الإسراء والمعراج (25)

قيم هذا المقال
(0 صوت)
الإسراء والمعراج (25)

المشهور بين المؤرخين أنه في السنة الثالثة عشر للبعثة النبوية الشريفة، وقبل الهجرة إلى المدينة المنورة بستة أشهر تقريبا، كان الإسراء والمعراج.  

وقصة الإسراء والمعراج كما ترويها النصوص الدينية التاريخية، هي أن النبي (ص) وبينما كان ذات ليلة نائما في دار أم هاني بنت أبي طالب جاءه جبرائيل ومعه راحلة يقال لها "البراق".

الرسول يلتقي بالأنبياء ويصلي بهم :

وانطلق جبرائيل بالنبي (ص) من مكة باتجاه المسجد الأقصى المبارك في القدس.

وبعد وصولهما إلى بيت المقدس بسرعة قياسية التقى النبي (ص) هناك بالأنبياء (ع) الذين سبقوه بالنبوة، كإبراهيم الخليل وموسى وعيسى وغيرهم، وصلى بهم. وبعد الصلاة انطلق به جبرائيل إلى السموات في رحلة في الأفاق اطلع فيها النبي (ص) على مظاهر قدرة الله وأسرار عظمته سبحانه، وعجائب مخلوقاته مما خفي على أهل الأرض وعجزت عنه عقولهم.

وتذكر الروايات أن هذه الرحلة استغرقت ليلة واحدة حيث عاد النبي في الليلة نفسها، إلى مكة قبل طلوع الفجر. ويقول المؤرخون أن خبر هذه الرحلة انتشر في صبيحة اليوم الثاني في مكة. فبادر المشركون إلى تكذيب رسول الله (ص) وإنكار حدوث ذلك معه، لأنهم لم يستوعبوا امكانية قطع النبي (ص) تلك المسافات في ليلة واحدة.

ولم يستطيعوا فهم وجه الاعجاز في ذلك. رغم أن النبي (ص) أخبرهم أنه مرّ في الطريق بقافلة تجارية لهم وأعطاهم علاماتها وأوصافها، حيث جاءت مطابقة تماما لحقيقة هذه الرحلة. كما يذكر المؤرخون أن أشخاصا من المسلمين ضعاف الإيمان ارتدوا عن الإسلام بعدما سمعوا برحلة الإسراء والمعراج للنبي (ص)، لأنهم لم يتعقلوا ذلك. هذه خلاصة قصة الإسراء والمعراج، كما يذكرها المؤرخون في السيرة التاريخية.

ونحن نريد التأكيد في مجال الحديث عن الإسراء والمعراج على عدة أمور:

أولا: إن القرآن الكريم ذكر حادثة الإسراء والمعراج في بداية السورة القرآنية المعروفة باسم سورة "الإسراء" وكما أن القرآن الكريم أشار إلى حادثة المعراج بناء على ما جاء في تفسير آيات سورة النجم التي تقول :"علّمه شديد القوى ذو مرة فاستوى وهو بالأفق الأعلى ثم دنا فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى ..".

وجاء في تفسير هذه الأيات الكريمة أن الضمير فيها يرجع إلى النبي (ص) لا إلى جبرائيل. فعندما تقول الأية :"وهو بالأفق الأعلى"، فإن هو هنا تقصد الرسول (ص) وتشرح حادثة معراجه إلى السماء، وتشير إلى بعض الأمور التي حصلت معه أثناء الرحلة.

ونحن نؤمن بالمعراج استنادا إلى ما جاء في تفسير هذه الأيات القرآنية وأيضاً استنادا إلى الأخبار والنصوص الكثيرة الواردة المتواترة حول هذه الحادثة.

وهذا النصوص نقطع بصدورها عن النبي (ص) وأكدت وقوع الإسراء والمعراج بما لا يدع مجالا للشك في حصولها.

ثانيا: من المعروف والمشهور بين المسلمين أن الإسراء والمعراج كانا بالروح والجسد معا، وأنهما حدثا في حال اليقظة وليس في المنام أو مكاشفة روحية. ومما يدل على هذه الحقيقة أن الأيات التي تتحدث عن الإسراء والمعراج عبرت بكلمة "العبد". تقول أية الإسراء "سبحان الذي أسرى بعبده ليلا .."،

وتقول أية أخرى حول الإسراء  :"وأوحى إلى عبده ما أوحى.." ومن المعلوم أن لفظ العبد إنما يطلق على كينونة الشخص كله، بروحه وجسده. ولو كان الإسراء والمعراج مجرد منام أو ما شابه لما بادر المشركون إلى إنكاره ولما ارتد عن الإسلام جماعة، كانت قد أسلمت من قبل، عندما أخبرهم النبي (ص) بذلك.

إذ ما الغرابة أن يرى الإنسان في منامه أنه انتقل في ليلة واحدة إلى مكان بعيد أو أنه صعد إلى السموات وشاهد ما شهد حتى تستبع القضية كل هذا الضجيج والإنكار الشديد؟!.. هذه الشواهد تدل على أن الإسراء والمعراج حقيقة واقعية حصلت بالفعل مع النبي (ص) تمّت في حال اليقظة بالروح والجسد معاً.

ثالثاً: إذا كان قطع المسافات البعيدة بهذه السرعة القياسية المذهلة ليست أمراً مستحيلا على هذا الإنسان المحدود الذي بقي سنوات طويلة يفكر ويستعد ويجمع الخبرات والإمكانيات ويهيئ الوسائل فهل يستحيل على الله سبحانه خالق الإنسان والكون وصاحب القدرات المطلقة أن يوفر وسيلة لرسوله الأكرم ينطلق بواسطتها ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى وإلى ملكوت السموات ثم يعيده إلى مكانه الأول في مكة ؟!..  إننا على يقين بأن الله عزّ وجل وضع في تصرف رسول الله مركباً مناسباً لذلك اسمه "البراق".

رابعاً: إن هدف الإسراء والمعراج لم يكن ليتجول النبي (ص) في السموات للقاء الله سبحانه وتعالى، كما يظن البسطاء من الناس، أو كما يعتقد بعض الغربيين والمستشرقين. بل كان الهدف ما أشارت إليه الأية الأولى من سورة الإسراء المباركة بشكل صريح "لنريه من آياتنا"، وأيضاً ما أشارت إليه الأية الثمانية عشر من سورة النجم "لقد رأى من أيات ربه الكبرى".

فالهدف من هذه المشاهدة الكونية هو أن يشاهد الرسول الكريم بعض مظاهر قدرة الله ويطلع على بعض أسرار عظمته سبحانه في أرجاء الكون كي تمتلأ روحه (ص) أكثر بدلائل العظمة الإلهية وآيات الله في السموات والكون. ولتجد روحه السامية في هذه الأيات الكونية زخماً إضافيا يوظفه في هداية الناس إلى الله سبحانه.

ولقد جاء في رواية منقولة عن الإمام الصادق (ع) أنه اجاب عن سؤال حول الإسراء والمعراج:"إن الله لا يوصف بمكان ولا يجري عليه زمان ولكنه عزّ وجل أراد أن يشرّف به ملائكته وسكان سمواته ويكرّمهم بمشاهدته ويريه من عجائب عظمته حتى يخبر به بعد هبوطه".

 

 

قراءة 2367 مرة