التبيين الزينبيّ

قيم هذا المقال
(0 صوت)
التبيين الزينبيّ

لقد حملت السيّدة زينب (عليها السلام) مهمّة الأنبياء ورسالتهم بعد شهادة الإمام الحسين (عليه السلام)، المتمثّلة بالتبيين للناس، قال تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ﴾[1]. وبمراجعة أحداث كربلاء، ولا سيّما بعد الشهادة، وخلال مسير السبي، نلحظ مواقفَ متعدّدة للتبيين الزينبيّ، وقد ورد بأسلوبَين: الحوار أحياناً، والخطابة في أحيان أخرى.

عنصران أساسيّان لافتان في التبيين الزينبيّ، يشكّلان نقطة القوّة ونقطة القدوة في صناعة التبيين الجهاديّ في مواجهة الظلم والطغيان:

العنصر الأوّل: قوّة الشخصيّة في التبيين: والتي تظهر في التغلّب على كلّ الظروف المحيطة؛ ليكون التبيين فاعلاً ومؤثّراً، يقول الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه): «خطبتُها التي لا تُنسى في أسواق الكوفة لم تكن كلاماً عاديّاً، ولم تكن موقفاً عاديّاً لشخصيّة كبرى... لاحظوا قوّة الشخصيّة، كم هي قويّة هذه الشخصيّة. فقدت في تلك الصحراء أخاها وقائدها وإمامها مع كلّ هؤلاء الأعزّاء والشباب والأبناء، وهذا الجمع المؤلَّف من بضع عشرات من النساء والأطفال، قد أُسروا وأُحضروا على مرأى من أعين الناس، وحُملوا على نياق الأسْر، وجاء الناس ينظرون إليهم، وكان بعضُهم يُهلِّل وبعضُهم كان يبكي، ففي مثل هذه المحنة، تسطع فجأةً شمسُ العظمة، فتستعمل اللهجةَ نفسَها التي كان يستعملها أبوها أميرُ المؤمنين وهو على منبر الخلافة مخاطباً أُمّته، تنطق بالطريقةِ نفسِها وباللهجةِ نفسِها، وبالفصاحة والبلاغة، وبذلك السموّ في المضمون والمعنى: «يا أهلَ الكوفة، يا أهل الغدر والختل!»[2]، أيّها المخادعون، أيّها المتظاهرون: لعلّكم صدّقتكم أنّكم أتباعُ الإسلام وأهلِ البيت، لقد سقطتم في الامتحان، وصرتم في الفتنة عُمْياً، «هل فيكم إلّا الصَّلف والعُجْب والشَّنف والكذب، ومَلَقُ الإماء، وغمز الأعداء»[3]، إنّ تصرّفكم وكلامكم لا ينسجمان مع قلوبكم. لقد غرّتكم أنفسكم، وظننتم أنّكم مؤمنون، وتصوّرتم أنّكم لا زلتم ثوريّين، ظننتم أنّكم لا زلتم أتباعَ أمير المؤمنين، في حين أنّ واقع الأمر لم يكن كذلك. لم تتمكّنوا من الصمود والنجاح في الفتنة، ولم تتمكّنوا من النجاة بأنفسكم ﴿وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثًا﴾[4]، فقد أصبحتم كالتي بدّلت الحرير أو القطن إلى خيوط، ثمّ أرجعت تلك الخيوط ونقضتها إلى قطن أو حرير، فبدون بصيرة ووعيٍ للظروف، وبدون تمييز بين الحقّ والباطل، أبطلتم أعمالكم، وأحبطتم سوابقكم. الظاهر ظاهر الإيمان، واللسان مليء بالادّعاءات الجهاديّة، أمّا الباطن فهو باطنٌ أجوفُ خالٍ من المقاومة، مقابل العواصف المخالفة. فهذا ما يُعدّ تحديداً آفات تصيب المجتمع»[5].

العنصر الثاني: بيان الحقائق للناس: يقول سماحة الأمين العامّ (حفظه الله): «في جهاد التبيين، بيّنت [السيّدة زينب (عليها السلام)] الحقائق. نقلت ما حصل: الخلفيّات والأهداف، بطريقة واضحة وجريئة وشجاعة ومؤثّرة، وفضحت المجرمين، وزلزلت عروشهم، حتّى وصل يزيد إلى مرحلة يقول: ما قام به ابن زيادٍ جعلني مكروهاً لدى كلّ المسلمين. ما كان هذا ليحصل... لولا جهادُ التبيين. إنّ كل ما حصل بعد كربلاء من ثورات، ومن قيام، ومن فضح ليزيد، وإسقاط ليزيد، ولنظام آل أبي سفيان، وهذا الامتداد الهائل إلى اليوم لهذه الحادثة، هو ببركة جهاد التبيين الذي قادته زينب والسجّاد (عليهما السلام)، ومعهما هذه الثُلّة الطاهرة من نساء رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وبنات رسول الله (صلى الله عليه وآله)... وإلّا كيف كان يمكن التغلُّب على إجراءات يزيد وهو كان حاكماً مطلقاً لديه الولاة والعساكر، ووعّاظ السلاطين، والشعراء الذين كانوا ينظّمون له الشعر الذي يريد مقابل المال خوفاً أو طمعاً، ولديه الآلة الضخمة لنشر الإشاعات والأكاذيب والافتراءات على امتداد العالم الإسلاميّ. كان لديه إمكانات هائلة.

الحسين (عليه السلام) واجه بالإمكانات المتاحة، أقصى الإمكانات المتاحة. ما هي الإمكانات المتاحة؟ كانت الدم الذي يجري في عروق الحسين (عليه السلام) وصحبه، والصوت الذي يخرج من حنجرة زينب والسجّاد (عليهما السلام) والنساء. هنا انتصر الدم الحسينيّ والصوت الزينبيّ على السيف، وهذا ما بقي لنا إلى اليوم».



[1] سورة إبراهيم، الآية 4.
[2] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، ج45، ص109.
[3] المصدر نفسه.
[4] سورة النحل، الآية 92.
[5] من كلامٍ للإمام الخامنئيّ (دام ظلّه)، بتاريخ 21/04/2010م.

قراءة 275 مرة