تهذيب النفس، نوع من الجهاد

قيم هذا المقال
(1 Vote)

رأيٌ يقول: إنّ تهذيب النفس، نوع من الجهاد ومحاربة أعداء الداخل، الّذين يتحرّكون لإيقاع الإنسان في مستنقع الرّذيلة، وشراك الخطيئة.

هذا الرأي مقتبسٌ في الأصل، من حديث الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم، المعروف، عندما خاطب الرسول صلى الله عليه واله وسلم، قوماً من المجاهدين، رجعوا لتوّهم من الغزو فقال:"مَرحَباً بِقَوم قَضَوا الجِهادَ الأَصغَرَ وَبَقيَ عَلَيهِم الجِهادُ الأَكبَرُ، فَقِيلَ يا رَسُولَ اللهِ، ما الجِهادُ الأكبرُ، قالَ: جِهادُ النَّفسِ"1.

وجاء في البحار في ذيل هذا الحديث: ثُمّ قَالَ صلى الله عليه واله وسلم: "أَفضَلُ الجِهادِ مَنْ جاهدَ نَفْسَهُ الَّتي بَينَ جَنْبَيهِ"2.

هذا وقد فُسّرت بعض الآيات التي وردت في دائرة الجهاد، بالجهاد الأكبر، إمّا لأنّها تخصّ الجهاد مع النفس، ولمدلولها العام في حركة السياق القرآني، الذي يتناول القِسمين للجهاد.

وجاء في تفسير القمي، في ذيل الآية (6) من سورة العنكبوت: "وَمَنْ جاهَدَ فَإنّما يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللهَ لَغَنِيٌّ عَنِ العالَمِينَ"، قَالَ عليه السلام: " ومن جاهد نَفْسَهُ عَنِ الشَّهَواتِ وَاللَّذَّاتِ وَ المَعاصِي"3 .

ويمكن أن نستوحي هذا المعنى من هذه الآية، من حيث إنّ فائدة الجهاد تعود على الإنسان نفسه، ويتّضح ويتجلّى أكثر في الجهاد مع النفس، وخصوصاً أنّ الآية التي جاءت قبلها، تكلّمت عن لقاء الله: "وَمَنْ كَانَ يَرجُوا لِقاءَ اللهِ.."، ونعلم أنّ لقاء الله، والشهود والقرب منه، هو الهدف الأصلي للجهاد مع النفس.

وكذلك جاء في آخر آية من سورة العنكبوت: "وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُم سُبُلَنا وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ الُمحسِنِينَ".

وهذه الآية أيضاً ناظرةٌ حسب الظاهر إلى الجهاد الأكبر، وذلك لقرينة: (فينا)، وجملة: "لَنَهْدِيَنَّهُم سُبُلَنا"، وتتضمن مفهوماً عاماً يستوعب كلا النَّحوين من الجهاد.

وجاء أيضاً في الآية (78) من سورة الحج: "وجاهِدُوا فِي اللهِ حَقَّ جِهادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُم وَمَا جَعَلَ عَلَيكُم فِي الدِّينِ مِنْ حَرج".

فقد فسّر أغلب المفسّرين كلمة الجهاد بمعناها ومفهومها العام، الذي يشمل الجهاد الأصغر والأكبر، وبخصوص معنى الجهاد الأكبر، وكما قال المرحوم العلاّمة الطّبرسي في كتابه مجمع البيان، أنّ أكثر المفسّرين ذهبوا إلى أنّ المقصود من حقّ الجهاد، هو إخلاص النيّة والأعمال والطّاعات لله تعالى4.

وقد ذكر العلاّمة المجلسي رحمه الله هذه الآية، في زمرة الآيات النّاظرة للجهاد الأكبر5. كذلك. وجاء في الحديث المعروف عن أبي ذرّ رحمه الله أنّه قال: قُلتُ يا رسُولَ اللهِ أَيُّ الجِهادِ أَفضَلُ؟ فَقالَ صلى الله عليه واله وسلم: "أَنْ يُجاهِدَ الرَّجُلُ نَفْسَهُ وَهَواهُ"6.

وكما ورد في حديث: جنود العقل وجنود الجهل، هذا المعنى أيضاً، إذ يُشبّه حياة الإنسان بساحةِ حرب، العقلُ جنوده في جهة، والجهلُ وهوى النّفس وجنودهما في الجهة المقابلة، فهذان المعسكران، يعيشان دائماً في حالة حربِ سِجال، ومن خلال هذا النّزاع، ومعطيات حالات الصّراع في أعماق النّفس، تتولد الكمالات المعنويّة للإنسان، وذلك عندما ينتصر العقل وجنوده، والنّصر الآني، هو السّبب في التّقدم النّسبي للكمالات الإنسانيّة.

 

*الأخلاق في القرآن،آية الله مكارم الشيرازي،مدرسة الامام علي بن ابي طالب عليه السلام-قم،ط2،ج1،


1- وسائل الشيعة، ج11، ص122 (باب 1، جهاد النفس).

2- بحار الأنوار، ج67، ص65.

3- تفسير القمي، ج2، ص148 بحار الانوار، ج67، ص65.

4- مجمع البيان، ج7، ص97.

5- بحار الأنوار، ج67، ص63.

6- ميزان الحكمة، ج2، ص141.

قراءة 3408 مرة