هل للحج دور في تنمية الشباب؟

قيم هذا المقال
(0 صوت)
هل للحج دور في تنمية الشباب؟

محمود حسين عيسى

 فرحت كثيراً بقرار صديقي الشاب وعزمه على أداء فريضة الحج هذا العام، وقد جاء قراره بعد الحديث المطول الذي دار بيني وبينه، عن الفوائد العظيمة التي يتركها هذا الركن العظيم – ركن الحج – في نفس المسلم الذي يقبل عليه بفهم عميق لمغزاه، فضلاً عن تلبيته لأمر الله سبحانه وتعالى، وأدائه لما افترضه عليه.

وقد عقدت النية قبل حديثي معه على أن أشجعه وأحدثه في أمر مصاحبتي للحج هذا العام، وأن يكون تشجيعي له وحديثي إليه أحد الأسباب التي تدفعه إلى أداء هذه الفريضة، خاصة وأنّه يمتلك الاستطاعة البدنية والمالية منذ أعوام عديدة خلت، ولكنه التسويف الذي حال بينه وبين أدائه هذه الفريضة.

وقد ركّزت في حديثي معه حول: وجوب أداء فريضة الحج على كل مسلم يستطيع أداءها، والثواب العظيم الذي ينتظر من يؤديها بحقها، وكيف يستفيد الحاج – وخاصة الشاب – من الفوائد الروحية، والإجتماعية، والإقتصادية، والخاصة بتنمية وتطوير الذات، التي يتيحها الحج.

-        فريضة الحج:

فرض الله سبحانه وتعالى الحج على المسلمين، ومن رحمته سبحانه بعباده أن جعله في العمر مرّة واحدة لمن استطاع إليه سبيلاً.. قال تعالى: (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ) (آل عمران/ 97).

وقال رسول الله (ص): "مَنْ أراد الحج فليتعجل، فإنّه قد يمرض المريض، وتضل الضالة، وتعرض الحاجة".

وها هي هذه الأيّام تمر بنا كأنّها ساعات، وها هو شهر ذي الحجة يعود إلينا.. وهو الشهر الذي اختصه الله سبحانه وتعالى بالركن الخامس من أركان الإسلام.. الحج، واختصه سبحانه وتعالى بخير الأيّام.. العشر الأوائل من ذي الحجة، والتي تحمل معها الخير كلّه من رب كريم رحيم، واختصه سبحانه وتعالى أيضاً بخير يوم.. يوم عرفات الله.. وجعل الوقوف به من أركان الحج، حيث يقول رسول الله (ص): "الحج عرفة".. ويا له من موقف عظيم، إنّه يوم الدعاء.. يوم التذلل إلى الله؛ حيث ترفع فيه الأكف.. وتُبح فيه الأصوات.. وتذرف فيه العيون.. وهو موقف يباهي به الله سبحانه وتعالى ملائكته..

وكما قيل: الحج عبارة عن مجموعة من المناسك والشعائر، وجملة من الأفعال والأقوال؛ تنتظم جميعها في أطر زمنية ومكانية محددة؛ لتجسد بمجموعها معنىً تعبدياً، وعملاً تربوياً يساهم في بناء شخصية المسلم، ويعمل على إعادة تنظيمها، وتصحيح مسيرتها في الحياة، ويسدد وجهتها ومسارها إلى الله.

-        أوّلاً: معنى الحج المبرور:

انتهى العلماء في أقوالهم المتعددة إلى معنى واحد وهو: أنّ الحج المبرور هو الحج الذي وُفيت أحكامه، ووقع موقعاً لما طلب من المكلف على الوجه الأكمل.

وقد وصف الرسول (ص) الحج المبرور بقوله: "والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة".

-        ثانياً: علاماته:

1- قبول عملك عند الله سبحانه: إنّ قبول العمل عند الله سبحانه يتوقف على مدى إخلاصك في هذا العمل – وهو الحج – وتوجهك به بدءاً من النية إلى الله سبحانه لا شريك له في ذلك، وطاعتك لأوامره، واجتنابك نواهيه، واتباعك في الحج – وغيره – سنة نبيه (ص): فعن جابر (رض) قال: قال رسول الله (ص): "لتأخذوا عني مناسككم؛ فإني لا أدري لعلي لا أحج بعد حجتي هذه".

وتكون غايتك بهذا الحج التقرُّب إلى الله سبحانه بأداء فرض فرضه عليك، ويكون مبتغاك قبول هذا الحج دون رياء ولا سمعة ولا حظ من حظوظ النفس، وقد روى ابن ماجه أنّ رسول الله (ص) حج على رحل رث وقطيفة تساوي أربعة دراهم، ثمّ قال: "اللّهمّ حجة لا رياء فيها ولا سمعة".

والإخلاص لله في كل عمل يجب أن يكون مبدأً عاماً يجب التزامه، وعدم الحياد عنه، فالإخلاص في العمل يولد الإتقان، الذي بدوره يميّز صاحبه عن غيره، ويرتفع به إلى أعلى الدرجات والمناصب في عمله الدنيوي سواء كان حرفة، أو مهنة، أو تجارة، فضلاً عن بناء علاقات إجتماعية إيجابية وقوية مع أفراد مجتمعه، مما يشعره بسعادة غامرة تدفعه إلى مزيد من العمل المتقن، والنجاح الدائم.

2- التخطيط وتهيئة النفس للحج:

إنّ التخطيط وتهيئة النفس قبل الحج يعيناك – ويعينا كل حاج – على أن يكون حجه مبروراً، وهناك العديد من الخطوات العملية التي تساعدك على تهيئة نفسك.. منها:

-        ترغيب النفس في الحصول على الثواب العظيم الذي ينتظرها إذا كان حجها مبروراً، فهي تعود بذنب مغفور.

-        التوبة النصوح.

-        اختيار النفقة الحلال.

-        اختيار الرفقة الصالحة.

-        التحلل من حقوق العباد.

-        سكينة النفس.

-        التعرف على حِكَم وأسرار الحج: وهذا التعرف يعد من الوسائل المهمة التي تعمل على تهيئة النفس لإستقبال رحلة الحج، ومن ثمّ العمل على نجاحها، فيجب على كل حاج أن يتعرف ويستشعر حكم الحج وأسراره، فالحج شعيرة من شعائر الله، والحاج أثناء حجه يسير على خُطا الأنبياء والصالحين، ويستشعر الحاج في وقفة عرفات حيث يحتشد ملاين الحجيج يوم العرض الأكبر والوقوف بين يدي الله سبحانه، كما يستشعر في تلبيته: "لبيك اللّهمّ لبيك.. لبيك لا شريك لك لبيك.. إنّ الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك"، عبوديته لله الواحد الأحد الذي لا شريك له، ويستشعر أنّ الحمد والنعمة والملك لا تكون إلا له سبحانه، وفي هذا إقرار بالولاء المطلق لله سبحانه، ويستشعر الحاج أيضاً أنّه في ضيافة الكريم سبحانه، وأنّه قد ترك الأهل والمال والولد، ملبياً مستجيباً، لأمره سبحانه وتعالى: (وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ) (الحج/ 27)، سعياً لرضاه سبحانه، راجياً القبول، والرجوع من حجه بذنب مغفور، عائداً إلى دنياه كيوم ولدته أُمّه دون ذنوب.

ويستشعر الحاج أيضاً أنّ الحج يتطلّب بذل المال والجهد، كما يتطلّب تحمل المشاق البدنية، وفي ذلك تدريب عملي للنفس على بذل المال والجهد، وكسر ما تعودت عليه من راحة ورفاهية، وهذا يساعدها – بلاشكّ – على تحمل ما يصادفها من مشكلات أو ظروف عملية أو شخصية صعبة، تتطلب منها بذل المزيد من الجهد للتغلب عليها، وعدم الإنكسار أمامها، وفي ذلك خير كبير لهذه النفس.

إنّ التخطيط الصحيح إن تأصل في نفسك، وكان منهجاً لك، تلجأ إليه قبل الشروع في القيام بأي عمل، هذا التخطيط يؤدِّي بك إلى النتائج التي تصبو إليها، ويساعدك في تحقيق أهدافك، وجعلها واقعاً ملموساً على الأرض، وشريطة الهمة العالية، والإرادة القوية الصلبة أثناء تنفيذ ما سبق التخطيط له.

3- احرص على إكتساب خصال البر أثناء حجك: ومن أجمع خصال البر التي تحتاج إليها، ويحتاج إليها كل حاج – كما يقول ابن رجب – ما وصى به رسول الله (ص) أبا جُرَيٍّ الهجيمي حين قال لك: "لا تحقرن من المعروف شيئً ولو أن تعطيَ صلة الحبل، ولو أن تعطيّ شسع النعل، ولو أن تنزع من دلوك في إناء المستسقي، ولو أن تنحي الشيء من طريق الناس يؤذيهم، ولو أن تلقى أخاك ووجهك إليه منطلق، ولو أن تلقى أخاك فتسلم عليه، ولو أن تؤنس الوحشان في الأرض".

يا لها من خصال عظيمة إن تأصلت في نفسك بعد الحج، وتعاملت بها، ونشرتها بين أفراد أسرتك الصغيرة، ومجتمعك الكبير تكون من أسعد الناس في الحياة الدنيا، ومن الفائزين – إن شاء الله – في الآخرة، فهذه الخصال تعمل على تقوية الأواصر الإجتماعية بينك وأفراد أسرتك ومجتمعك، وتجعل مجتمعك مجتمعاً متحاباً، ومتعاوناً، وقوياً، ومتقدماً، والذي يعمل بدوره على تهيئة أسباب النجاح والتميز والرقي لأفراده، فضلاً عن مساعدتهم في أن يكونوا مشاعل مضيئة تحمل النور، والعلم، وتنشر الحب والتعاون بين المجتمعات البشرية الأخرى.

4- كن في تجارة دائمة مع الله سبحانه وتعالى: احرص على وقتك أثناء الحج، فوقتك رأسمالك – في الحج وغيره – وكن تاجراً ناجحاً مع الله، أكثر من الطاعات، وابتعد عن المعاصي والمخالفات، وكل ذلك من بر الحج.. يقول سبحانه وتعالى: (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الألْبَابِ) (البقرة/ 197).

فإلزام نفسك – أثناء الحج – بالمحافظة على الطاعات حيث الثواب العظيم في الدنيا والآخرة، واجتناب المعاصي والمخالفات حيث تجنبك العذاب الأليم في الدنيا والآخرة، وشغل وقتك بكل ما هو مفيد من ذكر ودعاء، متجنباً سفاسف الأمور، والجدال، هذا الإلزام وذاك الشغل المفيد للوقت صفات مفيدة حسنة تكتسبها أثناء الحج، ويجب عليك تنميتها في حياتك العملية والعلمية والخاصة، فالنفس تتطبع بما تعودها عليه، وإن استطعت تعويدها الإلتزام، واحترام الوقت – الذي هو حياتك – فسوف ينعكس ذلك بآثار إيجابية تساعدك على تطوير ذاتك، ومن ثمّ نجاحك وتميزك العلمي والعملي، فضلاً عن نجاحك في حياتك الخاصة بانتظام شؤونك، وترشيد وتوجيه إهتماماتك نحو الأهم دوماً.

5- استفد من منافع الحج:

يقول الله سبحانه وتعالى: (وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ * لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ) (الحج/ 27-28).

ففي الحج تلتقي جموع المسلمين الآتية من كل أصقاع الأرض، في مكان واحد، يلبسون زياً واحداً تتلاشى من خلاله الفروق المادية والطبقية والإدارية، فالكل سواسية – وفي ذلك تهذيب وتربية عملية للنفس – فهم يمارسون عملاً واحداً، ويتجهون نحو غاية واحدة، ويعلنون في آن واحد عبوديتهم وولاءهم لله سبحانه وتعالى. ولحكمة يعلمها الله سبحانه أقر لهذه الجموع – التي تقدر في زماننا هذا بالملايين – أن تشهد منافع لها سواء كانت منافع إجتماعية في التعارف بين المسلمين الذين تفصل بينهم المسافات الطوال، واللغات واللهجات، أم منافع إقتصادية حيث يتوافر للتجار الوافدين والمقيمين عدد هائل من المستهلكين في مكان وزمان واحد، قلما يجدونه في أي وقت أو مكان آخر، فينتج عن هذا الإلتقاء بين التجار والمستهلكين حراك إقتصادي ومالي ضخم؛ عن طريق النقل، والإستهلاك، وحمل البضائع، وتبادل النقود، وشراء الأضاحي والحاجيات ومستلزمات الحج والإقامة والسفر؛ فينتفع العديد من المسلمين، وتشهد مجتمعاتهم حركة إقتصادية ومالية نشطة. وهذا يدفعنا – كل الحجيج – إلى العمل على الإستفادة القصوى من هذا التجمع البشري الضخم، فلما لا نتاجر في أشياء مفيدة؟ وتكون نقطة إنطلاق لإكتساب مهارة جديدة في عمل حر يجلب الكثير من الفوائد سواء على المستوى الشخصي أو على مستوى المجتمعات والأوطان ككل.

6- ألزم نفسك الإستقامة بعد الحج: قال بعض العلماء: علامة بر الحج أن يزداد – الحاج – بعده خيراً، ولا يعاود المعاصي بعد رجوعه، وقال الحسن البصري: الحج المبرور أن يرجع – الحاج – زاهداً في الدنيا، راغباً في الآخرة.

وذلك لما في الحج من إعداد وتربية لسلوك الفرد ونوازعه؛ فالحج تدريب عملي يكتسب الحاج من خلاله الكثير من الصفات الحميدة.. مثل: الصبر، وتحمل المشاق، وحسن الخلق، والتواضع، واللين، والتحكم في الإنفعالات وعدم الغضب، وحسن العشرة، والبذل والتضحية، والتعاطف، والإمتناع عن الكذب، والغيبة.. وغيرها من الصفات التي إن تمسكت بها – أيها الحاج – وحرصت على ممارستها بعد العودة من الحج فسوف يساعدك هذا الحرص وذاك التمسك على إصلاح وتهذيب نفسك، وفي ذلك خير عظيم على حاضرك ومستقبلك في الحياة الدنيا، فضلاً عما ينتظرك من نعيم مقيم في دار الخلد إن شاء الله.

 

قراءة 542 مرة