غيبة إمام العصر(عجل الله تعالى فرجه) والتدبير الإلهي

قيم هذا المقال
(0 صوت)
غيبة إمام العصر(عجل الله تعالى فرجه) والتدبير الإلهي

بما أن تدبير الله تعالى يفوق تدبير البشر، حيث إنه تعالى يزود البشر بالعلم والإحساس والشعور والإدراك، فخالق الإدراك والإحساس والشعور يحيط بتلك الأمور بما لا تحيطه يد البشر، ومن هذا المنطلق فإن التدبير الإلهي ومن خلال رجال الغيب يقوم بإصلاح وإدارة البشر في ظل ستار غيبة الشعور بهم وستار حجاب العلم بهم من دون أن يكون هناك ستار عن أصل وجود الحاضر، فالإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه) يتعاطى الحدث وإدارة وتدبير البشر والنظام البشري، وهو معنا من دون علم أو معرفة به لكن بهويته وبكيفية دوره، هذا الأمر يؤكد عليه القرآن دائماً كما مرّ بنا في سورة القصص وسور أخرى حول ظاهرة النبي موسى، وكذلك في سورة النبي يوسف ﴿وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ[1]، فأكثر الناس لا يعلمون بكيفية غلبة الله في تدبير الأمور ويقيسون قدرة الله بقدرتهم، أو قدرتهم بقدرة الله، ومن ثم يجهلون، ومن ثم ينكرون، ومن ثم يكذبون بآيات الله وبحججه، وهذا أمر يجب أن يتوقف عنده المسلمون وأن لا يسارعوا إلى الإنكار بمجرد إثارة بعض الجاهلين لقدرات الله وآياته.

بعد ذلك تواصل سورة يوسف قص حدث غيبة النبي يوسف عندما استخلص أخاه، وأذن في أن يتعرف عليه دون بقية الناس حتى أبيه النبي يعقوب، ﴿مَعَاذَ اللَّهِ أَنْ نَأْخُذَ إِلَّا مَنْ وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِنْدَهُ إِنَّا إِذًا لَظَالِمُونَ * فَلَمَّا اسْتَيْئَسُوا...، أي إخوة يوسف من أخذ أخيهم الذي كان معهم، الذي هو شقيق يوسف ﴿خَلَصُوا نَجِيًّا قَالَ كَبِيرُهُمْ أَلَمْ تَعْلَمُوا أَنَّ أَبَاكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُمْ مَوْثِقًا مِنَ اللَّهِ وَمِنْ قَبْلُ مَا فَرَّطْتُمْ فِي يُوسُفَ فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي أَوْ يَحْكُمَ اللَّهُ لِي وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ * ارْجِعُوا إِلَى أَبِيكُمْ فَقُولُوا يَا أَبَانَا إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ وَمَا شَهِدْنَا إِلَّا بِمَا عَلِمْنَا وَمَا كُنَّا لِلْغَيْبِ حَافِظِينَ * وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا وَإِنَّا لَصَادِقُونَ * قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ[2]، أنظر هذا المقطع في ظاهرة غيبة النبي يوسف (عليه السلام) الذي سجله لنا القرآن الكريم في موقف النبي يعقوب (عليه السلام)، وهو أن النبي يعقوب لم ييأس من روح الله، عن ظهور المصلح المنجي والمنقذ الموعود وهو ابنه، رغم طول الغيبة، رغم يأس اخوته وذويه وأهله، ويأس الناس ممن يعرفونه فضلاً عمن لم يعرفه ويجهل أمره، أنه سيظهر ويكون له موقعية الإصلاح في الأرض في تلك الحقبة الزمنية، فهذا درس اعتقادي وعقدي يسطره لنا القرآن الكريم بأنه مهما طالت غيبة ولي الله المصلح الموعود لإنقاذ البشرية لا يدعو ذلك المؤمن والمسلم لليأس من روح الله ﴿إنَّهُ لَا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ[3]، ﴿ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ * وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ...[4]. بعد ذلك في آية أخرى يقول: ﴿ يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْئَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ[5].
 


[1]  سورة يوسف، الآية 21.
[2]  سورة يوسف، من الآية 79 إلى 83.
[3]  سورة يوسف، الآية 87.
[4]  سورة يوسف، الآية 83 وَ84.
[5]  سورة يوسف، الآية 87.

قراءة 267 مرة