الوقاية من فيروس الحسد

قيم هذا المقال
(0 صوت)

الوقاية من فيروس الحسد الحسد: هو تمنّي زوال نعم الله تعالى عن أخيك المسلم ممّا له فيه صلاح. (1)

الحسد أشدّ الأمراض وأصعبها وأسوأ الرذائل وأخبثها، ويۆدّي بصاحبه إلى عقوبة الدنيا وعذاب الآخرة.

الآيات والروايات في ذلك

قال تعالى:{أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} [سورة النساء: الآية 54].

وقال أيضاً:{وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ} [سورة النساء: الآية 32].

قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): «لا تتحاسدوا، فإن الحسد يأكل الايمان، كما تأكل النار الحطب اليابس»(2).

وقال (صلّى الله عليه وآله) أيضاً: «قال الله عزّ وجلّ لموسى بن عمران: يا ابن عمران: لا تحسدنّ الناس على ما آتيتهم من فضلي. ولا تمدّنّ عينيك إلى ذلك ولا تتبعه نفسك، فإنّ الحاسد ساخط لنعمي، صادّ لقسمي الذي قسمت بين عبادي ومن يك كذلك فلست منه وليس مني» (3).

وقال (صلّى الله عليه وآله): «إن لنعم الله اعداء، فقيل: ومن هم؟ قال: الذين يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله» (4).

وقال (صلّى الله عليه وآله) أيضاً: «إنّ الحاسد عدوّ لنعمتي متسخّط لقضائي، غير راض بقسمتي التي قسمت بين عبادي» (5).

مراتب الحسد

المرتبة الاُولى: أن يحبّ زوال النعمة عن المحسود وإن لم تنتقل إليه، وهذا أخبث المراتب وأشدّها ذمّاً.

المرتبة الثانية: أن يحبّ زوال النعمة لرغبته في عينها كرغبته في دار حسنة معينة أو امرأة جميلة بعينها، ويحبّ زوالها من حيث توقّف وصوله إليها عليه لا من حيث تنعّم غيره بها، قال تعالى: {وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ}.المرتبة الثالثة: أن لا يشتهي عينها بل يشتهي لنفسه مثلها، إلا أنّه إن عجز عن مثلها أحبّ زوالها عنه، كي لا يظهر التفاوت بينهما، ومع ذلك لو خلّي وطبعه اجتهد وسعى في زوالها.

المرتبة الرابعة: هي كالثالثة إلا إنّه ان اقتدر على إزالتها منعه قاهر العقل أو غيره من السعي فيه، ولكنّه يهتزّ ويرتاح به من غير كراهية من نفسه لذلك الارتياح.

الفرّق بين الغبطة والحسد

الغبطة لها مرتبتان:

الاُولى: أن يشتهي الوصول إلى مثل ما للمغبوط من غير ميل إلى المساواة وكراهة للنقصان، فلا يحبّ زوالها عنه.

الثانية: أن يشتهي الوصول إليه مع ميله إلى المساواة وكراهته للنقصان بحيث لو عجز عن نيله، وجد من طبعه حبّاً خفيّاً لزوالها عنه وارتياح من ذلك، ادراكاً للمساواة ودفعاً للنقصان (إلا أنّه كان كارهاً من هذا الحب) ومغضياً على نفسه لذلك الارتياح.

وربّما سميت هذه المرتبة بـ (الحسد المعفو عنه) وكأنّه المقصود من قول الرسول (صلّى الله عليه وآله): «ثلاث لا ينفكّ المۆمن عنهنّ (الحسد - الظنّ والطيرة...) ثم قال: وله منهنّ مخرج إذا حسدت فلا تبغ ـ أي: إن وجدت في قلبك شيئاً فلا تعمل به، وكن كارهاً له. وإذا ظننت فلا تحقق ـ وإذا تطيّرت فامض» (6).

أمّا الحسد والغيبة والعجب وغيرها من الرذائل فتشكّل في القلب نيراناً تشتعل إذا مات العبد، وإذاً يرى تلك النيران كما قال تعالى: {نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ * الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ} (سورة الهمزة: الآيات 6-7).

أي: إنّها مجرّد أن ترى النار في قلبك، فتقول هذا تبعاً لي، أجارنا الله سبحانه وتعالى وجعلنا ممّن يزكّي نفسه، والحمد لله ربّ العالمين.

علاج الحسد

علاج هذا المرض الأخلاقي كسائر علاج الصفات الرذيلة الاُخرى يقوم على دعامتين :

1 ـ الطريق العلمي.

2 ـ الطريق العملي.

امّا بالنسبة إلى الطريق (العلمي) فينبغي للشخص الحسود أن يتأمل جيداً في أمرين :

أحدهما النتائج السلبيّة والعواقب الضارة للحسد على المستوى الروحي والبدني، والآخر يتأمل في جذور ودوافع حصول هذه الحالة في النفس.

إن على الحاسد أن يرى نفسه كالشخص المعتاد على المخدرات والمدمن على الهيروئين، فعليه أن يتدبر في أمر هۆلاء المدمنين وكيف أنّهم فقدوا سلامتهم البدنية والنفسية وفقدوا حيثيّتهم الاجتماعية واسرتهم وابناءهم، وكيف أنّهم يعيشون في أسوء الحالات النفسية ويموتون في سن الشباب ولا يحزن عليهم أيّ شخص لموتهم بل إنّ موتهم يتسبب في سعادة أسرتهم واصدقائهم، فكذلك يجب على الحسود أن يعلم انّ هذا المرض الأخلاقي سوف يعمل على إهلاكه، فيأكل معنوياته ويُحرق نقاط قوته وصفاته الايجابية ويسلب منه راحته ونومه ويهيمن بسحابة من الحزن على قلبه وروحه، بل سيۆدي به إلى ما هو اشنع من ذلك حيث يكون طريد رحمة الله ويكون مصيره مصير إبليس وقابيل، وبالتالي مع كلّ ذلك فسوف لن يصل إلى هدفه ومقصوده وهو زوال النعمة عن المحسود.

ولاشكّ أنّ التفكّر بهذه الآثار والعواقب السلبيّة ومشاهدة الحوادث ذات العبرة وقراءة الأحاديث الشريفة في هذا الباب، والّتي مرّت الإشارة إليها آنفاً، سيكون له تأثير ايجابي كبير في علاج هذا المرض الأخلاقي.

إن (الحسود) يجب أن يعلم أنّه إذا كانت المواد المخدرة كالهيروئين تهدد سلامة الروح والجسم للشخص وتُسرع في أجله، فهو أيضاً يمرّ في هذه الحالة الذميمة ويورثه الحسد الأمراض الجسمية والنفسية ويخسر بذلك دنياه وآخرته، لانه يعترض عملاً على حكمة الله تعالى، وبذلك يسقط في وادي الشرك والكفر، هذا من جهة.

ومن جهة اُخرى عليه أن يتفكر في بواعث الحسد وجذوره ويسعى إلى قطعها وإزالتها، فلو كان من ذلك اختلاطه ومجالسته مع رفاق السوء وتأثّره بوساوسهم، فعليه أن يقطع الإرتباط معهم، وإذا كان الباعث لذلك حالة البخل وضيق النظر فعليه أن يسعى لعلاج هذه الحالة في نفسه، وإذا كان السبب هو ضعف الإيمان بالله وعدم معرفته بالتوحيد الأفعالي فعليه أن يتحرّك من موقع تقوية مباني الإيمان وتعميق أُسس التوحيد في قلبه، وإذا كان الباعث لذلك انه يعيش الجهل بطاقاته وامكاناته الذاتية وبالتالي فإنه يعيش عقدة الحقارة والدونيّة الّتي من شأنها أن تفضي به إلى الحسد فعليه أن يسعى لعلاج ذلك في ظلّ التوكل على الله تعالى والاعتماد على النفس والقضاء على عقدة الحقارة هذه، وبذلك سيتحرّك بعيداً عن حالة الحسد تجاه الآخرين.والأفضل أن يسجّل الحسود خلاصة هذه الاُمور على صفحة أو صفحات ويحاول قراءتها كلّ يوم مرّة واحدة، بل يقرأها بصوت عال عبارةً عبارة ويتفكّر في كلّ عبارة منها ويمعن النظر خاصّة في الروايات الشريفة الواردة عن المعصومين (عليهم السلام) في هذا الباب والّتي سبقت الإشارة إلى جملة منها، ولا شكّ أنّ كلّ إنسان يعيش حالة الحسد في نفسه إذا تابع هذا السلوك والبرنامج بشكل جدّي فإنه سيرى آثاره الإيجابية في مدّة قصيرة، وستتخلص روحه وجسمه من شر الحسد تدريجياً، وتنفتح أمامه اُفق السلامة والسعادة في حركة الحياة والواقع.

وينبغي على الحسود خاصّة التفكير في هذه النقطة بالذات، وهي أنّه لو صرف وقته وطاقاته الّتي يهدرها بالحسد في ترميم شخصيته وتقوية بُنيته النفسية والاهتمام بموفقّيته وتكامله فإنه من المحتمل جدّاً أن يتساوى أو يتفوق على المحسود وينال بذلك الراحة والرضا.

وبتعبير آخر : يجب عليه أن يستبدل دوافع الحسد بدوافع الغبطة ويعمل على تبديل القوى المخربة إلى قوى بنّاءة في حركة الذات والشخصية.

وقد ورد هذا المضمون في الحديث الشريف عن أميرالمۆمنين (عليه السلام) حيث قال : «اِحْتَرِسُوا مِنْ سُورَةِ البُخْل وَالْحِقْدِ وَالْغَضَبِ وَالْحَسَد وَاَعِدُّوا لِكُلِّ شَيْء مِنْ ذَلِكَ عِدَّةً تُجَاهِدُونَ بِهَا مِنَ الْفِكْرِ فِي الْعَاقِبَةِ وَمَنْعِ الرَّذِيلَةِ وَطَلَبِ الْفَضِيلَةِ»(7).

أمّا من الناحية (العملية) فتعلم أنّ تكرار العمل المعيّن يۆدي تدريجياً إلى صيرورته عادة في النفس، والاستمرار على العادة يبدّلها إلى ملكة وصفة باطنية، فلو أنّ الحسود وبدلاً من سعيه إلى تسقيط اعتبار وشخصية الغير تحرّك على مستوى تقوية شخصيته هو، وبدلاً من التحدّث بالغيبة وذم الطرف الآخر يسعى إلى ذكر صفاته الإيجابية ومدحه أمام الآخرين، وبدلاً من السعي في تخريب حياة الطرف الآخر المادية يسعى إلى بذل المعونة والمساعدة له ويذكره بالخير ما أمكنه ذلك، أو يتحرّك من موقع المحبة والمودة تجاه ذلك الشخص ويريد له الخير والسعادة ويدعو له بالموفقية ويوصي الآخرين بذلك أيضاً، فمن المعلوم أنّ تكرار مثل هذه الأعمال والسلوكيات بإمكانه إزالة آثار الحسد من واقع النفس والروح وتثبيت النقطه المقابلة لها وهي حالة (حبّ الخير للآخرين) فيعيش الإنسان في أجواء النور والصفاء والمعنويات الإنسانية.

علماء الأخلاق يوصون الشخص الجبان بأن يتحرّك لإزالة هذه الرذيلة الأخلاقية من نفسه من موقع التواجد في ميدان الخطر ليكتسب بذلك حالة الشجاعة ويحمّل نفسه هذه الصفه الإيجابية حتّى ترتفع من نفسه حالة الخوف والجُبن وتكون الشجاعة بصفة عادة وحالة في نفسه وبالتالي تكون ملكة.

فكذلك الحسود يجب عليه الاستفادة لعلاج هذه الحالة من ضدّها، فكلّ حالة معينة تُعالَج بضدّها.

وقد ورد في الحديث الشريف عن النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) قوله«اِذَا حَسَدْتَ فَلاَ تَبْغِ»(8).

وفي حديث آخر عن أميرالمۆمنين (عليه السلام) أنّه قال : «اِنَّ الْمُۆْمِنَ لاَ يَسْتَعْمِلُ حَسَدَهُ»(9).

ومن جملة الاُمور المۆثرة كثيراً في علاج الحسد هو أن يرضى العبد برضى الله تعالى ويسلّم لمشيئته ويقنع من حياته بما أنعم الله عليه، فقد ورد في الحديث الشريف عن أميرالمۆمنين (عليه السلام) قوله «مَنْ رَضِىَ بِحَالِهِ لَمْ يَعْتَوِرَهُ الْحَسَد» (10).

المصادر:

1. جامع السعادات: ج2، ص148

2. مستدرك الوسائل: ج12، ص17

3. الكافي، ج2، ص307

4و5. جامع السعادات: ج2، ص 150

6. جامع السعادات: ج2، ص 153]

7. تصنيف غرر الحكم، ص 300، ح 6806.

8. تحف العقول، ص 50.

9. بحار الأنوار، ج 55، ص 323، ح 12; الكافي، ج 8، ص 108.

10. تصنيف غرر الحكم، ص 300، ح 6808.

قراءة 2901 مرة