المبادرة إلى العمل الصالح

قيم هذا المقال
(0 صوت)
المبادرة إلى العمل الصالح

عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال:"مَنْ جَرَى فِي عِنَان أَمَلِهِ عَثَرَ بِأَجَلِهِ".

كلما تقدم العمر بهذا الإنسان كلما ازداد تعلقه بهذه الدنيا، وهذا نابع من الأمل الذي يبقى طويلا، فلا يقصر أمله حتى مع شعوره بقرب لحظة الموت منه.

ويصف أمير المؤمنين (عليه السلام) في حكمته هذه حال الإنسان الذي جعل أمره بيد الأمل، فهو يذهب به حيث يريد، فأين حل أمله في شيء ما ذهب نحوه، لا يتفكر ولا يتدبر في أن في ذلك صلاح آخرته أو فسادها، وكلما استطال حبل الأمل المقيد في عنق هذا الإنسان أصبحت قابلية السقوط أكبر حتى تأتي لحظة الأجل فيتعثر بها الإنسان ويسقط في قبره عاجزاً عن فعل شيء.

وهذا بخلاف من كان على حذر دائم من الموت أن يحل به فبادر بالعمل الصالح متزوداً منه لآخرته فإنه لا يذهب به الأمل بعيداً في تعلقات هذه الدنيا، وقد ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"مَنِ ارْتَقَبَ الْمَوْتَ سَارَعَ إِلَى الْخَيْرَاتِ".

ويترقّى الإنسان في حذره من طول الأمل فكلما كان أكثر يقيناً بأن الموت سيحل به ويقطع علاقته بهذه الدنيا، وبما يجري له بعد الموت من أهوال رحلة الآخرة كان أكثر حذراً من طول الأمل فيراه سبباً للغرور فيبغضه قال (عليه السلام):"لَوْ رَأَى الْعَبْدُ الأَجَلَ ومَصِيرَهُ لأَبْغَضَ الأَمَلَ وغُرُورَهُ".

ولو أن الإنسان التفت دائماً إلى أن الأجل غير معلوم متى وأين يحل به طبقاً لقوله تعالى: ﴿وإِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِير لكان في جهوزية دائمة لهذه اللحظة، وإلا لجاءت بغتة، والتجهز يكون بالإسراع إلى اكتساب الأعمال الصالحة التي هي زاد الآخرة، ولذا يقول (عليه السلام):"فبادروا العمل، وخافوا بغتة الأجل".

ويكفي ليتفكّر الإنسان في سرعة حلول الأجل أنه يسير في كل يوم مقترباً من الموت، وفي المقابل ساعة الأجل تسير نحوه، ولا بد من نقطة التقاء سريعة قال (عليه السلام):"إذا كنت فِي إِدْبَارٍ، والْمَوْتُ فِي إِقْبَالٍ، فَمَا أَسْرَعَ الْمُلْتَقَى".

إن الكثير من المواقف يتخذها الإنسان في هذه الدنيا بحسب أمله منها وأما من قطع أمله من هذه الدنيا وتعلقه كان بالآخرة فإنه سوف يقف موقف حق في وجه كل ظالم وجائر، ونحن نعيش أيام ولادة السيدة زينب بنت أمير المؤمنين (عليه السلام) سنتذكر موقفها في التذكير بالآخرة لأعتى الظالمين وهي وحيدة في بلاد غربة، فخاطبت يزيد بقولها: "أظننت يا يزيد حيث أخذت علينا أقطار الأرض وآفاق السماء، فأصبحنا نُساق كما تُساق الأُسارى أنَّ بنا على الله هواناً وبك عليه كرامة، وإنَّ ذلك لعِظَمِ خَطَرِكَ عنده، فشمَخْتَ بأنفِكَ، ونظرت في عطفِك،جذلان مسروراً، حين رأيت الدنيا لك مستوسقة، والأمور متَّسقة، وحين صفا لك ملكنا وسلطاننا،فمهلاً مهلاً، أنسيت قول الله تعالى: ﴿وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِّأَنفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُواْ إِثْمًا وَلَهْمُ عَذَابٌ مُّهِينٌ ".

قراءة 2815 مرة