تربية الأسرة في كلام الامام الجواد عليه السلام

قيم هذا المقال
(0 صوت)
تربية الأسرة في كلام الامام الجواد عليه السلام

قال أبو جعفر محمد بن على الجواد عليه السلام:« المؤمن يحتاج إلى ثلاث خصال : توفيق من الله ، وواعظ من نفسه ، وقبول ممن ينصحه. » (1).


الأسرة هي الخلية الأساسية في المجتمع، وهي الحاضنة الأولى التي يتلقى فيها الفرد قيمه وأخلاقه ومعارفه. ولذا، فإن تربية الأسرة تعتبر من أهم المسؤوليات الملقاة على عاتق الوالدين. فالأسرة الصالحة هي اللبنة الأساسية لمجتمع قوي ومترابط. وفي خضم هذا الدور الحساس، تبرز أهمية الاستلهام من الرواية المنقولة عن الإمام الجواد عليه السلام: :« المؤمن يحتاج إلى ثلاث خصال : توفيق من الله ، وواعظ من نفسه ، وقبول ممن ينصحه. » (2).


تعتبر الأخلاق والتوجيه الذاتي من الركائز الأساسية في تربية الأسرة، حيث تلعبان دورًا حاسمًا في تشكيل شخصية الأفراد وتوجيه سلوكهم نحو القيم الإيجابية. في عالم سريع التغيرات، حيث تتأثر الأجيال الجديدة بمؤثرات متعددة من وسائل الإعلام والتكنولوجيا، يصبح من الضروري أن نعيد النظر في أساليب التربية التي نعتمدها. إن التحلي بالأخلاق في الأسرة لا يقتصر فقط على تعليم القيم والمبادئ، بل يتعدى ذلك إلى تعزيز القدرة على اتخاذ القرارات الصائبة وتوجيه النفس نحو الأهداف النبيلة.


تبدأ عملية التربية الأخلاقية من داخل المنزل، حيث يتعلم الأطفال من سلوكيات والديهم وتجاربهم اليومية. فالأسرة هي البيئة الأولى التي يتعرض فيها الفرد لمفاهيم الخير والشر، الحق والباطل، مما يجعل من الضروري أن تكون هذه البيئة مليئة بالقيم الإيجابية والمبادئ السليمة. من خلال تعزيز الأخلاق، يمكن للأسرة أن تساهم في بناء جيل قادر على مواجهة التحديات الاجتماعية والنفسية، متسلحًا بالقدرة على التوجيه الذاتي واتخاذ القرارات الصائبة.


توفيق من الله


إن أول ما يحتاجه المؤمن في مسيرة التربية، هو التوفيق من الله سبحانه وتعالى. فمهما امتلك الوالدان من علم وخبرة، ومهما بذلا من جهد وتضحية، فإنهما لن ينجحا في مهمة التربية إلا بتوفيق الله وعونه. وهذا التوفيق لا يأتي إلا بالدعاء والتضرع إلى الله، وبالإخلاص في النية والعمل، وبالالتزام بتعاليم الدين الحنيف. فالتوفيق من الله هو الأساس الذي تبنى عليه كل الجهود التربوية، وهو الذي يبارك فيها ويجعلها مثمرة. فالتوفیق من الله هي الخصيلة التي أكد عليها القرآن والروايت. حيث ورد حول النبي شعيب:﴿ قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقًا حَسَنًا وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَىٰ مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ ﴾ (3).


وفي هذا السياق يقول الإمام الرضا عليه السلام:« سَبعَةُ أشياءَ بِغَيرِ سَبعةِ أشياءَ مِن الاسْتِهْزاءِ : مَنِ اسْتَغْفَرَ بلِسانِهِ و لَم يَنْدَمْ بقَلبِهِ فَقدِ اسْتَهْزأ بنَفْسِهِ، و مَن سَألَ اللّه َ التَّوفيقَ و لَم يَجْتَهِدْ فَقدِ اسْتَهْزأ بنَفْسِهِ... » (4).


فيجب على الوالدين أن يلجآ إلى الله بالدعاء والتضرع، وأن يطلبا منه العون والتوفيق في مهمة التربية. فالدعاء هو سلاح المؤمن، وهو الصلة التي تربط العبد بربه. يجب أن تكون نية الوالدين خالصة لله في تربية أبنائهم، وأن يكون عملهم موافقًا لشرع الله. فالإخلاص هو روح العمل، وهو الذي يجعله مقبولًا عند الله. 


واعظ من نفسه


المسألة الثانية هي أن يكون للشخص، خصوصا الوالدان، ضمير حي، يوقظه عند الزلل ويذكره بالحق. وفي سياق التربية، يجب أن يكون الوالدان قدوة صالحة لأبنائهم، وأن يكونا حريصين على محاسبة أنفسهما قبل محاسبة أبنائهما. فمن لم يكن واعظًا لنفسه، فلن يكون مؤثرًا في تربية غيره.


فقد روي عن أميرالمؤمنين عليه السلام:« ألاَ و إنّهُ مَن لَم يَكُن لَهُ مِن نَفسِهِ واعِظٌ لَم يَكُن لَهُ مِن اللّه ِ حافِظٌ » (5). وأيضا روي عنه عليه السلام:« اِعلَموا أنّهُ مَن لَم يُعَنْ على نَفسِهِ حتّى يَكونَ لَهُ مِنها واعِظٌ و زاجِرٌ ، لَم يَكُن لَهُ مِن غَيرِها لا زاجِرٌ و لا واعِظٌ » (6).


فالنكتة المهمة التي يجب التنبه عليها هي أن المؤمن إن لم يكن له واعظ من نفسه ولم يحاسب نفسه بنفسه، لم يتعض من بقية المؤمنين وسيتغلب عليه أعداؤه. فقد روي عن الإمام الباقر عليه السلام:« مَن لَم يَجعَلِ اللّه ُ لَهُ مِن نفسِهِ واعِظا ، فإنَّ مَواعِظَ النّاسِ لَن تُغنيَ عَنهُ شيئا » (7). وقد روي عن الإمام الصادق عليه السلام:« مَن لَم يَكُن لَهُ واعِظٌ مِن قَلبِهِ ، و زاجِرٌ مِن نَفسِهِ ، و لَم يَكُن لَهُ قَرينٌ مُرشِدٌ ، استَمكَنَ عَدُوُّهُ مِن عُنُقِهِ » (8).


فلهذا يجب أن يكون الوالدان قدوة حسنة لأبنائهم في أقوالهم وأفعالهم، وأن يتصفا بالأخلاق الحميدة والسلوك القويم. فالأبناء يتأثرون بوالديهم أكثر من أي شخص آخر، وهم يقتدون بهم في كل شيء. وكذلك يجب على الوالدين أن يحاسبا أنفسهما باستمرار، وأن يقوما بتقويم سلوكهما وأخلاقهما. فمحاسبة النفس هي الخطوة الأولى نحو الإصلاح والتغيير. يجب على الوالدين أن لا يترددا في الاعتراف بالخطأ أمام أبنائهما، وأن يعتذرا لهم عند الخطأ. فالاعتراف بالخطأ هو دليل على الشجاعة والصدق، وهو يعلم الأبناء كيف يتعاملون مع أخطائهم.


قبول ممن ينصحه


المسألة الثالثة هي أن يكون المؤمن متواضعًا، ويتقبل النصح والتوجيه من الآخرين، خاصة ممن هم أصحاب علم وخبرة. وفي مجال التربية، يجب على الوالدين أن يكونا منفتحين على النصيحة والتوجيه من أهل الاختصاص، وأن يتقبلا النقد البناء من الآخرين. فالتواضع هو مفتاح العلم والحكمة. وفي هذا السياث يقول أميرالمؤمنين عليه السلام:« العاقِلُ مَنِ اِتَّعَظَ بِغَيره... اَلمواعِظُ شِفاءٌ لِمَن عَمِلَ بها... بِالمَواعِظِ تَنجلي الغَفلةُ.. » (9).


قبول النصيحة يشجع على فتح قنوات الحوار بين أفراد الأسرة. عندما يشعر الأفراد بأن آراءهم تُؤخذ بعين الاعتبار، فإنهم يكونون أكثر استعدادًا للتعبير عن مشاعرهم واحتياجاتهم. هذا التواصل الفعّال يعزز من الروابط الأسرية ويخلق بيئة داعمة. ففي هذا السياق يقول الإمام الباقر عليه السلام:« خُذوا الكَلِمَةَ الطّيِّبَةَ مِمَّن قالَها و إنْ لَمْ يَعْمَلْ بِها. » (10).


كل فرد في الأسرة يحمل تجارب ومعارف فريدة. من خلال قبول النصيحة، يمكن للأفراد الاستفادة من خبرات بعضهم البعض، مما يسهم في تطوير مهاراتهم وقدراتهم. فالأبناء يمكنهم التعلم من تجارب والديهم، والعكس صحيح. ولهذا يقول أميرالمؤمنين عليه السلام:« إسمعوا النّصيحة ممّن أهداها إليكم و اعقلوها على أنفسكم. » (11). وعنه عليه السلام أيضا:« اِتَّعِظوا مِمَّنْ كان قبلَكُم قَبلَ أَن يَتّعِظَ بِكُم مَن بعدَكُم » (12).


النصيحة التي تُقدم في إطار أخلاقي تساعد في تعزيز القيم مثل الصدق، الاحترام، والتعاون. عندما يتقبل الأفراد النصيحة، فإنهم يتعلمون كيفية التعامل مع الآخرين بطريقة إيجابية، مما يساهم في بناء مجتمع أكثر تماسكًا. والشئ المهم هو أن قبول النصيحة يشجع الأفراد على التفكير النقدي وتطوير مهارات التوجيه الذاتي. عندما يتمكن الأبناء من تقييم النصائح المقدمة لهم، فإنهم يتعلمون كيفية اتخاذ قرارات مدروسة، مما يعزز استقلاليتهم وثقتهم بأنفسهم. ولهذا يقول الإمام الصادق عليه السلام:« عَليكَ بِالنُّصحِ للهِ في خَلقِه فَلَنْ تَلقاهُ بِعَملٍ أَفضلَ مِنه » (13).


هذه كانت جملة من الروايات والنصح في تربية الأولاد في ضمن رواية الإمام الجواد عليه السلام.


1) بحار الأنوار (للعلامة محمد باقر المجلسي) / المجلد: 78 / الصفحة: 358 / الناشر: مؤسسة الوفاء – بيروت / الطبعة: 1.
2) بحار الأنوار (للعلامة محمد باقر المجلسي) / المجلد: 78 / الصفحة: 358 / الناشر: مؤسسة الوفاء – بيروت / الطبعة: 1.
3) سورة هود / الآية: 88.
4) بحار الأنوار (للعلامة محمد باقر المجلسي) / المجلد: 78 / الصفحة: 356 / الناشر: مؤسسة الوفاء – بيروت / الطبعة: 1.
5) بحار الأنوار (للعلامة محمد باقر المجلسي) / المجلد: 41 / الصفحة: 133 / الناشر: مؤسسة الوفاء – بيروت / الطبعة: 1.
6) نهج البلاغة (للسيد الرضي) / المجلد: 1 / الصفحة: 123 / الناشر: دار الكتب اللبناني – بيروت / الطبعة: 1.
7) تحف العقول (لإبن شعبة الحراني) / المجلد: 1 / الصفحة: 294 / الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي – قم / الطبعة: 2.
8) الأمالي (للشيخ الصدوق) / المجلد: 1 / الصفحة: 526 / الناشر: قسم الدراسات الإسلامية في مؤسسة البعثة – قم / الطبعة: 1.
9) غرر الحكم ودرر الكلم (لعبدالواحد التميمي) / المجلد: 1 / الصفحة: 407 / الناشر: دار الكتاب الإسلامي – قم / الطبعة: 2.
10) تحف العقول (لإبن شعبة الحراني) / المجلد: 1 / الصفحة: 299 / الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي – قم / الطبعة: 2.
11) غرر الحكم ودرر الكلم (لعبدالواحد التميمي) / المجلد: 1 / الصفحة: 151 / الناشر: دار الكتاب الإسلامي – قم / الطبعة: 2.
12) غرر الحكم ودرر الكلم (لعبدالواحد التميمي) / المجلد: 1 / الصفحة: 407 / الناشر: دار الكتاب الإسلامي – قم / الطبعة: 2.
13) سفينة البحار (للشيخ عباس القمي) / المجلد: 8 / الصفحة: 253 / الناشر: دار الأسوة للطباعة والنشر – قم / الطبعة: 2.

قراءة 6 مرة