ما هو دور السمع في تكامل الإنسان؟

قيم هذا المقال
(0 صوت)
ما هو دور السمع في تكامل الإنسان؟

تُعدّ حاسّة السمع إحدى أهمّ الطرائق والوسائل التي يتلقّى الإنسان فيها المعرفة حيث يستمع إلى الكلام ثمّ يستيقن.
 
قال الله عزّ وجلّ: ﴿قُلْ هُوَ الَّذِي أَنشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَّا تَشْكُرُونَ﴾[1].
 
يقول الإمام عليّ بن أبي طالب (عليه السلام): "أيّها السائل، استمع ثمّ استفهم ثمّ استيقن ثمّ استعمل"[2].
 
الاستماع أوّلاً ثمّ الإدراك ثمّ الاعتقاد، وبعد ذلك التطبيق والعمل.
 
ومن هذا النصّ نفهم أنّ مفتاح الباب الذي يفضي إلى المعرفة والعلم هو السمع ولذا يمكن القول إنّ القوّة السمعيّة تمثّل الحسّ الاجتماعيّ العامّ وبالتالي فهي أشرف من القوّة البصريّة.
 
وقد ورد في خصوص شهر رمضان تأكيد اجتناب ما لا يجوز سماعه، عن رسول الله محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: "وغضّوا ... عمّا لا يحلّ الاستماع إليه أسماعكم"[3].
 
السمع السيّء
بيّن الروايات والأحاديث نوعين من الاستماع، سيّْ وحسن، فينبغي تعويد الأذن على حسن الاستماع، ومنعها عن سوء الاستماع. يقول أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام): "عوّد أذنك حسن الاستماع، ولا تصغِ إلى ما لا يزيد في صلاحك"[4].
 
فالأوّل، وهو السمع السيّء، ونذكر من مصاديقه:

أ- سماع الغيبة: عن الإمام عليّ بن أبي طالب (عليه السلام):: "سامع الغيبة أحد المغتابين"[5].
 
ب- سماع الهجر من القول: عن الإمام عليّ بن أبي طالب (عليه السلام): "سامع هجر القول شريك القائل"[6].
 
ج- سماع الغناء: قال رجل للإمام جعفر الصادق (عليه السلام): إنّ لي جيراناً، ولهم جوارٍ يتفيّئن ويضربن بالعود، فربّما دخلت المخرج فأطيل الجلوس استماعاً منّي لهنّ... فقال الإمام جعفر الصادق (عليه السلام): "تالله أنت! أما سمعت الله عزّ وجلّ يقول: ﴿إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً﴾[7],[8].
 
د- سماع كلّ محرّم: عن الإمام جعفر الصادق (عليه السلام): "فرض على السمع أن يتنزّه عن الاستماع إلى ما حرم الله، أن يعرض عمّا لا يحلّ له، ممّا نهى الله عزّ وجلّ عنه، والإصغاء إلى ما أسخط الله عزّ وجلّ، فقال عزّ وجلّ: ﴿وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللّهِ يُكَفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلاَ تَقْعُدُواْ مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِّثْلُهُمْ إِنَّ اللّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا﴾[9],[10].
 
هـ- استماع اللغو: قال تعالى: ﴿وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ﴾[11].
 
و- أن لا يتتبّع ما لا يعلمه ولا يعنيه: قال تعالى: ﴿وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً﴾[12].
 
فينبغي للمكلّف أن يكرم نفسه وسمعه، بأن لا يستمع إلى ما حرّمه الله تعالى، وأن يكون مصداقاً لقوله تعالى: ﴿وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا﴾[13].
 
السمع الحسن
أمّا النوع الثاني من السمع، فهو النوع الحسن، والذي يجب تعزيزه والاهتمام به، ومن مصاديقه:

أ- السمع الواعي: عن الإمام عليّ بن أبي طالب (عليه السلام): "إذا لم تكن عالماً ناطقاً، فكن مستمعاً واعياً"[14].
 
ب- سماع الكلام الحسن: عن الإمام علي زين العابدين (عليه السلام): "لكلّ شيء فاكهة، وفاكهة السمع الكلام الحسن"[15].
 
ج- سماع الذكر: عن الإمام (عليّ عليه السلام): "سامع ذكر الله ذاكر"[16].
 
د- سماع الصلاح: عن الإمام عليّ بن أبي طالب (عليه السلام): "عوّد أذنك حسن الاستماع، ولا تصغِ إلى ما لا يزيد في صلاحك"[17].
 
نزّه سمعك عن الغناء
الغناء هو ترجيع الصوت على الوجه المناسب لمجالس اللهو، وهو من المعاصي ويُحرّم على المغني والمستمع، وأمّا الموسيقى فهي العزف على آلاتها، فإن كانت بالشكل المتعارف في مجالس اللهو والعصيان، فهي محرّمة على عازفها وعلى مستمعها أيضاً.
 
فالغناء من المحرّمات التي جاء بها الكتاب، يقول الله تعالى: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ﴾[18].
 
وفي الرواية عن الإمام محمد الباقر (عليه السلام): "الغناء ممّا وعد الله عليه النار"، وتلا هذه الآية[19].
 
وفي رواية أخرى عن الإمام جعفر الصادق (عليه السلام): "الغناء يورث النفاق، ويعقب الفقر"[20].
 
كما أنّه يُحرّم الاستماع للغناء فإنّه لا يجوز الحضور في مجلس الغناء والموسيقى المطربة اللهويّة المناسبة لمجالس اللهو والعصيان، إذا أدّى ذلك للاستماع إليها أو إلى تأييدها.
 
أثر الغناء على القلب‏
للاستماع إلى الغناء أثر كبير في القلب الذي يهمّ السالكين إلى الله تعالى أن يبقى أبيضَ ناصعاً غير ملوّث بأكدار المعاصي.
 
عن الرسول الأكرم محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم): "إيّاكم واستماع المعازف والغناء، فإنّهما ينبتان النفاق في القلب كما ينبت الماء البقل"[21].
 
والبقل مع وجود الماء ينمو بسرعة كبيرة جدّاً، وكذلك النفاق في القلب الذي يدخل فيه الغناء فإنّه ينبت فيه النفاق بسرعة كبيرة أيضاً.
 


[1] القرآن الكريم، سورة الملك، الآية 23.
[2] الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج2، ص 456.
[3] الحرّ العامليّ، وسائل الشيعة، مصدر سابق، ج7، ص227.
[4] التميميّ الآمديّ، غرر الحكم ودرر الكلم، مصدر سابق، ص 457.
[5] المصدر نفسه، ص 400.
[6] الليثيّ الواسطيّ، عيون الحكم والمواعظ، مصدر سابق، ص 284.
[7] القرآن الكريم، سورة الإسراء، الآية 36.
[8] الفيض الكاشاني، محمّد بن مرتضى‏، تفسير الصافي‏، تحقيق وتصحيح حسين الأعلميّ، مكتبه الصدر‏، إيران - طهران، 1415ه‏، لا.ط، ج 3، ص 192.
[9] القرآن الكريم، سورة النساء، الآية 140.
[10] راجع: الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج2، ص 35.
[11] القرآن الكريم، سورة القصص، الآية 55.
[12] القرآن الكريم، سورة الإسراء، الآية 36.
[13] القرآن الكريم، سورة الفرقان، الآية 72.
[14] الليثيّ الواسطيّ، عيون الحكم والمواعظ، مصدر سابق، ص 136.
[15] الحلواني، حسين بن محمّد بن حسن بن نصر، نزهة الناظر وتنبيه الخاطر، تحقيق وتصحيح ونشر مدرسة الإمام المهديّ (عجّل الله تعالى فرجه الشريف)‏، إيران - قمّ، 1408ه‏، ط1، ص 71.
[16] الليثيّ الواسطيّ، عيون الحكم والمواعظ، مصدر سابق، ص 283.
[17] التميميّ الآمديّ، غرر الحكم ودرر الكلم، مصدر سابق، ص 457.
[18] القرآن الكريم، سورة لقمان، الآية 6.
[19] الحرّ العامليّ، وسائل الشيعة، مصدر سابق، ج17، ص 305.
[20] الشيخ الصدوق، محمد بن علي بن بابويه، ‏الخصال، مصدر سابق، ج1، ص24.
[21] المتقي الهندي، كنز العمال، ج15، ص221.

قراءة 3 مرة