باقة من كلمات الإمام الخامنئي دام ظله حول الاعتكاف

قيم هذا المقال
(0 صوت)
باقة من كلمات الإمام الخامنئي دام ظله حول الاعتكاف

ما هو الاعتكاف؟
الاعتكاف عبارة عن حجز النفس وحبسها في مكان محدّد وتقييد هذه النفس وإيجاد حدودٍ لها. والعكوف يعني الإغلاق والإقفال وحصر النفس في نقطة معيّنة، لكي تتحقّق خلوة في القلب، فيتمكّن الإنسان من أن يجد فرصة للاتّصال المباشر والعلاقة النقيّة مع ربّ العالمين.
هذه هي حقيقة الاعتكاف،هو عبارة عن عبادة تشتمل على رياضة. وهذا ـ في الواقع ـ هو حال الكثير من العبادات، يتجلّى فيها بُعد الرياضات الروحانيّة، وهي رياضات يفرضها الإنسان على نفسه بملء اختياره ورغبته طوعاً، لكي يسمو ويرتقي بباطنه ومعنويّاته وقلبه، الاعتكاف هو من هذا النوع من العبادات.
والمتعارف لدينا حاليًّا هو الاعتكاف لثلاثة أيّام، ولكن يمكن الاستمرار والمتابعة بالاعتكاف حتى تسعة أو عشرة أيام. وقد ورد أنّ الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله) كان يعتكف في اللّيالي العشر الأخيرة من شهر رمضان، حيث كان يبقى في المسجد ولا يخرج منه ويمارس أعماله من داخل المسجد. الاعتكاف فرصة جيّدة.

برامج الاعتكاف الجماعيّة لا ينبغي أن تتعارض مع خلوة كلّ واحدٍ من المعتكفين
إنّني هنا أوصي المسؤولين المعنيّين بشؤون الاعتكاف بأنّ اجتماع الآلاف من الأشخاص في أماكن معيّنة وإن كان يعدّ فرصةً جيّدة للغاية، وقد سمعنا أنّ بعض القيّمين على المساجد ينظّمون ويضعون الخطط لاستثمار هذه الفرصة ضمن برامج جماعيّة واسعة، من أجل أن ينتفع الناس أكثر، لكنّني هنا أودّ التوصية بأن لا تكون هذه البرامج الجماعيّة في أماكن الاعتكاف ممّا يتنافى مع حالة الخلوة التي ينبغي أن تكون متوفّرةً لكلّ واحدٍ من المعتكفين.
إنّ الاعتكاف الذي يمارسه الشباب هو في الحقيقة اختلاء بالله عزّ وجلّ... إنّه عمل فرديّ أكثر منه عملاً جماعيّاً، هو عمل فرديّ يهدف إلى إيجاد صلةٍ بين العبد وبينربّه. فلا يجب أن تكون البرامج الجماعيّة في مراكز الاعتكاف بحيث تؤثّر سلباً على لذّة الاختلاء بالله والارتباط الفرديّ والقلبيّ به.
فعلى القيّمين على هذا الشأن أن يفسحوا في المجال للمعتكفين وأن يعطوا الوقت الكافي ويتركوا هؤلاء الشباب يتفرّغون لتلاوة القرآن، ومطالعة نهج البلاغة، وقراءة أدعية الصحيفة السجّاديّة.
إنّني أوصي بالصحيفة السجّاديّة خصوصاً في أيّام الاعتكاف هذه. كتاب «الصحيفة السجّاديّة» هذا كتاب معجز حقّاً. ولحسن الحظّ، فقد تُرجمت إلى اللّغة الفارسيّة، وتوفّرت ترجمات جيّدة لها، وقد جاءوني العام الماضي بترجمة جيّدة لها ورأيتها،لقد كانت ترجمة جيّدةً جدّاً.
على المعتكفين أن ينتفعوا من هذه المعارف المبثوثة في أدعية الإمام عليّ بن الحسين (سلام الله عليه) في الصحيفة السجّاديّة ويقرأوها ويتأمّلوها. إنّها ليست أدعيةً وحسب، بل هي دروس وعبر، وإنّ كلمات الإمام السجّاد (عليه السلام) وكلّ الأدعية المأثورة عن الأئمّة (عليهم السلام) والتي وصلتنا عنهم لهي زاخرة بالمعاني والمعارف والمفاهيم العميقة.
علينا أن نقوّي ارتباطنا بالله كي تكون لنا القدرة على الخوض في كلّ ميادين الحياة بعزيمةٍ راسخة وخطوات ثابتة وأذهان نيّرة. وإنّ الشعب إذا أراد أن يحقّق سيادته وعزّته فعليه أن يتحلّى بالإرادة الصلبة، عليه أن يعلم جيّداً ماذا يريد، وعليه أن يطمئنّ قلبه لذكر الله.

الاعتكاف علامة على سيرنا في الاتّجاه الصحيح
في أيّام الاعتكاف في شهر رجب الأصبّ، وفي شهر رمضان المبارك، يتوجّه شبابنا ونساؤنا ورجالنا من مختلف الشرائح والأعمار إلى الكثير من المساجد المنتشرة في أرجاء البلاد، يبقون في المساجد، يصومون لثلاثة أيّام، ويعيشون حالة الارتباط والأنس بالله عزّ وجلّ، ثمّ نراهم بعد انقضاء أيّام اعتكافهم هذه يودّعون المساجد بالبكاء والدموع والآهات، ويخرجون ليتهيّؤوا للعام المقبل.
أعزّائي! إنّ وجود هذه الظاهرة في أيّ مجتمع هي علامة جيّدة وإيجابيّة، قال الله تعالى: ﴿الذين إن مكّنّاهم في الأرض أقاموا الصلاة﴾، هي علامة على وجود حكومةٍ إلهيّة، وعلامة على وجود حركة صحيحة وفي الاتّجاه صحيح. وعليكم بالاهتمام بها والتعامل معها بكلّ جدّيّة.
في لقائه مع طلّاب قم وأهلها بمناسبة 19 دي 19/10/1375 (1996).

أفضل الشباب من كان صاحب فكرٍ وتدبّرٍ وبصيرة
إنّ جامعة طهران نفسها، مسجد الجامعة نفسه، كان شاهداً على مراسم الاعتكاف والعبادة والمناجاة وصلاة الجماعة والصيام التي قام بها شباب هذا البلد، بل أكثرهم نبوغاً. إنّ أفضل الشباب في كلّ بلدٍ هم الشباب الذين يكونون من أصحاب الفكر والتدبّر والبصيرة. وعموماً، فإنّ أمثال هؤلاء نجدهم في الأغلب بين الجامعيّين، وإن كان يوجد ـ بالطبع ـ بين غير الجامعيّين من أمثال هؤلاء الشباب الطيّب، ولكن في السابق ـ حينما كنّا نحن شباباً ـ لم نجد لنجد ألف معتكف ـ ربما ـ من بين الجامعيّين، لا في جامعة طهران، ولا في بعض الجامعات الأُخرى في سائر إيران. بل حتّى في قم التي كانت مركزاًللتديّن والعبادة، لعلّه لم يكن يعتكف في مساجدها أكثر من عدّة مئات قليلة من الطلبة. لم يكن الاعتكاف من الأمور المعتادة، كان الناس بعيدين عن مثل هذه الأجواء.
من خطبة صلاة الجمعة في طهران 12/10/1376 (1998)

الاعتكاف من ثمار الثورة الإسلاميّة وبركاتها
طوبى لكم أيّها المعتكفون الأعزّاء.. إنّ ظاهرة الاعتكاف هذه هي واحدة من بركات هذه الثورة الإسلاميّة ومن ثمارها وإنجازاتها. نحن لم يكن لدينا في بداية الثورة مثل هذه الأمور. نعم، كان الاعتكاف دائماً موجوداً. في أيّام شبابنا، وعندما كان يقبل شهر رجب، كان ما لا يزيد على خمسين إلى مئة نفرٍ من الطلبة تقريباً يعتكفون في مسجد الإمام الحسن العسكريّ (عليه السلام) في مدينة قم ـ وفقط في قم، حيث إنّني لم أشاهد أصلاً اعتكافاً في مشهد ـ. أمّا أن يتحوّل الاعتكاف، كما هو عليه اليوم، إلى ظاهرةٍ عامّة واسعة النطاق، بحيث يشارك في مراسم الاعتكاف عشرات الآلاف من الأشخاص، ويكون أغلب هؤلاء المعتكفين من الشباب، فهذا ـ في الحقيقة ـ جزء من إنجازات هذه الثورة وبركاتها.
لقد قلْتُ في وقتٍ سابق: إنّ ثورتنا هذه لها إخفاقاتها، ولكن لها إنجازاتها وبركاتها أيضاً، وإنّ إنجازاتها ـ بحمد الله تعالى ـ تغلب وتزيد على إخفاقاتها. هنيئاً لكم أيّها المعتكفون الأعزّاء.
من خطبة صلاة الجمعة في طهران 28/5/1384

وصيّة للمعتكفين
وصيّتي لكم أيّها الأعزّاء هي هذه:
عليكم أن تستثمروا هذه الأيّام التي تقضونها في المسجد حال الاعتكاف وتستغلّوها بتمرين أنفسكم على المراقبة، مراقبة كلّ واحدٍ منكم لنفسه. حينما تتكلّمون، تأكلون، تخالطون، تقرأون كتاباً، تفكّرون، تخطّطون للمستقبل، في حال انشغالكم بالقيام بكلّ هذه الأمور عليكم أن تراقبوا أنفسكم جيّداً. قدّموا رضا الله تعالى وما يريده الله على هوى النفس، لا تنصاعوا لأهواء أنفسكم. إنّ التمرّن على هذه الأمور في هذه الأيّام يمكن أن يكون درساً للمعتكفين الأعزّاء أنفسهم، وكذلك لنا نحن الجالسين ها هنا ننظر بغبطةٍ إلى حال شبابنا الأعزّاء وهم معتكفون. علّمونا نحن أيضاً من خلال عملكم.
من خطبة صلاة الجمعة في طهران 28/5/1384

حركة الاعتكاف هذه لا مثيل لها في العالم كلّه
لم نشهد خلال السنوات الماضية، ومنذ أيّام نشأتنا وشبابنا في هذا البلد،مثل هذه الحركة الواسعة، أن يأتي الناس في شهر رمضان إلى مختلف المساجد في بلادنا، أو إلى مسجد كوهرشاد (مشهد)، لأجل إقامة مراسم الاعتكاف.
كنّا خلال الأيّام البيض الثلاثة المتعارفة في شهر رجب أو في شهر شعبان نرى عدداً قليلاً من الناس يُقبلون على الاعتكاف في مساجد قم، وكانوا في الأغلب من طلّاب العلوم الدينيّة. وفيما سوى ذلك، لم يكن الاعتكاف متعارفاً بهذا الشكل الذي وصل إليه في أيّامنا هذه.
وأمّا اليوم،فإنّ الجامعات والمساجد والجوامع في كلّ أرجاء البلاد تعجّ وتمتلئ بالمعتكفين في أيّام الاعتكاف، وعلاوةً على ذلك، فإنّ جمعاً عظيماً يعتكفون في العشر الأواخر من شهر رمضان. من هم هؤلاء؟ هل هم الشيبة والشيوخ من الرجال؟ أم العجائز من النساء؟ كلّا! بل هم الشباب أنفسهم، الشبّان الأصغر سنّاً. وهذا في الواقع لا نظير له في كلّ العالم. هذا هو جيلناالشابّ اليوم. إنّنا نجد أنّ النزوع إلى الدين والإقبال على القيم الثوريّة هي السمة الغالبة على مجتمعنا اليوم.
في لقاءٍ له مع أهالي كرمسار في 21/8/1385

الاعتكاف واحد من البركات الإلهيّة، لكن يجب التخطيط والبرمجة له
نحمد الله تعالى على أن هيّأ لنا هذه الأرضيّة ومنحنا هذا التوفيق، وجذب قلوب الشباب إليه بمغناطيس المحبّة الإلهيّة والذكر الإلهيّ. هذا الأمر الذي ينبغي اغتنامه والاستفادة منه، هذه فرصة. وكلّ فرصنا تحمل في داخلها تهديدات أيضاً.وعلينا أن نتعامل بمنتهى الجدّيّة في مجال استكشاف الآفات والمشكلات التي قد تواجه ظاهرة الاعتكاف.
الاعتكاف موطن من مواطن العبادة،والعبادة ـ بطبيعة الحال ـ لا تقتصر على الصلاة فقط، بل إنّ التواصل الجيّد مع سائر المعتكفين، والعلاقة الأخويّة والودّية، والتعلّم منهم أو تعليمهم، تجربة آداب العشرة الإسلاميّة وتعلّمها، هذه كلّها فرص جيّدة يوفّرها الاعتكاف، ويجب التخطيط والبرمجة لهذه الفرص.
إنّ العمل الأهم يتمثّل في التخطيط والبرمجة، فما لم توضع برامج جيّدة وما لم تتمّ مساعدة جموع الشباب المتعطّشة والمتحمّسة التي تقصد المساجد للاعتكاف، فإنّ كلّ هذه الطاقات وهذه الفرص سوف تذهب هدراً، بل إنّها قد تصبح مضرّة أيضاً. ينبغي أن تكون البرمجة ذكيّةً وواعية، وفي الوقت عينه يجب أن تراعي روحيّة الاعتكاف وحقيقة معناه. فلنفترض ـ مثلاً ـ أن يأتي أحدهم ويخطّط لعرض أفلامٍ للشباب المشاركين في مراسم الاعتكاف! مع أنّ الأفلام من الممكن مشاهدتها في أيّ مكان. مشاهدة الأفلام لا تحتاج إلى الأيّام البيض، ولا إلى التواجد والعكوف في المساجد، وما إلى ذلك.

أهداف الاعتكاف وغاياته
إنّ الغاية من الاعتكاف هي إيجاد حالة القرب من الله، التقرّب إليه، والدنوّ منه سبحانه. فانظروا ما الذي يسعكم فعله من أجل تقريب قلب المعتكف من الله وتقريب عقله وذهنه أيضاً من الله. وبالطبع، فإنّ الإنسان حينما يستأنس في باطنه وقلبه بالله تعالى، فإنّ ذلك من شأنه أن يترك تأثيراته على ظاهره، وتظهر عليه علامات ذلك.
وحينما تعتري الإنسان حالة الخشوع، فإنّ الخضوع أيضاً سيعقب الخشوع، وعندئذٍ سيؤثّر ذلك في حياته. وهذا الشابّ الذي يخرج بعد ثلاثة أيّام من الاعتكاف سيكون في باطنه طاهراً مغتسلاً، وسيتحلّى بطهارة معنويّة نقيّة صافية، وسيكون ذلك ذخراً له إن شاء الله.
وهذا شيء على جانب كبير من الأهميّة والعظمة. إنّها ثلاثة أيّام من الصيام والانقطاع عن شواغل الدنيا وشؤون الحياة اليوميّة المتعارفة، الانقطاع عنها من أجل التوجّه إلى الله تعالى والإقبال على المعنويّات والمعارف والتوحيد، وهذه أمور لها قيمة كبيرة.

أمور مهمّة على المخطّطين والمبرمجين أن يلتفتوا إليها
عليكم أن تدقّقوا في تطبيق هذه الأشياء بصورة صحيحة وهدايتها وتوجيهها بصورة سليمة. فلتأتوا بخطباء ومتكلّمين جيّدين ليتحدّثوا إلى المعتكفين ويعلّموهم معارف هذا الدين وتعاليمه وقيمه.
واعملوا على تجنّب افتعال الأزمات والجدالات والنقاشات الهامشيّة والضوضاء التي تؤثّر سلباً على روحيّة المعتكفين، وليكن الجهد كلّه منصبّاً على أن تكون أيّام الاعتكاف أيّاماً مشبعةً وحافلةً بالعبقات المعنويّة. وإذا خرج المعتكفين بعد ذلك، فهناك الكثير من الميادين والساحات والمجالات الحياتيّة التي يمكن للمرء أن يخوضها في المجتمع، ولكن فليكن الأصل في هذه الأيام الثلاثة هو الاتّصال والارتباط بالله عزّ وجلّ، وليكن التخطيط على هذا الأساس. هذا هو الأصل والأساس، وسوف يتطوّر ويتنامى إن شاء الله.
طبعًا تأمين الضيافة والتجهيزات اللّازمة وما إلى ذلك أمور جيّدة. وقد سمعت أنّ القيّمين في بعض المساجد كأنّهم يستفيدون من إقبال الناس وشوقهم إلى الاعتكاف ويتقاضون منهم أموالاً كثيرة! يجب أن لا يكون الأمر على هذه الشاكلة. لا عيب في تقاضي الأموال من المعتكفين، وهذا هو الأفضل ـ الأمر الذي يتعاون فيه الناس ويتقدّمون فيه من أنفسهم بالمساعدة الماليّة ويشتركون فيه ماليّاً سيكون مباركاً، فمن خصوصيّات الأموال والمساعدات التي يتقدّم بها الناس أنّها فيها خير وبركة ـ ولكن يجب الحرص والتدقيق كثيراً لكيلا تتحوّل هذه المراسم إلى أجهزة لكسب أموال التجارة وما إلى ذلك.
من كلمة له (دام ظلّه) في لقائه أعضاء اللّجنة المركزيّة للاعتكاف وأعضاء لجنة إقامة مؤتمر الاعتكاف الثالث (8 مايو 2014م).

15-06-2017

قراءة 2056 مرة