عن الإمام الرضا عليه السلام: "وأنزل في حجة الوداع وهي آخر عمره صلى الله عليه وآله ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ...﴾([1]) وأمر الإمامة من تمام الدين"([2]).
إن للإمامة شأن عظيم في الإسلام فليست هي مجرد منصب سياسي، أو حدث زماني ذات تأثيرات محدودة، بل إن كمال الدين لا يتحقق إلا من خلال الإمامة كما عبرت الآية الكريمة السابقة، فالإمامة هي مسألة دينية بل هي كمال الدين، فما معنى عبارة كمال الدين؟
إن كون الإمامة كمال الدين يعني ما يلي:
1 -الإمامة أساس استمرار الإسلام:
فالإسلام ليس ديناً محدوداً بزمن حياة صلى الله عليه وآله أو أكثر بقليل حتى يأتي نبي آخر، بل هو دين الله الذي تتعبد به البشرية إلى قيام الساعة، وهذا يفرض حفظ الدين كما هو على امتداد خط البشرية، فكيف يمكَّن الدين بعد النبي الأكرم صلى الله عليه وآله؟ هناك ضمان قد وضعه النبي الأكرم صلى الله عليه وآله بنفسه لهذه الأمة حيث قال: "إني تارك فيكم الثقلين ما إن تمسكتم بهما فلن تضلوا: كتاب الله وعترتي أهل بيتي"([3]).
فالضمان مركب من أمرين لا يغني أحدهما عن الآخر، هما القرآن الكريم وأهل البيت عليهم السلام، فصحيح أن القرآن الكريم محفوظ لا يقع فيه تحريف أبداً، ولكن في آياته المحكم والمتشابه والمجمل والمبين، لذلك وقع الخلاف في تفسير آياته وفهمها والمقصود منها وتأسست مدارس ومذاهب واتجاهات كل منها يفسر آياته بشكل مختلف عن الآخر، فما هو الصحيح بين كل تلك الأفكار؟ هنا يأتي دور الثقل الآخر في الرواية: "عترتي أهل بيتي".
ويشير الإمام الباقر عليه السلام إلى هذا الموضوع: "بني الإسلام على خمسة أشياء: على الصلاة، والزكاة، والحج، والصوم، والولاية".
قال زرارة: فقلت: وأي شئ من ذلك أفضل؟
فقال عليه السلام: "الولاية أفضل لأنها مفتاحهن، والوالي هو الدليل عليهن"([4]).
2- تطبيق على المفردات الطارئة:
صحيح أن الإسلام قد أبلغه رسول الله صلى الله عليه وآله بقواعده وأحكامه العامة، بل وتفاصيله ومفرداته وتطبيقاته التي كانت موجودة في زمانه صلى الله عليه وآله، لكننا نعلم أن طرق حياة الإنسان تتغير وبالتالي تطبيقات الأحكام الشرعية ومفرداتها تختلف من زمن لآخر رغم ثبوت كلياتها. وهنا نقف أمام تحدٍ آخر هو كيفية التطبيق الصحيح لأحكام الإسلام على هذه المفردات المستجدة، واي تطبيق سيبقى في كثير من الأحيان في إطار الظن ما لم يكن هناك إمام معصوم أعرف بأهداف الإسلام وحقائق أحكامه ليطبقها على المستجدات بشكل قطعي.
ولعل الرواية عن الإمام الرضا عليه السلام: "إن الإمامة أس الإسلام النامي وفرعه السامي"([5]).
فيها إشارة إلى هذا المعنى، فالإمام بالإضافة إلى حفظها لأصل الإسلام هي كذلك فرع الإسلام ومن خلالها يكون التفريع الصحيح.
3-ضمان وحدة المسلمين ونظامهم:
فإن الله تعالى لم يترك الأمة دون ولي وراعٍ يقودها إلى صلاحها في الدنيا والآخرة بل عين لهم الإمام الواجب الطاعة على الدوام والذي من خلاله تحصل الوحدة والنظام وعزة الإسلام والمسلمين، وهناك العديد من الروايات التي تشير إلى ذلك.
فعن الإمام الرضا عليه السلام: "إن الإمامة زمام الدين، ونظام المسلمين، وصلاح الدنيا، وعز المؤمنين".
وعن الإمام علي عليه السلام: "الإمامة نظام الامة"([6]).
وعن رسول الله صلى الله عليه وآله: "اسمعوا وأطيعوا لمن ولاه الله الأمر، فإنه نظام الإسلام"([7]).
وتفرق المسلمين واختلافهم وضعفهم لم ينشأ من فراغ في القيادة الشرعية، لأنها كانت موجودة على الدوام بل نشأ من تخلي الناس عن هذه القيادة، وكذلك كانت غيبة إمام زماننا رحمه الله نتيجة تخلي الأمة عن نصرته.
معنى المعرفة:
المعرفة تعني الإقرار بإمامتهم عليهم السلام والإلتزام بها، وليست هي مجرد إدراك مع عدم الإقرار والإلتزام، وتكفي هذه المعرفة الإجمالية، وأما المعرفة التفصيلية لمقامهم وشأنهمعليهم السلام عند الله تعالى وما بلغوه من مراتب الكمال، فهذه المعرفة التفصيلية تزيد ارتباط الأمة بهم وتعطي عنى أوضح للإمامة وإن لم تكن شرطاً، وعلينا أن نلتفت إلى أن عدم وجوب المعرفة لا يعني الإنكار.
التقصير في معرفتهم عليهم السلام:
روى الصدوق رضوان الله عليه في عيون أخبار الرضا عليه السلام: أن ابراهيم بن أبي محمود قال للرضا عليه السلام: يا ابن رسول الله ان عندنا أخبارا في فضائل أمير المؤمنين عليه السلام وفضلكم أهل البيت وهي من رواية مخالفيكم ولا نعرف مثلها عندكم أفندين بها؟ فقال عليه السلام: "يا ابن أبي محمود ان مخالفينا وضعوا أخبارا في فضائلنا وجعلوها على ثلاثة أقسام، أحدها، الغلو، وثانيها التفسير في أمرنا، وثالثها التصريح بمثالب أعدائنا، فإذا سمع الناس الغلو فينا كفروا شيعتنا ونسبوهم إلى القول بربوبيتنا، وإذا سمعوا التقصير اعتقدوه فينا، وإذا سمعوا مثالب أعدائنا باسمائهم ثلبونا بأسمائنا وقد قال الله عز وجل: لا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم إلى أن قال يا ابن أبي محمود احفظ ما حدثتك به فقد جمعت لك فيه خير الدنيا والآخرة"([8]).
إن التقصير هو أحد الأمور التي يجب على المؤمن اجتنابها، وهو شيء من إنزال أهل البيت عليهم السلام عن المقام الذي وضعهم الله تعالى فيه، وإنزالهم عن مقامهم قد يكون عن عمد كمن يحاول أن يضعفهم بين الأمة ليحصل على مقام وسلطان وجاه، وقد يكون عن جهل وعدم علم، وعدم العلم في كير من مقاماتهم عليهم السلام إذا كان عن جهل وعدم اطلاع مع إقرار بعدم العلم لا يعتبر تقصيرا، بل التقصير ينشأ من إنكار ما هو ثابت.
لذلك ورد عن الإمام الصادق عليه السلام: "ما جاءكم منا مما يجوز أن يكون في المخلوقين ولم تعلموه ولم تفهموه فلا تجحدوه وردوه إلينا، وما جاءكم عنا مما لا يجوز أن تكون في المخلوقين فاجحدوه ولا تردوه إلينا"([9]).
([1]) سورة المائدة، الآية/3.
([2]) ميزان الحكمة، محمدي الريشهري، ج1، ص114.
([3]) وسائل الشيعة، ج27، ص34.
([4]) ميزان الحكمة، محمدي الريشهري، ج1، ص115.
([5]) ميزان الحكمة، محمدي الريشهري، ج1، ص114.
([6]) ميزان الحكمة، محمدي الريشهري، ج1، ص115.
([7]) ميزان الحكمة، محمدي الريشهري، ج1، ص115.
([8]) من لايحضره الفقيه، ج4، ص50.
([9]) بحار الأنوار، ج52، ص364.