السيادة الشعبية الدينية والحفاظ على حقوق الناس

قيم هذا المقال
(0 صوت)
السيادة الشعبية الدينية والحفاظ على حقوق الناس

السيادة الشعبيّة الدينيّة مصطلح جديد في الخطاب السياسيّ العالميّ، نشأ في مهد المباني السياسيّة للإسلام وتأثّر بالتعاليم النبويّة والعلويّة. تقوم مضافًا إلى الحفاظ على حقوق الناس على الصعيد السياسيّ، وإدارة أمور المجتمع واجتناب نماذج الحكومات الاستبداديّة، على مراعاة الأصول والمباني القيميّة، وبهذا، يتميّز النظام الإسلاميّ عن نماذج العلمانيّة الغربيّة. وبهذا الهدف، وُضع في الحكومة الإسلاميّة نهج جديد، ليس هو بالاستبداديّ ولا بالليبراليّ. وقد عبّر قائد الثورة المعظّم عن نهج الحكم هذا بـ "السيادة الشعبيّة الدينيّة":

لسيادة الشعب الدينيّة وجهان: الوجه الأوّل لها هو دور الشعب في تشكيل الحكومة وانتخاب المسؤولين، والوجه الآخر لها هو حلّ مشاكل الشعب، وعلى هذا الأساس ينبغي على المسؤولين متابعة مشاكل الناس بنحو جدّي وحلّها[1].

بعبارة أخرى، السيادة الشعبيّة لا تتجلّى في النظام فقط من خلال حضور الجماهير المليونيّة عند صناديق الاقتراع، بل مضافًا إلى ذلك، يمكن مشاهدتها في العمل الدؤوب للنظام على خدمة الشعب. في هذا التعريف لسيادة الشعب، يحظى الناس بشأن ومنزلة أعلى من تلك التي يحظون بها في الديمقراطيّة الغربيّة. في هذا التعريف للسيادة الشعب، تستحقّ الشعوب المثقّفة والواعية الاهتمام بآرائها وأفكارها في الدولة والعناية بها.

لذا لا يمكن للدولة الإسلاميّة التي هي نتيجة ثورة شعبيّة واعية لشعبٍ شجاعٍ وغيور، سوى أن تكون "دولة الشعب". ولهذا تمامًا، كان تأكيد قائد الثورة المعظّم على عنصر الوعي وضرورة التفات المسؤولين وحتّى المتنوّرين، وامتثالهم لأهداف الشعب العليا: "الشعب الإيرانيّ قويّ ومقتدر. لماذا؟ لأنّه شعب يمتلك الذكاء والاستعداد، ويمتلك جيلًا عظيمًا من الشباب في هذه الفترة المعاصرة، والذي نفسه، رأسمال عظيم جدًّا... هو شعب مؤمن"[2].

يعمل العدوّ، من خلال سلب الثقة بدور الجامعيّين، على ترسيخ نظريّات مترجمة (غربيّة) في أذهانهم، وسلخهم عن الشعب، إذ من أهمّ الطرق لمواجهة هذه المساعي، المحافظة على الارتباط والتواصل الفكري بين الطلبة والأساتذة الجامعيّين وبين الشعب، والتمسّك أكثر فأكثر بمبادىء الثورة الإسلاميّة وأصولها[3].

كما أنّ إهابة القائد بالشعب وتوصيته نخب المجتمع بالارتباط بعامّة الشعب والتقرّب منهم، هو وجه بارز من وجوه السيادة الشعبيّة. التأكيد على وعي الشعب وريادته مقارنةً بالمسؤولين والنُّخب، هو في الواقع، مبيّن لجوهرة السيادة الشعبيّة الدينيّة التي هي ليست مقبولة كثيرًا لدى المفكّرين الغربيّين ـ خاصّة أتباع الاتّجاه النخبويّ: "الشعب مقدّم على جميع المسؤولين، الأجنحة والأحزاب"[4].

وبالطبع، وكما سبق وأوضحنا، مع أنّ السيادة الشعبيّة الدينيّة تراعي جانب رضا الشعب، فإنّها أيضًا لا تتعدّى حدود المباني والأصول القانونيّة للمجتمع، وتتجلّى في الواقع، كإرادة للشعوب المسلمة، المطالبة بتحقّق الأهداف الإسلاميّة العليا. هذا النوع من حاكميّة الشعب المنسجمة مع محوريّة القيم، تُعدّ السند القويّ للحكومة الإسلاميّة، التي يرى سماحته أنّه بإمكانها رفع المشكلات والعيوب كافّة في ظلّ تحقّق المجتمع الإسلاميّ الأصيل:

النظام الإسلاميّ قادر من خلال السند العظيم والحماية الشعبيّة المنقطعة النظير، واستحكامه البنائيّ والتنظيميّ، وإحساس المسؤولين بالتكليف أمام الله، على حلّ جميع المشاكل والتحدّيات الموجودة جيّدًا، وأن يسطّر عهدًا جديدًا في تاريخ هذا البلد[5].

وهذه الحقيقة، قد شهدها نظام جمهوريّة إيران الإسلاميّة كنظام يعتبر السيادة الشعبيّة عضدًا مؤازرًا لـمحوريّة القيم، مرارًا منذ بدايات انتصار الثورة وتأسيس الجمهوريّة الإسلاميّة، إلى اليوم. لقد شكّلت مشاركة الشعب العظيمة في ساحات الثورة، والانتخابات، والحرب، والمظاهرات، عاملًا مؤثّرًا في حفظ هذه الثورة، ويمكن مشاهدة النموذج الأخير لها في حادثة كوي دانشكاه. هناك سدّ الظهير الشعبيّ للحكومة طريق الفتنة على مثيري القلاقل، وشوهد مرّة أخرى نموذج عن حاكميّة الشعب في مجتمعنا: "على الرغم من جهود الأعداء الحثيثة لإحداث شرخ وشكّ في الرأي العامّ للشعب الإيرانيّ، نزلت الطبقات المختلفة للشعب الراسخ، المؤمن، والعازم، كسيل هادر إلى الطرقات، وأظهروا وحدتهم من جديد"[6].

وبهذا، طُرحت "السيادة الشعبيّة الدينيّة" كبديل مناسب للديمقراطيّة الغربيّة في الحكومة الإسلاميّة، والنموذج العمليّ الذي يكون الشعب فيه المبنى والمحور، والحكومة، والنخب والمسؤولون مكلّفون بشكر وليّ نعمتهم وخدمته. في الوقت عينه، يسعى الشعب أيضًا من خلال الالتزام بالأصول والمباني القيميّة، إلى تحقيق الأهداف الإسلاميّة وحاكميّة الفكر الإسلاميّ.
  
حاكميّة الشعب الدينيّة في خطاب القائد الخامنئي (دام ظله)، علي فيّاض

[1] صحيفة الجمهوريّة الإسلاميّة، 1 آذر 1379.
[2] صحيفة كيهان، 25 آبان 1379.
[3] صحيفة الجمهوريّة الإسلاميّة، 10 إسفند 1379.
[4] للمطالعة حول أصول الدين ومبانيه ومكانة الشعب فيه، ر. ك: حسين بشريّة، علم الاجتماع السياسيّ، (طهران: ني، 1374).
[5] المصدر نفسه.
[6] المصدر نفسه.

 

قراءة 839 مرة