عنْ أميرِ المؤمنينَ (عليهِ السَّلامُ): «وَاعْلَمُوا أَنَّ هَذَا الْقُرْآنَ، هُوَ النَّاصِحُ الَّذِي لَا يَغُشُّ، وَالْهَادِي الَّذِي لَا يُضِلُّ، وَالْمُحَدِّثُ الَّذِي لَا يَكْذِبُ. وَمَا جَالَسَ هَذَا الْقُرْآنَ أَحَدٌ إِلَّا قَامَ عَنْهُ بِزِيَادَةٍ أَوْ نُقْصَانٍ: زِيَادَةٍ فِي هُدًى، أَوْ نُقْصَانٍ مِنْ عَمًى. واعْلَمُوا أَنَّه لَيْسَ عَلَى أَحَدٍ بَعْدَ الْقُرْآنِ مِنْ فَاقَةٍ، ولَا لأَحَدٍ قَبْلَ الْقُرْآنِ مِنْ غِنًى؛ فَاسْتَشْفُوه مِنْ أَدْوَائِكُمْ، واسْتَعِينُوا بِه عَلَى لَأْوَائِكُمْ، فَإِنَّ فِيه شِفَاءً مِنْ أَكْبَرِ الدَّاءِ، وهُوَ الْكُفْرُ والنِّفَاقُ والْغَيُّ والضَّلَالُ»[1].
وردَ الحثُّ الشديدُ في هذا الشهرِ الكريمِ على الاغتنامِ منَ القرآنِ الكريمِ، فجعلَ اللهُ عزَّ وجلَّ جليلَ الثوابِ وعظيمَ الأجرِ على كلِّ ما يرتبطُ بهذا القرآنِ، تلاوةً واستماعاً وتدبُّراً. ومعرفةُ مكانةِ هذا القرآنِ تَظهَرُ جليّاً في كلماتِ أميرِ المؤمنينَ (عليهِ السَّلامُ)، ففي العُكوفِ على مائدةِ هذا الكتابِ السماويِّ العظيمِ نفعٌ دائمٌ.
ومنَ المُفرداتِ التي نادى بها الإمامُ الخامنئيُّ (دامَ ظلُّه) هوَ الأُنسُ بهذا القرآنِ؛ بمعنى طمأنينةُ النفسِ والشعورُ بالرَّاحةِ عندَ الجلوسِ معَ هذا القرآنِ الكريمِ، يقولُ (دامَ ظلُّه): «عندما يتحقّقُ الأُنسُ بالقرآنِ، ينفتحُ بابُ التدبُّرِ والتأمُّلِ والتفكُّرِ في معارفِه. لا يصحُّ الاكتفاءُ بقراءةِ القرآنِ منْ أوَّلِه إلى آخرِه، والمُرورِ عليهِ مُرورَ الكِرامِ، فهوَ بحاجةٍ إلى التدبُّر،ِ وإلى الوقوفِ على كلِّ كلمةٍ منْ كلماتِه، وكلِّ تركيبٍ كلاميٍّ ولَفظيٍّ فيه. فكلَّما تدبَّرَ الإنسانُ وتأمَّلَ، ازدادَ أُنسُهُ، وكَثُرَ نفعُهُ واستفادتُهُ، هكذا هوَ القرآنُ»[2].
وقدْ أكَّد شهيدُنا الأسمى السيِّدُ حسنُ نصرُ اللهِ فُرصةَ الانتفاعِ بالقرآنِ الكريمِ في هذا الشهرِ، يقولُ (قدَّسَ اللهُ سرَّهُ): «يجبُ أنْ يكونَ هذا الشهرُ... مُناسبةً عظيمةً وفُرصةً حقيقيَّةً، لتعرُّفِ كتابِ اللهِ عزَّ وجلَّ، والأُنسِ بهِ، وتلاوتِه، والتدبُّرِ بآياتِه، وفَهمِه، كمُقدِّمةٍ للعملِ بكلِّ ما جاءَ فيهِ، إنْ شاءَ اللهُ تعالى. هذا القرآنُ هوَ الكتابُ الإلهيُّ الخالدُ، هذا القرآنُ المُصدِّقُ لما بينَ يديهِ منْ كُتُبِ السَّماءِ وصُحُفِ الأنبياءِ، هذا القرآنُ الهُدى والنُّورُ المُبينُ والتِّبيانُ لكلِّ شيءٍ وبيِّناتُ الهُدى وفُرقانُ الحقِّ والباطلِ، هذا القرآنُ شفاءُ الصُّدورِ ورَبيعُ القُلوبِ، كتابُ الهدايةِ والصِّراطِ المُستقيمِ.
حالُنا معَ هذا القرآنِ، أيُّها الإخوةُ والأخواتُ، كحالِ المَرضى الذينَ يَسكنونَ في جِوارِ طبيبٍ، وفي بُيوتِهِمُ الدَّواءُ، ولكنَّهُم هجَروا الطبيبَ وهجَروا الدَّواءَ، وأصرُّوا بجَهلِهِمْ، وبغفلتِهِمْ، وبسوءِ حالِهِمْ، على أنْ يَبقَوا في المَرَضِ؛ مَرَضِ العُقولِ، والأرواحِ والأنفُسِ الأمَّارةِ بالسُّوءِ.
القرآنُ هذا علاجُ كلِّ أمراضِنا، كلِّ ما يُمكنُ أنْ نَتَصوَّرَهُ منْ سُوءٍ فينا، وكلِّ ما يُمكنُ أنْ نَتَصوَّرَهُ منْ حاجةٍ، ومنْ سُؤالٍ، فهذا القرآنُ الإلهيُّ فيهِ تِبيانُ كلِّ شيءٍ، وهوَ الكتابُ الخالدُ الأبديُّ الذي سيَرِدُ الحَوضَ معَ عِترةِ رسولِ اللهِ (صلَّى اللهُ عليهِ وآلِهِ) يومَ القيامةِ».
وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين
[1] السيّد الرضيّ، نهج البلاغة، ص252، الخطبة 176.
[2] من كلام للإمام الخامنئيّ (دام ظلّه) في محفل الأنس بالقرآن الكريم، بتاريخ 21/07/2012م.
2025-03-05