجة وخلصهم من أعبائها، كما ساعد المعوزين والمحتاجين واليتامى بها حتى انه(ص) قال ذات مرة في حق خديجة(س):

« ايدتنى على دين الله واعانتنى عليه بمالها ».(66)

يقول الكاتب العربي المسلم سليمان الكتاني، ان السيدة خديجة وهبت ثروتها للنبي محمد(ص) لكنها لم تشعر بأنها وهبت ثروتها له، بل انها كانت تشعر بأن الهداية التي حباها الله اياها عبر النبي(ص) تفوق كل كنوز العالم.(67)

 

علي في دار خديجة:

كانت العلاقة بين النبي (ص) وعلي بن ابيطالب تفوق العلاقات السائدة بين الآخرين. فالرسول الاكرم (ص)، منذ ولادة علي، احبه وانغرس حبه في قلبه، فلما ولد علي بن ابي طالب جاءت به امه الى النبي محمد(ص)، فاحتظنه الرسول وقبله في وجهه. وطالما كان يجلس الى جنب مهده ويهزه ويناغيه حتى ينام، كما كان يقوم بخدمته في الايام الاخرى ويلقمه الحليب في فمه ثم يرفعه ويضمه الى صدره ويتكلم معه.

ويروي زيد بن علي بن الحسين (ع) ان الرسول(ص) كان يمضغ اللحم والتمر في فمه ليصبح سهل الابتلاع ثم يضعهما في فم علي(68). هذا التواصل بين النبي وعلي، جعل عليا ينشأ على محبة الرسول ويستأنس به، كما ان الرسول (ص) كان يعتبره شقيقه الصغير او ابنه الذي يصطحبه معه خارج المنزل، (69) حتى ان عليا كان يشير الى هذا الامر فيقول:

"و قد علمتم موضعي من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالقرابة القريبة والمنزلة الخصيصة، وضعني في حجره و انا ولد، يضمني الى صدره و يكنفني في فراشه و يمسني جسده و يشمني عرفه و كان يمضغ الشي‏ء ثم يلقمنيه".(70)

وبعد زواج الرسول(ص) من خديجة(س)شاءت الارادة الالهية ان يحدث القحط والجفاف ذلك العام في مكة، وكان ابو طالب عم النبي شيخا عائلا اثقلت مصاريف الحياة كاهله، ما حمل النبي (ص) ليتحدث مع عمه العباس بن عبدالمطلب الذي كان ذو مكنة اوسع ليساعد اخيه في معاشه واتفقا على ان يأخذ كلا منهما بعض ابناء ابيطالب الى منزله، لتخف تكاليف معاش ابي طالب، فأخذ العباس جعفرا اليه، فيما اخذ النبي(ص) عليا الى منزله(71). وعلي الذي كان حينها يبلغ السابعة من العمر وعلى رواية اخرى كان يبلغ العاشرة من العمر، وضع يده بيد النبي وادخله الرسول الى دار خديجة(س). وبدورها هذه المرأة الصالحة انفتحت على علي ورحبت به وكانت له كالأم الحنون، تحتظنه وتقبله، واعتبرته اخا امينا لها وحاميا لبناتها. وكانت تحرص على تقديم الخدمة لعلي وكأنها ام رؤوفة له، حتى ساهمت في تربيته وتكوين شخصيته الى جانب جهود النبي التي كانت تنصب في هذا المجال....

وقد دخل علي بيت الرسول(ص) منذ نعومة اظفاره ليتمكن النبي(ص) من إعداده وتربيته منذ البداية و يزينه بأخلاقه وتربيته(72) وينشّأه ويربيه كما يريد. ومنذ ذلك الوقت اضحى عليا يمضي اوقات حياته الى جانب الرسول ويتزود من بحر اخلاقه وينابيع فضائله، حتى قال الامام علي عن تلك الايام:

« ولقد كنت اتبعه اتباع الفصيل اثر امه يرفع لي كل يوم من اخلاقه علما ويأمرني بالاقتداء به، ولقد کان یجاور فی کل سنه بحراء، فأراه ولایراه غیری، و لم یجتمع بیت واحد یومئذ فی الاسلام غیر رسول الله- صلی الله علیه وآله وسلم- و خدیجه وانا ثالثهما ارى نور الوحى والرسالة واشم ریح النبوة » .(73)

وفي رواية اخرى يتحدث الامام علي(ع)عن حياته مع الرسول الاكرم(ص) وايمانه به منذ انبعاثه بالرسالة السماوية وآثارها الجمة عليه ويقول:

« لقد صلیت مع رسول الله قبل الناس بسبع سنین و انا اول من صلى معه».(74)

ومع الاعلان عن الاشهار بدعوته للرسالة الاسلامية، بدأت اشد واعنف مراحل حياة الرسول واكثرها ايلاما لأهل بيته، في تلك الايام الاوائل وفي بدايات البعثة النبوية الشريفة كانت السيدة خديجة(س) وعلي بن ابيطالب يمران في احلك الظروف وحتى ان خطر مقتل النبي (ص) كان يهددهم بين الحين والآخر. الامر الذي جعل هذان الشخصان يواكبان الرسول طوال يومه وليلته ويتحملان كل الاخطار المحتملة. ويروي الطبري في تاريخه احدى هذه الاحداث المحفوف بالمخاطر ويقول:

" في موسم الحج ذات يوم صعد الرسول الاكرم على جبل الصفا ونادى بأعلى صوته، ياقوم انا رسول الله، ثم نزل من جبل الصفا وذهب الى جبل المروة ونادى بأعلى صوته ايضا ثلاث مرات بنفس العبارة، حتى سمعه كل من كان في السعي، لكن جهلاء القوم حمل كل منهم حجرا ليتبع الرسول ويضربه به، وكان ابو جهل هو الآخر حمل حجرا وتبع الرسول حتى ضربه به، فأصاب الحجر جبهة النبي الشريفة فسالت دماؤه على وجهه الشريف، ولم يجد الرسول ملجأ من القوم غير جبل ابي قبيس فلجأ اليه، لكن المشركين تبعوه ايضا. وفي الوقت ذاته صادف شخص عليا فأخبره بإصابة النبي، وغالى بقوله حتى اخبره بمقتل النبي، فبكى علي واسرع الى خديجة(س) مهرولا، واخبرها بالخبر المفجع فبكت هي الاخرى، ولم تسيطر على نفسها من شدة البكاء، فخرجت ودموعها تنهمر على وجهها(75). واخذا يبحثان عن النبي وهما يبكيان وقلقان على حياته، ففتشا عنه في كل مكان ولم يعثرا عليه، فهبط الامين جبرائيل على النبي(ص) وقال له:

"ان الملائكة بكت لبكاء خديجة عليك، فأطلبها وابلغها السلام، وبشرهاوقل لها ان الله يقرؤك السلام ويقول لك، لقد وهبت لك بيتا في الجنة مزينا بالنور".

وبينما كان علي وخديجة يبحثان عن الرسول(ص) حتى عثرا عليه ووجهه مخضب بالدماء، فاصطحباه الى الدار. ولما علم مشركو قريش بأن عليا وخديجة اخذا الرسول الى الدار، تبعوهم، حتى وصلوا الى دار خديجة(س) وبدأوا يرشقونها بالحجارة. فخرجت عليهم تلك السيدة الجليلة لتصرخ بوجههم قائلة:

"ألا تستحون، ترشقون دار اكثر القوم حياء بالحجارة؟ الا تخشون غضب الله عليكم؟"

فخسأ المشركون بعد سماعهم كلام خديجة وانصرفوا من امام دارها وتفرقوا. ثم اخبر الرسول الاكرم (ص)نبأ جبرائيل الامين لخديجة وقال:

"يا خديجة ان الامين جبرائيل هبط علي وقال:

"ان الملائكة بكت لبكاء خديجة عليك، فأطلبها وابلغها السلام، وبشرهاوقل لها ان الله يُقرؤك السلام ويقول لك، لقد وهبت لك بيتا في الجنة مزينا بالنور".

وبعد سماعها الحديث قالت السيدة خديجة(س):

" ان الله هو السلام، ومنه السلام وعلى جبرائيل السلام".(76)

 

ابناء رسول الله (ص) من خديجة (س) :

اختلفت اقوال المؤرخين في ابناء الرسول(ص) من السيدة خديجة. ولكن المعروف هو ان النبي رزق من خديجة (س) ستة ابناء، هم ولدان واربع بنات، وقد اسمى ولديه بـ "القاسم" والآخر"عبدالله" الذي لقب بـ "الطيب والطاهر".

اما اسماء بناته فهن:- زينب ورقية وام كلثوم وفاطمة سلام الله عليها. وبالرغم من اختلاف المؤرخين حول عدد ابناء الرسول(ص)، الا انهم متفقون ان كل ابناء رسول الله(ص) سوى ابراهيم ابن مارية القبطية(77) كانوا من خديجة الكبرى(س) فقط.

 

مصير ابناء رسول الله حسب ترتيب ولادتهم:

1- القاسم وهو الابن الاول للرسول(ص) ولد قبل البعثة النبوية في مكة المكرمة، وبولادة القاسم اصبحت كنية الرسول"ابو القاسم" وهو اول ابناء الرسول وقد توفي في الشهر السابع عشر من عمره في مكة ودفن في مقبرة الحجون (س). ويروي اليعقوبي في تاريخه: "عندما توفي القاسم بن رسول الله(ص)، كان الرسول واقفا الى جنب احد الجبال المحيطة بمكة، فنظر اليه وخاطبه قائلا: - ياجبل لو ان ما بي، بك لهدك – "(78). كما حزنت السيدة خديجة بموت رضيعها وطالما كانت تتأوه وتشكو فراقه. الى ان قال لها رسول الله(ص): "ان القاسم سيكمل فترة رضاعه في الجنة". هذه الكلمات اثلجت قلب خديجة(س) واخذت تهدئ من روعتها شيئا فشيئا (79).

2- عبدالله وقد ولد قبل البعثة النبوية الشريفة في مكة المكرمة وعرف بـ "الطيب والطاهر"(80) وكان وفاته رضوان الله تعالى عليه ثلاثين يوما بعد وفاة اخيه القاسم في مكة المكرمة. وبعد وفاة عبدالله قال عاص بن وائل السهمي وكان احد ابرز مشركي قريش، قال ان رسول الله اصبح ابترا، اي لم يبق له عقب او ابناء من الذكور. عندها نزلت سورة الكوثر لترد على هذا المشرك بشكل قاطع وتصفه هو بـ "الأبتر".(81)

3- زينب وهي البنت الاولى للرسول(ص) وخديجة(س) ولما ترعرعت زينب تزوجت من ابن خالتها ابو العاص بن ربيع، فرُزقا بولد اسمياه عليا، كما رزقا ببنت اسمياها امامة. اما علي فقد توفي في صغره، واما امامة فقد تزوجت المغيرة بن نوفل. لكنه سرعان ما انفصل عنها، وبعد وفاة السيدة فاطمة الزهراء، تزوجت امامة امير المؤمنين علي بن ابيطالب(ع). اما زينب بقيت في مكة مع زوجها ابو العاص بعد ما هاجر النبي الاكرم(ص) الى المدينة المنورة. وما ان حدثت غزوة بدر في العام الثاني للهجرة النبوية الشريفة، كان ابو العاص بين جيوش مشركي قريش وقد تم اسره مع سبعين شخصا آخر من قبل القوات الاسلامية. وعندما تقرر تقديم فدية ازاء اطلاق سراح الاسرى، بعثت زينب قلادة اهدتها لها امها خديجة(س) ليلة زفافها، بعثتها لزوجها ابو العاص (82). وبدوره ابو العاص بعثها الى النبي محمد(ص) لتكون فديته ويطلق سراحه من الاسر، فما ان وقع نظر النبي على القلادة تذكر زوجته المضحية من اجله خديجة(س) فبكى دون اختيار، ثم قال: "رحم الله خديجة هذه من قلائدها هي جهزتها بها." ثم اشترط على ابي العاص ان لا يمنع زينب من المجيئ الى المدينة اذا شاءت، فقبل ابو العاص الشرط وكانت القلادة تلك ثمن عتقه واطلاق سراحه من الاسر، وما ان وصل مكة، وفى بعهده وارسل زينب مع زيد بن الحارثة الى المدينة لتلتقي بابيها رسول الله(ص). اما ابو العاص فقد اسلم قبل فتح مكة، وعاد الى المدينة ليتزوج زينب بنت النبي ثانية. وبدورها زينب كانت حملت من زوجها في السنة الثامنة للهجرة النبوية الشريفة حيث انطلقت بصحبة آخرين باتجاه المدينة، لكنها سقطت من على صخرة في الطريق وفارقت الحياة اثر شدة نزف جراحها. فحملوا جثمانها الى المدينة واجتمعت النسوة عليها وبكت، لكن عمر بن الخطاب اخذ سوطا ليجلدهن به ويمنعهن من البكاء، فمنعه النبي وحذره من تكرار مثل هذا العمل الشنيع(83)، فقام الجمع بتغسيل زينب بنت النبي محمد(ص) ودفنوها وسط صراخ وبكاء النسوة في المدينة المنورة في مقبرة البقيع الغرقد، حيث قبرها الآن واخواتها ام كلثوم ورقية.

4- رقية: وهي البنت الثانية لرسول الله وخديجة (س) ولم يذكر التاريخ اي تفاصيل عنها.

5- ام كلثوم: وهي ثالث بنات النبي محمد من خديجة الكبرى وكانت لها حياة عسيرة وعصيبة جدا، ويقال ان رقية وام كلثوم طلب يدهما ابو لهب وزوجته ام جميل لابنيهما عتيبة وعتبه وزوجهما منهما. وكان ابو طالب عم النبي الوسيط في هذا الامرعسى ان يكف ابو لهب عن ايذاء النبي و اصحابه. وبالرغم من ان السيدة خديجة كانت تعلم بسوء خلق ام جميل وابنها، لكنها لم تعارض الامر احتراما لعم الرسول ابي طالب(س). وما ان اعلن الرسول(ص) دعوته للاسلام وراح يدعو الناس جهارا وفي وضح النهار الى الاسلام، أمرت ام جميل ابناها عتيبة وعتبه بتطليق زوجتيهما ابنتا الرسول محمد(ص)، لتعودا الى منزل ابيهما ويعودان بذل الى دار والديهما وبذلك يزداد ايذاء المشركين للرسول وعائلته. الا ان الرسول (ص) وزوجته خديجة(س) استقبلا ابنتيهما برحابة صدر. وبعد فترة تقدم عثمان بن عفان وطلب يد رقية وتزوجها.

6- ولادة السيدة فاطمة الزهراء:لما كانت السنة الخامسة للبعثة النبوية الشريفة، هبط الامين جبرائيل (ع) على النبي محمد(ص) وقال له: "يا محمد ان العلي الاعلى يُقرؤك السلام ويقول لك: اعتزل خديحة اربعين يوما". وتطبيقا لامر الله سبحانه وتعالى امتنع النبي من الذهاب الى منزل خديجة اربعين ليلة، وفي تلك الفترة كان الرسول صائما في النهار وقائما في الليل ويمضي ايامه ولياليه بالعبادة . وذات يوم ارسل الى عمار بن ياسر وقال له: يا عمار اذهب الى خديجة وقل لها يا خديجة ان امتناعي عن الحضور الى منزلك لم يكن عن كراهية او غضب، بل ان الله امرني بذلك. وها أنا في دار فاطمة بنت اسد حتى يتم الله وعده(84). وما ان انتهت الاربعين يوما هبط الامين جبرائيل على رسول الله ومعه طبق طعام وقال : "يا محمد ان الله جل وعلى، يُقرؤك السلام ويقول لك، تناول هذا الطبق هذه الليلة ثم قارب خديجة". ثم فتح رسول الله طبق الطعام واذا به يحتوي على عنقود من العنب وعنقود من التمر وكأس من ماء الجنة، فتناول النبي الطعام وذهب الى دار خديجة ولم يفارقها حتى انعقدت نطفة فاطمة الزهراء(س) في تلك الليلة، حيث نقل عن السيدة خديجة(س) انها قالت:" ما فارقني رسول الله حتى احسست بثقل فاطمة". وكانت رضوان الله تعالى عليها تؤكد لرسول الله(ص) وكأنها تشعر بـ "أن هذا الجنين الذي في رحمها يختلف تماما عن باقي الاجنة التي حملت بهم من قبل". ولما حضرتها الولادة كانت السيدة خديجة(س) في مقاطعة من نساء قريش، وهي وحدها في دارها، يكتنفها الهم ويعصرها الالم، وكلما استغاثت لم تجد مغيثا لها من النساء. وكلما كانت ترمق حواليها بناظرها، لم تر احدا معها، فجلست مضطربة في زاوية الدار وعينها على الباب وفجأة دخلت اربع نسوة طوال في حجرتها، ففزعت منهن. لكنهن قلن لها:" ياخديجة لاتقلقي، نحن رسل الله اليك". نحن اخواتك وجئنا لمساعدتك. ثم قمن بتقديم انفسهن الواحدة تلو الاخرى، فقالت الاولى: انا سارة زوجة ابراهيم الخليل، وقالت الثانية: أنا آسية زوجة فرعون، فيما قالت الثالثة: "انا مريم العذراء" وقالت الاخيرة انا صفورا شقيقة ابراهيم الخليل. وما كانت الا لحظات حتى وضعت السيدة خديجة حملها وقام الرسول(ص) بإعداد وليمة وزع طعامها على الفقراء والمساكين واسمى إبنته الحديثة الولادة بـ "فاطمة" واشتدت علاقته بها يوما بعد آخر. حتى وردت عنه(ص) احاديث جمة في فضل وشخصية ابنته فاطمة الزهراء(س).

 

أول صلاة جماعة واول المصلين:

بعد يومين من هبوط الامين جبرائيل على رسول الله(ص) وابلاغه الرسالة السماوية، في يوم المبعث النبوي الشريف، هبط الامين جبرائيل مرة ثانية على النبي (ص) وابلغه كيفية اقامة الصلاة (85) يروي ذلك الكامل بن الاثير في تاريخ "الكامل في التاريخ" ويقول: "اول الامور التي اوجبها الله في الشريعة الاسلامية كانت عبارة عن: الاقرار بالتوحيد، والاحتراز من عبادة الاصنام، وأقامة الصلاة" وعندما نزلت الآيات التي تؤكد وجوب اقامة الصلاة كان النبي في احد المرتفعات المحيط بمكة المكرمة فهبط الامين جبرائيل عليه واقترب منه، ثم اذهب الى نبع كان هناك، توضأ منه الامين جبرائيل وشاهد الرسول(ص) كيفية وضوء جبرائيل وتعلمها منه. ثم توضأ الرسول كما توضأ جبرائيل ثم استقبل جبرائيل القبلة وبدأ الصلاة وكان الرسول(ص) يفعل كما يفعل جبرائيل. وما ان انتهت الصلاة عاد النبي (ص) الى منزله وعلم خديجة الوضوء، فقامت تلك المرأة المثابرة من اجل النبي وتوضأت كما توضأ الرسول(ص) ثم وقف الرسول يصلي وتبعته خديجة بالصلاة(86). ثم دخل علي بن ابيطالب(ع) الى الدار وتعلم الوضوء والصلاة من رسول الله(ص) ثم وقف الرسول يصلي ووقف علي وخديجة خلفه وصلا معه. وكانوا يصلون صلاتهم امام الكعبة احيانا. الامر الذي كان يثير اعجاب ودهشة مشركي قريش.

ويروي عبدالله بن مسعود بعض مشاهداته عن المشاهد التي كانت تحكي مواكبة علي وخديجة للنبي في الوقت الذي لم يكن احد يؤمن به ويقول: "اول ما عرفته من الاسلام هو اننا كنا مع اعمامنا وعدد من وجهاء القوم فدخلنا مكة، وبما اننا كنا نريد شراء الطيب، ارشدونا الى العباس بن عبدالمطلب. حينذاك كان العباس جالسا فوق بئر زمزم قرب الكعبة، فذهبنا اليه وجلسنا عنده، وكنا منهمكين في الحديث، حتى شاهدنا رجل يرتدي ملابس بيضاء وارخى العنان لجدائله، وله لحية كثيفة، واضراسه تسطع في وسط وجه المنير كالقمر. فدخل من جهة باب الصفا الى المسجد الحرام، وكان على يمينه شاب وسيم وخلفه امرأة محتشمة يعلوها خمار. فذهبوا باتجاه الحجر الاسود، فتقدم ذلك الرجل ومسح يده على الحجر، ثم تقدم الشاب ومن بعده السيدة، فمسحا بيديهما على الحجر، ثم بدأوا بالطواف حول الكعبة معا. وعندما انتهوا من الاشواط السبعة، ذهبوا الى حجر اسماعيل وصلوا جماعة. فكان الرجل عند التكبير يرفع يديه الى اذنيه وكلما فعل كذلك، فعل الشاب والمرأة معه كذلك ايضا. ثم كان يذهب للركوع ويتبعه الرجل والمرأة واذا ما استقام الرجل كانا يستقيمان بعده وعندما كان يسجد الرجل كانا يسجدان بعده.

فقلت للعباس: عجبت من عملهم هذا.

فقال العباس: هل تعرف ذلك الرجل؟

قلت: لا.

فقال العباس: انه ابن اخي، محمد بن عبدالله بن عبدالمطلب.

ثم سألني هل تعرف تلك المرأة؟

قلت: لا.

فقال: انها خديجة بنت خويلد زوجة محمد(ص) وان محمدا قال لي، ان رب السموات والارض قد بعثه بهذا الدين الجديد وهم الوحيدون في هذا الكون الذين يدينون بهذا الدين(87).

 

قلق السيدة خديجة(س) على مستقبل فاطمة:

في اواخر ايام عمرها الشريف اضحت السيدة خديجة(س) طريحة الفراش تعاني من اعباء الشيخوخة واضطهاد مشركي قريش لها والرسول الاكرم(ص)، فدخلت عليها اسماء بنت عميس لتزورها فوجدتها مضطربة وقلقة، فقالت لها: سيدتي انت خير نساء العالم، وقد صرفت اموالك وثروتك في سبيل الله تعالى، وانك زوجة رسول الاسلام، وهو الذي بشرك عدة مرات بالجنة، فلماذا كل هذا الاضطراب والقلق؟ فأجابتها السيدة خديجة(س): يا اسماء انا قلقة على ابنتي فاطمة، فالبنت تحتاج لأمها عند الزواج، واخشى ان ارحل من الدنيا ولم تكن امرأة تملأ فراغ الام لفاطمة. فقالت لها اسماء بنت عميس: سيدتي لاتقلقي، اعاهدك، لوبقيت على قيد الحياة حتى ذلك اليوم، سأكون لها كالأم الحنون، واوفر لها ما تحتاجه.

وما ان رحلت السيدة خديجة الى بارئها، وحانت ليلة زفاف السيدة فاطمة الزهراء بنت الرسول (ص) طلب رسول الله من النسوة الحاضرات في حجرة العروس ان يخرجن ولا تبقى اي امرأة معها، فلما خرجت النسوة، وجد الرسول الاعظم(ص) المرأة الصالحة اسماء بنت عميس باقية في الحجرة ولم تخرج فقال لها: "الم اطلب من كل النسوة مغادرة حجرة العروس؟" فقالت له اسماء: نعم تفضلت بذلك يا رسول الله، وقد سمعت بذلك ولا اريد معارضتك في هذا الامر، لكن عهدي مع السيدة خديجة(س) فرض علي البقاء، لاني عاهدتها اذا بقيتُ لمثل هذا اليوم، ان اكون لفاطمة كالأم الحنون في مثل هذه الليلة لاقدم لها ما تريد، وارد عنها وحشة امها.(88) فلما سمع رسول الله هذا الكلام، اغرورقت عيناه بالدموع ورفع يديه الى السماء ودعا لاسماء بنت عميس بالخير والصلاح.(89)

 

حياة خديجة الزوجية:

ان حياة السيدة خديجة الزوجية تعتبر من اكثر النماذج نجاحا ولم يسبقها مثيل في كيفية حسن التبعُل، بحيث اضحت جديرة بان تكون النموذج الشامل والكامل للأسر المعاصرة. فالسيدة خديجة كانت تؤمن ايمانا راسخا، ومن صميم وجودها بزوجها وتهديه كل محبتها. هذه العلاقة والتواصل الروحي، لم يكن يقتصر على الاشهُر الاولى من الحياة الزوجية المشتركة، بل انه كان يتنامى مع مضي الوقت وتتجذر المحبة فيما بينهما اكثر فأكثر يوما بعد آخر. هذه السيدة النموذجية في الاسلام، بأساليبها واخلاقها السامية، تمكنت من ان تجعل البيت محط استراحة وسكون لزوجها، ولم تأل جهدا في تدعيم ذلك بكل السبل والامكانيات. بحيث انها رضوان لله تعالى عليها لم تكتف بتقديم اموالها وثرواتها واملاكها هدية للنبي(ص)، بل انها اظهرت له كل عطفها وحنانها ورحمتها، لتوفر له اسباب الراحة والامان، وجنّدت كل قواها وحياتها في محبة النبي محمد(ص)، ولم تطلب شيئا لم يطلبه زوجها قط. فكانت تؤمن برسالة زوجها بكل وجودها وتطيعه بكل جوارحها، وترى فيه الانسان الافضل والاكمل والاشرف من كل البشرية في هذا الكون. وقد اسعدها الله بالاقتران بهذا النبي الكريم. وهذا ما دفع هذه الزوجة الصالحة والنموذجية لأن تبتعد عن كل الوساس والظنون والاحتمالات التافهة التي قد تعكر صفو الحياة الهنيئة، وفي المقابل كانت تؤمن ايمانا كاملا وشاملا بزوجها.

فعلى سبيل المثال لم تمض سوى بضعة ايام على زواجهما حتى غادر النبي محمد(ص) منزل الحياة الزوجية الى غار حراء لينشغل بعبادة الله ومناجاته هناك.(90) لكن السيدة خديجة لم تحتج على ذلك ولم تشكُ وحدتها، بل انها كانت تُجهّز الطعام والشراب له وتوصله اليه في غار حراء، او ترسله بيد علي بن ابي طالب اليه. وبعد ان حبا الله النبي بالرسالة الاسلامية، بدأت حالات الحسد والمعارضات، ومختلف انواع المزاحمات والايذاءات تتكاثر عليه من قبل كفار ومشركي قريش، لكن السيدة خديجة كانت في كل تلك الاحوال تحوم حوله، وتذود عنه وتفديه بنفسها وتحميه من كل سوء، وتطمئنه وتزيل عنه المتاعب والهموم.(91)

وذات يوم عندما دخل الرسول الاكرم (ص) الى منزل كان واضعا يديه المباركتين امام عينيه، انتفضت خديجة(س) بكل ذعر وقلق، وقبلت يداه وازالتهما عن وجهه المبارك، فشاهدت آثار الصفة المؤلمة على وجه النبي (ص)، وكانت عيناه ممتلئتان بالدموع. فسألته عن سبب بكائه وحُمرة عينيه، فقال(ص): يا خديجة لا ابكي لألم عيناي، بل ابكي لضلال هؤلاء القوم...!!! اما السيدة خديجة(س) التي كانت مضطربة بدورها، لم تحملها رجلاها الى اي مكان، رمقت حوالي دارها، فرأت عم النبي حمزة وهو يعود من الصيد. فأسرعت اليه لتقول له: ياحمزة تذهب لاصطياد الاسود(92) والقوم يصفعون ابن اخيك ولم يدافع عنه احد؟!!!...

لما سمع حمزة بذلك، اشتد غضبه وقال: "لن اهدأ حتى انتقم له!"، ثم ذهب الى المسجد الحرام ووقف امام الكعبة ليعلن بصوت عال: " يا أهل مكة، اعلموا بأني آمنت بالاسلام، وقد اصبحت على دين ابن اخي محمد، فمن اراد ان يتعرض له بسوء، سيكون نداً لي بعد اليوم".

اما الرسول الاكرم(ص) فيتحدث عن الآلام والمتاعب التي تحملها ويقول في حديث مروي عنه:

"ما اوذي نبي مثل ما اوذيت"(93). وامام كل تلك الايذاءات كانت السيدة خديجة(س) رفيقا وفيا للرسول، توفر له الطمأنينة والامان في كل حين وفي احلك الظروف. انها كانت تُكنُّ له جل الحب والوفاء، وتفديه بكل وجودها. هذه السيدة الجليلة ماتركت لحظة في حياتها الا وابرزت رحمتها وشفقتها وحنانها لزوجها الرسول الاكرم وبمختلف السبل، حتى انها ذات يوم انشدت اشعارا جسدت فيها ما يُكنّه قلبها من حب للنبي الكريم، حيث قالت في تلك الاشعار:

فلو اننى امسیت فى كل نعمة و دامت لى الدنیا وملك الاكاسرة

فما سویت عندى جناح بعوضة اذا لم تكن عینى لعینك ناظرة(94)

هذا الاخلاص والتفاني من اجل الرسول، حمل الكاتب العربي الشهير سليمان الكتاني ليقول:

ان السيدة خديجة كانت تهدي الرأفة والحنان للنبي محمد(ص) في كل حین، الامر الذي اكسبها السعادة الشاملة في الدنيا والاخرة.(95)

 

أدب خديجة:

كانت السيدة خديجة تمتاز بعدة ميزات فريدة، منها انها كانت من العوائل العريقة والاصيلة، اضافة الى انها كانت بحد ذاتها تمتاز بشخصية ومكانة اجتماعية مرموقة، وادب مميز في الكلام والتعامل مع الآخرين. فقد كانت تتعامل مع التجار، وعمالها وجيرانها باحترام وادب حتى قبل الاسلام. وقد اتفق المؤرخون على انها لم تتفوه باي كلام دنيئ او بعيد عن الادب ولم تهن احد. وخلال حياتها الزوجية مع الرسول الاكرم(ص) كانت تستوعب وتتفهم، عِظم الرسالة السماوية التي يحملها زوجها، ما حملها على ان تضاعف احترامها له بشكل لا يوصف. وفي اليوم الذي دعت فيه أمين قريش للمشاركة في ركبها التجاري، كانت تعي مكانة وشخصية الرسول الاكرم بشكل تام، حتى انها خاطبت غلامَيها ميسرة وناصح وقالت لهما:

« اعلما قد ارسلت اليكما امينا علي اموالي« و انه امير قريش و سيّدها، فلا يدٌ علی يده، فان باع لايُمنع، وان ترك لا يُؤمر، فليكن كلامكما بلطف و أدب« ولا يعلوا كلامكما علی كلامه».

وبعد تلك الرحلة التجارية وارباحها التي لم تقاس مع الرحلات السابقة، اقترحت بنفسها الزواج على رسول الله(ص)« خاصة بعد ان عرفت قرينها يعاني من ضنك العيش المادي، حتى قالت له:

«واللّه‏ يا محمد ان كان مالك قليلاً فمالي كثير، و من يسمح لك بنفسه، كيف لايسمح لك بماله، و أنا و مالي و جواريَّ و جميع ما املك بين يديك وفي حكمك لا امنعك منه شيئا».

كما انها رضوان الله تعالى عليها، في نهاية مراسم خطوبتها وعقد قرانها بالرسول الاكرم محمد(ص) وعندما عزم الضيوف على التوجه الى منازلهم، وكان الرسول ينوي العودة الى منزل عمه ابيطالب، قالت له:

«الی بیتک، فبیتی بیتک و انا جاریتك»(96).

ولما دنت المنية من السيدة خديجة(س) كان رسول الله عند رأسها في لحظاتها الاخيرة، فقالت له:

"اشعر بالتقصير تجاهك يا رسول الله، وارجو ان تعفو عني".

فأجابها الرسول الاكرم(ص): "كلا، لم اشاهد منك اي تقصير في حياتنا، بل انك كرست جل جهودك واتعبت نفسك في بيتي".(97)

وكانت هذه السيدة الجليلة تعامل حتى معارضيها واعداء ها، الذين آذوها لسنوات طويلة، كانت تعاملهم بأدب واحترام. وحتى ام جميل زوجة ابي لهب، التي كان بيتها بجوار بيت السيدة خديجة، ولم تكن ترعى حق الجيرة، ولا حرمة رسول الله، وكانت لا تألو جهدا في ازعاج السيدة خديجة وايذائها، لكن هذه السيدة الجليلة، لم تسيئ الادب والتعامل معها ابدا.

 

كرم السيدة خديجة:

كانت السيدة خديجة(س) اكرم واجود نساء زمانها. فقد كانت ملاذا للفقراء والمعوزين قبل بزوغ فجر الاسلام، وكانت تمد المحتاجين وابناء السبيل بأموالها(98). كما انها رضوان الله تعالى،عليها كانت تهتم بالمعوزين المحيطين بها وحتى اقربائها مهما ابتعدوا عنها، وكانت تتفقدهم وتساعدهم في المناسبات المختلفة. كما انها كانت تساعد تجار وعمال قريش، الذين كانوا يفتقرون لرأس مال يتاجرون به، كانت تدعوهم وتمنحهم شيئا من اموالها، ليساهموا معها في ركبها التجاري الى الشام.

وفي مطلع حياتها الزوجية مع النبي الاكرم محمد(ص)، وهبت كل اموالها وثروتها للرسول الاكرم (ص) كي يتصرف بها كيف يشاء وحيث يشاء، لنصرة الاسلام والمسلمين، واليكم بعض الخطوات الكريمة التي تنازلت فيها خديجة عن حقها واموالها وثروتها للرسول الاعظم(ص):

1- كان زيد بن الحارثة شاب وسيم من قبيلة بني كلاب، وقد اسرته جماعات قطاع الطرق، ذات يوم. فذهب ابن اخيها حكيم بن حزام الى سوق عكاظ واشتراه لخديجة(س). وبدورها قامت السيدة خديجة بالتنازل عنه لصالح الرسول الاكرم ووهبته له. ونشأت علاقة حميمة بين الرسول الاكرم وهذا الشاب زيد، وقد استأنست السيدة خديجة بهذه العلاقة فقالت لرسول الله لقد وهبته لك. فما كان من رسول الله الا ان يعتق رقبة زيد، ويجعله حرا طليقا، ليختار زيد البقاء الى جانب الرسول، ويتبناه النبي الى آخر عمره الشريف، حتى عرف المجتمع "ان الرسول الاكرم(ص) قد تبنى زيدا في حياته".

2- كان النبي ذات يوم جالس في البيت ويحاور السيدة خديجة(س) واذا بشخص دخل عليهم ليخبرهم بقدوم السيدة حليمة بنت عبدالله السعدية(99)اليهم. منذ ان سمع الرسول اسم حليمة السعدية، طار فرحا وعلته الفرحة وابتسم وجهه، فما كان من خديجة الا وقامت لاستقبالها والترحيب بها، ودعوتها الى داخل الدار. فلما دخلت حليمة السعدية الى الدار وقعت عين رسول الله عليها واشار اليها قائلا: امي، مي، امي، ... فقام من مكانه وبسط لها عباءته، وجلس امامها جلسة مؤدب مهذب، وكان يعاملها وكأنها امه الحقيقية آمنة بنت وهب، وقد جاءت لزيارة ابنها. ثم سألها عن حياتها وظروفها واخبار عشيرتها وحياتهم. فأجابته حليمة السعدية قائلة: ان حياة ابناء عشيرتها اضحت عصيبة،لان الجفاف يعصف بمنطقتهم حتى اصبحت قفراء. فما كان من النبي الا ان يبحث الامر مع السيدة خديجة(س). وبدورها تقوم السيدة المضحية، بتجهيز اربعين شاة وناقة وتقدمها لها، لتعود السيدة حليمة الى عشيرتها مسرورة وحاملة كل الخير لهم. وبعد بزوغ فجر الاسلام، اصطحبت السيدة حليمة زوجها الى مكة المكرمة، ليُسلما على يدي الرسول الاكرم (ص)(100).

3- كانت ثوبية وصيفة ابي لهب اول من ارضعت النبي(ص) بعد رحيل امه، فكان الرسول(ص) يُكنُّ لها الود والاحترام ويحبها كثيرا. فلما رأت السيدة خديجة (س) حب النبي لثوبية، ارادت ان تشتريها من ابي لهب لتخلصها من تلك العائلة المشركة وتجعلها قريبة من النبي، عارضها ابولهب ولم يبعها لخديجة بل زاد في تعنيفها. فلما يئست خديجة من شراء ثوبية وتخليصها من ابي جهل، حاولت ارضاء الرسول، وادخال السرور على قلبه بشتى السبل، منها انها رضوان الله تعالى عليها كانت تهتم بثوبية ولم تأل جهدا لتقديم الخدمة لها، وتكريمها وهذا ما كان يفرح قلب الرسول (ص)(101).

 

صبر وحلم خديجة:

استمرت الحياة الزوجية المشتركة للسيدة خديجة والنبي محمد(ص) خمسة وعشرين عاما وكانت من اصعب الفترات واحلك الظروف التي مرا بها. خاصة وان بدايات حياتهما الزوجية صادفت مع بدايات البعثة النبوية الشريفة، التي كانت تستوجب الكتمان والعمل السري للحركة الاسلامية واخفاء نشاطات المسلمين الاوائل. وما ان بدأت فترة الاعلان والاجهار بالدعوة الاسلامية، وضرورة حضور المسلمين في الاوساط العامة، حتى تعرض النبي واهل بيته والمسلمون الاوائل، لشتى انواع الايذاءات والتعذيب ومطاردات الكفار ومشركي مكة لهم. ثم تلتها فترة المقاطعة والنفي، التي قضوها في شعب ابي طالب (ص) وفي كل تلك المراحل الصعبة كانت السيدة خديجة(س)، تتحمل الصعاب والمشاق وتواجهها بالصبر والحلم، بل وانها كانت تهدي الرسول الاكرم(ص) السكينة والاطمئنان رغم الظروف المضطربة التي كانت تمر بها، خاصة وانها بعد زواجها من النبي الاعظم(ص) واجهت مقاطعات شرسة من قبل نساء مكة بل وانها كلما كانت تواجههم تسلم عليهم، فلا يردون سلامها، حتى ان ام جميل زوجة ابي لهب التي كانت تسكن بجوارها مباشرة، لم تأل جهدا في ايذائها لهذه السيدة الكريمة، وكانت تجمع الاوساخ والاشواك وترميها امام باب السيدة خديجة لتعرقل مرورها عبر باب الدار. لكنها تحملت كل المقاطعات والعبارات اللاذعة من قبل نساء مكة، ولم تنبس ببنت شفة امام الرسول. وبعد سنوات طويلة من الصبر والانتظار رزقها الله مولدين ذكرين، لتواجه بعض الهدوء النفسي، لكن الاقدار شاءت ان يرحل الولدان عنها سريعا وبفترة متقاربة جدا. لكنها واحتراما لرسول الله ومراعاة لمشاعره، واصلت صبرها بالحلم والهدوء ولم تقل اي كلمة تعكر صفو مشاعر النبي (ص).

ومن الصور التي جسدت صبر وحلم هذه السيدة القرشية، تلك الساعة الصعبة التي قرر فيها عتبه وعتيبة، ابنا ابي جهل تطليق بنتيها ام كلثوم ورقية وطردهما من عشر الزوجية، لتعودا الى منزل خديجة وتشكلان عبئا على حياتها مع الرسول الاكرم(ص)، لكنها استقبلت بنتيها برحابة صدر، وازاء كل ذلك الكلام اللاذع لنساء قريش كانت تقول لهن:

" عسى ان يجعل الله في ذلك خيرا".

وبعد فترة وجيزة، تزوجت ابنتها رقية ثانية، لكن سرعان ما استمر عليها ايذاء المشركين ما حملها على الهجرة مع زوجها وعدد من المسلمين الى الحبشة، تاركين وراءهم منازلهم وكل حياتهم، لينجوا بأنفسهم من عداء وايذاء مشركي مكة المكرمة. وظلت زوجة الرسول(ص) مكسورة الخاطر، تنتظر عودة ابنتها من المهجر.

ومن الاحداث التي جسدت صبر وحلم هذه السيدة الجليلة، وحدتها في السنة الخامسة للبعثة النبوية الشريفة، حيث كانت على موعد مع وضع ابنتها فاطمة الزهراء(س)، وكانت تلك الفترة وحيدة في دارها. وقد قاطعتها نساء مكة، بل وبعثن اليها من يؤنبها ويؤكد لها : "اننا قاطعناك لأنك تزوجت يتيم ابي طالب، فلن نزورك بعد اليوم ولن نساعدك في اي امر آخر". وبالرغم من انها كانت تمضي نهايات فترة حملها، لكنها اضحت وحيدة في الدار، ولم يزرها احد. وقد امضت السيدة خديجة كل فترة حياتها الزوجية مع الرسول(ص)، في حالات صعبة تعلوها المتاعب والمشاق وايذاء المشركين، لكنها اتخذت طريق الصبر والحلم، في مواجهتها ولم تنبس ببنت شفة قد تؤلم الرسول او تؤرقه، كما انها لم تشك ايا من مصاعبها و مشاكلها لأحد. وازاء ذلك حباها الله بمساعدة فاجأت كل المشركين، حيث انها وفي ليلة وضع حملها كانت وحيدة في الدار، لكن الله لم يتركها لوحدها، فارسل لها آسية وصفورا ومريم وسارة، اللواتي يعتبرن سيدات نساء الخلق، ليخدمنها ويقدمن لها المساعدات، بعد ولادة ابنتها فاطمة الزهراء (س). ويكفيها فخرا وعظمة، انها ولدت افضل واكرم نساء العالم، حيث جعل الله سبحانه وتعالى الائمة المعصومين وحججه على من في السموات والارض، من نسلها وسلالتها.

 

فطنة وذكاء السيدة خديجة(س):

كانت السيدة خديجة من السيدات القلائل، اللواتي كن يحظين بفطنة وذكاء، وكن يعتبرن من صاحبات البصيرة في عصرهن. حيث تمكنت وفي المجتمع الجاهلي، الذي لم يعترف بأي مكانة اجتماعية او شخصية او انسانية للمرأة، تمكنت من ان توفر لنفسها، مكانة فردية واجتماعية متميزة، ومقبولة في المجتمع. وكانت من ابرز تجار زمانها واكثرهم شهرة. كما يروى انها كان لها العديد من الغلمان والخدم وفي مناطق مختلفة، حتى قيل انها كانت تملك ثمانية الاف ناقة(102) وكانت لها اموال طائلة تتاجر بها داخل الجزيرة العربية وخارجها، امثال مصر والحبشة. وكانت تدير كل هذه الثروة الطائلة في وقت لم يعترف مجتمعها للمرأة اية حقوق ويحرمها من ابسط حقوقها، بل ولا يعتبرها ضمن بني الانسان، ولا يسمح لها الحضور في المجتمع، وهذا ان دل على شيئ، فانما يدل على سمو نبوغها في كيفية التعرف على الامناء والصادقين والمجربين من الرجال، بأعمال التجارة وتستقطبهم لادارة شؤون اعمالها التجارية. وبذلك كانت تنافس اقرانها من التجار في زمانها وتتفوق عليهم بادارة شؤونها التجارية و المحافظة على ثروتها الطائلة. بل وتنميتها من خلال ادارة الاعمال المربحة. كل هذه الامور تدل على قوة السيدة خديجة في ادارة شؤون حياتها. وحقا لو اكد التاريخ، انها كانت المرأة الوحيدة في زمانها التي ادركت عظمة وشخصية النبي محمد(ص)، وتفهمت اخلاقه السامية وتأملت في تعامله وميزاته الاخلاقية والنفسية، وبالتالي اطلعت على عظمة شخصيته ومستقبله المشرق.

تلك السيدة الجليلة، كانت تتمتع ببصيرة دقيقة، بحيث تمكنت وفي العصر الجاهلي المحفوف بالوثنية و عبادة الاصنام تمكنت من التعرف على اوصاف نبي آخر الزمان كما تعرفت على بعض علامات مؤشرات ظهور ذلك النبي وكيفية التعرف عليه، وبعد ان حصلت على تلك المعرفة الدقيقة، اختارته زوجا لها(103). ومع بزوغ فجر الاسلام وانبعاث النبي بالرسالة الاسلامية، كانت اول من آمن بنبي آخر الزمان وخاتم الانبياء.

كما كانت طريقتها في معاشرة النبي، وتربية الابناء، والتعامل مع الجيران والمسلمين الحديثي العهد في الاسلام، وحتى في تعاملها مع المشركين كانت متزنة، وتتعامل معهم بمتانة وشخصية قوية. حتى انها وعندما اشرفت على تلبية نداء ربها، احس نبي الاسلام محمد(ص) بفراقها، ما جعله يذكرها بخير ويترحم عليها دائما.

ومن جملة الدلائل على فطنتها وذكائها في ادارة شؤون المنزل وتعاملها وعلاقاتها، يكفيها فخرا انها تمكنت من ان تجمع عليا(ع) وغلامها زيد بن الحارثة، ربيب رسول الله، اللذين كانا من عوائل مختلفة، تمكنت من جمعهما الى جانب ابنائها من ازواجها السابقين، وابنائها من رسول الله(ص) على مائدة واحدة، و تؤويهم في بيت واحد ليتعايشوا، جنبا الى جنب دون اي رقابة او حسد، ويستمتعوا كلا حسب طاقته من بركة وجود الرسول الاكرم(ص).

 

دار خديجة:

دار خديجة من اهم الاماكن التاريخية والمهمة في الاسلام. حيث شهدت احداثا وتطورات كثيرة جمعت بين الحلاوة والمرارة، وتعتبر احدى اهم المراكز التاريخية والدينية للمسلمين. وعلى مدى التاريخ، كان المسلمون يهتمون بتلك الدار حتى حولوها الى مكان ديني يزار. وكانت السيدة خديجة(س) وهبت هذه الدار للنبي محمد(ص) في بدايات حياتهما الزوجية المشتركة، ومنها سطعت شمس الاسلام واطلت أنواره على كل ارجاء المعمورة. وما اكثر الصحابة الذين تشرفوا بزيارة الرسول في تلك الدار، وبعد سماعهم كلام النبوة والرسالة، نطقوا بالشهادتين وخرجوا منها مسلمين. ومن هؤلاء الصحابة يمكن الاشارة الى: علي بن ابي طالب(ع)، وزيد بن الحارثة وكل بنات الرسول(ص) وكلا من ابي بكر بن ابي قحافة والزبير بن العوام وابي ذر الغفاري وعثمان بن مظعون.

ويروى ان عثمان بن مظعون هذا، ذات يوم كان يمر من أمام دار السيدة خديجة(س) فرأى النبي محمد(ص) وبدوره دعاه الرسول الى منزله، فلبى عثمان الدعوة ودخل معه الى الدار وجلس الى جنب الرسول(ص). وفي تلك اللحظات، هبط الامين جبرائيل على الرسول الاكرم(ص) وانهمك النبي في استلهام الآيات الالهية وغفل للحظات عن ضيفه عثمان بن مظعون، وراح العرق يتصبب على وجهه و رأسه الشريف، وتظهر عليه علامات التعب والمشقة. ولما انتهى نزول الآيات، بعد لحظات افاق الرسول(ص) من حالته تلك، وعاد الى حالته الطبيعية. فسأله عثمان بن مظعون ما حدث لك يا محمد؟ فأجابه الرسول الاكرم(ص): عندما جلست الى جنبي، هبط علي الامين جبرائيل فقال له: وماذا قال لك؟ فأجاب الرسول الاعظم(ص): ان جبرائيل الامين انزل عليَّ الآية التالية: وقرأ عليه الآية:

« إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ(104).

فعندما سمع عثمان بن مظعون هذه الاية، آمن بوحدانية الله ونبوة محمد(ص) وبعد ذلك اصبح من اقرب الصحابة لرسول الله (ص).(105).

ويقول الاصبغ بن نباتة: كنا في عصر يوم الجمعة جالسين مع علي بن ابي طالب في المسجد، فدخل علينا رجل طويل القامة، يدعى سواد بن قارب، فتقدم للامام وبعد محاورته قال: ركبت ناقتي في اليمن، وقصدت مكة و اول من لقيت من اهلها كان ابو سفيان، فسلمت عليه، وسألته عن احوال قريش و اوضاعها، فقال: لم تكن لدينا اي مشكلة، الا ان يتيم ابو طالب افسد علينا ديننا. فقلت وما هو اسمه؟ فقال محمد. وسالته اين هو؟ فقال انه تزوج خديجة بنت خويلد، وهو في بيتها الان. فخرجت بناقتي الى دار خديجة(س) وطرقت بابها، فلما دخلت الدار فوجئت بوجه النبي محمد وهو منير كالقمر، فآمنت به، وبعد ان ودعته قفلت راجعا الى اليمن.

اما دار خديجة(س) فهي محل ولادة اسمى واكرم وافضل سيدة في العالم، اي فاطمة الزهراء(س) حيث ان سيدات العالم اللواتي اجتباهن الله من بين نساء خلقه، حضرن عشية ولادتها في تلك الدار، ليساعدن زوجة الرسول الاكرم(ص). كما ان الرسول الاعظم وبعد ان تلقى الوحي الالهي وانوار البعثة للرسالة السماوية لاول مرة، جاء الى تلك الدار مخطوف اللون، مُصفر الوجه، ومرتعد الفرائص، يعلوه التعب والارهاق، حتى قال للسيدة خديجة(س): "دثريني يا جديجة وغطيني بإزار". فما كان من تلك السيدة الوفية، إلا ان تهيئ له المكان المناسب، وتغطية بإزار ليستريح قليلا". وبعد فترة قصيرة هبط الامين جبرائيل(ع) ودخل تلك الدار، ليقرأ الآية الكريمة على الرسول الاكرم(ص) ويقول له: "يا ايها المزمل..." اي يامن دثرت نفسك، واضطجعت في فراشك للاستراحة في غير موعدها، قم واعمل كذا وكذا...(106). فما كان من الرسول الاعظم(ص)، الا ان يقوم من مكانه وينصرف الى ما امره الله به عبر الامين جبرائيل. ثم ان النبي الاكرم(ص) وبعد نزول الآية: " وانذر عشيرتك الاقربين"(107) كلف عليا ليدعو بني هاشم الى محفل هام. فاجتمع حوالي اربعين شخصا من بني هاشم في دار خديجة (س)، وقدم لهم الرسول(ص) مائدة شهية، ومنها اعلن الرسول الاكرم(ص) نبوته واشهر بدعوته للاسلام، ودعا بني هاشم لاتباع دين الاسلام. الا ان نفاق ابي جهل، عرقل الامر وحال دون استمرار الاجتماع، حتى تفرّق بني هاشم وعادوا الى منازلهم. اما الرسول الاكرم(ص) الذي لم يتمكن من تحقيق اهدافه في ذلك الاجتماع، دعاهم الى اجتماع آخر، حيث القى فيهم كلمة مطولة، انتهت بتنصيب علي بن ابي طالب باعتباره وزيرا وخليفة له من بعده.

كما ينقل بعض المؤرخين، ان النبي الاكرم(ص) صعد الى المعراج من دار خديجة، وهبط فيها لدى عودته من رحلة العروج الى السماء(108). ثم ان ليلة المبيت، اي الليلة التي قرر فيها المشركون، قتل النبي فيها كانت قد حدثت في نفس دار خديجة، حيث حاصرها كفار ومشركو مكة، وارادوا قتل الرسول فيها. لكن النبي غادر الدار في تلك الليلة، وترك عليا يبيت في فراشه. وبعد هجرة النبي محمد(ص) الى المدينة، كان عقيل بن ابي طالب، اقرب قرابة للرسول(ص) من المتبقين في مكة، فسكن في تلك الدار كي لايسيطر عليها كفار قريش. وعلى مدى التاريخ، كان المسلمون يحافظون على منزل الرسول الاكرم(ص) الذي يُذكرهم بتاريخ الصدر الاول للاسلام، ويولونه اهمية خاصة بل كان المسلمون يحاولون ترميمه واعادة بنائه والمحافظة عليه.

يتحدث المحقق والعلامة النراقي عن دار السيدة خديجة ويقول: هناك اماكن مقدسة وشريفة في مكة المكرمة، وتمتاز تلك الاماكن بفضائلها ومكانتها لدى المسليمن، وهي غير عرفات والحطيم. واحدى هذه الاماكن هي دار خديجة(س) فهذه الدار، هي الدار التي كانت مهبط الوحي والتنزيل، ومحل ولادة فاطمة الزهراء سيدة نساء العالمين، وكانت دار السيدة خديجة تقع في سوق الصباغين(109) وعلى الجانب الايمن لمن يتجه من جبل الصفا الى المروة. ثم تم بناء قبة فوق تلك الدار ليلتصق هذا المكان المقدس بالمسجد الحرام، ويستحب قصد زيارته، وصلاة ركعتين والدعاء فيه لقضاء الحوائج(110).

وبدوره يتطرق تقي الدين الفاسي الحسنين احد كبار مؤرخي مكة المكرمة الى بعض ميزات دار السيدة خديجة(س) وينقلها عن الطبري وصاحب كتاب الجامع اللطيف حيث يقول: "ان هذه الدار هي افضل الاماكن في مكة المكرمة بعد المسجد الحرام"(111).

كما يتطرق الرحالة الاسلامي ابن بطوطة، الى دار خديجة في مكة المكرمة ويقول: من الاماكن المشرفة بالقرب من المسجد الحرام "قبة الوحي" التي تقع فوق دار السيدة خديجة(س)(112). اما الشيخ مرتضى الانصاري فيقول في كتابه "مناسك الحج": يستحب للحاج في مكة المكرة ان يتشرف بدار خديجة (113) ويزورها عن كثب ومع بالغ الاسف مع سيطرة الوهابيين على ارض الحجاز، قاموا بهدم تلك الدار الى جانب هدم المئات من الآثار الاسلامية السابقة. وفي بداية الامر وبعد هدم تلك الدار، اضطر عمدة مكة الى ان يبني مكان الدار، مدرسة لتحفيظ القرآن الكريم، لكن هذه المدرسة ايضا سرعان ما هدموها، وبذلك تهدم ثاني اكبر واقدس مكان في مكة المكرمة، بعد المسجد الحرام اي "دار خديجة". واقيمت على انقاضه دورات مياه !!!... فلاحول ولا قوة الا بالله العلي العظيم من هذه الاهانات الوهابية لآثار الاسلام والنبي الاعظم واهل بيته وعترته الطاهرة(114).

 

ذكر خديجة(س) في القرآن:

يؤكد اصحاب التفاسير، ان الله سبحانه وتعالى ذكر بعض النسوة من ازواج الانبياء بمن فيهن السيدة خديجة، في القرآن الكريم. ومن بين هؤلاء المفسرين ابن شهر آشوب (115) الذي يقول في كتابه: " ان الله تطرق الى اثنتي عشرة امرأة من خلال الآيات التالية:

1- وقلنا يا آدم اسكن انت وزوجك الجنة(116)، ونزلت في زوجة نبينا آدم، السيدة حواء،

2- ضرب الله مثلا للذين كفروا امرأة نوح وامرأة لوط(117)، ونزلت حول ازواج نوح ولوط،

3- ... اذ قالت رب ابن لي عندك بيتا في الجنة(118)، ونزلت في آسية زوجة فرعون،

4- وامرأته قائمة ... (119)، ونزلت في زوجة النبي ابراهيم الخليل،

5- واصلحنا له زوجه...(120)، ونزلت في زوجة النبي زكريا،

6- الآن حصحص الحق (121)، ونزلت في زليخا زوجة عزيز مصر،

7- وآتيناه اهله... (122)، ونزلت في زوجة النبي ايوب،

8- اني وجدت امرأة تملكهم (123)، ونزلت في بلقيس ملكة سبأ،

9- وقال اني اريد ان انكحك احدى ابنتي هاتين(124) ونزلت في بنات النبي شعيب،

10- واذ أسر النبي الى بعض ازواجه حديثا(125)، ونزلت في حفصة وعائشة زوجتا النبي،

11- ووجدك عائلا فأغنى(126)، ونزلت في السيدة خديجة(س)،

12- مرج البحرين يلتقيان(127)، ونزلت في فاطمة الزهراء (س)،

 

القرآن يتطرق الى بعض صفات النساء ومنها:

1- التوبة لحواء زوجة نبينا آدم حيث قال: قالا ربنا ظلمنا انفسنا(128)

2- الرغبة لله والامل به، لزوجة فرعون حيث قال: اذ قالت رب ابن لي عندك بيتا في الجنة(129)

3- الضيافة لسارة زوجة ابراهيم اذ قال: وامرأته قائمة(130)

4- العقل والتدبير لبلقيس اذ قال: قالت ان الملوك اذا دخلوا قرية افسدوها(131)

5- الحياء لزوجة موسى (بنت شعيب) اذقال: فجاءته احداهما تمشي على استحياء(132)

6- الاحسان للسيدة خديجة(س) اذ قال: ووجدك عائلا فأغنى(133)

7- النصيحة لعائشة وحفصة اذ قال: يانساء النبي لستن كاحد من النساء ان اتقيتن فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض وقلن قولا معروفا وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الاولى واقمن الصلاة وآتين الزكاة واطعن الله ورسوله(134)

8- العصمة لفاطمة الزهراء(س) اذ قال: ... ونساءنا ونساءكم (135).

واضافة الى الآيات السابقة، هناك الكثير من الآيات الاخرى التي تدل على مكانة ومقام السيدة خديجة الشامخ، واحدى هذه الآيات هي: والسابقون السابقون، اولئك المقربون(136)ولم يكن خافيا على احد سبق السيدة خديجة(س)على الآخرين في الايمان بالله والدخول في الاسلام والاعتقاد برسالة النبي محمد(ص)خاصة وانها اول امرأة آمنت برسالة النبي(ص).

 

خديجة الكبرى افضل نساء النبي(ص):

كان للنبي(ص) ازواجا متعددة، لكنه (ص)من بين تلك الازواج، اشار للسيدة خديجة فقط، باعتبارها افضل واكرم ازواجه، واحدى افضل اربع نسوة في العالم. وهذه الاشارة لم تشمل باقي ازواجه. فقد قال الرسول الاكرم(ص) في افضلية خديجة(ص) على باقي ازواجه عدة احاديث وعبارات مختلفة. وقد تكون تأكيدات النبي هذه على افضلية خديجة على باقي ازواجه، وانها احدى افضل اربع نسوة في العالم دليلا آخر على مكانتها ومقامها الشامخ، لتحملها كل تلك الايذاءات والفتن، التي جرت عليها والمسلمين الاوائل في الصدر الاول للاسلام. وهذا ما دفع النبي الاكرم (ص) ليعرف السيدة خديجة و ابنتها فاطمة الزهراء(س)، باعتبارهما مؤشرين ونموذجين مقبولين للمسلمين. فقد قدم الرسول الاعظم اربعة من النساء، باعتبارهن افضل نساء العالم واكثرهن تكاملا في الكون. فكانت اثنتان منهما مسلمتان والاخريان من الديانات الاخرى.

الحديث الاول- حديث خيرية:

يروي الشيخ محمد بن اسماعيل البخاري صاحب كتاب صحيح البخاري عن الرسول الاكرم(ص)انه قال: " خير نسائها مريم ابنة عمران وخير نسائها خديجة" اي خير نساء هذه الدنيا مريم ابنة عمران و خديجة(س) (137). ففي هذا الحديث، يقدم رسول الله اثنتين من النساء، باعبتارهن خيرا من نساء العالم بأسره وهما السيده خديجة من المسلمين والسيدة مريم من الديانة المسيحية.

الحديث الثاني: حديث التفضيل:

يروي ابن حجر العسقلاني في كتابه الصواعق المحرقة، عن الصحابي الجليل عمار بن ياسر(س) ان رسول الله(ص) ذات يوم قال:" لقد فضلت خديجة على نساء امتي، كما فضلت مريم على نساء العالمين"(138) والحديث اوضح مما يشار اليه بالكلام.

الحديث الثالث: حديث افضلية خديجة في الجنة:

يروي الامام احمد بن حنبل في كتابه المسند عن رسول الله(ص) بانه ذات يوم رسم اربعة خطوط على الارض وقال لاصحابه: "اتعلمون ما تعني هذه الخطوط؟

قالوا: لا، الله ورسوله اعلم منا بذلك.

قال: افضل نساء اهل الجنة خديجة بنت خويلد(س) وفاطمة بنت محمد(ص) وآسية بنت مزاحم زوجة فرعون ومريم بنت عمران(139). وبهذا الحديث الذي فصله عبر ترسيمه لتلك الخطوط، اوضح الرسول (ص) اسماء النساء اللواتي هن نماذج واسوة لنساء العالم في الدنيا والآخرة، كما يؤكد هذا الحديث ان هذه النسوة الاربعة، هن افضل نساء اهل الجنة، كما يُعتبرن افضل النساء ولن يخلق افضل منهن حتى قيام الساعة.

الحديث الرابع: خيرة نساء العالمين:

في هذا الحديث يتحدث النبي الاكرم(ص) عن خير نساء الدنيا والاخرة ويقول: " خير نساء العالمين مريم ابنة عمران، واسية بنت مزاحم وخديجة بنت خويلد وفاطمة بنت محمد(ص)". وبذلك يؤكد الرسول الاعظم(ص) ان النساء الفضليات(140) منذ بداية الكون وحتى نهايته، وفي كل الأديان السماوية هؤلاء النسوة الاربع.

الحديث الخامس: سيدات نساء العالم

ذات يوم تحدث رسول الله عن النساء التي يسدن العالم فقال(ص): " اربع نسوة سيدات عالمهن: مريم بنت عمران، وآسية بنت مزاحم وخديجة بنت خويلد وفاطمة بنت محمد وافضلهن عالما فاطمة." (141).

الحديث السادس : اكثر نساء العالم كمالا:

ذكر رسول الله(ص) اكثر نساء العالم كمالا في حديث وسماهن بالاسم، حيث قال(ص): "حسبك من نساء العالمين مريم بنت عمران، وخديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد(ص) وآسية بنت مزاحم "(142) وهو حديث صحيح وواضح لا غبار عليه(143).

الحديث السابع افضل الجدات:

كان رسول الله(ص)ذات يوم جالسا في المسجد مع اصحابه وتحدث في شأن حفيديه الامام الحسن والحسين عليهما السلام فقال: «ایها الناس الا اخبركم بخیر الناس جدا و جدة!"

فقال الحاضرون نعم یا رسول الله(ص)!

فقال: «الحسن و الحسین، جدهما رسول الله و جدتهما خدیجة بنت خویلد»(144).

فقال الحاضرون نعم الجد ونعم الجدة یا رسول الله(ص)!

 

الاحاديث المروية عن السيدة خديجة(س):

لقد شهدت السيدة خديجة بنت خويلد خلال حياتها المشتركة مع رسول الله، والتي استمرت لخمسة وعشرين عاما، الكثير من التطورات والاحداث المختلفة. وفي تلك الفترة الطويلة سمعت الكثير من الاحاديث والنصائح والعبارات المفيدة من رسول الله(ص). كما تعرفت على الكثير من المحادثات و الحوارات والاجتماعات، التي كانت تتمخض عن اتخاذ القرارات الصعبة والمصيرية، واطلعت عليها عن كثب. كما انها سمعت في تلك الفترة الطويلة الالاف من الاحاديث والروايات التي تطرق اليها رسول الله(ص) في المناسبات المختلفة، ولها ذكريات كثيرة عنها. وقد حظيت السيدة خديجة بأطول فترة في الحياة الزوجية المشتركة مع الرسول(ص) بالنسبة لباقي ازواجه، وكانت اكثرهن اهتماما وثقة من قبل رسول الله(ص)، ومع ذلك ان الزمان جفاها حتى بعد حياتها الشريفة، بحيث هي التي عاصرت النبي اكثر من باقي ازواجه، وفي احلك ظروفه وكانت افضلهن، الا ان ومع بالغ الاسف لم تُروَ عنها الاحاديث بقدر ما تُروى عن غيرها من الزواج النبي(ص). حتى ان بعض علماء الجمهور كان رأيه ان اي حديث لم يُروَ عن السيدة خديجة(س)، وان المصنفين لعلوم الحديث، لا يحسبوها من رواة الحديث!!!... فيما قال البعض الآخر من علماء الجمهور، أنها روت الاحاديث عن الرسول (ص) الا ان احاديثها كانت قليلة جدا(145). لكن واقع الامر يؤكد ان الكثير من الاحاديث المروية عن هذه السيدة الجليلة وام المؤمنين، عبثت بها الايدي الخفية وخاصة المعارضين لأهل البيت(ع) وحذفوها من كتب الحديث ومصادره. ومنها كتاب صحيح البخاري. حيث ان المؤرخ الاسلامي الشهير "الكلاباذي" يروي حديثا عن كتاب صحيح البخاري، ويقول ان رقمه كان 1417 وهو منقول عن ام المؤمنين خديجة(س)، الا ان الكتب المطبوعة حديثا لا يوجد فيها هذا الحديث، فهذا ان دل على شيئ فإنما يدل على ان المعارضين لذكر فضائل اهل البيت(ع)،عبثوا في كتاب صحيح البخاري وحرفوه، فان لم يكن كذلك، كيف يستند اليه مؤرخ مثل الكلاباذي؟!!!...(146) واليك ايها القارئ الكريم بعض الاحاديث المروية عن ام المؤمنين خديجة بنت خويلد:

1- حديث دعاء الطواف بالبيت العتيق:

روى السيوطي عن ابن ابي الدنيا، والبيهقي، وكلاهما يرويان عن عبد الاعلى التيمي: انه قال:

قالت خديجة(س) لرسول الله(ص) ما اقول وأنا اطوف بالبيت؟

فقال(ص): قولي: اللهم اغفر ذنوبي وخطئي وعمدي واسرافي في امري، فانك ان لاتغفرلي تهلكني (147) وهذا حديث صحيح لا غبار عليه.(148)

2- حديث رؤية الامين جبرائيل(ع):

«عن إسماعيل بن أبي حكيم مولى آل الزبير« أنه حدث عن خديجة« أنها قالت لرسول الله(ص) أي ابن عم أتستطيع أن تخبرني بصاحبك هذا الذي يأتيك إذا جاءك. قال نعم قالت فإذا جاءك فأخبرني. فجاء جبرئيل (ع) فقال رسول الله (ص) لخديجة، يا خديجة هذا جبرئيل قد جاءني. قالت قم يا ابن عم فاجلس على فخذي اليسرى فقام رسول الله(ص) فجلس عليها. قالت هل تراه؟ قال نعم. قالت فتحول فاقعد على فخذي اليمنى. فتحول. فقالت هل تراه؟ قال نعم. قالت فاجلس في حجري. ففعل، قالت هل تراه؟ فقال لا، قالت يا ابن عم اثبت و أبشر فو الله إنه لملك كريم وما هو بشيطان"‏.

قال ابن إسحاق و قد حدث بهذا الحديث عبدالله بن الحسن، قال قد سمعت أمي فاطمة بنت الحسين تحدث بهذا الحديث عن خديجة، إلا أني سمعتها تقول أدخلت رسول الله (ص) بينها و بين درعها، فذهب عند ذلك جبرئيل (ع) فقالت خديجة لرسول الله(ص) إن هذا لملك وما هو بشيطان (149).

3- حديث كيفية دخول النبي(ص) الى الدار:

فی کتاب « العدد القویه» للشیخ علی بن الحسن المطهر(اخ العلامة رحمه الله) عن خدیجة(س) انها قالت: کان النبی(ص) اذا دخل المنزل دعا بالاناء فتطهر للصلاة، ثم یقوم فیصلي رکعتین یوجز فیهما، ثم یُؤي الی فراشه(150).

 

مقام السيدة خديجة(س) في القرآن:

لأم المؤمنين خديجة(س) مكانة ومرتبة رفيعة عند الله سبحانه وتعالى، فهي العزيزة عندالله في الدنيا والآخرة، وان الرسول(ص) كان يقول لها: " ياخديجة ان الله عز وجل ليباهي بك كرام ملائكته كل يوم عدة مرات(151). وفي مكان آخر يروي الرسول الاكرم لها عن جبرئيل حيث يقول: " قال جبرئيل: هذه خديجة فأقرأ عليها السلام من ربها ومني وبشرها بيتا في الجنة"(152)، كما ان الصحابي الجليل ابو سعيد الخدري يروي حديثا ويقول فيه: "عندما عاد رسول الله(ص) من المعراج، سأل جبرائيل وهل هناك عمل آخر لأقوم بأدائه؟ فقال جبرائيل: بلغ خديجة السلام عن الله سبحانه وتعالى وعني". وما أن عاد النبي(ص) الى داره وصادف السيدة خديجة(س) قال لها: يا خديجة ان الله وملائكته يصلون ويسلمون عليك ويوقرونك. فقالت خديجة(س) ان الله هو السلام ومنه السلام واليه السلام وعلى جبرائيل السلام(153). وهذا ان دل على شيئ فانما يدل على ان الله وعد خديجة مقاما رفيعا في الجنة، وان الرسول الاكرم(ص) اكد ذلك مرارا وبشر خديجة به وقال لها: " لك دار في الجنة لامشقة ولا تعب فيها(154).

وعن الامام الصادق انه قال: لما توفيت السيدة خديجة(س) كانت فاطمة صغيرة وتتألم كثيرا من هول وفاة امها، وكانت تدور حول ابيها وتسأله عن امها، حتى هبط الامين جبرائيل على النبي (ص) وقال له: "ابلغ فاطمة السلام وقل لها ان امها لها دار سكنتها في الجنة، تجاور آسية إمرأة فرعون ومريم بنت عمران". فلما سمعت فاطمة بذلك، اطمأنت وهدأت ولم تروع نفسها بفراق امها بعد ذلك.

وفي حديث صحيح روي عن فاطمة الزهراء(س)، انها لما توفيت امها خديجة(س) كانت تحوم حول ابيها وتبكي امها وتقول ابتاه اين امي، اين امي، اين امي؟!!!...حتى نزل الامين جبرائيل وقال يا محمد امر ربك ان تبلغ فاطمة السلام وتقول لها ان امكِ في دار من قصب، قاعها من ذهب وجدرانها واعمدتها من الياقوت الاحمر، ودارها تقع بين دار آسية زوجة فرعون ومريم بنت عمران في الجنة. وما ان ابلغ النبي هذا النبأ لفاطمة(س) حتى قالت: ان الله سالم بلا عيب والسلام منه واليه يعود السلام.

ويروى ان الرسول(ص) عندما كان يوضح تفسير الآية الكريمة" عينا يشرب بها المقربون(156)"، كان يقول ان المراد من المقربين هم السابقين في الاسلام، وهم رسول الله وعلي بن ابي طالب والائمة وفاطمة وخديجة(س) وحقا لوقيل ان هؤلاء هم المقربون السابقون.

 

مكانة ومقام السيدة خديجة عند رسول الله (ص):

كانت للسيدة خديجة عند رسول الله (ص) مكانة مرموقة ومنزلة رفيعة ومقاما شامخا، بحيث انه(ص) لم يقرن ايا من أزواجه بخديجة، وكان دائما يذكرها بخير ويمتدحها ويفضلها على باقي ازواجه، ويعظم من تكريمها وتبجيلها. وهذا التعظيم والتكريم لم يكن من اجل انها كانت زوجة للرسول (ص) فحسب، لان زيجات اخريات اصبحن من ازواج الرسول ايضا، لكنه (ص) لم يمنحهن مثل هذه المكانة والمنزلة الرفيعة. كما ان رسول الله(ص) كان يحترم رأي وفكر خديجة تجاه القضايا الزوجية و الحياة المشتركة والقضايا الاجتماعية، ويولي رأيها احتراما خاصا، ولم يعارض اي رأي من آراء تلك السيدة الجليلة. وعندما طلب ابو العاص ابن اخيها، يد زينب بنت رسول الله وخطبها، استأذنت خديجة رسول الله في ذلك وقالت له هل ترضى بذلك؟ فلم يعارضها ووافق على موافقتها من ذلك، حتى جزم البعض يمكن القول ان الرسول(ص)، كان قد انتهج منهجا لا يعارض أيا من آراء خديجة(س). (1589) خاصة وانه كان يعز خديجة ويكن لها كل الاحترام والتبجيل، ومن اجل ذلك لم يتزوج غيرها ما دامت على قيد الحياة(159). ولم يقتصر تكريم وتبجيل الرسول الاعظم(ص) للسيدة خديجة على حياتها، بل انه(ص) كان يذكره بخير ويبجلها حتى بعد رحيلها. وبالرغم من ان الرسول الاكرم(ص) كانت له زيجات اخرى، لكنه عندما كان يذكر السيدة خديجة(س) كان يذكرها بخير ويترحم عليها.

ذات يوم قالت عائشة للنبي الاكرم: "يارسول الله ما اكثر ما تذكر خديجة، فقد كانت إمرأة عجوز و رحلت عنك. والله ابدلك بأحسن منها". فلما سمع الرسول الاكرم(ص) هذا الكلام انتفض وقال: "صدقتني اذ كذبتم، وآمنت بي اذ كفرتم، وولدت لي اذ عقمتم"(160).

وكان رسول الله يحترم ويعز زوجته المتكاملة السيدة خديجة حتى ان أقرانها واصدقائها كن يحظين بإحترام رسول الله، لأجلها.

وتقول ام المؤمنين عائشة: ذات يوم جاءت امرأة عجوز للرسول(ص)، فأكرمها وزاد في تكريمها، فلما ذهبت سألته عن سبب كل ذلك التكريم والتبجيل، فقال الرسول(ص):

« انها كانت تأتینا فی زمن خدیجة، و ان حسن العهد من الایمان».(161) فمجرد ان هذه العجوز كانت تتردد علیه ایام خديجة(س) وانها کانت تکرمها« فرسول الله(ص) بعد رحیل خدیجة، استمر على نفس الطريقة، فرحب بالمرأة العجوز اجمل ترحيب واكرمها افضل تكريم. وفي رواية اخرى عن عائشة حیث تقول: "کلما کان النبي(ص) يضحي بشاة كان يقول، ابعثوا شيئا منها لأصدقاء واقران خديجة. وتضيف عائشة بأنها ذات يوم تكلمت مع الرسول الاكرم حولها، فقال لها: " اني لأحب حبيبها"(162). وكان الرسول(ص) يبكي في ذكرى وفاتها (163) ويقول لأزواجه: "لا تظنن بان مكانتكن ارقى من مكانتها، فقد آمنت حين كفرتم. وهي ام ابنائي"(164).

وحتى بعد مضي عدة سنين وعندما اخبروه بأن علي بن ابيطالب(ع) يريد ان يخطب ابنته فاطمة(س) اغرورقت عيناه بالدموع. ولما سألته ام سلمة عن سبب بكائه فأجاب(ص):" خديجة وأين مثل خديجة صدقتني حين كذبني الناس وايدتني على دين الله واعانتني بمالها، ان الله عزوجل امرني ان بشر خديجة ببيت في الجنة، وهو قصر من الزمرد، لا تعب فيه ولا نصب(165). ثم اضاف النبي(ص): اشتاقت الجنة إلى اربع من النساء: مريم بنت عمران، وآسية بنت مزاحم زوجة فرعون وهي زوجة النبي في الجنة، وخديجة بنت خويلد زوجة النبي في الدنيا والآخرة وفاطمة بنت محمد(ص)(166).

 

خديجة في حديث المعصومين:

كان لخديجة(س) عند الائمة المعصومين وابناءهم وكل رموز العالم الاسلامي، مكانة رفيعة. حيث كانوا يحترمونها ويجلونها ويعظمون قدرها. وايما مناسبة طرأت عليهم يذكرونها ويفتخرون بها. حتى ان الامام الحسين(ع) في يوم العاشر من محرم الحرام لما وقف امام جيش عمر بن سعد الذي اراد قتله واصحابه الكرام بأمر من الخليفة الغاصب للخلافة، يزيد بن معاوية بن ابي سفيان، خطب فيهم خطبة قال فيها: اناشدكم الله، وهل تعلمون ان جدتي هي زوجة الرسول خديجة بنت خويلد؟(167) فلماذا تريدون قتلي وسبي اهل بيتي؟ كما ان الامام الحسن المجتبى(ع) عندما كان يناقش معاوية بن ابي سفيان كان يقول له: يا معاوية ان احد اسباب انحرافك عن صراط الحق وتماديك في إفساد الاخلاق والاعمال، لأن هند كانت امك وامها " نُثيلة "(الفاسقة منذ العصر الجاهلي)، وقد ترعرعت انت وامك في تلك الاجواء التي يحف بها الفساد والافساد، ونحن آل بيت تربينا في حجور امهات طاهرات نقيات أمثال السيدة خديجة(س) وامنا فاطمة الزهراء(س) بنت محمد(168). ثم اضاف الامام الحسن(ع) وهل تعلم بأني حفيد زوجة نبيكم السيدة خديجة(س).

ويروى ان الامام زين العابدين علي بن الحسين عليهما السلام، عندما ساقوه مع أسارى اهل بيت ابي عبد الله الامام الحسين، وبعد واقعة كربلا الى مجلس يزيد وكبار القوم، الذين حضروه القى خطبة غراء، قدم نفسها فيها حتى قال(ع): "انا ابن خديجة الكبرى". كما يقال ان السيدة زينب وقفت امام مصرع اخوتها واعزتها، الذين استشهدوا يوم العاشر من محرم ونطقت بكلام يفسر الصخر، ويزيد الروع في القلوب. ومن جملة ما قالته بعد ذكر اسم جدها النبي محمد(ص) وابيها علي بن ابيطالب(ع)، ذكرت اسم جدتها خديجة الكبرى وقالت بأبي خديجة الكبرى، انها كانت عظيمة وفدت نفسها للنبي. ثم ان زيد بن علي الذي قاد ثورة عظمى ضد خليفة زمانه الطاغية هشام بن عبدالملك، والذي استشهد اثرها، كان يحتج امام ناكثي عهد النبي، ويقول: ونحن احق بالمودة، ابونا رسول الله ... وجدتنا خديجة...".

اما عبدالله بن الزبير(169)عندما كان يتحدث مع ابن عباس، هو الآخر كان يتفاخر بخديجة الكبرى لإنتسابه اليها ويقول: «انا بن خديجة الكبري.»(170)

وفي عهد الامام الحسن بن علي(ع) لما فرض معاوية بن ابي سفيان سيطرته على الحكم، ذهب الى الكوفة واخذا البيعة من اهلها، ثم صعد على المنبر واخذ يتكلم بكلام بذيئ، اساء الادب فيه الى الامام امير المؤمنين علي بن ابيطالب(ع) حتى شتمه وسبه، والامامين الحسن والحسين كانا جالسان في المجلس، فلما قام الحسين بن علي واراد ان يرد عليه، فأمسك الامام الحسن بيده ودعاه للتحلي بالصبر والحلم والسكينة. ثم قام وخاطب معاوية بالقول:" يا من اسأت الادب لعلي(ع) فها انا ابنه الحسن و والدي هو علي بن ابيطالب وانت معاوية وابوك ابو سفيان!!! وامي فاطمة الزهراء بنت محمد(ص) وامك آكلة الاكباد. وجدي رسول الله وجدك حرب!!! وجدتي خديجة الكبرى(س) وجدتك "نُثيلة" المعروفة بالدناءة والقذارة في العصر الجاهلي!!! فلعنة الله على من هو اسمه قبيح وحسبه ونسبه يزخر بالقبح والكفر والنفاق.(171)

 

وصية السيدة خديجة:

كانت فترة السنوات الثلاثة التي قضاها النبي واهل بيته والمسلمون الاوائل، في شعب ابي طالب مقاطعين من قبل مشركي قريش، فترة عصيبة ادت الى ظهور امراض نفسية وجسدية على من كان في الشعب المحاصر، ومن بينهم السيدة خديجة الكبرى(س)، ومع مضي كل يوم كانت تلك السيدة الجليلة، تشعر بتدهور صحتها ونحول جسمها الشريف، وكأنها استشعرت باقتراب اجلها وانها تمضي الايام الاخيرة من عمرها الشريف، وسرعان ما ستفارق الدنيا. حتى انها ذات يوم وهندما كان الرسول (ص) جالسا عندها رمقته بطرفها وقالت يارسول الله لي وصايا اريد ان اوصيك بها:

- وصيتي الاولى: اذا كنت قصرت في حقك ارجو ان تعفوعني، فأجابها الرسول قائلا: "معاذ الله، لم ار منك اي تقصير، بل انك بذلت قصارى جهودك واتعبت نفسك في بيتي وصرفت اموالك وثروتك في سبيل الله". ثم واصلت السيدة خديجة كلامها وقالت:

 

- وصيتي الثانية: ان اخاف على ابنتي هذه (واشارت الى فاطمة)، لانها ستكون بعدي يتمية و غريبة، فلا تدع نسوة قريش يؤلمنها بكلام. ولا يصفعنّها احد على وجهها، ولايعنّفها احد. وان لايسيئ احد لها ولا يعاملها بما لايليق بها.

 

- واما وصيتي الثالثة التي استحي من ذكرها، سأقولها لإبنتي فاطمة وهي التي ستخبرك بها. ثم دعت ابنتها فاطمة لتدنو منها، فلما دنت اليها فاطمة الزهراء(س) همست في اذنها وقالت لها: "ياقرة عيني قولي لأبيك رسول الله(ص)ان امي تقول: اني لأخشى هول القبر ووحشته، وارجو منك، بأن تجعل من الإزار الذي كنت مؤتزرا به عند نزول الوحي عليك كفنا لي، ثم خرجت فاطمة من عندها لتنقل ما اوصتها امها لابيها، فلما سمع رسول الله(ص) بذلك ارسل عباءته "المقصودة" الى خديجة، ما افرحها واثلج صدرها.

 

وفاة السيدة خديجة:

بعد خمسة وعشرين عاما من الحياة الصعبة المليئة بالمشاق والمتاعب وتحملتها السيدة خديجة من اجل تذوق حلاوة العيش مع رسول الله، وبعد ربع قرن من الجهد وطاعة الرسول الاكرم(ص)، توفيت السيدة خديجة الكبرى اثر المتاعب التي انهكت بدنها الشريف واضعفت روحها لتنتقل الى جوار ربها. وكان رحيل السيدة خديجة(س) اثقل كاهل رسول الله وضاعف الهموم عليه. خاصة وانه لم يكن يمضي على وفاة عمه وكافله واكبر الحماة والمدافعين عنه، ابيطالب اكثر من خمسة وثلاثين يوما، وها هو اليوم قد رُزئ برحيل زوجته خديجة ايضا.

اما اقوال المؤرخين اختلفت في ذكر يوم وفاة خديجة(س)، حتى ان البعض قال انها توفيت خمس سنوات قبل البعثة النبوية الشريفة، فيما قال البعض بأن وفاتها كانت لاربع سبقن البعثة الشريفة، الى ان قال البعض ان وفاتها كانت لثلاث سبقن الهجرة النبوية الشريفة وآخرها يذكر انها(س)، توفيت ثلاث سنوات قبل معراج الرسول الاكرم(ص). لكن اشهر الاقوال، هو ان السيدة خديجة توفيت في العاشر من شهر رمضان المبارك، بعد عشر سنوات من البعثة النبوية الشريفة(172)، وعندما كانت في الخامسة والستين من عمرها الشريف، وكانت لحظة وفاتها بعيد اداء فريضة الصبح(173). ولما فارقت روحها الدنيا كان الرسول(ص) عند فراشها فبكاها وتذكر جهدها في نصرته وحنانها لاطمئنانه، حتى هبط عليه الامين جبرائيل (ع) حاملا لها كفنا من قماش الجنة، وقال:

" يارسول الله ان العلي الاعلى يُقرؤك السلام ويقول لك: ان خديجة صرفت اموالها في سبيلنا ونحن احق لان نقدم الكفن لها"(174).

ثم قام النبي محمد(ص) وغسلها بنفسه وحنطها ولفّها بالكفن الذي، اتى به الامين جبرائيل من قبل الله لخديجة وصلى عليها. ثم شيعها مع جمهور المسلمين الى مثواها الاخير في مقبرة الحجون، حيث قبرها اليوم. ولما وصل الرسول الاكرم الى محل دفنها، كانت دموعه تسيل على وجهه الشريف، ثم نزل الى قبرها وافترش ترابه واستلقى فيه(175) ودعا لخديجة(س)، ثم قام وانزلها بيده الى لحدها(176) ثم غطاه بالآجر وأهال عليه التراب، ووضع عليه آجرة كبرى علامة على قبرها الشريف.

فما ان عاد رسول الله الى الدار، حتى استقبلته يتيمة امها ابنته فاطمة الزهراء وهي تحوم حوله باكية وتقول: "أبتاه اين امي؟ وقد تحير الرسول(ص)في الإجابة على تساؤلاتها المتكررة، حتى هبط عليه الامين جبرائيل، ليقول له "اجب فاطمة بالقول: "ان امك استقرت في كمال الراحة والاطمئنان، وهي تعيش في قصر صنع من الزبرجد(177).

ویروي المرحوم العلامة محمد باقر المجلسي(ره)« ان النبي(ص) بعد هذه الفاجعة التي ألمت بحياته، ظل لفترة طويلة جليس الدار وقلما شوهد خارج منزله»(178).

 

عام الحزن واحداثه:

مع رحيل ابوطالب وخديجة(س) فقد الرسول الاكرم(ص) اهم واكبر وافضل حماته والمدافعين عنه، خاصة وان رحيلهما كان متقاربا جدا وبحدود الشهر ومايزيد عنه بنيف. فاشتدت الظروف على النبي خاصة وان المكانة التي كان يتمتع بها ابوطالب، ونفوذه في اهل مكة وبني هاشم، كان يمنعه من التعرض لاي سوء. وكان الجميع يعلم بأن ابي طالب اكبر الحماة والداعمين للنبي محمد(ص). وكان يتمتع بنفوذ كبير ومكانة رفيعة وقدرة منيعة بين اهل مكة. حتى ان بني هاشم كانوا لم يتركوا له كلمة الا ونفذوها. فأبي طالب الذي كان يدافع عن رسول الله، كان بإمكانه ان يتصدى لاي مؤامرة قد يتعرض لها الرسول الاكرم(ص). وكان اعداء رسول الله يعرفون ذلك ويعلمون جيدا اذا ما تعرضوا للنبي محمد(ص) بسوء، او يؤلموه بأذى فان ابي طالب سيتصدى للدفاع عنه، ما يعني ان لا احد يمكنه ان يجتاز ابي طالب او يصمد امامه، واذا ما قارعوا النبي ومقاومة ابي طالب، ستنشب حروب قبلية في مكة، وستستمر لسنوات لن تخمد نيرانها دون ان توقع المئات من القتلى واضعافها من الجرحى والمشردين والثكالى، فكان مشركوا مكة يخشون ذلك.

وعلى صعيد اخر كانت السيدة خديجة، هي الاخرى المدافع والداعم القوي عن رسول الله وسليلته في داره. وكلما كان النبي(ص) يعود الى الدار بعد ايذاء ومطاردة جهلاء ومشركي قريش كانت السيدة خديجة تستقبله بأفضل الاستقبال، وتزيل عنه آثار التعرض والاعتداء والمهانة، وتضمد جراحه وتسليه وتؤنسه حتى كأن الرسول الاعظم كان ينسى كل ذلك اللغط والاذى والتعب، لكن رحيل السيدة خديجة خطف كل تلك الامور من دار رسول الله. خاصة وانه قد فقد لفترة قصيرة اكبر حماته وداعميه في مكة، عمه ابو طالب. الامر الذي احزن الرسول الاعظم والمسلمين كلهم وزاد من همومهم ومتاعبهم حتى ان النبي والمسلمين اسموا ذلك العام ـ "عام الحزن". وكأن النبي اعلن الحداد لفقد عمه وزوجته لعام واحد(179) لانهما كانا اهم واكبر الحماة والمدافعين عنه، واهم الأشخاص الذين دعموه امام ايذاءات مشركي قريش له. حتى كان النبي (ص) يقول :" لما كان ابو طالب وخديجة احياء لم يكن قلبي يعرف الهم والحزن"(180).

وبرحيل ابي طالب زادت ایذاءات كفار ومشركي قريش وتجاسرهم على النبي، فقد أضحوا يتعرضون له و المسلمين دون مخاوف، لانهم لم يخشوا شخصا كأبي طالب بعد ذلك الحين. فعلى سبيل المثال ذات يوم كان الرسول الاكرم(ص) يمر عبر احد ازقة مكة المكرمة فأمر ابو جهل احد اعوانه من المشركين ليهيل القاذورات على راس النبي(ص). فلما تعرض الرسول الاكرم لذلك الاعتداء اسرع الى داره وقام بنفسه بإزالة تلك القاذورات عن رأسه وبدنه الشريف، في حين كان بالامس القريب اذا ما تعرض لمثل هذه التعديات الوقيحة، كان عندما يعود الى الدار، تستقبله السيدة خديجة(س) وتزيل عنه الاوساخ وتضمد جراح قلبه وتطيب خاطره، حتى وكأنه ينسى كل تلك الاعتداءات.

على اية حال فقد اخذت اساءات مشركي قريش للنبي محمد(ص) تزداد يوما بعد آخر واخذت الارض تضيق على النبي والمسلمين في مكة بما رحبت، حتى وصل الامر بالرسول الاكرم(ص)، ليشعر بانعدام الامن في شوارع مكة وازقتها، وحتى امنه واستراحته في الدار يتعرضان للتشويش، وعليه مغادرة مكة والتوجه لمكان اخر باسرع وقت ليتمكن من المحافظة على الرسالة الاسلامية وينشرها في المكان الآخر، من خلال دعوة سكان تلك البلدة الى الاسلام. وعسى ان يوفروا له الدعم في نشر الرسالة الاسلامية. وبعد شهر من رحيل السيدة خديجة(س) وفي نهايات شهر شوال المكرم من ذلك العام "عام الحزن" توجه النبي الاكرم(ص) مع زيد بن الحارثة الى الطائف، التي كانت اقرب المدن الى مكة، ومكثا فيها عشرة أيام. وخلال تلك الفترة التقى رسول الله(ص) زعماء اهل الطائف وشيوخها، وحاولا دعوتهم الى الاسلام، الا ان احدا لم يلب الدعوة قط. بل راح زعماء طائف و شيوخها يجندون الاطفال والجهلاء والمخبولين، ويحفزونهم على مطاردة النبي(ص) اينما وجدوه، بل ورشقه بالعصي والحجارة، وذات يوم تمادوا في رشق الرسول الاعظم بالحجارة، حتى اضطر زيد بن الحارثة ليتقدم على النبي ويتلقى الحجارة ببدنه ولايدعها تصيب النبي وتؤذيه. ما اضطر النبي وزيد ليعودا الى مكة ثانية. وقبل دخولهما لمدينة مكة، اقتربا من غار حراء وكان النبي يخشي تحيُّن قريش الفرصة لقتله. فقرر قبل دخوله مكة، ان يبعث وسيطا الى وجهاء مكة، ليضموا عودته الى المدينة ويدعموه في مواصلة نشر رسالته الاسلامية. فكانت النتيجة ان "مطعم بن عدي" كان هو الوحيد الذي وافق على الامر، ليدخل رسول الله تحت رعايته الى مكة المكرمة، فما كان منه الا ان استنفر شباب قومه وعبأهم وجهزه بالعدة والسلاح ورافقوا النبي(ص) بدخوله الى مكة، حتى ذهب الى الكعبة وطاف بالبيت، ثم صلى فيه وعاد مسرعا الى داره. لكن الاوضاع كانت متأزمة جدا بالنسبة للنبي(ص) والمسلمين في مكة، خاصة وان ابا لهب نصب نفسه شيخا لقبيلة بني هاشم بعد رحيل ابي طالب(س) وراح يتمادى وزوجته ام جميل، في ايذاء النبي ويشدد عليه والمسلمين الحصار والخناق. فما كان من النبي الاكرم(ص)، الا ان يعيد التواصل مع وجهاء مكة وشيوخ عشائرها وضواحي ها، امثال عشائر بني كلاب، وبني حذيفة وبني عامر وبني صعصعة ومحارب بن حفصة وفزارة وغسان وبني مرة وبني حنیفة، وبني سليم وبني نضر وبني البّكاء وبني الحارث بن كعب، ليطلب الدعم والامان منهم ويكونوا اعوانا وداعمين له في مكة، لكن ايا منهم لم يلب طلب النبي الاكرم(181). حتى حان موسم الحج ووصل عدد من زعماء الخزرج من المدينة الى مكة، والتقوا رسول الله ودعوه لزيارة المدينة، فما كان من رسول الانسانية، الا ان يلبي طلبهم. الا ان كل الاحداث والادلة التاريخية تؤكد ان النبي الاكرم(ص) لم يشأ مغادرة مكة وتركها، لكن الظروف لم تسمح له بالبقاء فيها بعد رحيل ابي طالب والسيدة خديجة(رضوان الله تعالى عليهما). حيث كان يوشك ان يتعرض للاستهداف مباشرة، ما اضطره الى التفكير في مغادرة مسقط رأسه.

 

مقام السيدة خديجة وضريحها:

لما توفيت ام المؤمنين السيدة خديجة(س)دفنها رسول الله في مقبرة الحجون في منطقة المعلى، حيث كان اهل مكة يدفنون موتاهم. واضحت هذه البقعة المباركة من البلد الامين مثوى الكثير من صحابة رسول الله والتابعين وعلماء الاسلام و الشخصيات التي لمع نجمها في خدمة الاسلام والمسلمين. ومن بين الشخصيات المرموقة، التي دفنت في هذه المقبرة، هم عبدالمطلب جد النبي و ابوطالب وابراهیم والقاسم وعبدالله ابنا رسول الله(ص) وعبد مناف جده الاعلى وياسر وسمية والدا الصحابي الجليل عمار بن ياسر، والعديد من الصحابة والتابعين والذين اندثرت اسماؤهم وآثارهم بعد ان قام الوهابيون بهدم معالمهم منذ سيطرتهم على مكة والجزيرة العربية(182).

ويؤكد الكثير من المؤرخين ان قبر خديجة كان عليه صندوق خشبي وكان مزارا للمسلمين على مر العصور. حتى ان الحاكم محمد سليمان المصري، امر ببناء قبة مزينة بالاحجار الكريمة فوق القبر الشريف عام 750 للهجرة النبوية الشريفة. كما امر ان تسدل ستارة من ارقى الاقمشة على نفس القبر. ومع تنامي عدد الزائرين لقبر هذه السيدة الجليلة تم توكيل شخص يقوم بصيانة مرقد السيدة خديجة وقبته، ويهتم بنظافة محيطه. كما تم تخصيص مرتب شهري له من ثروة آل عثمان الموقوفة. كما تم تجديد بناء محيط القبر والقبة التي تعلوه عام 242هـ. ق. لكن الوهابية التكفيرية قامت بهدم هذا الصرح والاثر الاسلامي المنيع عام 1342هـ.ق. ودمرت القبة والمقام، كما فعلت بباقي الاثار الاسلامية في مهبط الوحي والتنزيل (183).

يقول المستشرق الشهير السيد "سنوك هورخرونية" الذي اجرى دراسات موثقة حول مكة واثارها الاسلامية:" ان مقبرة السيدة خديجة زوجة الرسول الاكرم(ص) تقع في منطقة المعلى بمكة المكرمة، وكان لها قبة ومزارا منيعا، يقصده اهالي مكة في الحادي عشر من كل شهر ويقيمون فيه مجالس عامرة. يتحدث خلالها احد السادة من سلالة الرسول الاكرم(ص)، ثم تتم قراءة الاشعار والتواشيح الدينية، ثم يقدم صاحب المجلس، مبلغا لإكرام ذلك القارئ. كما يتم اطعام الحاضرين المتواجدين في المرقد. وبعدتناول العشاء يبقى الحاضرون في مقام السيدة خديجة وتحت تلك القبة الزاهية ويتبركون بهذه البقعة المباركة التي تضم جثمان خليلة الرسول الاعظم، ثم ان القبر الذي كانت تعلوه كسوة من أرقى الاقمشة كان محاطا بسياج حديدي، ويستمر الحضور في التواجد داخل وخارج المقام حتى وقت متأخر من اليوم والليلة(184).

 

حرز السيدة خديجة(س):

كانت للسيدة خديجة(س) علاقة وثيقة مع الله سبحانه وتعالى. حتى ان البعض قال ان هذه السيدة الجليلة كان لها حرز(185) خاص بها، حيث كانت تتواصل عبره مع ربها عند الحاجة. ويذكر السيد بن طاووس في كتابه "منهج الدعوات" حرزين للسيدة خديجة ويقول ان هذين الحرزين كانت السيدة خديجة تقرأهما في كل وقت تتعرض فيه لسوء او ضنك او شدة وهما: الحرز الاول:

" بسم الله الرحمن الرحيم، يا حي يا قيوم، برحمتك استغيث فاغثني، ولا تلكنی الي نفسي طرفة عين ابدا، و اصلح لي كل شيئ".

الحرز الثاني :

"بسم الله الرحمن الرحيم، يا الله يا حافظ يا حفيظ يا رقيب".

 

اعداد وتنظيم: عبدالله علي بخشي

ترجمة: عبدالهادي ضيغمي

------------------------

الهوامش:

1- حلف الفضول وهو حلف اسسه بعض الرجال والشخصيات العربية المحبة للعدالة في العصر الجاهلي، حيث اتفقوا على مساعدة المظلومين والضعفاء. وكان رسول الله(ص) احد الاطراف الموقعة على هذا الحلف ايضا. سيرة ابن هشام ج1 ص 141.

2- جمهرة انساب العرب، لابن حزم الاندلسي، ص120- الانساب للسمعاني ج1، ص215.

3- هناك عدة اقوال في هذه التسمية، فقد قال البعض ان كلمة قريش، هي بمعنى تقرّش اي تجمّع، وبما ان قصي بن كلاب جمع القبائل العربية واسكنها في مكة، عرف بـ "قريش". فيما قال البعض ان كلمة قريش من قرش اي بمعنى كسب، وبما ان قبيلة قصي كانت تعمل وتكسب وتتاجر،عرفوا بـ "قريش"، وهناك اقوال اخرى قيلت في هذا المجال، جاء ذكرها في ص 302من نفس الكتاب، لكن يبدو ان القول الاول اقوى.- اما خديجة بنت خويلد فهي امة جمعت في امرأة، سيد نبيل الحسني، ج 1 ص40.

4- كتاب تنقيح المقال ج1، ص 77.

5- الطبقات الكبرى، لابن سعد، ج8، ص41.

6- عمدة القارئ، لمؤلفه العيني، ج4.

7- الاصابة في معرفة الصحابة، لابن حجر العسقلاني ج8، ص224.

8- السيرة النبوية، لابن هشام، ج1، ص222و223

9- السيرة النبوية لابن هشام، ابن اسحاق- تحقيق مصطفى السقا وآخرين، القسم الاول،ج1، ص 189-191

10- بحار الانوار ج16،ص 21وص79.

11- نساء اهل البيت في ضوء القرآن والسنة، احمد خليل جمعة، ص 15.

12- سير اعلام النبلاء ج2،ص111، نهاية الادب،ج18،ص171

13- تاريخ الخميس، ج1 ص265، المواهب اللدنية- للقسطلاني ج1،ص99.

14- اعلام النساء، عمر رضا كحالة ج1، ص 326.

15- الاستيعاب، ج4 ص 1817

16- بحار الانوار ج16، ص22.

17- الطبقات الكبرى،لابن سعد ج8، ص14و15،وصفوة الصفوة،لابن الجوزي ج1، ص25.

18- هالة وهند اسمان كان العرب يطلقونها على الذكر والانثى حتى قبل الاسلام.

19- بحار الانوار،ج16، ص148-155، هامش سيرة ابن هشام ج1، ص187.

20- بحار الانوارج16، ص148-155،سیرة ابن هشام ج1ص118، نهاية الادب ج18، ص 273-276.

21- الاصابة في معرفة الصحابة لابن حجر العسقلاني ج6ص 588.

22- هذا ما ذكر في ترتيب زواج السیدة خديجة وهو المعروف، لكن يقول البعض ان زواج خديجة الاول كان من عتيق بن عائد المخزومي ومن ثم تزوجت ابو هالة هند بن زرارة كما ورد في كتاب فقه السير ص 69. كما روى دلك العلامة المجلسي عن الإربلي ايضا في البحارج16، ص1.

23- دلائل النبوة لابي القاسم اسماعيل بن محمد الفضل التيمي الاصبهاني ج1، ص178.

24- عيون المعجزات للسيد ابي القاسم علي بن احمد بن موس بن الامام الجوا محمد بن علي بن موسى بن جعفر(ع).

25- الآنسة.

26- للمزيد راجع الكتب التالية: مناقب آل ابي طالب، لابن شهر آشوب، ج1- ص 159 بحار الانوار ج22،ص 52، الصحيح من سيرة النبي (ص)، سيد جعفر مرتضى، اعيان الشيعة للسيد محسن امين، ج 6، ص309.

27- للمزيد راجع بحار الانوار ج16ص18، ومناقب آل ابي طالب، لابن شهر آشوب،ج1، ص 159، الاستغاثة، ج1، ص68، تبصرة العوام ص245، الانوار النعمانية ج1، ص81.

28- نساء اهل البيت في ضوء القرآن والسنة، لاحمد خليل جمعة، ص18، الاصابة في معرفة لصحابة،ج8 ص61 مع اختلاف بسيط في اللفظ.

29- مناقب آلب ابي طالب لابن شهر آشوب ص41، الاصابة لابن حجر العسقلاني، ج4 ص 274 عن ابن عباس.

30- كما جاء في القرآن الكريم ان علماء اليهود والنصارى يعرفون نبي آخر الزمان كما يعرفون ابناءهم(الآية146البقرة: الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون ابناءهم...)

31- حياة القلوب ج3، ص219

32- بحار الانوار للعلامة المجلسي، ص224 - 226، حياة القلوب ج3، ص227، الاصابة ج8، ص274.

33- الوفاء بأحوال المصطفى ج1، ص143.

34- نفس المصدر اعلاه.

35- يقال ان النبي(ص)سافر الى الشام مع عمه ابيطالب ايضا عندما كان في الثامنة من عمره، حياة القلوب ج3، ص201

36- الابطح كانت احدى المناطق القريبة من الثنايا( اي المناطق القريبة من محال الخروج مكة).

37- لأن تلك المناطق كانت محل تجمع لمياه السيول.

38- كما ذكرت اسماء اخرى في الكتب التاريخية الاخرى.

39- حياة القلوب ج1، ص203.

40- كانت نفيسة بنت منية من اصدقاء خديجة ومن حفظة اسرارها.

41- الطبقات الكبرى لابن سعدج1، ص 131-132، وتؤكد بعض المصادر ان الوسيط في ذلك الزواج كان عماربن ياسر.

42- سيرة ابن هشام ج1، ص 201.

43- بحار الانوار ج16، ص18.

44- ج16، ص 23.

45- السيرة الحلبية، لمؤلفه علي بن برهن الدين الحلبي،ج1 ص 213.

46- فروع الكافي ج2، ص19-20، من لايحضره الفقيه، لمؤلفه الشيخ الصدوق،ج3، ص397.

47- كل اوقية كانت تعادل مقابل اربعين درهما شرعيا.

48- الطبقات الكبرى لابن سعد ج8، ص10.

49- سيرة ابن هشام ج 10، ص 190.

50- فروع الكافي، كتاب النكاح، باب خطب النكاح، ح 9.

51- نفس المصدر اعلاه.

52- بحار الانوار ج16، ص 10و12و19.

53- قال زملوني، زملوني، اي دثروني، دثروني(= غطوني)

54- سورة المزمل الآيات 1-4.

55-سيره ابن هشام، ج10،ص273.

56- خديحة ام المؤمنين، محمد عمر، ص 98-99.

57- جمهرة انساب الاشراف، ص120،اسد الغابة، ج6، ص 78.

58- حياة الائمة، هاشم المعروف بـ "الحسني" ص 67.

59- كشف الغمة ج2، ص132.

60- عدد من الكتاب، همسر آفتاب(= قرينة الشمس) دار طه للطبع والنشر، ج1، ص16.

61- بحار الانوار، للعلامة المجلسي، ج16، ص 78.

62- بحار الانوار، ج16، ص75-77.

63- الشِعب في اللغة، هو المجاز والفجوة بين الجبلين، وشِعب ابيطالب كانت منطقة مفتوحة تقع بين الجبال المحيطة بالمسجد الحرام في مكة المكرمة، وقد التجأ اليه النبي(ص) وبني هاشم و المسلمون الاوائل، بعد ما قاطعهم كفار ومشركو قريش، ومكثوا فيه ثلاث سنين في احلك الظروف، حتى خروجوا منه بعد المقاومة منتصرين ليعودوا الى مكة ثانية.

64- بحار الانوار للعلامة المجلسي، ج19ص 16.

65- الامالي للشيخ الطوسي، ص468، حلية الابرار للسيد هاشم البحراني ج1، ص140، بحار الانوار للعلامة المجلسيج19، ص63.

66- سفينة البحارج1، ص381.

67- علي محمد دخيل، خديجة(ع)، ص 32.

68- شرح نهج البلاغة لابن ابي الحديد المعتزلي،ج13، ص 198-201.

69- كشف الغمة،ج1، ص90.

70- شرح نهج البلاغة للشيخ محمد عبده، ج2، ص182، الخطبة القاصعة.

71- سيرة ابن هشام، ج1، ص236.

72- خديجة ام المؤمنين ص 69-70.

73- نهج البلاغة للسيد الرضي، الخطبة 192.

74- تاريخ الطبري، ج2، ص213.

75- تاريخ الطبري، ج2، ص208.

76- المستدرك، لحاكم النيشابوري، ج3، ص185،تذكرة الخواص للسبط بن الجوزي ص 170، لاستيعاب، ج 14، ص 111.

77- مارية القبطية، هي جارية بعثها المقوقس عظيم مصر للنبي (ص).

78- تاريخ اليعقوبي، ج1، ص315.

79- سنن ابن ماجة،ج2، ص225، الحديث 1512،السيرة النبوية لابن كثير،ج1، ص264، تاريخ اليعقوبي،ج2، ص32.

80- المؤرخين اعتبر هذين اللقبين اسمين لولدين آخرين للنبي (ص) فاختلف المؤرخون في عدد الابناء الذكور للنبي(ص)حتى قيل كان للنبي اربعة اولاد من الذكور.

81- تاريخ نبي الاسلام، ص69-71.

82- الفدية لها عدة معاني منها: أ- الاضحية في الحج، ب- ما يقدم للاسير ازاء اطلاق سراحه من مال او عمل على الاسير القيام به، كما قيل ان الفدية تعني مهر المرأة ايضا.

83- المسند للامام احمد بن حنبل ج1، ص 238، المستدرك للحاكم النيشابوريج3، ص191، الطبقات الكبرى لابن سعد، ج3، ص399.

84- العدد القوية، ص221، الدر المنثور لابن ابي حاتم السيوطي ص452، بحار الانوار للعلامة المجلسي ج16،ص78.

85-هامش السيرة لابن هشام، ج2، ص226، يؤكد بعض المؤرخين ان الصلاة كانت في البداية ركعتان وتؤدى في وقتين، مرة قبل الغروب ومرة بعد الغروب. وبعد ذلك صارت 17 ركعة وفي خمسة اوقات.

86- الكامل في التاريخ لابن الاثيرج2، ص50-51،سيرة ابن هشام ج1، ص261، ويؤكد بعض المؤرخين ان آية الوضوء نزلت على الرسول(ص) في المدينة، لانها مدنية، "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاَةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ... سورة المائده الآیه 6.

87- الفصول المهمة في معرفة احوال الائمة، لمؤلفه محمد بن طلحة الشافعي، ص 34.

88- اعيان الشيعة، ج1، ص 380.

89- شجرة طوبى، ج2، ص 334.

90- غار حراء يقع في جبل النور على بعد عشرين كيلومترا من مدينة مكة القديمة حيث كان النبي يتعبد فيه لله سبحانه وتعالى وقد نزل عليه الوحي اول مرة فيه.

91- تاريخ الطبري، لمحمد بن جرير الطبري، ج3، ص 843.

92- كان حمزة بن عبدالمطلب عم النبي(ص) يذهب لصيد الاسود احيانا ولذلك لقب بـ "حمزة صياد الاسود".

93- بحار الانوار ج39، ص56.

94- مستدرك سفينة البحار ج5، ص44.

95- كتاب: خديجة(ع)، لمؤلفه علي بن محمد دخيلف، ص32.

96- بحار الانوار، ج 1، ص 4

97- شجرة طوبی، ج 2، ص 235

98- عمر رضا کحالة، اعلام النساء، ج 1، ص 326

99- مرضعة الرسول الاکرم(ص) في طفولته.

100- نساء اهل البیت فی ضوء القرآن و الحدیث، لمؤلفه احمدخلیل جمعة ص 32.

101- خدیجه ام المؤمنین، لمؤلفه محمد عمر، ص .59

102- بحارالانوار: ج 16، ص 22 عن ابي الحسن البكري. وفي كتاب الخصائص الفاطمية لمؤلفه الكجوري، ج1 ص 449

103- الاستیعاب: ج 4، ص 1817.

104- النحل آیه 90

105- ابوالحسن نیشابوري، اسباب النزول ، ص161. طبقات ابن سعد، ج 1، ص 114- 115

شر طه، ج1ص16.

106- كتاب تفسير نمونه ج 25، ص162.

107- الشعراء، ص 214.

108- بحار الانوار ج43، ص 53-54، وكتاب الخلاف للشيخ الطوسي،ج3، ص189، مختلف الشيعة للعلامة الحلي ج5، ص60، وجواهر الكلام ج22، ص 352.

109- سوق الصباغين.

110- مستند الشيعة(=الموثق للشيعة) للمحقق النراقي ج6، ص139.

111- الزهور المقتطعة من تاريخ مكة لمؤلفه تقي لدين السبكي ص122، طبعة دار صابر. الجامع اللطيف ص328.

112- سير اعلام النبلاء، للذهبي ج2، ص110.

113- مناسك الحج للشيخ مرتضى الانصاري(ره) ص 127.

114- http://en.wikipedia.org/wiki/Destruction_of_sites_associated_with_early_Islam

115- مناقب آلب ابي طالب، لابن شهر آشوب، ج3، ص102 مع بعض التعديل في النص، بحار الانوار ج43 ص 35.

116- وقلنا يا آدم اسكن انت وزوجك الجنة- سورة البقرة الآية 35.

117- ضرب الله للذين كفروا امرأت نوح وامرأت لوط... سورة التحريم الآية 10.

118- وضرب الله مثلا للذين آمنوا امرأت فرعون اذ قالت رب ابن لي عندك بيتا في الجنة ونجني من فرعون وعمله... الاية 11 من سورة التحريم.

119- وامراته (سارة زوجة ابراهيم) قائمة .... سورة هود الآية 71.

120- ... واصلحنا له زوجه... سورة الانبياء الآية90.

121- الآن حصحص الحق... سورة يوسف الآية 51.

122- ...وآتينه اهله ومثلهم معهم... سورة الانبياء الآية 84.

123- اني وجدت امرأة تملكهم ... سورة النمل الآية 23.

124- قال(شعيب) اني اريد ان انكحك احدى ابنتي هاتين... سورة القصص، الآية27.

125- واذ اسر النبي الى بعض ازواجه حديثا فلما نبأت به واظهره الله عليه عرف بعضه واعرض عن بعض... سورة التحريم، الآية 3.

126- ووجدك عائلا فأغنى، سورة الضحى الآية8.

127- مرج البحرين يلتقيان، سورة الرحمن الآية 19.

128- قالا ربنا ظلمنا انفسنا... سورة الاعراف الآية 23.

129- ... قالت رب ابن لي عندك بيتا في الجنة... سورة التحريم الآية 11

130- ... وامرأته قائمة فضحكت فبشرناه بإسحاق ومن وراء اسحاق يعقوب. سورة هود الاية71.

131- قالت ان الملوك اذا دخلوا قرية افسدوها... سورة النمل الآية 34.

132- فجاءته احداهما تمشي على استحياء... سورة القصص الآية 25.

133- ووجدك عائلا فأغنى، سورة الضحى الآية8.

134- يانساء النبي لستن كأحد من النساء ان اتقيتن، فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض وقلن قولا معروفا... سورة الاحزاب الآية32.

135- فقل تعالوا ندعوا ابناءنا وابناءكم ونساءنا ونساءكم... سورة آل عمران، الآية 61.

136- والسابقون السابقون اولئك المقربون، الآيتان 10و11.

137- صحيح البخاري ج4، ص138، بحار الانوار ج16، ص7.

138- فتح الباري في شرح صحيح البخاري: ج7، ص101، تفسير التبيان، ج2، ص456.

139- مسند الامام احمدبن حنبل عن مسند عبدالله بن عباس ج1، ص293، فضائل الصحابة، للنسائي، ص74.

140- الاستيعاب، ج2 ص720، الآحاد والمثاني، ج5 ص364.

141- ذخائر العقبى ص44، للمتقي الهندي، كنز العمال لابن حجر العسقلاني ج12، ص155.

142- كشف الغمة ج2، ص71.

143- كشف الغمة ج2، ص71.

144- بحار الانوار ج43، ص302، نقلا عن كتاب: خديجة اسطورة المقاومة والتضحية ص198.

145- ومنهم: ابن حيان في كتاب: الثقات، والعجلي في كتاب: معرفة الثقات، وابن قايماز الذهبي في: المعين في طبقات المحدثين، وللمزيد راجع كتاب "خديجة بنت خويلد امة جمعت في امرأة" ج2 ص200، اصدار قسم الشؤون الفكرية والثقافية في العتبة الحسينية المقدسة.

146- راجع نفس المصدر اعلاه، ج2، ص202.

147- السيوطي في كتابه جمع الجوامع ج1، ح15540، جامع الاحاديث للسيوطي: ج16، ص204 رقم 15320، الدر المنثور للسيوطي ج4، ص358، كنز العمال للمتقي الهندي، ج5، ص57 رقم الحديث 12033.

148- نقل بعض المؤرخين ان هذا الحديث هو الوحيد المنقول عن السيدة خديجة ولم يرو عنها حديث آخر، للمزيد راجع كتاب: "خديجة بنت خويلد امة في أمرأة".

149- كشف الغمة، للإربلي، ج2 ص 78، فضائل الخمسة من الصحاح الستة، ج1 ص 105، باب في بدء نزول الوحي على النبي(ص) وكيفيته ص104.

150- سنن النبي(ص) ج1، ص136.

151- عوالم العلوم،ج11، ص41.

152- صحيح البخاري، طبعة دار القلم ج5، ص112.

153- سفينة البحار ج1، ص379.

154- بحار الانوار ج16، والاصابة ج4، ص275.

155- حياة القلوب للعلامة محمد باقر المجلسي ج3، ص218.

156- الآية 22 من سورة المطففين.

157- جامع البيان، ج10، ص320.

158- سيرة ابن هشام، ج2، ص306.

159- سير اعلام النبلاء، ج2، ص110.

160- بحار الانوار ج16، ص8، سير اعلام النبلاء ج2، ص112، و117.

161- بحار الانوار ج16، ص110.

162- رياحين الشريعة ج2، ص206.

163- سفينة البحار، ج 1، ص 380.

164- سيره ابن هشام، ج 1، ص 199.

165- سفينة البحار، نفس المصدر، ص381.

166- خديجة اسطورة التضحية والمقاومة ص 207.

167- بحار الانوار، ج44، ص318.

168- الاحتجاج للطبرسي، ج1، ص282.

169- يقول بعض المؤرخين من العوام، انه كان شقيق السيدة خديجة(س).

170- شرح نهج البلاغة، ج9، ص325.

171- خديجة(س) اسطورة المقاومة والتضحية، ص201.

172- بحار الانوار، ج19، ص14.

173- السيرة النبوية، ج2، ص 132.

174- لم تكن صلاة الميت واجبة ذلك الحين.

175- سيرة اعلام النبلاء، ج2، ص11، كشف الغمة، ج2، ص511.

176- تاريخ الطبري ج4، ص593.

177- بحار الانوار، ج16، ص 1.

178- بحار الانوار، نفس المصدر، ص21.

179- المستدرك لحاكم النيشابوري، سفينة البحار،ج3، ص31.

180- كشف الغمة للإربلي، ج1، ص16، كحل البصر، للمحدث القمي، ص55.

181- سيرة ابن هشام، ج1، ج1، ص424، تاريخ الطبري ج2، ص 348.

182- سيرة اعلام النبلاء، ج2، ص114.

183- إفادة الانام بذكر اخبار بلدالله الحرام، للعلامة المحدث عبدالله المغازي المكي الحنفي، ج2، ص151.

184- صفحات من تاريخ مكة المكرمة في نهاية القرن الثالث عشر، ج2، ص135-146، نقله الى العربية وعلق عليه محمد بن محمود السرياني.

185- كلمة الحرز، في اللغة: تقال لمكان محصور ومحصن، فإذا دخله الشخص كان آمنا من الأذى والاخطار(خليل بن احمد الجوهري، وابن منظور والزبيدي في ذيل كلمة حرز) ولكن في المصطلح يقال لبعض الآيات والاذكار والاوراد والادعية التي يقال انها يستشف منها حفظ الانسان وماله وعرضه من الأذى مقروءة كانت او مكتوبة ليحملها الانسان معه، وجمع حرز، احراز.

===========

المصادر:

1- القرآن الکریم.

2- الاستیعاب فی اسماء الاصحاب،ابی عمر یوسف بن عبدالله بن محمد عبدالبشیر، مطبعة النهضة، مصر- قاهرة، بی تا.

3- اسدالغابة فی معرفة الصحابة،عزالدین، ابی الحسن علی بن الحسن علی بن ابی الکرم الشیبانی المعروف بابن الاثیر، دارالکتب العلمیة، بیروت، بی تا.

4- الاصابة فی تمییز الصحابة، احمدبن علی بن حجر العسقلانی، دارالنهضة، القاهرة، وطبعة دار الکتاب العربی، بیروت، بی تا.

5- الکامل فی التاریخ، ابی الحسین علی بن ابی الکرم محمد بن محمد الشیبانی المعروف بابن الاثیر الجوزی، الطبعة السادسة، دارالکتاب العربی، بیروت 1986م.

6- الکامل فی الغة و الادب، المبرد، تعلیق محمد ابوالفضل ابراهیم، دارالفکر العربی، القاهرة، بی تا.

راجع السيرة الحلبیة ایضا، لمؤلفه علی بن برهان الدین الحلبي، مطبعة البابی الحلبی، مصر، الطبعة الاولی، 1986م.

7- الطبقات الکبری، لابن سعد، دار بیروت للطباعة و النشر، بیروت، 1986م.

8- الاعلام،خیرالدین زرکلی، الطبعة الخامسة، دارالعلم للملایین، بیروت، 1980م.

9- اعلام النساء فی عالمی العرب والاسلام، عمررضا کحالة، الطبعة الخامسة، مؤسسة الرسالة بیروت، 1404ق.

10- دار الارقم بن ابی الارقم، ابی عبدالله محمدبن اسماعیل البخاری الجعفی، بیروت، بی تا.

11- سنن ابی داوود، محمد ناصرالدین الالبانی، الطبعة الاولی، مکتبة المعارف، الریاض، 1998.

12- صحیح مسلم، ابی الحسین مسلم ابن الحجاج القشیری النیشابوری، بین الافکار الدولیة، الریاض، 1998م.

13- السیرة النبویة لابن هشام، ابن اسحاق، تحقیق مصطفی الصفا، الطبعة الثانیة، بی جا، 1955م.

14- نساء اهل البیت فی ضوء القرآن و السنة، احمد خلیل جمعه، دارنشر الیمامة، بیروت، بی چا، 1982م.

15- سیر اعلام النبلاء، شمس الدین محمدبن احمد بن عثمان الذهبی، بیروت، بی چا، 1982م.

16- سبل الهدی و الرشاد فی سیرةخیرالعباد، محمد یوسف الشامی، تحقیق مصطفی عبدالواحد، بی تا، بی جا.

17- البدایة والنهایة، للحافظ بن کثیر،

18- بحارالانوار، للعلامه المجلسی، بیروت، دارالاحیاء التراث العربی، 1403ق.

19- سیرة رسول الله، تصحیح، رفیع الدین اسحاق الهمدانی، وصادق المدرسی، الطبعة الثانية، بی جا، 1375هـ.ش.

20- تاریخ الطبری، محمدبن جریر الطبری، ترجمة ابوالقاسم پاینده، دارالکتاب، قم، بی تا.

21- صفحات من تاریخ المکة المکرمة عن نهایة القرن الثالث عشر، نقله الی العربیة و علق علیه محمدبن محمود السریانی، مطبوعات نادی مکة الثقافی الأدبی.

22- افادة الانام بذکر بلدالله الحرام، لمؤلفه عبدالله المغازی المکی الحنفی.

23- http: //en.wikipedia.org/wiki/destruction_of_sites_associated_with_early_Islam.

24- خدیجه اسطوره التضحیة والمقاومة، محمد مهدی اشتهاردی، دار نشر "نبوی"، طهران، 1377هـ. ش.

25- سیرة النبی، لعبدالملك بن هشام، ترجمة رفیع الدین اسحاق بن محمد الهمدانی (قاضی ابرقو) تصحیح اصغر مهدوی، طهران، دار نشر الخوارزمی، 1360هـ. ش.

26- دلائل النبوة، الأصبهاني، أبو القاسم اسماعيل بن محمد بن الفضل التيمي(المتوفى عام535 هـ.ق.) تحقيق: محمد محمد الحداد، ناشر: دار طيبة - الرياض، الطبعة: الأولى، 1409هـ.ق.

27- الاستغاثة، الكوفي، أبو القاسم علي بن أحمد بن موسى ابن الإمام الجواد محمد بن علي (المتوفى عام352هـ.ق.)، ج1، ص70، حسب برنامج مكتبة اهل البيت عليهم السلام.

28- حیاة القلوب، للعلامة المجلسی، تحقیق السید علی امامیان، دارنشر سرور، 1376 هـ. ش.

29- جمهرة الانساب

30- تنقیح المقال، للمامقانی، تحقیق الشیخ محی الدین المامقانی، الطبعة الاولی، الناشر: مؤسسه آل البیت علیهم السلام.

31- نهایه الادب، النویر، الناشر: الهیئة المصریة.

32- مناقب آل ابیطالب، لابن شهر آشوب، النجف الاشرف، الناشر: المکتبة الحیدریة، النجف الاشرف.

33- الوفاء باحوال المصطفی، للسبط ابن الجوزی، دارالکتب الحدیثة، بیروت- لبنان.

34- فروع الکافی.

35- السیرة الحلبیة، الحلبی، الناشر: دار المعرفه بیروت- لبنان.

36- من لایحضره الفقیه، للشیخ الصدوق، الناشر: مؤسسة النشر الاسلامیة، قم.

37- خدیجة ام المؤمنین.

38- کشف الغمة،لابن ابی الفتح الاربلی، الطبعة الثانیة، ناشر: دار الاضواء بیروت- لبنان.

39- سفینة البحار.

40- شرح نهج البلاغه، لابن ابی الحدید، دار الکتب العربیة، بیروت- لبنان.

41- المستدرک لحاکم النیشابوری

42- تاریخ الیعقوبی، الیعقوبی، الناشر: مؤسسة الاعلمی، بیروت- لبنان.

43- تاریخ نبی الاسلام.

44- اعیان الشیعة، للسید محسن امین، الناشر: دار التعارف، بیروت- لبنان.

45- شجرة طوبی.

46- الفصول المهمة فی معرفة احوال الائمة(ع)، لابن الصباغ المالکی، الناشر: دار الاضواء بیروت- لبنان.

47- خدیجة سلام الله علیها، علی محمد دخیل.

48- نهج البلاغة، لمحمد عبده.

49- مستدرک سفینه البحار.

51- اسباب النزول، للواحدی، الناشر: دارالکتب الجدیدة الطبعة الاولی.

52- " تفسیر نمونة".

53- مناسک الحج، للشیخ مرتضی الانصاری (ره).

54- ذخائر العقبی، احمد بن عبدالله الطبری، الناشر: مکتبة القدسی، القاهرة ودار المعرفة- بیروت- لبنان.

55- عوالم العلوم.

56- سفینة البحار، للشیخ علی نمازی الشاهرودی، تحقیق الشیخ حسن نمازی، الناشر: دار النشر الاسلامیة، قم.

57- جامع البیان.

58- ریاحین الشریعة.

59- کحل البصر فی سیرة سید البشر، للشیخ عباس القمی، الناشر: مؤسسة الوفاء، بیروت- لبنان.

60- نهج البلاغة، للسید الرضی،الخطبة192، دفتر نشر فرهنگ اسلامی(دار نشرالثقافة الاسلامیة).

=================

قراءة 48484 مرة