دور اللواء سليماني في إخفاقات أمريكا الاستراتيجية في المنطقة

قيم هذا المقال
(0 صوت)
دور اللواء سليماني في إخفاقات أمريكا الاستراتيجية في المنطقة

- إن القرار غير الحكيم والخطأ الاستراتيجي للولايات المتحدة في اغتيال اللواء "الحاج قاسم سليماني" ونائب رئيس هيئة الحشد الشعبي "أبو مهدي المهندس"، سيسببان في تداعيات مزدوجة بعضها يمكن التنبؤ بها وبعضها لا يمكن التنبؤ بها في جميع أنحاء المنطقة، والولايات المتحدة والکيان الإسرائيلي هما أول جهة ستواجه هذه التداعيات قريباً.

 الإقدام علی هذا الإجراء مع الإدراك بخطورته ومعرفة أنه بمثابة وضع اليد علی زناد الحرب، يدل فقط على أهمية ودور القائد اللواء سليماني في إلحاق الهزيمة بالاستراتيجيات الأمريكية في المنطقة خلال العقدين الماضيين.

دور اللواء سليماني في محور المقاومة

إن سجل اللواء سليماني وخبراته في الحرب العراقية الإيرانية، من قيادة الفرقة 41، إلى قيادة العمليات المهمة مثل "والفجر 8، کربلاء 4 وكربلاء 5، جعلته على دراية كاملة بالمعارك الميدانية والفردية. وتاريخه بعد الحرب في الاشتباك مع الأشرار على الحدود الشرقية، جعله يواجه مجموعةً متنوعةً من تهديدات العدو.

خروج اللواء من هذه الاختبارات الصعبة، أعدَّه لتجربة أكثر تعقيدًا تمثلت في حرب الـ 33 يومًا. روحه الشجاعة والدؤوبة، وإلمامه بأسرار الحرب غير المتوازنة، جعلا حرب الـ 33 يومًا تتحول لصالح الشعب اللبناني وحزب الله، على الرغم من توقعات الاستراتيجيين العسكريين الدوليين.

الحاج قاسم إلی جانب "عماد مغنية"، ومن خلال التوقع الدقيق لرد فعل الکيان الإسرائيلي، قد هدَّم الفرقاطة الإسرائيلية مع عشرات الجنود الإسرائيليين في عملية معقدة. وكان الغضب الإسرائيلي من حضور القائد سليماني، لدرجة أنهم قرروا اغتياله بالطائرات بدون طيار والطائرات الحربية في ضاحية بيروت الجنوبية، ولکنهم فشلوا. وكان اللواء سليماني رجلاً عسكريًا عملانياً غير مهتم بالظهور في وسائل الإعلام.

بعد سقوط صدام والوجود الأمريكي الکبير في العراق، واجهت المصالح الوطنية الإيرانية تهديدًا جديدًا من الحدود العراقية، لذلك كان القائد سليماني يراقب تحركات القوات الأمريكية لسنوات لصد التهديدات. ولأول مرة في عام 2007، أشارت الولايات المتحدة إلى اللواء سليماني بعد فشلها في عملية عسكرية ضد قوات قوة القدس.

لكن أعظم جهود اللواء سليماني، كانت إحباط مؤامرات المحور العربي الغربي في الحرب الأهلية العراقية - السورية.

بعد هجوم داعش المفاجئ والمنسق، واجه الجيش العراقي انهياراً مفاجئاً، ولكن إلمام اللواء سليماني بقضايا العراق، مکَّنه من إعادة بناء الجيش العراقي بنهج شعبي، ومع 67 من مستشاريه في العراق، قاتلوا الجماعات الإرهابية مثل داعش وأحبطوا المؤامرات الأمريكية في آن واحد.

القوات الأمريكية سعت مرارًا وتكرارًا إلى كشف مسار عمليات قوات القائد سليماني بسبب إشرافها علی المجال الجوي العراقي، وفي الوقت نفسه أرسلت الدعم والأسلحة لجماعات المعارضة وداعش عبر طائرات الهليكوبتر. ومع ذلك فشلوا في منعه من الانتصار، وكان أول من أعلن نهاية داعش في العراق وسوريا.

كما قاتل إلى جانب الأكراد العراقيين في هذه المناطق ضد القوات الإرهابية، ولعب تأثيره ومصداقيته واستشاراته دورًا هاماً في إحباط مؤامرة تقسيم العراق وكردستان.

في عام 2014، نشرت مجلة "نيوزويك" صورةً کبيرةً منه، وقالت إنه: "قاتل أمريكا أولاً، والآن سحق داعش"، وفي سوريا أيضاً کان سليماني يدير جميع العمليات البرية ضد الجماعات الإرهابية.

عندما لم تجرؤ القوات الغربية على القيام بأي عمليات برية ضد الإرهابيين، كان الحاج قاسم هو الذي يحوِّل الحرب لصالح الجيشين السوري والعراقي، بشجاعة لا مثيل لها وبراعة عسكرية غير عادية.

وكان نجاح معظم الضربات الجوية الروسية متوقفاً علی المبادرات البرية للحاج قاسم، بحيث رأى "جون ماغواير" ضابط وكالة الاستخبارات المركزية في حينها، أن استعادة مدينة القصير کانت بسبب مواهب وجهود اللواء سليماني. وقد أدى هذا الانتصار إلی أن يقضي الجيش السوري على مواقع الإرهابيين ويستعيد المدن والقری منذ عام 2013 بشکل متتالٍ.

خبرات اللواء سليماني في الحضور في مختلف الجبهات البرية من الحدود الشرقية لإيران إلی العراق وسوريا ولبنان، قد جعلت منه نقطة الثقل ومركز محور المقاومة. حتى أن حماس والكتائب الجهادية الفلسطينية کانت تستفيد من توجيهاته العسكرية.

قائد حركة حماس في قطاع غزة "يحيى السنور" تحدث عن دعم اللواء سليماني الکامل للحرکة قبل عامين. كما قال في يونيو الماضي أثناء مشارکته في الاجتماع الدولي لدعم انتفاضة الشعب الفلسطيني في قطاع غزة: "لولا دعم إيران، لما حققت المقاومة الفلسطينية قدراتها الحالية".

كما أكد بيان كتائب القسام بعد شهادة اللواء سليماني: "كان لسليماني دور بارز في دعم المقاومة الفلسطينية في كافة المجالات، مما جعله بلا شك هدفًا رئيسيًا لإسرائيل والولايات المتحدة".

إن مجموع إجراءات اللواء سليماني وجهوده جعلته سداً منيعاً في المنطقة ضد أطماع المحور العربي الغربي، ليسعی هذا المحور وفي مؤامرة منسقة إلى إبعاده من المعادلات العسكرية في المنطقة.

تداعيات استشهاد اللواء سليماني

بعد وصول ترامب إلى السلطة، بذل البيت الأبيض جهودًا أكثر جديةً لإضعاف إيران في المنطقة. وكانت سعة نطاق محور المقاومة في جميع أنحاء المنطقة مربكةً جدًا للولايات المتحدة، لدرجة أنه كان من المستحيل تقريبًا مهاجمة شبكة المقاومة المعقدة والواسعة.

لذا، قام ترامب، المعروف بسياسات بدون تكلفة، بدمج هذا النهج السياسي بعنصر السرعة، وسعى إلى إزالة اللواء سليماني في تقييم خاطئ. وكان الأمل الأمريكي هو أن يؤدي اغتيال اللواء سليماني وأبي مهدي المهندس إلى إضعاف الحشد الشعبي وكتاب حزب الله. لكن هذه الخطوة ستكون لها عواقب معکوسة لا حصر لها بالنسبة للولايات المتحدة والمحور المناهض للمقاومة في المنطقة، والكثير منها لا يمكن التنبؤ به ومستمر.

المجلس الأعلى للأمن القومي أعلن في بيان يوم أمس إن "المجرمون سيواجهون انتقامًا شديدًا من طالبي ثأر دماء اللواء سليماني في الزمان والمكان المناسبين".

وأول وأهم عواقب هذا الإجرام الأمريكي، سيكون إذکاء غضب وانتقام سكان المنطقة ضد القوات الأمريكية. لأنه على عكس العديد من الشخصيات السياسية والعسكرية في العالم، لم تكن شعبية اللواء سليماني شأنًا إعلاميًا، لأنه کان يتجنب وسائل الإعلام والصحافة، بل كانت شعبيته عفويةً وحقيقيةً بسبب الشجاعة التي أظهرها في دعم سكان المنطقة، من إيران إلى العراق ولبنان وسوريا وفلسطين. بحيث تصدَّر نبأ استشهاده عناوين معظم وكالات الأنباء حول العالم، وسرعان ما أصبح وسماً عالمياً.

وفي هذا السياق، انتقد البروفيسور الأمريكي الشهير "ستيفن والت" الإجراء الأمريكي، وقال في تغريدة: "تصوروا كيف کانت ردة فعلنا إذا قام أحد أعدائنا باغتيال عضو في هيئة الأركان المشتركة، أو نائب وزير الخارجية، أو مدير الاستخبارات الوطنية لدينا؟".

جميع القادة المشهورين على مستوى العالم أبدوا ردود فعل تجاه اغتيال اللواء سليماني. حيث أشارت وزارة الدفاع الروسية في بيان إلی التأثير الإيجابي للواء سليماني في قتال داعش، وحذرت من أن "قصر نظر الولايات المتحدة فيما يتعلق باغتيال اللواء قاسم سليماني، أدی إلی حدوث أزمة مفاجئة في الوضع السياسي والعسكري في الشرق الأوسط، وله عواقب سلبية خطيرة على الأمن الدولي".

کما قال السناتور "كونستانتين كاساشيف" رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الروسي، يوم الجمعة رداً على اغتيال القائد قاسم سليماني، "لقد كان خبراً صعباً ويوحي باشتباكات شيعية جديدة مع الأمريكيين في العراق".

من المؤکد أنه من الآن فصاعدًا، فإن أمن الکيان الإسرائيلي في خطر كبير أيضًا. المسؤولون الأمنيون والسياسيون في الکيان يدركون هذه المخاطر، بحيث قطع رئيس وزراء الکيان الإسرائيلي نتنياهو زيارته الهامة إلى اليونان لعقد صفقة الغاز، وعاد إلى الأراضي المحتلة.

وزارة الدفاع الإسرائيلية أعلنت في رسالة على تويتر أن قواتها في حالة تأهب تام، وقالت: "بالنظر إلى الوضع، تقرر إغلاق منطقة جبل الحرمون (جبل الشيخ) اليوم أمام الزوار". كما أعلنت كتائب القسام عن استعدادها للانتقام أيضاً.

والأهم من ذلك، أصبحت القواعد الأمريكية في جميع أنحاء المنطقة غير آمنة بشكل متزايد بعد اغتيال اللواء سليماني. وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة رفضت ذكر عدد هذه القواعد ومواقعها، إلا أن جميعها ونقطة ضعفها معروفة لقوة القدس والأذرع العسكرية للمقاومة جيدًا.

تشعر الولايات المتحدة بقلق شديد إزاء هذا الأمر. وبعد حادث الاغتيال، تحدث وزير الخارجية الأمريكي "مايك بومبيو" على عجل مع المسؤولين الروس، أملاً في الحد من عواقب العمل الأمريكي عبر روسيا. وقال في مقابلة مع قناة "فوكس نيوز" الأمريكية يوم الجمعة: "الولايات المتحدة لا تزال ملتزمةً بتخفيف التوترات مع إيران، لكنها مستعدة أيضًا للدفاع عن نفسها".

وفي سياق دعم القواعد الأمريكية في المنطقة، تحدث بومبيو علی الفور مع الحكومات المستضيفة، لكن هذا لن يضمن أمن القوات الأمريكية في النهاية.

بعد شهادة قاسم سليماني، قال "هاشم الحيدري" القيادي في جبهة المقاومة الإسلامية في بغداد: "ردنا علی هذه الجريمة سيکون بالحكمة والدقة. انتقامنا لن يكون لشخص. كان اللواء سليماني رمزاً لجبهة المقاومة بأكملها".

کما قال "أكرم الكعبي" الأمين العام لحركة النجباء العراقية في بيان: "بقدر ما في قلوبنا من ألم وحسرة على فقد طاهر القلب والسريرة ورفاقه، عهداً علينا أن كل ذلك الألم وتلك الحسرة ستتحول إلى حماس وغضب وثورة نترجمها أرقاماً على أرض الواقع".

بالنظر إلى روح المقاومة العميقة الجذور في المنطقة، فإن اغتيال اللواء سليماني ليس فقط لن يؤدي إلى إضعاف محور المقاومة، بل ستصبح من الآن فصاعدًا استراتيجية المقاومة أكثر تطوراً وفجائيةً وتعقيداً، والضحية الأولى ستکون أذرع الجيش الأمريكي الخارجية. لذلك، سينکسر العمود الفقري للجيش الأمريكي في الشرق الأوسط في المستقبل غير البعيد.

قراءة 1007 مرة