نموذج من أكاديمية الوهابيين

قيم هذا المقال
(0 صوت)

نموذج من أكاديمية الوهابيين

من بين سيل الكتب الكثيرة التي ينشرها الوهابيون ضدنا، لفت نظري كتاب في ثلاث مجلدات، اسمه (أصول مذهب الشيعة الإمامية الاثني عشرية عرض ونقد) اسم مؤلفه الدكتور ناصر بن عبد الله القفاري، الطبعة الثانية 1415 هـ - 1994 م. وقد كتبوا في أوله هذه العبارة: (أصل هذا الكتاب رسالة علمية تقدم بها المؤلف لنيل درجة الدكتوراه من قسم العقيدة والمذاهب المعاصرة جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، وقد أجيزت هذه الرسالة بمرتبة الشرف الأولى، مع التوصية بطبعها وتبادلها بين الجامعات). انتهى.

ويبدو أن هذه الرسالة كانت بحثاً صغيراً أعجب الدكاترة الوهابيين لقوته العلمية مثلاً، فأمدوا مؤلفها بعدد من المعاونين ومئات المصادر الشيعية، وبذلت هذه المجموعة جهودها حتى أكملت تأليف هذا الموسوعة (الموضوعية) عن عقائد الشيعة ومذهبهم.

وإنما حكمنا بأن الكتاب من تأليف مجموعة لأن قلمه متفاوت وفي بعض مقاطعه عجمة لا يمكن أن تكون من قلم سعودي قفاري.

على أن علينا أن نتعامل بالظاهر ونأمل من الكتاب خيراً لوفرة مصادره الشيعية، ولأن أصله كتب ونوقش من قبل دكاترة، فلا بد أن يتناسب مستواه مع مستوى الشهادة الجامعية. ويزداد أملنا خيراً عندما نقرأ من المؤلف بشائره التي بشر القارئ بها في مقدمته.

فقال في ج 1 ص 14 و 16:

(وإذا كان لا بد من إشارات في هذا التقديم فأقول: قد عمدت في بداية رحلتي مع الشيعة وكتبها ألا أنظر في المصادر الناقلة عنهم، وأن أتعامل مباشرة مع الكتاب الشيعي حتى لا يتوجه البحث وجهة أخرى. وحاولت جهد الطاقة أن أكون موضوعياً ضمن الإطار الذي يتطلبه موضوع له صلة وثيقة بالعقيدة كموضوعي هذا.. والموضوعية الصادقة أن تنقل من كتبهم بأمانة، وأن تختار المصادر المعتمدة عندهم، وأن تعدل في الحكم، وأن تحرص على الروايات الموثقة عندهم أو المستفيضة في مصادرهم ما أمكن).

(ثم إنني في عرضي لعقائدهم ألتزم النقل من مصادرهم المعتمدة، لكن لا أغفل في الغالب ما قالته المصادر الأخرى، ووضع الأمرين أمام القارئ مفيد جداً للموازنة... اكتنفت دراستي عدة صعوبات: أولها أن كتب الرواية عند الشيعة لا تحظى بفهرسة، وليس لها تنظيم معين، كما هو الحال في كتب أهل السنة، ولذلك فإن الأمر اقتضى مني قراءة طويلة لكتب حديثهم، حتى تصفحت البحار بكامل مجلداته، وأحياناً أقرأ الباب رواية رواية، وقرأت أصول الكافي، وتصفحت وسائل الشيعة، وكانت الروايات التي أحتاج إليها تبلغ المئات في كل مسألة في الغالب). انتهى.

حسناً، لقد وعدنا المؤلف أن ينقل آراء الشيعة من مصادرهم.. وقد قرأ كثيراً كثيراً منها.. فماذا قال في موضوعنا (التجسيم)؟

قال في ج 2 ص 527:

(الفصل الثالث: عقيدتهم في أسماء الله وصفاته.

للشيعة في هذا الفصل أربع ضلالات:

الضلالة الأولى: ضلالة الغلو في الإثبات، وما يسمى بالتجسيم.

الضلالة الثانية: تعطيلهم الحق جل شأنه من أسمائه وصفاته.

الضلالة الثالثة: وصف الأئمة بأسماء الله وصفاته.

الضلالة الرابعة: تحريف الآيات بدافع عقيدة التعطيل للأسماء والصفات.

وسأتوقف عند كل مسألة من هذه المسائل الأربع وأبين مذهب الشيعة فيها من خلال مصادرها إن شاء الله.

المبحث الأول: الغلو في الإثبات (التجسيم):

اشتهرت ضلالة التجسيم بين اليهود، ولكن أول من ابتدع ذلك بين المسلمين هم الروافض، ولهذا قال الرازي (؟): اليهود أكثرهم مشبهة، وكان بدء ظهور التشبيه في الإسلام من الروافض مثل هشام بن الحكم، وهشام بن سالم الجواليقي، ويونس بن عبد الرحمن القمي وأبي جعفر الأحول (1).

وكل هؤلاء الرجال المذكورين هم ممن تعدهم الإثنا عشرية في الطليعة من شيوخها، والثقات من نقلة مذهبها (2)...

وقد حدد شيخ الإسلام ابن تيمية أول من تولى كبر هذه الفرية من هؤلاء فقال (وأول من عرف في الإسلام أنه قال إن الله جسم هو هشام بن الحكم) (3).

وقبل ذلك يذكر الأشعري في مقالات الإسلاميين أن أوائل الشيعة كانوا مجسمة، ثم بين مذاهبهم في التجسيم، ونقل بعض أقوالهم في ذلك، إلا أنه يقول بأنه قد عدل عنه قوم من متأخريهم إلى التعطيل (4).

وهذا يدل على أن اتجاه الإثني عشرية إلى التعطيل قد وقع في فترة مبكرة، وسيأتي ما قيل في تحديد ذلك (5).

وقد نقل أصحاب الفرق كلمات مغرقة في التشبيه والتجسيم منسوبة إلى هشام بن الحكم وأتباعه تقشعر من سماعها جلود المؤمنين. يقول عبد القاهر البغدادي: زعم هشام بن الحكم أن معبوده جسم ذو حد ونهاية وأنه طويل عريض عميق وأن طوله مثل عرضه... (6).

ويقول: إن هشام بن سالم الجواليقي مفرط في التجسيم والتشبيه لأنه زعم أن معبوده على صورة الإنسان... وأنه ذو حواس خمس كحواس الإنسان (7).

وكذلك ذكر أن يونس بن عبدالرحمن القمي مفرط أيضا في باب التشبيه، وساق بعض أقواله في ذلك (8). وقال ابن حزم (قال هشام إن ربه سبعة أشبار بشبر نفسه) (9). انتهى.

وقال في هامشه: (1) اعتقادات فرق المسلمين والمشركين ص 97. (2) أنظر محسن الأمين / أعيان الشيعة: 1/106. (3) منهاج السنة: 1/20. (4) أنظر: مقالات الإسلاميين: 1/106 - 109. (5) في المبحث الثاني. (6) الفرق بين الفرق ص 65. (7) المصدر السابق: ص 68 69. (8) السابق ص 70. (9) الفصل: 5/40.

سبحان الله، لقد وعد المؤلف أن ينقل آراء الشيعة من مصادرهم، ولم يذكر في مصادره إلا أعيان الشيعة وقد رجعنا إلى المكان الذي ذكره فلم نجد

فيه شاهداً على كلامه! لقد صار معنى نقل آراء الشيعة من مصادرهم أن ينقلها من مصادر خصومهم المتحاملين عليهم، فما حدا مما بدا..؟!

أين مصادر الشيعة المعتمدة التي تنادي كلها بالتنزيه وتدين التشبيه، ومنها المصادر التي بين يدي المؤلف، وقد أدرج أسماءها في آخر كتابه.. وفيها على الأقل مئة باب ومسألة تنفي التشبيه والتجسيم بالآيات والأحاديث والبحوث الكلامية؟ فهل صدف نظر الدكتور عنها جميعاً؟!

أين أصول الكافي التي قال إنه قرأه وهو مجلدان، وفي المجلد الأول منهما كتاب التوحيد وأبوابه كما يلي:

كتاب التوحيد

باب حدوث العالم وإثبات المحدث

باب إطلاق القول بأنه شئ

باب أنه لا يعرف إلا به

باب أدنى المعرفة

باب المعبود

باب الكون والمكان

باب النسبة

باب النهي عن الكلام في الكيفية

باب في إبطال الرؤية

باب النهي عن الصفة بغير ما وصف به نفسه تعالى

باب النهي عن الجسم والصورة

باب صفات الذات

باب آخر وهو من الباب الأول

باب الإرادة أنها من صفات الفعل وسائر صفات الفعل

باب حدوث الأسماء

باب معاني الأسماء واشتقاقها

باب آخر... الفرق ما بين المعاني التي تحت أسماء الله وأسماء المخلوقين

باب تأويل الصمد

باب الحركة والإنتقال

باب العرش والكرسي

باب الروح

باب جوامع التوحيد

باب النوادر. انتهى.

 

لقد رأى الدكتور كل ذلك! فقد كشف في الصفحات اللاحقة عن (سره) واعترف بأنه أغمض عينيه عمداً عن مصادر الشيعة لأن خصومهم أخبر منهم بعقائدهم وأصدق منهم!! قال في ص 531:

(وقد يقال إن ما سلف من أقوال عن هشام وأتباعه هي من نقل خصوم الشيعة فلا يكون حجة عليهم. ومع أن تلك النقول عن أولئك الضلال قد استفاضت من أصحاب المقالات على اختلاف اتجاهاتهم، وهم أصدق من الرافضة مقالاً وأوثق نقلاً، وهي تثبت أن الرافضة هم الأصل في إدخال هذه البدعة على المسلمين، لكن القول بأن نسبة التجسيم إليهم قد جاءت من الخصوم ولا شاهد عليها من كتب الشيعة قد يتوسمه من يقرأ إنكار المنكرين لذلك من الشيعة، وإلا فالواقع خلاف ذلك). انتهى.

ولم يبين لنا الدكتور الباحث أي واقع يقصده؟ هل هو واقع مصادرهم التي أغمض عينيه عنها، أم واقع الشيعة الذين هم حوله، ويمكنه أن يرفع التلفون ويتصل بعشرين من علمائهم وخمسين من عوامهم، من داخل المملكة السعودية وخارجها، من أي بلد إسلامي وأي قومية أراد؟!

وهكذا طار وعد الدكتور بنقل آراء الشيعة من مصادرهم، لأن معناه الواقعي عنده: نقل التهم الموجهة إليهم من خصومهم والحكم عليهم بها!

حسناً، لنا الله.. فلنطوِ هذه الصفحة، ولننظر إلى موضوعية دكتورنا في البحث والإستدلال التي يؤكد عليها فيقول في ج 1 ص 14: (وحاولت جهد الطاقة أن أكون موضوعياً ضمن الإطار الذي يتطلبه موضوع له صلة وثيقة بالعقيدة كموضوعي هذا...). ويقول في ج 1 ص 57: (فالمنهج العلمي والموضوعية توصي بأخذ آراء أصحاب الشأن فيما يخصهم أولاً). انتهى.

ونكتفي بذكر نموذج لموضوعية هذ الدكتور حيث يقول في ج 2 ص 535: (المبحث الثاني: التعطيل عندهم. بعد هذا الغلو في الإثبات بدأ تغير المذهب في أواخر المائة الثالثة حيث تأثر بمذهب المعتزلة في تعطيل الباري سبحانه من صفاته الثابتة له في الكتاب والسنة، وكثر الإتجاه إلى التعطيل عندهم في المائة الرابعة لما صنف لهم المفيد وأتباعه كالموسوي الملقب بالشريف المرتضى، وأبي جعفر الطوسي، واعتمدوا في ذلك على كتب المعتزلة (1). وكثيرا مما كتبوه في ذلك منقول عن المعتزلة نقل المسطرة، وكذلك ما يذكرونه في تفسير القرآن في آيات الصفات والقدر ونحو ذلك هو منقول من تفاسير المعتزلة (2). ولهذا لا يكاد القارئ لكتب متأخري الشيعة يلمس بينها وبين كتب المعتزلة في باب الأسماء والصفات فرقاً، فالعقل كما يزعمون هو عمدتهم فيها ذهبوا إليه والمسائل التي يقررها المعتزلة في هذا الباب أخذ بها شيوخ الشيعة المتأخرون كمسألة خلق القرآن، ونفي رؤية المؤمنين لربهم في الآخرة، وإنكار الصفات. بل إن الشبهات التي يثيرها المعتزلة في هذا، هي الشبهات التي يثيرها شيوخ الشيعة المتأخرون.) انتهى.

وقال في هامشه: (1) منهاج السنة: 1/229. (2) المصدر السابق: 1/356.

وقال في ج 3 ص 537:

(كما وصفت مجموعة من رواياتهم رب العالمين بالصفات السلبية التي ضمنوها نفي الصفات الثابتة له سبحانه، فقد روى ابن بابويه أكثر من سبعين رواية تقول إنه تعالى (لا يوصف بزمان ولا مكان، ولا كيفية، ولا حركة، ولا انتقال، ولا بشيء من صفات الأجسام، وليس حساًّ ولا جسمانياً ولا صورة... (1). وشيوخهم ساروا على هذا النهج الضال من تعطيل الصفات الواردة في الكتاب والسنة ووصفه سبحانه بالسلوب). انتهى. وقال في هامشه: (1) التوحيد لابن بابويه ص 57.

وقال في ج 3 ص 536: (هذا والثابت عن علي رضي الله عنه وأئمة أهل البيت إثبات الصفات لله.. والنقل بذلك ثابت مستفيض في كتب أهل العلم. منهاج السنة: 2/44. انتهى. وهكذا أصدر الدكتور حكمه على الشيعة بأنهم كانوا مجسمة إلى حوالي القرن الرابع فصاروا معطلة ضالين لأنهم لا يصفون الله تعالى (بشئ من صفات الأجسام)!

ثم أصدر حكمه على الأئمة من أهل البيت (عليهم السلام)، بأن مذهبهم موافق لمذهب الوهابيين في حمل الصفات على ظاهرها اللغوي الحسي ووصف الله تعالى بصفات الأجسام! وقد رأيت فيما تقدم أنه استدل على أن الشيعة مجسمة بأقوال خصوم الشيعة لأنهم بزعمه أصدق منهم! فبماذا استدل هنا على أن الشيعة معطلة؟! استدل بذكر أسماء علمائهم المتهمين ولم يذكر شيئاً من أقوالهم! فقد قال (وكثر الإتجاه إلى التعطيل عندهم في المائة الرابعة لما صنف لهم المفيد وأتباعه كالموسوي الملقب بالشريف المرتضى، وأبي جعفر الطوسي، واعتمدوا في ذلك على كتب المعتزلة). انتهى.

بالله عليك أيها الدكتور القفاري هل يمكننا الإستدلال على تهمة بسرد أسماء المتهمين؟ وهل يقبل ذلك منا الأساتذة المحترمون في حرم جامعي، بل هل يقبله بسطاء الناس من سكان البوادي والقفار؟! أما كان الواجب أن تنقل شيئاً من أقوال هؤلاء المتهمين ليرى القارئ تعطيلهم أو تجسيمهم، ولا يقول عنك إنك أصدرت حكماً بدون دليل وقفزت عن حيثياته وأبقيتها سراً مستسراً في قلبك؟!

ثم إن الشيخ المفيد أيها الدكتور توفي سنة 413 هـ وتلميذه الشريف المرتضى توفي سنة 436، وتلميذه الطوسي توفي سنة 460.. وإذا كان هؤلاء معطلة فكان اللازم أن يكون التعطيل بدأ عند الشيعة في المئة الخامسة لا الرابعة!

ثم إنك اعترفت أنك رأيت أحاديث الشيعة عن النبي وآله (صلى الله عليه وآله) في كتاب التوحيد للشيخ الصدوق فقلت: (روى ابن بابويه أكثر من سبعين رواية تقول إنه تعالى لا يوصف بزمان ولا مكان... الخ.) انتهى.

وابن بابويه محمد بن الحسين الصدوق متوفى سنة 281 وبذلك صعد تاريخ التعطيل المدعى عند الشيعة إلى الحديث الشريف عن النبي (صلى الله عليه وآله)! فأين التجسيم الذي ادعيت أن الشيعة كانوا عليه إلى القرن الرابع أو الخامس، حتى ألف لهم المفيد والمرتضى والطوسي كتب التعطيل؟!

لقد حصحص الحق واعترف الدكتور الباحث بأنه رأى كتاب التوحيد للصدوق وأحاديثه الكثيرة عن النبي وآله (صلى الله عليه وآله) في التنزيه، وأن الشيعة لم يكونوا مجسمة ولا معطلة.. إلا عند المجسمة الذين يعدون التنزيه تعطيلاً! ويعدون من لا يصف الله تعالى بصفات الأجسام ضالاً ملحداً!!

إن أبسط حق للقارئ عليك أيها الدكتور أن تذكر له ولو رواية واحدة من هذه السبعين حتى يرى تعطيلهم المزعوم لوجود الله تعالى وإلحادهم به!! خاصة أنك اتهمت الشيعة بأنهم حرفوا كل هذه الروايات السبعين و (ضمنوها نفي الصفات الثابتة له سبحانه) أي لم يفسروا آيات الصفات بالظاهر الحسي كما يفعل الوهابيون؟!

ومن حق القارئ علينا هنا أن نوضح له معنى تهمة التعطيل التي جعلها القفاري والوهابيون عصا يضربون بها وجه من يخالفهم ولا يفسر صفات الله تعالى بالتفسير المادي الوهابي؟!

معناها أنك إذا فسرت (يد الله فوق أيديهم) بأن قدرته فوق قدرتهم، فأنت عندهم متأول معطل ملحد!

ولا تصير مؤمناً حتى تقول إن لله تعالى يداً حقيقية حسية!!

وإذا قلت: أنا لا أعلم معنى يد الله وعين الله وجنب الله في القرآن ولا أفسرها لا بالمعنى الحسي ولابغيره، بل أفوض معناها إلى الله تعالى ورسوله، فأنت أيضاً عندهم مفوض معطل ضال، حتى تفسرها بالمعنى المادي!!

فجميع المتأولين والمفوضين عندهم معطلون، لأنهم بزعمهم جعلوا الله تعالى وجوداً معطلاً عن الصفات والحس والكيف! وهم عندهم ملحدون، لأنهم بزعمهم ألحدوا في صفات الله المادية التي وردت في القرآن!! وبذلك يخرجون كل مذاهب المسلمين عن الإسلام، ولا يبقى مسلم إلا هم والمجسمة!!

وهكذا يرتكب الوهابيون كأجدادهم المجسمة إفراطا نحو المادية في تفسير وجود الله تعالى وصفاته بالحس، ويحكمون بضلال من خالفهم وكفرهم!!

ثم يرتكبون إفراطاً مادياً آخر في تحريمهم التوسل بالنبي (صلى الله عليه وآله) والأولياء وزيارة قبورهم ويعتبرونها شركاً، ويحكمون بضلال من خالفهم في ذلك وكفرهم!

والقاسم المشترك بين الإنحرافين أن أذهانهم مسكونة بالمادية، فهي لا ترى غيرها ولا تؤمن بغيرها.. ورحم الله أصحابهم الماديين الغربيين!!

بقي حكم الدكتور القفاري على أهل البيت (عليهم السلام) بأنهم كانوا مثله تيميين وهابيين، حيث اكتفى بالإستدلال على ذلك بقول ابن تيمية الذي لم يذكر عليه دليلاً! فقد نقل القفاري عن ابن تيمية قوله (والثابت عن علي رضي الله عنه وأئمة أهل البيت إثبات الصفات لله... والنقل بذلك ثابت مستفيض في كتب أهل العلم). وقد كرر ابن تيمية هذا الادعاء في كتبه ولم يأت عليه بدليل!

قال في مجموعة رسائله مجلد 1 جزء 3 ص 115:

(لكن الإمامية تخالف أهل البيت في عامة أصولهم، فليس من أئمة أهل البيت مثل علي بن الحسين وأبي جعفر الباقر وابنه جعفر بن محمد من كان ينكر الرؤية). انتهى.

ومن حق القارئ أن يطلب نموذجاً من هذا النقل المستفيض، الذي ادعاه ابن تيمية، ثم ادعاه به تلميذه الأكاديمي الدكتور القفاري! ولا بد أنه فتش عنه هو وفريقه فلم يجدوا منه حتى رواية واحدة، مع أنه حسب زعم إمامهم ابن تيمية (مستفيض في كتب أهل العلم) ولكنهم أصروا على دعواهم بدون بينة وعلى حكمهم بدون دليل!! وهكذا، طار وعد الدكتور بالموضوعية والأكاديمية، كما طار وعده سابقاً بالإستناد إلى مصادر الشيعة!

حسناً، لنا الله.. فلنطوِ هذه الصفحة ولننظر إلى وعد الدكتور الثالث بأن يكون أميناً فيما ينقل من مصادر الشيعة، حيث قال كما تقدم:

(والموضوعية الصادقة أن تنقل من كتبهم بأمانة، وأن تختار المصادر المعتمدة عندهم، وأن تعدل في الحكم، وأن تحرص على الروايات الموثقة عندهم أو المستفيضة في مصادرهم ما أمكن). انتهى. فلننظر كيف طبق كلامه في مسألة رؤية الله تعالى بالبصر..

قال في ج 2 ص 551:

(لقد ذهبت الشيعة الإمامية بحكم مجاراتهم للمعتزلة إلى نفي الرؤية وجاءت روايات عديدة ذكرها ابن بابويه في كتابه التوحيد وجمع أكثرها صاحب البحار تنفي ما جاءت به النصوص من رؤية المؤمنين لربهم في الآخرة... فنفيهم لرؤية المؤمنين لربهم في الآخرة خروج عن مقتضى النصوص الشرعية، وهو أيضاً خروج عن مذهب أهل البيت، وقد اعترفت بعض رواياتهم بذلك، فقد روى ابن بابويه القمي عن أبي بصير، عن أبي عبد الله قال: قلت له أخبرني عن الله عز وجل هل يراه المؤمنون يوم القيامة؟ قال: نعم (1).

وقال في هامشه: (1) ابن بابويه التوحيد ص 117، بحار الأنوار: 4 44، وانظر: رجال الكشي ص 450 (رقم 848). انتهى.

ويبدو الدكتور هنا أكاديمياً موضوعياً، لأنه يقول وجدت رواية في مصادر الشيعة عن الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) تثبت أنه يعتقد برؤية الله تعالى بالعين يوم القيامة، بينما ينفي الشيعة إمكان الرؤية بالعين في الدنيا والآخرة وينسبون رأيهم إلى أهل البيت (عليهم السلام)! فكيف يدعون أنهم شيعة أهل البيت ويخالفون إمامهم جعفر الصادق؟!

ولكن دكتورنا لم يكن أميناً في نقله من مصادر الشيعة مع الأسف، فقد بتر النص وقطع منه جزءاً ناقصاً ليستدل به على ما يريد! فطارت بذلك (موضوعيته الصادقة) التي يدعيها وصارت (موضوعية) غربية مثلا ً!

وإليك أصل الرواية: قال الصدوق في كتابه (التوحيد) ص 117:

(.. عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال قلت له: أخبرني عن الله عز وجل هل يراه المؤمنون يوم القيامة؟ قال: نعم وقد رأوه قبل يوم القيامة، فقلت متى؟ قال: حين قال لهم: ألست بربكم قالوا بلى، ثم سكت ساعة، ثم قال: وإن المؤمنين ليرونه في الدنيا قبل يوم القيامة، ألست تراه في وقتك هذا؟ قال أبو بصير: فقلت له جعلت فداك فأحدث بهذا عنك؟ فقال: لا، فإنك إذا حدثت به فأنكر منكر جاهل بمعنى ما تقوله ثم قدر أن ذلك تشبيه كفر، وليست الرؤية بالقلب كالرؤية بالعين، تعالى الله عما يصفه المشبهون والملحدون.). انتهى.

فالرواية الشريفة تثبت الرؤية بالبصيرة والعقل، وتبين أنها حاصلة قبل الدنيا من يوم أخذ الله ميثاق ذرية آدم على ربوبيته وهي مستمرة في الدنيا، وفي الآخرة تكون أجلى وأوضح. وتنفي ادعاء الرؤية بالعين وتعتبرها تشبيهاً لله تعالى بخلقه وكفراً!! ومع ذلك أقدم الدكتور على قطع السطر الأول منها فقط إلى قوله (نعم) وحذف السطور التي بعده، لينسب بذلك رؤية الله تعالى بالعين إلى الإمام جعفر الصادق (عليه السلام)!!

لقد ارتكب هذا الدكتور ما لا يناسب مسلماً بقالاً، فضلاً عن دكتور من الدرجة الأولى في جامعة الإمام محمد بن سعود! وبعمله هذا طار الشرف الذي منحته الجامعة لرسالته فقالت (وقد أجيزت هذه الرسالة بمرتبة الشرف

الأولى، مع التوصية بطبعها وتبادلها بين الجامعات) ولو كنت رئيس كليته وارتكب عندي مثل هذه الخيانة العلمية لسحبت منه درجته ومنعت تعميم رسالته، ثم اعتذرت من الذين أساء إليهم وغرهم بشهادته.. حتى لا تسقط الجامعة عن الإعتبار العلمي.. ولكن أساتذة القفاري لا يفعلون لأن الأمر ليس بيدهم، بل قد تزداد مكانة القفاري عند شيوخه لأنه أجاد سب الشيعة وشتمهم، وألبس ذلك ثوباً جامعياً والحمد لله!

كنت أتصور عندما تصفحت كتاب القفاري لأول مرة أنه يستحق الإهتمام لأنه كتاب علمي، لكن بعد أن وقفت على هذه الفضيحة قررت أن لا أتعب نفسي بتدقيق بقية ما نقله من مصادرنا؟ لأن كذبة واحدة في كتاب تكفي شرعاً لإسقاطه عن الإعتبار.

نعم بقيت مسألتان من كتاب القفاري تتعلقان بموضوعنا بنحو وآخر:

المسألة الأولى: اتهامه إيانا بأنا أخذنا عقائدنا من اليهود والمجوس والوثنيات أو تأثرنا بها.. قال في ج 1 ص 87 تحت عنوان:

(المذهب الشيعي مباءة للعقائد الآسيوية القديمة: ويضيف البعض أن مذهب الشيعة كان مباءة ومستقراً للعقائد الآسيوية القديمة كالبوذية وغيرها. يقول الأستاذ أحمد أمين: وتحت التشيع ظهر القول بتناسخ الأرواح وتجسيم الله والحلول، ونحو ذلك من الأقوال التي كانت معروفة عند البراهمة والفلاسفة والمجوس قبل الإسلام. ويشير بعض المستشرقين إلى تسرب الكثير من العقائد غير الإسلامية إلى الشيعة ويقول إن تلك العقائد انتقلت إليها من المجوسية والمانوية والبوذية، وغيرها من الديانات التي كانت سائدة في آسيا قبل ظهور الإسلام). انتهى.

ونلاحظ أن دكتورنا صار هنا عصرياً علمانياً، فقد اعتمد في اتهامه الشيعة على أحمد أمين المصري العلماني وعلى المستشرقين الموضوعيين! لأنهم ضد الشيعة!! وقد قلد القفاري في ترديد مقولات العلمانيين والغربيين عن الشيعة وهابي آخر فكتب كتاباً باسم (عون المعبود في إثبات أن الشيعة كاليهود)!

وجوابنا لهما: أن أحاديث كعب الأحبار وجماعته ما زالت ضاربة أطنابها ومستوطنة في مصادركم، لا في مصادرنا! وما زالت تطبع بأحسن الطبعات وتدرس في المعاهد والجامعات!! وأن كعباً وجماعته كانوا يسكنون في دور الخلافة لا في بيوت أهل البيت (عليهم السلام)! وقد تقدم شئ من ذلك في هذا الكتاب كما وثقناه في (العقائد الإسلامية) المجلد الثاني في بحث الرؤية، وفي كتاب (تدوين القرآن).

أما عن تأثر الشيعة بالمجوسية والعقائد الآسيوية، فإن المجوس صاروا سنيين أولاً، وألفوا للسنيين أهم مصادرهم وصحاحهم وعقائدهم وفقههم، بل أسسوا لهم مذاهبهم ونظروا لها، وبعد قرون طويلة صار أبناؤهم شيعة وساهموا في تأليف مصادرنا!!

فإن كان المسلمين الفرس متأثرين بعقائدهم المجوسية والآسيوية فقد نقلوها معهم إلى التسنن الذي صاروا أئمة مذاهبه وأئمة مصادره الى يومنا هذا!

وعندما صار أبناؤهم شيعة فالذي يمكن أن ينقلوه معهم إلى التشيع هو تأثرهم بالتسنن لا بالمجوسية، إلا أن يكون ضمن هذا التسنن تأثراتهم السابقة بالمجوسية!

كأن هذا الدكتور لا يعرف أن التشيع لا يضاهيه مذهب بعروبته! وأن مؤسسي مذهبه الذي يناقشنا به، ومؤلفي مصادره التي يحاجنا بها عجم من

قرونهم إلى أقدامهم.. إن تسعين بالمئة من أئمته أصحاب المصادر السنية هم من الفرس، (والأئمة) الذين يحتج بهم الوهابيون من مجسمة الحنابلة وواصفي الله تعالى بصفات الأجسام هم من اليهود أو الفرس؟!

وكأن هذا الدكتور لا يعرف أن عدداً من الذين يسبهم من علماء الشيعة الفرس هم أولاد أئمته الذين يقدسهم.. فالعلامة المجلسي الشيعي صاحب موسوعة (بحار الأنوار) المتوفى سنة 1111 هجرية هو من أولاد الحافظ أبي نعيم الإصفهاني السني المتوفى سنة 435 هجرية!

وأن ابن جزي، وابن خزيمة، والجويني، ومسلماً، والنسائي، والترمذي، وابن ماجة، وأبا داود، والحاكم، وأبا حنيفة، وعشرات الفرس بل مئاتهم، إنما صار أبناؤهم شيعة بعد قرون طويلة، وصار منهم علماء من علماء الشيعة!

فمن أولى بتهمة التأثر بالعقائد المجوسية والآسيوية أيها الدكتور الباحث، الأجداد السنيون وثقافتهم، أم الأبناء الشيعيون؟!

على أن الباحث العاقل المتزن لا يرسل أحكامه جزافاً، لأنه لا بد له أن يفحص الأفكار والعقائد واحدة واحدة، ويرى ما تملكه من دليل من كتاب الله تعالى وسنة نبيه (صلى الله عليه وآله)، ودلالة العقل القطعية، فإن تم دليلها فلا يهمه أن يكون لها شبيه عند هؤلاء القوم أو أولئك، وفي هذا الدين أو ذاك، ولا يهمه أن يقبلها كل الناس أو يرفضوها ويهرجوا على من يتبناها... ورحم الله شاعرنا القائل:

نحن أتباع الدليل أينما مال نميل

والمسألة الثانية مع الدكتور القفاري: في معنى المصادر المعتمدة عندنا:

فالظاهر أن إخواننا الجامعيين ومنهم القفاري لم يعرفوا أن مفهومنا عن المصادر المعتمدة هو من مفاخر المذهب الشيعي في تبني حرية البحث العلمي.

قال القفاري في ج 1 ص 368:

(قال جعفر النجفي (ت 1227 هـ) شيخ الشيعة الإمامية ورئيس المذهب في زمنه، قال في كتابه كشف الغطاء عن مؤلفي الكتب الأربعة: والمحمدون الثلاثة كيف يعول في تحصيل العلم عليهم، وبعضهم يكذب رواية بعض.. ورواياتهم بعضها يضاد بعضها.. ثم إن كتبهم قد اشتملت على أخبار يقطع بكذبها كأخبار التجسيم والتشبيه وقدم العالم، وثبوت المكان والزمان.

ولكن أصحاب الكتب الأربعة نصوا في مقدماتهم بأنهم لا يذكرون إلا الصحيح، فيجيب صاحب كشف الغطاء عن ذلك بقوله: فلا بد من تخصيص ما ذكر في المقدمات أو تأويله على ضرب من المجازات أو الحمل على العدول عما فات حيث ذكروا في تضاعيف كتبهم خلاف ما ذكروه في أوائلها، أي أنهم عدلوا عن شرط الصحة الذي ذكروه في مقدمات كتبهم!

ثم يأتي الاعتراض الأكثر صعوبة وهو أن هذه الكتب الأربعة مأخوذة كما يقولون من أصول معروضة على الأئمة، وأصول الكافي كتب في عصر الغيبة الصغرى، وكان بالإمكان الوصول إلى حكم الإمام على أحاديثه، بل قالوا بأنه عرض على مهديهم فقال بأنه كاف لشيعتنا، كما أن صاحب من لا يحضره الفقيه أدرك من الغيبة الصغرى نيفا وعشرين سنة). انتهى.

ينبغي أن يعرف هؤلاء الأخوة أن معنى المصادر المعتمدة عندنا يختلف عن معناه عند إخواننا السنة، فروايات مصادرنا المعتمدة وفتاواها جميعاً عندنا قابلة للبحث العلمي والإجتهاد.

وأن المصدر (ما عدا كتاب الله تعالى) ليس قطعة واحدة إما أن نقبله كله أو نتركه كله، بل كل رواية فيه أو رأي أو فتوى، لها شخصيتها العلمية المستقلة.

أما السنيون فيرون أن مصادرهم المعتمدة فوق البحث العلمي، فصحيح البخاري برأيهم كتاب معصوم من الجلد إلى الجلد، بل هو عندهم أصح كتاب بعد كتاب الله تعالى، ورواياته قطعة واحدة، فإما أن تأخذها وتؤمن بها كلها، أو تتركها كلها! فبمجرد أن تحكم بضعف رواية واحدة من البخاري فإنك ضعفته كله... وصرت مخالفاً للبخاري ولأهل السنة والجماعة!

وينتج عن ذلك أن الباحث الشيعي يمكن أن يبحث جدياً في رواية من كتاب الكافي وغيره من المصادر المعتبرة عند الشيعة، ويتوصل إلى التوقف في سندها أو تضعيفه، فلا يفتي بها، ولا يضر ذلك بإيمانه وتشيعه.

بينما السني محرم عليه ذلك، وإن فعل فقد تصدر فيه فتاوى الخروج عن المذاهب السنية، وقد يتهم بالرفض ومعاداة الصحابة!

ولا بد أن يعرف الدكتور القفاري وأمثاله أن شهادة مؤلف الكتاب الحديثي بصحة كتابه، إنما هي اجتهاده الشخصي وهي حجة عليه وعلى مقلديه فقط.

ويبقى من حق المجتهد الآخر أن يبحث ويصحح ما صححه مؤلف أو يضعفه.

وقد يتأثر بالمؤلف وتصحيحاته أو تضعيفاته وقد لا يتأثر، والحجة الشرعية في النهاية بينه وبين الله تعالى هي اجتهاده، وليس اجتهاد صاحب الصحيح.

وليت القفاري التفت إلى الكلام العلمي الذي نقله عن المرحوم الشيخ جعفر الجناحي (كاشف الغطاء) عندما قال (والمحمدون الثلاثة كيف يعول في تحصيل العلم عليهم، وبعضهم يكذب رواية بعض.. ورواياتهم بعضها يضاد بعضها..).

فالشيخ الجناحي يقول لا يمكن للمجتهد أن يقلدهم ويقول حصل لي العلم بصحة الحديث من شهادة الكليني أو الصدوق أو الطوسي، لأن كلا منهم اجتهد فصحح أو ضعف، وبقي على المجتهد أن يجتهد في علم الفقه وفي الحديث والجرح والتعديل، ويصحح أو يضعف..

ونفس هذا الكلام يجب أن يقوله إخواننا السنة في صحاحهم ومصادر حديثهم، فقد اجتهد أصحابها وشهدوا بصحتها، والباحث فيها لا يحصل له العلم بصدور الحديث عن النبي (صلى الله عليه وآله) من شهادة البخاري مثلاً، لأن فيه أحاديث متعارضة متضادة لا يمكن الجمع بينها لأن بعضها يكذب بعضاً، فلا بد للمجتهد أن يبحث بنفسه ويصحح أو يضعف.. والعوام في كل عصر يقلدون في تصحيح الأحاديث وتضعيفها علماء ذلك العصر من المجتهدين أهل الخبرة.. هذا هو الوضع الطبيعي لأتباع كل دين، وهذا هو المنهج العلمي السليم الذي يقره العقل والمنطق.. أما القول بأنه يجب على الأمة أن تقفل على نفسها باب الإجتهاد في تصحيح أحاديث نبيها إلى يوم القيامة، وتقلد مؤلفي ستة كتب أو خمسين كتاباً، فهو بدعة عباسية ومرسوم من مراسيمهم، لكن إخواننا ما زالوا يتمسكون به خوفاً على تجسيمهم وإسرائيلياتهم من فتح باب البحث العلمي والإجتهاد!

وإذا فتحوه أوجبوا تقلد الشيخ ناصر الألباني وحده لأنه وهابي!

إنهم أحرار إذا أرادوا الجمود على هذه الكتب أو تلك، ولكن نرجوهم أن لا يتصورا أصحاب الرأي الآخر بدوا لا يفهمون، ولا يتخيلوا أن الحرية العلمية التي يتبناها علماء الشيعة منقصة ومسبة، ودليل على بطلان مصادرهم وأحاديثهم، كما فعل هذا القفاري لعدم تأمله في معنى كلمات المجتهدين المتخصصين!!

أما اعتراضه الذي سماه (الإعتراض الأكثر صعوبة) لماذا دونت الكتب الأربعة عند الشيعة عن أصول رويت عن الأئمة ولم تدون عن الأئمة مباشرة؟ فهو يدل على قلة خبرته بتاريخ الحديث وتدوينه، فإن هذا الإشكال يتوجه إلى تدوين الصحاح الستة وغيرها من مصادر إخواننا، لأن أئمتهم منعوا تدوين الحديث أكثر من قرن من الزمان، ثم دونوا كتبهم من محفوظات الرواة المرضيين عند الدولة!

أما نحن فإن أئمتنا من أهل البيت (عليهم السلام) كانوا حاضرين بيننا إلى سنة 260 هجرية حيث غاب الإمام المهدي (عليه السلام)، فكانوا هم حجج الله على المسلمين بنص النبي (صلى الله عليه وآله) وكان الشيعة يرجعون إليهم في تصحيح الأحاديث وتلقي معالم دينهم، وكان الرواة والعلماء يكتبون عنهم من زمن علي (عليه السلام) إلى القرن الثالث، وبعد هذا التاريخ قام عدد من العلماء بجمع الأصول المكتوبة عنهم في موسوعات..

فكتبنا الأربعة وغيرها مأخوذة باليد عن أصحاب الأئمة(عليهم السلام)، وسند أئمتنا إلى جدهم صلى الله عليه وعليهم هو المسمى بسلسلة الذهب،

المقدسة عند جميع المسلمين، والتي قال عنها الإمام أحمد بن حنبل: (لو قرئ هذا الإسناد على مجنون لأفاق من جنونه). قال في هامش مسند زيد بن علي ص 440:

(أورد صاحب كتاب تاريخ نيسابور أن علياًّ الرضا بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق لما دخل نيسابور كان في قبة مستورة على بغلة شهباء وقد شق بها السوق، فعرض له الإمامان الحافظان أبو زرعة وأبو مسلم الطوسي ومعهما من أهل العلم والحديث ما لا يحصى فقالا: يا أيها السيد الجليل ابن السادة الأئمة، بحق آبائك الأطهرين وأسلافك الأكرمين إلا ما أريتنا وجهك الميمون ورويت لنا حديثاً عن آبائك عن جدك أن نذكرك به.

فاستوقف غلمانه وأمر بكشف المظلة وأقر عيون الخلايق برؤية طلعته، وإذا له ذؤابتان معلقتان على عاتقه والناس قيام على طبقاتهم ينظرون ما بين باك وصارخ، ومتمرغ في التراب، ومقبل حافر بغلته وعلا الضجيج، فصاحت الأئمة الأعلام: معاشر الناس، أنصتوا واسمعوا ما ينفعكم ولا تؤذونا بصراخكم، وكان المستملي أبا زرعة ومحمد بن أسلم الطوسي، فقال علي الرضا رضي الله عنه: حدثني أبي موسى الكاظم عن أبيه جعفر الصادق عن أبيه محمد الباقر عن أبيه زين العابدين عن أبيه شهيد كربلا عن أبيه علي المرتضى قال حدثني حبيبي وقرة عيني رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال حدثني جبريل (عليه السلام) قال حدثني رب العزة سبحانه وتعالى قال: لا إله إلا الله حصني، فمن قالها دخل حصني، ومن دخل حصني أمن من عذابي.

ثم أرخى الستر على المظلة وسار، قال فعد أهل المحابر وأهل الدواوين الذين كانوا يكتبون فأنافوا على عشرين ألفاً.

قال الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه: لو قرئ هذا الإسناد على مجنون لأفاق من جنونه).!

 

مأخذ: الوهابیة و التوحید، الشیخ علی الکورانی العاملی.

قراءة 2808 مرة