يَروي المؤرِّخونَ حالَ أميرِ المؤمنينَ (عليه السلام) في شهرِ رمضانَ الذي كانتْ فيهِ شهادتُهُ، قائلينَ: وَلَقَدْ كَانَ أَمِيرُ في ذَلِكَ الشَهْرِ، يَفْطُرُ لَيْلَةً عِنْدَ الْحَسَنِ (عليه السلام)، وَلَيْلَةً عِنْدَ الْحُسَيْنِ (عليه السلام)، وَلَيْلَةً عِنْدَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ (رضوان الله عليه)، لَا يَزِيدُ عَلَى ثَلاَثِ لُقَمٍ، وَيَقُولُ: «أُحِبُّ أَنْ أَلْقَى اللَّهَ وَأَنَا خَمِيصٌ». فَلَمَّا كَانَتِ اللَّيْلَةُ الَّتِي ضُرِبَ فِيهَا، أَكْثَرَ الْخُرُوجَ وَالنَّظَرَ إِلَى السَّمَاءِ، وَيَقُولُ: «وَاللَّهِ، مَا كَذَبْتُ وَلَا كُذِبْتُ، وَإِنَّهَا هِيَ اللَّيْلَةُ الَّتِي وَعَدَ اللهُ»[1].
وكانَ الإمامُ عليٌّ (عليه السلام) ينتظرُ تلكَ اللَّيلةَ المباركةَ التي سيصلِّي في فجرِها صلاةً طالَ انتظارُها! إنَّها تلكَ الصلاةُ التي قالَ عنها رسولُ اللهِ (صلّى الله عليه وآله): «كأنِّي بكَ وأنتَ تُصلِّي لربِّكَ، وقدِ انبعثَ أشقى الأوَّلينَ والآخِرينَ، شقيقُ عاقرِ ناقةِ ثمودَ، فضربَكَ ضربةً على قرنِكَ، فخضَّبَ منها لحيتَكَ»[2].
عرَفَ أميرُ المؤمنينَ (عليه السلام) تلكَ الليلةَ، فخرجَ إلى المسجدِ مُستبشِراً، وأبَتْ مسيرةُ عليٍّ (عليه السلام) إلَّا أنْ يكونَ المسجدُ مبتدأَ ولادتِهِ، والمسجدُ منتهى شهادتِهِ. دخلَ الصلاةَ هائماً في اللهِ، وحينما شعرَ بضربةِ الشهادةِ على رأسِهِ، كانتْ كلمتُهُ التي عبَّر فيها عنْ نتيجةِ كلِّ ذلكَ العشقِ للشهادةِ، فقالَ (عليه السلام): «فُزْتُ وَرَبِّ الكعبةِ»[3]، ثمَّ قالَ بعدَها: «وَاللَّهِ، مَا فَجَأَنِي مِنَ المَوْتِ وَارِدٌ كَرِهْتُهُ، وَلَا طَالِعٌ أَنْكَرْتُهُ، وَمَا كُنْتُ إِلَّا كَقَارِبٍ وَرَدَ، وَطَالِبٍ وَجَدَ»[4].
نعم، لقدْ طلَبَ قتلاً في سبيلِ اللهِ، فوجدَ ما طلَبَ في بيتِ اللهِ، وفي شهرِ ضيافةِ اللهِ عزَّ وجلَّ.
عنِ الأَصْبَغِ بْنِ نُبَاتَةَ، قَالَ: لَمَّا ضُرِبَ عَلِيٌّ (عليه السلام) الضَّرْبَةَ الَّتِي مَاتَ فِيهَا، كُنَّا عِنْدَهُ لَيْلاً، فَأُغْمِيَ عَلَيْهِ، فَأَفَاقَ، فَنَظَرَ إِلَيْنَا، فَقَالَ: «مَا يُجْلِسُكُمْ؟»، فَقُلْنَا: حُبُّكَ، يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ! فَقَالَ: «أَمَا وَالَّذِي أَنْزَلَ التَّوْرَاةَ عَلَى مُوسَى، وَالْإِنْجِيلَ عَلَى عِيسَى، وَالزَّبُورَ عَلَى دَاوُودَ، وَالْفُرْقَانَ عَلَى مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللهِ (صلّى الله عليه وآله)، لَا يُحِبُّنِي عَبْدٌ إِلَّا رَآنِي حَيْثُ يَسُرُّهُ، وَلَا يُبْغِضُنِي عَبْدٌ إِلَّا رَآنِي حَيْثُ يَكْرَهُهُ. إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ (صلّى الله عليه وآله) أَخْبَرَنِي أَنِّي أُضْرَبُ فِي لَيْلَةِ تِسْعَ عَشْرَةَ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ، فِي اللَّيْلَةِ الَّتِي مَاتَ فِيهَا مُوسَى (عليه السلام) -أَوْ قَالَ وَصِيُّ مُوسَى (عليه السلام)- وَأَمُوتُ فِي لَيْلَةِ إِحْدَى وَعِشْرِينَ يَمْضِي مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ، فِي اللَّيْلَةِ الَّتِي رُفِعَ فِيهَا عِيسَى (عليه السلام)».
قالَ الأَصْبَغُ: فَمَاتَ، وَالَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ، فِيهَا[5].
[1] ابن عنبة، عمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب، ص60.
[2] الشيخ الصدوق، الأمالي، ص155.
[3] السيّد الرضيّ، خصائص الأئمّة، ص63.
[4] السيّد الرضيّ، نهج البلاغة، ص387، الرسالة 23.
[5] النعمان المغربيّ، شرح الأخبار، ج2، ص446.