الفتنة الطائفية

قيم هذا المقال
(1 Vote)
الفتنة الطائفية

{إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ} (92) سورة الأنبياء

{وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ} (52) سورة المؤمنون


الفتنة الطائفية بين المسلمين اليوم حقيقة قائمة على وجه الأرض، لا يمكن تجاهلها، ولا يجوز التغاضي عنها، ولا يصح التسامح معها.

هذه الفتنة قائمة في كل زمان، وقلما يتفق أن يخلو عنها زمان، ولكنها اليوم تختلف من أي وقت مضى في تاريخنا المعاصر على الأقل.

إن الفتنة الطائفية اليوم تتفجر في العراق، وباكستان، وأفغانستان، وأقاليم أخرى من العالم الإسلامي أكثر من أي وقت آخر، وتتسبب في مذابح وحرائق وانتهاك للحرمات وتكفير للمسلمين من أهل القبلة وأهل (لا إله إلاّ الله)، من غير ذنب.

وأضرى مشاهد هذه الفتنة في العراق، حيث تجري يومياً مذابح همجية، فاقدة لكل قيم الدين والأخلاق، في المحافظات المختلطة ـ مذهبيّاً ـ يجري القتل على الهوية، وعلى الاسم، والانتماء، والمحافظة التي ينتمي إليها الإنسان، ويتم تهجير آلاف العوائل من المناطق المختلطة الساخنة، بسبب الانتماء المذهبي فقط.

وإن كل الجهود التي بذلها علماء المسلمين من الشيعة والسنة خلال هذا القرن للتقريب بين المسلمين يتعرض لتهديد وخطر حقيقيين، وإن لم يعصمنا الله من هذه الفتنة ويتصدى رجال من المسلمين لمواجهة هذه الفتنة وإحباطها والسيطرة عليها... لأصابنا من هذه الفتنة شرّ كثير.

وسوف نتحدث في هذا المقال عن هذه الفتنة في ثلاث نقاط:

1ـ آثار هذه الفتنة على حاضر العالم الإسلامي ومستقبله.

2ـ أسباب الفتنة وخلفياتها.

3ـ علاجها ومكافحتها.

 
الآثار الحالية والمستقبلية للفتنة
فإن لهذه الفتن تاريخ طويل، ومن يُلمّ بهذا التاريخ يعرف الأخطار الكبيرة الناجمة من هذه الفتن. هذه الفتن سريعة الاشتعال. صعبة الإخماد. خسائرها واسعة وكبيرة. تتسع رقعتها بسرعة. لا تندمل جراحها إلاّ بعد زمن طويل وبجهد كبير. تكتسح حتى الطبقة الواعية المعتدلة. تسلب الاعتدال والتوازن والرؤية الموضوعية حتى من دعاة الاعتدال، إلاّ من عصم الله.

يقول أمير المؤمنين(ع):(إن الفتن إذا أقبلت شبّهت وإذا أدبرت نبّهت)([1]).. وهو مما ذكرناه: أن هذه الفتن تسلب الرؤية الموضوعية والاعتدال، حتى من أصحاب الرؤى الموضوعية ومن أصحاب الاعتدال.

أول هذه الخسائر إحباط مشاريع التقريب والتوحيد الذي أنجزه العلماء وقادة المسلمين في هذا القرن والقرن الذي مضى مثل السيد عبد الحسين شرف الدين والشيخ سليم البشري والشيخ محمود شلتوت شيخي الأزهر الشريف والسيد البروجردي والشيخ حسن البنّا وكاشف الغطاء، والإمام الخميني رحمهم الله ونظرائهم من دعاة التقريب والتوحيد.

إنَّ الفتنة الطائفية، إذا اشتعلت فيما بين المسلمين تحبط هذه المشاريع الكبيرة التي تمت على يد هؤلاء الأعلام من دعاة التوحيد والتقريب.

والخسارة الثانية إحباط المشروع السياسي الإسلامي الكبير.

وهي خسارة كبرى في حياة الأمة... إن الإسلام اليوم يدخل في مواجهتين صعبتين، من الخارج والداخل، مواجهة أنظمة الاستكبار العالمي، مثل النظام الأمريكي وإسرائيل، من الخارج، ومواجهة عملاء الاستكبار العالمي في العالم الإسلامي، من الداخل... والمشروع الإسلامي السياسي في هاتين المواجهتين هو إنهاء النفوذ الاستكباري في العالم الإسلامي سياسياً واقتصادياً وثقافياً وعسكرياً، وأسلمة الأنظمة الحاكمة تبعا لإرادة الأمة في العالم الإسلامي... إن الإسلام اليوم يقود أوسع معارضة في التاريخ للنفوذ الاستكباري في عالمنا.

إن الفتنة الطائفية التي تشتعل اليوم في العالم الإسلامي تهدد هذا المشروع السياسي الكبير بالإحباط الكامل...

وانهدام المشروع السياسي الإسلامي بمعنى الإبقاء على نفوذ الاستكبار الغربي، وحماية العدوان والاحتلال الإسرائيلي، وتمكين الأنظمة العميلة للغرب في مواقع النفوذ والسلطة في العالم الإسلامي، واستمرار عمليات النهب والسلب لثروات المسلمين من قبل الغرب، والإبقاء على حالة التخلف والتبعية للغرب، في كل شيء، في عالمنا الإسلامي.

والخسارة الثالثة تعطيل الترافد الثقافي بين المسلمين... إنّ ساحتنا الثقافية اليوم تشهد ترافداً ثقافياً واسعاً بين المسلمين، وشهدت انتعاشاً ثقافياً محسوساً بسبب هذا الترافد وإثراء للثقافة الإسلامية المعاصرة.

وإذا اجتمعت العقول... تأتلف القلوب كذلك، كما أن العكس صحيح أيضاً.

فكان لهذا الترافد الثقافي دور كبير في تأليف قلوب المسلمين.

والفتنة الطائفية اليوم تعيد الحواجز النفسية والثقافية بين المسلمين مرة أخرى، وتعزل الثقافة الإسلامية بعضها عن بعض... بل تتجاوز هذه الخسارة إلى خسارة اعظم من ذلك، وهي استبدال حالة الترافد الثقافي بالتقاطع الثقافي وثقافة التقاطعات... كما حصل ذلك بين المسلمين في شبه القارة الهندية أيام الاحتلال الإنجليزي.

 
أسباب الفتنة
أ ـ دور الاستكبار العالمي في إثارة الفتنة الطائفيّة

من الخطأ أن ننظر إلى هذه الفتنة نظرة تجريدية سطحية معزولة عن الأسباب والخلفيات التي تكمن وراءها، وبمعزل عن اللعبة السياسية الدولية التي تمارسها أنظمة الاستكبار الغربي في العالم الإسلامي.

إن الآثار التخريبية والحرائق الواسعة التي تتعقب كل فتنة طائفية، وسهولة إشعال هذه الحرائق في الفتنة في لحظات الغفلة والانفعال... مما لا يمكن أن تغيب عن عيون دهاة الاستكبار العالمي.

ولا تعجب إذا هدّد السفير الأمريكي (انديك) العالم الإسلامي باستخدام كل الأوراق الاستكبارية حتى إثارة الفتنة الطائفية بين المسلمين.

ب ـ الانغلاق، والتكفير، والإرهاب:

هذا المسلسل الثلاثي من أخطر أسباب الفتن الطائفية في التاريخ الإسلامي. (الانغلاق) على الرأي الآخر، و(التكفير والإرهاب) في التعامل مع الرأي الآخر. ينبغي للإنسان أن يكون منفتحا دائما على الرأي الآخر، يستمع إليه، ويحاور أصحابه.

يقول تعالى في عباده الصالحين {فَبَشِّرْ عِبَادِ * الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الأَلْبَابِ}([2]).

والاستماع هو (الانفتاح)، وإتبّاع الأحسن هو (الموضوعية) وابتغاء الحق فيما بين الآراء... والقرآن يجعل >الانفتاح< و>الموضوعية< في الاختيار هو المقياس الدقيق للهداية (الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ).

وبعكس ذلك الانغلاق على الرأي الآخر يجرّ الإنسان إلى ضلالات ومتاهات كثيرة.

ويتبع (الانغلاق)... (التكفير) و(الإرهاب).

(التكفير) في التعامل مع الرأي الآخر و(الإرهاب) في التعامل مع أصحاب الرأي الآخر.

ودين الله أوسع صدرا وأرحب في التعامل مع الرأي الآخر وأصحابه من التكفير والإرهاب ويبقى الرأي الآخر في دائرة الإسلام إذا كان يقر صاحبه بشهادة أن لا اله إلا الله وأنَّ محمدا رسول الله، فلا يجوز إخراج هذا الرأي من دائرة الإسلام إلى الكفر، ولا يجوز استباحة دم صاحبه... فإنَّ شهادة أن لا اله إلا الله تعصم صاحبها في دمه وماله.

وقد أصبحت اليوم هذه المسألة من كبرى قضايا العالم الإسلامي... فهم يمتلكون شبكة تنظيمية واسعة في العراق وباكستان والسعودية، ولهم امتداد في المغرب الأفريقي، مثل الجزائر، والمغرب، وامتدادات في جنوب شرق آسيا مثل اندونيزيا وماليزيا، ولهم حضور في بعض الدول الأوروبية.

وحيث أن هذه الحركة حركة سياسية وثقافية منظمة تحت الأرض... فهي تبقى بعيدة عن النور، والحوار والنقد.

وقد تسببت هذه الحركة لأضرار كبيرة وكثيرة في العالم الإسلامي اذكر منها:

1 ـ تعميق الفجوة الطائفية بين المذاهب الإسلامية وإثارة الفتنة الطائفية وتأجيجها في بلاد وأقاليم كثيرة من العالم الإسلامي مثل العراق وأفغانستان وباكستان

2 ـ تمكين دول الاستكبار العالمي من العالم الإسلامي

3 ـ كان لهذه الحركة دور واسع في تشويه صورة (الإسلام) و(الحركة الإسلامية المعاصرة) في العالم. فقد اقترنت صورة الإسلام والحركة الإسلامية المعاصرة في العالم من خلال الفضائيات بالتفجيرات والتفخيخات والدماء والأجساد المضرّجة بالدماء، والتهديد والحرائق والتخريب... والفضائيات الموالية للغرب تعرف كيف تعرض هذه الصور وكيف تستخدمها لتشويه صورة الإسلام والحركة الإسلامية.

 
علاج الفتنة
إن مكافحة الفتن الطائفية والسعي إلى التقريب والتفاهم والتضامن والتعاون بين المسلمين من ثوابتنا السياسية والحضارية والاقتصادية.

وتدخل في تكوين الأمة الإسلامية الواحدة. ومن دونه لا تتحقّق الأمة الواحدة التي جعلها الله أمة وسطاً، وشاهدة على سائر الأمم.

من أبرز النقاط التي تساهم في علاج الفتنة الطائفية وإخمادها هي:

1 ـ الوعي والخطاب

2 ـ اللقاء والحوار

3 ـ العمل المشترك

 
أولاً: الوعي والخطاب
الفتنة الطائفية، كأية فتنة أخرى، تنشأ وتنمو في غياهب الجهل والجهالة.. والفتن في حياة الناس كثيرة، وكلها تتكون وتظهر وتنمو في ظلمات الجهل.

وأفضل العلاج لها ولأمثالها من الفتن هو المعرفة والوعي، فأن النور يكسح الظلمة، والمعرفة والوعي نور يزيل ما يعترضه من الظلمات،والفتن تراكم من الظلمات بعضها فوق بعض.

إن تحصين المجتمع من الفتن يتم بعاملين اثنين مع بعض، وهما عامل التقوى والمعرفة، فإذا اجتمعتا فأنهما يحصّنان المجتمع من أمثال هذه الفتن.

فهما يحصّنان المجتمع من كل فتنة، ويمنحان صاحبهما بصيرة وفرقاناً، إذا ادلهمت الخطوب والظلمات على الناس.

ومن أهم وجوه الوعي اليوم الوعي السياسي، فان عامل الاستكبار العالمي والمخابرات والمنظمات الجاسوسية العالمية تكمن خلف هذه الفتن.

 والمؤسسات الإعلامية (الصحف والفضائيات ودور النشر) تبثّ هذه الفتن بين الناس، وتقوم بتأجيج حرائق الفتنة الطائفية بين المسلمين.

والأداة المفضّلة لمواجهة هذه الفتن هي الوعي السياسي الذي يمكن الناس من معرفة خلفيات هذه الفتن وجذورها، والمنظمات الجاسوسية التي تخطط لها هناك في الغرب عبر المحيطات.

ومن واجب العلماء والخطباء والمثقفين الإسلاميين نشر الوعي السياسي بين الناس، وتمكين الناس من اختراق الغطاء الإعلامي وتمكينهم من الدرك الصحيح لما يحصل في الساحة العالمية من فنون اللعبة السياسية، وتحذير الناس من أن يكونوا ضحايا هذه اللعب والخطط التي تنتجها باستمرار العقلية الغربية تجاه العالم الإسلامي.

ولابد للوعي من خطاب، كما أن للتضليل السياسي خطاب، ولإثارة الفتنة بين الناس خطاب، ولتغرير الناس وتجهيلهم خطاب، كذلك للوعي خطاب.

ولغة هذا الخطاب لغة العقل، وهي اللغة المفضّلة في خطاب الوعي... إن العاطفة جزء ضروري من خطاب الجمهور لاشك في ذلك، ولكن من الخطأ الاقتصار على العاطفة في خطاب الجمهور.. ولابد من استخدام لغة العقل في خطاب الناس، إلى جانب لغة العاطفة، ولابد أن تكون لغة العقل هي الحاكمة وهي الأصل، ولغة العاطفة تأتي في امتداد لغة العقل، ولإسناد العقل عندئذ يكون الخطاب العاطفي خطاباً صالحاً للجمهور... وأمّا عندما يتمحّض خطاب الجمهور في الخطاب العاطفي فلا يكون مثل هذا الخطاب خطاباً راشداً أميناً غالباً، ولا يكون قادراً على توجيه الجمهور إلى الوجهة الصحيحة...

وعلى علماء المسلمين أن يتقوا الله في الخطاب، ولا يبتغوا مرضاة الناس في ذلك، فقد يكون في الناس من يستجيب للشعار والعاطفة، وقد يكون الخطاب العاطفي والشعاري أسرع قبولاً في وسط الجمهور.. ولكنه على كل حال خيانة يجب أن يحذرها العلماء الراشدون.

والجمهور الذي يتثقف من خلال الخطاب العقلائي اكثر ثباتاً وصلابة في الموقف، والجمهور الذي يتلقى الخطاب العاطفي الشعاري جمهور متقلب في الرأي، لا يثبت على موقف ورأي، ومسؤولية هذه الحالة المتقلّبة على عهدة الخطاب العاطفي والشعاري الذي يتلقاه هذا الجمهور من حملة الخطاب الطائفي المتشنّج.

وكما يجب الاهتمام بلغة الخطاب في حياتنا الثقافية والسياسية المعاصرة، كذلك يجب الاهتمام بمصدر الخطاب... هناك خطابات سياسية وثقافية كثيرة معاصرة صادرة من (الولاءات) المنتحلة الوهمية، كالولاء للقوم والوطن والعشيرة، وهي ولاءات منتحلة كاذبة في مقابل الولاء لله ولرسوله ولائمة المسلمين وللمؤمنين، وهو الولاء الراشد الصحيح الذي جاء به الوحي من عند الله: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ}([3])... وهذا هو الولاء الحق الذي جاء به رسول الله(ص) من عند الله، وهو الولاء الذي يوحّد صف المسلمين، ويجعل منهم أمة واحدة في صف مرصوص، مقابل أعداء هذه الأمة.

ونحن عندما نتحدث عن الخطاب السياسي الذي يجب أن نلقيه إلى جمهورنا يجب أن نأخذ بنظر الاعتبار مصدر هذا الخطاب... هذا الخطاب يجب أن يكون صادراً عن الولاء لله ولرسوله في قوله تعالى:

{إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ}([4]).

وقوله تعالى: {إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ}([5]).

وقوله تعالى: {وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ}([6]).

وقوله تعالى: {وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا} كَذَل وقوله تعالى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ}([7]).

وقوله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ}([8]).

وقوله تعالى: {وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ}([9]).

وقوله تعالى: {فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ}([10]).

وقوله تعالى:{وَالَّذِينَ آوَواْ وَّنَصَرُواْ أُوْلَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ}([11]).

أمّة واحدة، وطاعة واحدة، وولاء واحد.

 
ثانياً: الجماعة ، واللقاء ، والحوار
هذه ثلاثة عناوين يحبها الله تعالى، وهي أساس التقريب والتفاهم وجمع الشمل وهي:

(الجماعة) و(الاجتماع واللقاء) و(الحوار والتفاهم).

وهذه الثلاثة هي الأداة المفضلة في دين الله لمكافحة الفتن الطائفية، وإزالة التقاطعات، والوصول إلى الانسجام والتفاهم والتعاون.

الجماعة (الأمّة)

نقصد بالجماعة: الأمّة الإسلامية الواحدة ، وتتميز هذه الأمّة من سائر الأمم في العقيدة والشريعة والرسالة ، ورسالتها التعاون والتضامن الاجتماعي علی أداء هذه الرسالة والدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر...

{قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي}([12]).

{وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}([13]).

{كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ}([14]).

{وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}([15]).

هؤلاء ، جماعة هذه الأمة، يحملون هماً واحداً، ومسؤولية واحدة، هي الدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهم أُسرة واحدة، متعاونة ومتفاهمة ومتعاطفة (بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ)، وهم يؤمنون جميعاً بالله ورسوله، ويطيعون الله ورسوله، فأن الدعوة إلى الله ورسوله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يكون إلا مع الإيمان بالله ورسوله وطاعة الله ورسوله.

إذن هذه الجماعة تحمل ثلاث خصال:

1 ـ الإيمان بالله ورسوله، وطاعة الله ورسوله.

2 ـ الدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإقامة الصلاة..

3 ـ التفاهم والتعاون والتعاضد والتواصي بالحق والصبر فيما بينهم.

{إِلاّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ}([16]).

وعليه فأن مفهوم (الجماعة)بهذا التوضيح يلتقي مفهوم (الأمة).

وهذه الأمة أمة واحدة، وليست أمماً شتى، لا ريب في ذلك.

{إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ}([17]).

{وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ}([18]).

وهذه الأمة بعرضها العريض أمّة واحدة، لها عقيدة واحدة وشريعة واحدة ومنهاجاً واحداً ، ودعوة واحدة، وسبيل واحد، ورسالة واحدة، يؤدّونها مجتمعين.

وهذه الوحدة والاجتماع في الأداء، وتحمّل المسؤولية، والعقيدة والشريعة والدعوة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هي التي تجعل من هذه الأمة جماعة واحدة.

ورد في النصوص الإسلامية التأکيد علی اللقاء والاجتماع والنهي عن الاختلاف والتفريق والتقاطع داخل الجماعة المسلمة، والنهي عن الخروج عن جماعة هذه الأمة والشذوذ عنها.

عن رسول الله(ص): (عليكم بالجماعة وإياكم والفرقة)([19]).

وعنه (ص): (اثنان خير من واحد وثلاثة خير من اثنين وأربعة خير من ثلاثة. فعليكم بالجماعة، فان يد الله مع الجماعة، ولم يجمع الله أمتي إلا على هدى، واعلموا أن كل شيطان (: البعيد من الحق) هوى في النار)([20]).

وعنه (ص) أيضاً’: (لا يجمع الله أمر أمتي على ضلالة أبدا، اتبعوا السواد الأعظم، من شذّ في النار)([21]).

وعن أمير المؤمنين(ع): (الزموا السواد الأعظم، فان يد الله مع الجماعة، وإياكم والفرقة، فان الشاذ من الناس للشيطان، كما أن الشاذ من الغنم للذئب، فلا تكونوا أنصاف الفتن، وأعلام البدع، والزموا ما عقد عليه حبل الجماعة، وبنيت عليه أركان الطاعة)([22]).

إن اجتماع المؤمنين واللقاء بينهم أمر يحبّه الله تعالى، وما يحبّه الله يجعل فيه البركة والخير، ويجعله من منازل رحمته.

وهذا اللقاء، وما يستتبعه من الحوار يدخل في صلب التشريع.. فقد شرَّع الله في هذا الدين للمسلمين (الجماعة) و(الجمعة) و(الحج)..

ويدخل في (الجمعة) صلاة العيدين الفطر والأضحى.

وهذه الثلاثة (الجماعة، والجمعة، والحج) تجمعات إسلامية ثلاثة تجمع المسلمين من مختلف المذاهب والاتجاهات والاجتهادات.. ولاشك أن الحالة العبادية والذكر جزء لا يتجزأ من هذه الثلاثة... إلا أن حالة اللقاء والاجتماع أمر مقصود في هذه التشريعات الثلاثة من دون شك.

الجماعة والجمعة تجمعان كل الشرائح والمذاهب

وقد حرص الإسلام أن يحضر المسلون بكل مذاهبهم واتجاهاتهم هذه الاجتماعات الثلاثة لأداء الفريضة اليومية وصلاة الجمعة وفريضة الحج مجتمعين.

وكان أئمة أهل البيت(ع) يؤكدون لشيعتهم حضور الجماعات والجمعات لأهل السنة.

  عن الإمام الصادق(ع): (من صلّى خلفهم كان كمن صلّى خلف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم).

ويقول الإمام الصادق(ع) لإسحاق بن عمار: (يا إسحاق أتصلي معهم في المسجد؟ قال: قلت نعم، قال صلّ معهم فان المصلي معهم في الصف الأول كالشاهر سيفه في سبيل الله).

كان أهل البيت(ع) يوجهون شيعتهم واتباعهم دائماً إلى اللقاء والاجتماع بأهل السنة، والحضور معهم في جوامعهم، واجتماعاتهم، ومجالسهم، وندواتهم، وينهونهم عن الابتعاد عنهم، ويؤكدون لهم بضرورة التواجد في الساحة الإسلامية العامة، وحضور الجمعات والجماعات، وتوحيد المواقف في الحج، ولم يردنا ـ ولا حديث واحد ـ عن انفراد أئمة أهل البيت(ع) في موقف من مواقف الحج عن الموقف العام الذي كان يحدده الحكام في تلك البرهة، لعامة المسلمين.

وكانوا لا يرضون لشيعتهم أن يعتزلوا الوسط الإسلامي العام، فهم جزء من هذه الأمة الكبيرة، واختلافهم عن أهل السنة في بعض الفروع والأصول، ومقاطعتهم للحكام الظلمة الذين كانوا يحكمون المسلمين في العصر الأموي والعباسي لم يكن يحمل معنى الاعتزال عن الساحة والانقطاع عنها.

وقد كان أئمة أهل البيت(ع) يعيشون معهم وفي أوساطهم، ويجتمع إليهم المسلمون من كافة المذاهب والاتجاهات، ويحضرون مجالسهم، ويأخذون منهم العلم، ولو أحصينا أهل العلم الذين أخذوا العلم عن الإمام الباقر والصادق‘ لوجدناهم اُمة كبيرة من أهل العلم، وكانت مجالسهم ومحاضرهم عامرة بفقهاء المسلمين وحملة الحديث النبوي وأهل العلم من كل اتجاه ومن كل بلد... وهذه الحالة يعرفها جيداً من يعرف حديث أئمة أهل البيت(ع) وسيرتهم، وهي تعبّر عن حالة الانفتاح والتعايش المذهبي الإيجابي السليم لكل الاتجاهات والمذاهب الإسلامية. في الوقت الذي كان أهل البيت^ يرسمون ويوضحون لشيعتهم وللمسلمين عامة الخط الفكري الصحيح في الاُصول والفروع بوضوح وصراحة وبشكل دقيق.

ثالثا ـ الأعمال والمشاريع المشتركة
 وقد تحدثنا فيما مضى عن النقطة الأولى والثانية، وها نحن نتحدث إن شاء الله عن النقطة الثالثة، وهي العمل المشترك، سواءً كان العمل في المجال العملي والثقافي أم في مساحة العمل السياسي، أم في المساحة الاقتصادية.

والتجارب العديدة التي مارسها المسلمون في الآونة الأخيرة في المشاريع الاقتصادية والفقهية تؤكد هذا المعنى.

ونظراً للتحديات العظيمة التي يواجهها المسلمون اليوم لابد من مواجهة هذه التحديات بالمشاريع الإسلامية السياسية والاقتصادية والثقافية التي يشترك فيها عامة المسلمين من كل المذاهب والشرائح الإسلامية. فلم تعد الأعمال الفردية والتي تقوم بها طائفة من المسلمين كافية لمقابلة هذه التحديات، فإن التحديات التي تواجهنا في ساحتنا أكبر من أن نقابلها بمثل هذه المشاريع.

إن مشاريعنا السياسية والاقتصادية والثقافية والإعلامية يجب أن تكون بحجم الأمة كلها.. عندئذ تكون يد الله مع هذه المشاريع، وعليها، إن شاء الله تعالى.

وعندئذ تكون هذه المشاريع والأعمال قادرة على مقابلة التحديات القويّة التي تواجهنا في ساحة عملنا.

جدلية الشرعية والواقع:

وسوف أتحدّث عن واحدة من هذه التحدّيات التي تواجهنا في حياتنا السياسية والثقافية، ولا يتأتّى لنا مقاومتها وإحباطها إلاّ ضمن مشروع سياسي وثقافي كبير، وبتضامن إسلامي واسع على قدر سعة هذه الأمة.

أمامنا قضيتان متخالفتان ومتقاطعتان، في ساحة حياتنا ويتوجّب علينا أن نتعامل معها بالضرورة، وليس بوسعنا التشكيك في أي منهما، وليس بوسعنا الإعراض عن أي منها أو كليهما ومقابلته باللامبالاة.

القضية الأولى: وحدة الأمة الإسلامية

وليس بوسع أحد أن يشك في هذه الحقيقة، وقد تلوت عليكم قريباً قوله تعالى: {إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ}.

وقوله تعالى: {وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ}.

وهذه حقيقة من حقائق الوحي.

إذن لهذه الأمة، طبقاً لهاتين الآيتين الكريمتين من سورتي الأنبياء والمؤمنون قيادة واحدة صالحة.. وهذه هي الحالة الشرعية التي نطلبها في نظام الحكم والقيادة السياسية للعالم الإسلامي.

هذه هي القضية الأولى (: الشرعية).

القضية الثانية: قيام أنظمة متعددة من الحكم في طول العالم الإسلامي وعرضها...

وهذه الأنظمة ـ في الأغلب ـ لا تمثّل الحالة الشرعية لأنها غير صالحة، وغير مؤتمنة على دين الناس ودنياهم، وغير منتخبة من قبل الناس، وإنما تُفرض على الناس بآليات عسكرية، أو عبر وسائل أنظمة الاستكبار العالمي... وهذه الأنظمة تفرض طاعتها والالتزام بقراراتها على الناس بالنار والحديد والعنف.. والتغرير والتجهيل الإعلامي.

ولابد للناس من الالتزام بقرارات هذه الأنظمة: وهذا هو (الأمر الواقع) اللاشرعي.

وبين هذا (الأمر الواقع) و(الشرعية) تقاطع شديد ولكل منهما ثقافة، وسياسة، وقوانين، وأنظمة، وآليات، وقوة للتنفيذ.

هذه هي الجدلية القائمة بين (الشرعية) و(الأمر الواقع).

فما هو موقف (الفقه الإسلامي) تجاه هذه الجدلية الصعبة.

منهج أهل البيت(ع) الفقهي

إن منهج أهل البيت(ع) الفقهي تجاه هذه الجدلية في الفترة الطويلة التي عاشوها في العصر الأموي والعباسي، تتلخص في ثلاث نقاط:

1 ـ النهي عن إسناد هذه الأنظمة ودعمها، وتحريم (التعاون مع الظلمة)، فلا يجوز للمسلم أن يقوم بأي عمل فيه إسناد ودعم لهذه الأنظمة غير الصالحة بأي شكل، ولو كان ذلك بإعداد ليقة دواة للحاكم الظالم.. وقد وردت روايات كثيرة عن أهل البيت^ في هذا المعنى. (راجع أبواب حرمة التعاون مع الظلمة في مباحث المكاسب المحرمة). وكتاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، في وسائل الشيعة وسائر كتب الحديث والفقه.

2 ـ الأمر بمعايشة الواقع السياسي الاجتماعي لأن الانفصال عنه بمعنى الخروج من ساحة الحياة والانتحار السياسي والاقتصادي.

فلا يستغني الناس عن المدارس والجامعات وجهاز الشرطة والمستشفيات والمؤسسات الخدمية وغيرها وكل هذه المؤسسات مؤسسات قائمة ضمن هذه الأنظمة الفاسدة... لا حيلة للناس عنها فيجوز الدخول في هذه المؤسسات لخدمة الناس ويجوز الاستفادة من هذه المؤسسات، ومن دون ذلك تتعطل حياة الناس، والله تعالى لا يريد تعطيل حياة الناس.

وبين الأمر الأول (المحظور) والأمر الثاني (السائغ) فرق واضح.

3 ـ العمل على تحويل هذا الواقع الفاسد إلى نظام صالح وقيادة صالحة وقوانين وتشريعات صالحة.

وهذه النقطة الأخيرة تختلف من مجتمع إلى مجمع فقد يتم ذلك عن طريق ثورة مسلحة، وقد يكون ذلك عن طريق الترحيل الثقافي والتبليغي للناس، وقد يكون بالوسائل الديمقراطية الحديثة، التي تمكّن الأكثرية الصالحة من الوصول إلى مواقع الحكم وتغيير الحكم إلى نظام صالح وقيادة صالحة، بصورة سليمة، أو غير ذلك من الوسائل والآليات. (راجع روايات باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأبواب الجهاد)

وهذه ثلاثة مشاريع عمل إسلامية سياسية تتطلب مشاركة عامة من المسلمين، من كل المذاهب والفرق والشعوب الإسلامية التي تعاني من سلطة الحكومات الظالمة.

1 ـ مقاطعة الأنظمة الفاسدة وتحريم دعمها وإسنادها، ووجوب عزل هذه الأنظمة عن الأمة والتشهير بها وتسقيطها.

2 ـ المشاركة الإيجابية في كل مسالك الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، والنفوذ إلى مواقع مختلفة من الحكم بهذه الذهنية ولهذه الغاية.

3 ـ مشاريع اسلمة الأنظمة وإقامة الدولة الإسلامية على أسس شرعية وترحيل الحالة السياسية إلى قيام حكومة عالمية إسلامية صالحة، كما وعدنا الله تعالى في كتابه.. وهذا المشروع يختلف من بلد إلى بلد ومن حالة سياسية إلى حالة أخرى، ولا يخضع لوصفة سياسية أو حركية واحدة.

الهوامش:
[1] ـ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 7 : 44 خطبة 92. شبهت: اشتبه فيها الحق بالباطل، وإذا أدبرت وخلص الناس منها تميز حقها من باطلها
[2] ـ الزمر: 17 ـ 18.
[3] ـ المائدة: 55.
[4] ـ المائدة: 55.
[5] ـ الأنبياء: 92.
[6] ـ المؤمنون: 52.
[7] ـ التوبة: 71.
[8] ـ الحجرات: 10.
[9] ـ الأنفال: 46.
[10] ـ النساء: 59.
[11] ـ الأنفال: 72.
[12] ـ يوسف: 108.
[13] ـ آل عمران: 104.
[14] ـ آل عمران: 110.
[15] ـ التوبة: 71.
[16] ـ العصر: 3.
[17] ـ الأنبياء: 92.
[18] ـ المؤمنون : 52.
[19] ـ ميزان الحكمة 1: 765.
[20] ـ كنز العمال 1: 205 ح1025.
[21] ـ ميزان الحكمة 1: 406.
[22] ـ نهج البلاغة: الخطبة 127.

قراءة 2601 مرة