
emamian
فوائد صلاة الجماعة
الشيخ عبدالله اليوسف
◄لصلاة الجماعة فوائد كثيرة سواء على الصعيد الشخصي أم على الصعيد الاجتماعي، فهي رمز للوحدة الاجتماعية، والتماسك الأخوي بين المؤمنين، وتنمية التواصل بين الناس.
وقد حثّ القرآن الكريم على صلاة الجماعة في قوله تعالى: ﴿وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ﴾ (البقرة/ 43) حيث تدعو هذه الآية الشريفة لصلاة الجماعة ﴿وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ﴾ أي صلوا مع المصلين في المسجد جماعة.
وقد أشار الإمام الحسن المجتبى (ع) إلى فوائد صلاة الجماعة بقوله: «مَن أدام الاختلاف إلى المسجد أصاب إحدى ثمان: آية محكمة، وأخاً مستفاداً، وعلماً مستطرفاً، ورحمة منتظرة، وكلمة تدلّه على الهدى أو تردّه عن ردى، وترك الذنوب حياءً أو خشيةً».
وفي هذا الحديث بيان لفوائد الذهاب إلى المسجد، وحضور صلاة الجماعة فيه، ومن الفوائد التي أشار إليها الإمام الحسن (ع): معرفة الأحكام الشرعية، اكتساب علم ومعرفة، الاستزادة من الأصدقاء والمعارف، التواصل مع الناس، نزول الرحمة، استماع موعظة أو حكمة أو كلمة مفيدة، وترك الذنوب والمعاصي وغيرها من الفوائد الجمّة والثمار اليانعة.
وبعد هذا الإجمال عن فوائد صلاة الجماعة نفصّل الحديث حول بعضها في النقاط التالية:
1- الحصول على الثواب والأجر الجزيل:
ورد في فضل صلاة الجماعة الكثير من الأخبار والروايات الحاثة على الحضور فيها، وحصول المشارك في صلاة الجماعة على الثواب والأجر الجزيل، فقد ورد عن الرسول الأعظم (ص) قوله: «صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفرد بخمس وعشرين درجة». وعنه (ص) قال: «إنّ الله يستحيي من عبده إذا صلّى في جماعة ثمّ سأله حاجته أن ينصرف حتى يقضيها». وقال الإمام الصادق (ع): «الصلاةُ في جماعة تَفضُلُ على كلِّ صلاةِ الفردِ بأربعةٍ وعشرين درجةً؛ تكونُ خمسةً وعشرين صلاةً»، وقال لقمان (ع) - لابنِهِ وهو يَعِظُهُ -: «صَلِّ في جماعةٍ ولو على رأسِ زُجٍّ»!.
ومن جهة أُخرى نهت النصوص الدينية عن ترك صلاة الجماعة من غير علة، فقد رُوِي عن الإمام الباقر (ع) أنّه قال: «مَن ترك الجماعة رغبة عنها وعن جماعة المسلمين من غير علة فلا صلاة له»، وقال الإمام الصادق (ع): «مَن لم يُصَلِّ في جماعةٍ فلا صلاةَ له بين المسلمين؛ لأنّ رسولَ اللهِ (ص) قال: لا صلاةَ لِمَن لم يُصَلِّ في المسجدِ مع المسلمين إلّا من عِلَّةٍ».
وصلاة الجماعة من المستحبّات المؤكَّدة، وكلّما زاد عدد المصلين كان الأجر والثواب أكثر وأزيد، وقال الشيخ زين الدِّين في (شرح اللمعة): «الجماعة مستحبّة في الفريضة، متأكدة في اليومية حتى أنّ الصلاة الواحدة منها تعدل خمساً أو سبعاً وعشرين صلاة مع غير العالم، ومعه ألفاً، ولو وقعت في مسجد تضاعف بمضروب عدده في عددها، ففي الجامع مع غير العالم ألفان وسبعمائة ومعه مائة ألف».
2- تقوية الالتزام بالدِّين:
صلاة الجماعة مظهر من مظاهر التماسك الاجتماعي، ومؤشر على وجود الروح الجماعية عند أفراد المجتمع، وهذا ما يؤدِّي بدوره إلى تعاظم الحالة الدينية، وتقوية الالتزام الديني بين الناس، وهو ما يخلق بيئة اجتماعية صالحة ومؤثِّرة على المحيط الاجتماعي، وكلّما زادت مساحة البيئة الاجتماعية الصالحة ساهم ذلك في تنمية الالتزام بقيم وتعاليم الدِّين وأخلاقه.
3- تنمية الجانب الروحي:
لصلاة الجماعة أثر فاعل في تنمية الجانب الروحي عند الإنسان، فالتفاعل الجماعي مع الصلاة، وتلاوة القرآن الكريم في المسجد، وقراءة الأدعية المأثورة، والتعوّد على ارتياد المساجد... كلّ ذلك يُسهم في إنماء البعد الروحي عند الإنسان.
4- الاستزادة من المعارف الدينية:
المسجد مكان لتلقّي المعارف والأفكار والعلوم الإسلامية، فعادة ما يلقي إمام الجماعة إمّا يومياً أو في بعض أيّام الأسبوع، وخصوصاً يوم الجمعة محاضرة دينية تحتوي على التوجيه والإرشاد، وبيان أحكام الدِّين ومفاهيمه، وهو الأمر الذي ينعكس على ثقافة المصلين ووعيهم بمفاهيم الدِّين وأحكامه.
5- تعميق العلاقات وكسب أصدقاء:
تعميق العلاقات بين الأفراد، وكسب أصدقاء جُدد فائدة أُخرى من فوائد صلاة الجماعة، فالإنسان الذي يداوم على حضور صلاة الجماعة يقوّي علاقته الشخصية بإمام الجماعة وببقية المأمومين، كما يساعد ذلك على كسب صداقات جديدة، إذ من الطبيعي أن تتكرس علاقات شخصية متينة بين أشخاص يرون بعضهم بعضاً يومياً في المسجد أكثر من مرّة.
6- التعوّد على احترام الوقت:
تساعد صلاة الجماعة على تعوّد الإنسان على احترام الوقت، ذلك أنّ للصلاة أوقاتاً محدّدة، فالإنسان الذي يحرص يومياً على حضور صلاة الجماعة في المسجد عليه أن يراعي الأوقات، ويحضر في بداية وقت الصلاة حتى لا تفوته الجماعة، وهو الأمر الذي ينعكس إيجاباً على شخصية الإنسان، ويكون ذلك بمثابة برنامج عملي للتدرّب والتعوّد على احترام الوقت وتنظيمه.
وأخيراً فإنّه من التوفيق للإنسان المؤمن حضور صلاة الجماعة والمواظبة عليها وخصوصاً في يوم الجمعة فلا تحرم نفسك منها، ومن بركاتها وآثارها وثوابها وفضلها وخيرها، وإياك والتغيُّب عن حضورها تحت أي عذر وهمي أو وسوسة شيطان أو تثبيط مثبط عنها!►
الأمنُ اللسانيّ
- 1- اللسان - في دلالته اللغوية الواسعة - ليس البَضعة، أو العضلة اللحمية المستطيلة التي تدورُ في الفم وحسب، وإن كان يُمثِّل آلة النطق الشهيرة.
(اللسانُ) هو كلُّ أداةٍ تعبيرية عن مكنون شفهي لفظي (اللفظ: الإخراج، والإلقاء، والقذف)، أو كتابي (تحريري)، أو إشاري (رمزي)، فإشارات اليد لسان يتكلَّم، والقلم الذي يجري على الورق لسان يتحدَّث، ومؤشِّر الفأرة المرفق بلوحة مفاتيح الحاسوب لسانٌ ينطق، بل اللمسات والنقرات اليوم تتكلَّم، أكثر من الشفاه.
والصورة الإيحائية لسان، وغمزة الطرف (العين) لسان، والنصُّ (مكتوباً) أم (مسموعاً) أم (مرئياً) أم (جامعاً) لسان له تعبيراته المتعدِّدة ووسائله البليغة.
و(الرسالةُ) لسان، و(الرسولُ) لسان، والتصويت (تأييداً) و(رفضاً) أو (معارضةَ) و(مقاطعةَ) لسان.. وبالجملة، يمكن القول بأنّ اللسان واحد ومصاديقه كثيرةٌ متعدِّدة، وأنّ كلَّ ما تقدَّم لسان يقول ويتقوَّل، وإن لم ينطق أو يلفظ قولاً.
2- اللسانُ هو (اللغة) التعبيرية، وآليات التعبير والإيحاء والرموز اليوم متزايدة متكاثرة، ومَن يظنّ أنّ (غمزَه) و(لَمزه) تعييبه، و(إشاراته) الصورية (الفيس بوكيّة) أم تعبيرات وجهه ويديه، وحركات جسده، أم خربشات ووخزات قلمه، أم ازدراء ريشته وتهكُّمات رسوماته، ليست قولاً، ولا لساناً، ولا لغةً، فقد أخطأ معنى اللسان، وتساهل مع مُراد (عليه رقيب عتيد)، أي حاضر دائماً لتسجيل كلّ صغيرة وكبيرة، قولية أو تعبيرية.
3- من هنا نفهم دلالة التعريف الذي يُقدِّم هويّة الإنسان المُسلِم على أنّه: «مَن سلم الناسُ من يده ولسانه»، أي من كلّ أدواته التعبيرية (الجارحة)، وليس من العضو الصغير (الجارح) فقط.
4- وإذا كانت العرب تصنفُ ما يندلع من النار، فتقول (ألسنة اللهب) أو (ألسنة النيران)، فإنّ ألسنة بعض الناس، والعياذ بالله نيرانية، إذا أتت على شيء لا تُبقي ولا تذر، بل تلتهم اليابس والأخضر.. فاللسان وإن لم يكن عَظماً؛ لكنّه يكسر العظام، وهو وإن لم يكن مقصّاً فولاذياً؛ لكنّه يقصّ ويُقطِّع إرباً إربا، وصدق الشاعرُ حيث قال:
جراحاتُ السِّنانِ لها التئامٌ ****** وليس يلتامُ ما جرحَ اللسانُ
5- تأسيساً على ذلك، فإنّ أحد أهم لوازم (الأمن المجتمعي) هو (الأمن اللساني)، بمعنى الأمن والتوقّي من مخارجه ومنتجاته (سخريةَ) كانت، أم (شتائمَ) أم (قذفاً) أم (نميمةً) أم (غيبةً) أم (إشاعةً) أم (بذاءةً) أم (فُحشاً) أم (كذباً وافتراءً)، أم (تشهيراً وتسقيطاً)، أم أي حصاد سيِّئ من حصائد ألسنتنا، وحكيمٌ ذاك الذي يرى أنّ احتجاز اللسان وراء صفين من الأسنان وشفتين، هو لئلّا ينفلت من عقاله ليُحدث كلمة تجرُّ إلى فتنة، وهذه إلى حرب، وأيّة حرب (والحرب أوّلها كلامُ)!
قائد الثورة الإسلامية يؤكد ان العالم على اعتاب نظام جديد وأمريكا باتت أضعف مما كانت عليه قبل عقدين
أكد آية الله السيد علي خامنئي إن الولايات المتحدة أضعف في كل شيء مما كانت عليه قبل 20 عاما مشيراً إلى أن العالم اليوم على أعتاب نظام جديد.
وأشار قائد الثورة الاسلامية خلال استقباله اليوم الثلاثاء جمعا من الطلبة الجامعيين وممثلي الاتحادات الجامعية في مختلف انحاء البلاد في حسينية الإمام الخميني الى أن هناك نظام دولي جديد أمام العالم يقف في مواجهة النظام ثنائي القطب الذي كان موجودا قبل 20 عامًا ونيف.
وأكد آية الله السيد علي الخامنئي أن الولايات المتحدة أصبحت أضعف في السياسة الداخلية والخارجية والاقتصاد والأمن مما كانت عليه قبل 20 عامًا حتى اليوم.
وأكد سماحته في جانب من كلمته خلال الاجتماع أن العمل الكبير الذي قامت به الثورة للجامعات كان عبارة عن إعطاء هوية للجامعة وبالتالي إعطاء هوية للأمة الإيرانية.
وقال قائد الثورة الاسلامية ان الثورة أعطت الشعب إحساسا بالهوية والمثل والشخصية والاستقلال وأفقًا واضحًا. هذه هي الأشياء التي انجزتها الثورة للشعب الايراني .
وأضاف آية الله الخامنئي: "بطبيعة الحال ، عندما تجري في الأمة حركة وطنية للمثالية والهوية الوطنية ، فإن أكثر من يستفيد منها هو الأكاديمي الشاب والجامعي الشاب ، بمشاعره ووعيه وما لديه من نقاء. فالجامعة باتت تشعربهويتها ، وهذا الإحساس بالهوية أدى بالجامعة والجامعيين إلى عدم الشعور بالضعف والدونية تجاه القوى الغربية ؛ بالضبط عكس ما كان عليه قبل الثورة.
وأكد سماحته أن: العالم اليوم بات على وشك نظام دولي جديد.. على عكس النظام الثنائي القطب الذي كان موجودا قبل عشرين عاما، الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي أو الغرب والشرق؛ عل عكس النظام الأحاديالذي أعلنه بوش الأب قبل أكثر من عشرين عاما، بعد هدم جدار برلين وانهيار النظام الاشتراكي والدول الاشتراكية، بوش قال حينها أن العالم اليوم هو عالم النظام العالمي الجديد، النظام الأميركي أحادي القطب.. أي أن الولايات المتحدة تكون على رأس العالم.. وبالطبع هو كان مخطئا.
وأضاف قائد الثورة: "ثم أدرك بوش أنذاك أي قبل عشرين عاماً أن الولايات المتحدة تزداد ضعفاً يوماً بعد يوم عما كانت عليه.. في داخلها، في سياستها الداخلية، في سياستها الخارجية، في اقتصادها، في أمنها في كل شيء.. أصبحت أميركا أضعف منذ عشرين عاما واستمر الضعف حتى يومنا هذا."
وشدد آية الله خامنئي على أن: "الحرب في أوكرانيا ليست مجرد هجوم عسكري على دولة، إنما جذور هذه الحركة عميقة، ويمكن تخمين وجود مستقبل معقد وصعب".
وفي جانب آخر من حديثه اشار سماحته الى يوم القدس العالمي الذي يصادف الجمعة الاخيرة من شهر رمضان، واعتبر يوم القدس العالمي لهذا العام بانه مختلف عما كان عليه في الاعوام الماضية وقال: ان الشعب والشباب الفلسطيني يقدم التضحيات الكبرى وبالمقلبل يمارس الكيان الصهيوني منتهى الدناءة والاجرام ويقوم بكل اعتداء يتمكن القيام به فيما تقدم اميركا واوروبا الدعم له.
ووصف آية الله الخامنئي الشعب الفلسطيني بانه شعب مقتدر رغم مظلوميته واشار الى جهاد وصمود الشباب الفلسطيني الذي لا يسمح بان يلف القضية الفلسطينية النسيان واضاف: ان يوم القدس فرصة مناسبة للاعلان عن التلاحم والتضامن مع الشعب الفلسطيني المظلوم وتعزيز روحه المعنوية.
وانتقد سماحته بشدة اداء الحكومات الاسلامية تجاه القضية الفلسطينية واضاف: للاسف ان الحكومات الاسلامية تتصرف بصورة سيئة جدا وهي غير مستعدة حتى للتحدث حول القضية الفلسطينية ويتصور بعضها بان الطريق لمساعدة فلسطين هو اقرار العلاقات مع الصهاينة في حين ان هذا الامر يعد خطأ كبيرا.
واشار قائد الثورة إلى الخطأ الكبير الذي ارتكبته الحكومة المصرية قبل أربعين عامًا وقيامها بتطبيع العلاقات مع الصهاينة ، وأضاف: "هل ان تطبيع العلاقات بين مصر والكيان الصهيوني قلل من الجرائم الصهيونية بحق الشعب الفلسطيني وقلل من تدنيس المسجد الأقصى حتى تريد بعض الدول الإسلامية الاان تكرار نفس خطأ أنور السادات؟"
وأكد آية الله السيد علي الخامنئي أن تطبيع العلاقات لن تكون مجدية مع الكيان الصهيوني أيضًا ، وقال: "نتمنى بلطف الله أن تكون عاقبة الامر في فلسطين الى الخير والسعادة ، وأن يتمكن الفلسطينيون من استعادة أرضهم والمسجد الأقصى".
شاهد..ردود افعال الأوساط الفلسطينية ازاء أحداث الاقصى
مواجهة ضارية بين الحشود الفلسطينية المرابطة في المسجد الاقصى وقوات الاحتلال الاسرائيلي التي حاولت اقتحام مجددا باحات في الجمعة الثالثة من رمضان.
المواجهات اسفرت عن اصابت عشرات الفلسطينيين بالرصاص المطاطي والحي والقنابل الغازية السامة التي اطلقتها قوات الاحتلال على المرابطين هناك واعتدت على المصلين والمعتكفين في المسجد.
مصادر محلية اكدت ان قوات كبيرة من الاحتلال اقتحمت الأقصى المبارك من جهة باب السلاسلة، فيما اعتلى القناصة الأسطح الملاصقة للمسجد، وأطلقوا الرصاص المطاط مباشرة تجاه المعتكفين.
الهلال الاحمر اعلن سقوط عشرات الاصابات وصف حالة بعضها بالخطرة خلال المواجهات داخل المسجد كاشفا عن اصابة ثلاثة مصورين وأحد المسعفين أثناء قمع قوات الاحتلال للمصلين.
مصادر طبية اكدت ان معظم الاصابات في الرصاص المطاطي، متهما قوات الاحتلال باستهداف الأجزاء العلوية، التي اسفرت عن وقوع الكثير من الاصابات المباشرة بالرأس والعين، إضافة إلى عشرات حالات الاختناق في صفوف المصلين والمعتكفين، جراء استنشاقهم الغاز السام.
مسلسل الاعتقالات خيم على المشهد في باحات المسجد الاقصى وليس اخرها اعتقال قوات الاحتلال شابا مصابا في رصاصها بساحات المواجهة.
وعلى اثر ذلك حمّلت حركة حماس الاحتلال المسؤولية مؤكدة ان المعركة ما زالت مستمرة
وقال رئيس المكتب السياسي للحركة إسماعيل هنية كما أُلحقت الهزيمة بما تسمى 'مسيرة الأعلام' سوف تُهزم سياسة الاقتحام.
وأضاف أن اقتحام المستوطنين للأقصى سيدفع بالحقائق الثابتة وبكل الأبعاد الإستراتيجية للصراع إلى الواجهة.
وبدوره، اكد رئيس الحركة الإسلامية داخل الخط الأخضر الشيخ رائد صلاح أن كل إجراءات الاحتلال واقتحاماته لا تثبت له حقا في الأقصى، مشددا على أن المسجد الأقصى حق فلسطيني لا يقبل المساومة، ولا التقسيم ولا المفاوضات.
رئيس السلطة محمود عباس، حمّل الاحتلال مسؤولية التصعيد محذرا من استمرار التصعيد لانه سيدفع القيادة الفلسطينية إلى سحب الاعتراف بالكيان ووقف كافة أشكال التنسيق معه، وطالب بتوفير حماية دولية للفلسطينيين بموجب اتفاقية جنيف.
ومنذ الجمعة الماضية يشهد المسجد الأقصى اقتحامات واعتداءات واسعة لقوات الاحتلال أدت لإصابة واعتقال مئات المصلين والمعتكفين.
جولة محادثات جديدة بين ايران والسعودية..وآمال متزايدة باستئناف العلاقات
عُقدت الجولة الخامسة من المحادثات بين الجمهورية الاسلامية الايرانية والسعودية مؤخراً في العاصمة العراقية بغداد حيث تم ترسيم رؤية أوضح لإستئناف العلاقات بين البلدين.
وبحسب ما نقلت وكالة "نور نيوز" بأن المسؤولين العراقيين والعمانيين رفيعي المستوى كان لهما دورا مهما في عقد الاجتماعات المشتركة بين ممثلي طهران والرياض.
وبحث الطرفان خلال الجولات الخمس من المحادثات الصريحة، التحديات الرئيسية التي تعترض أمام إستئناف العلاقات بين البلدين.
وحضر الاجتماعات مسؤولون كبار من الأمانة العامة للمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني ورئيس جهاز المخابرات السعودي بصفتهم ممثلين كاملين عن البلدين.
ورغم عدم الكشف عن الأخبار الرسمية حول ما توصّلت له الجولة الأخيرة من المحادثات والاتفاقات المحتملة، إلا أن المعلومات التي تلقاها موقع "نور نيوز" تشير إلى أن الاجواء الإيجابية التي خيّمت على الاجتماع الأخير، يبعث الأمل لدى البلدين لاتخاذ خطوة نحو إستئناف العلاقات.
ونظراً للمناخ الايجابي السائد على الجولة الاخيرة من المحادثات بين ممثلي الجانبين، فمن المتوقع توفير أرضية لعقد اجتماع مشترك بين وزير الخارجية الايراني ونظيره السعودي في الايام أو الاسابيع القادمة.
21 رمضان ذكرى استشهاد الامام علي (عليه السلام)
تمرّ علينا اليوم ذكرى أعظم فاجعةٍ بعد فقد الرسول الأكرم محمد (صلّى الله عليه وآله)، ألا وهي ذكرى استشهاد يعسوب الدين وقائد الغرّ المحجّلين أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب(عليه السلام)، وزير رسول الله ووصيّه وخليفته من بعده على الخلق أجمعين، وذلك في الواحد والعشرين من شهر رمضان المبارك عام أربعين من الهجرة الشريفة.
ومما قاله رسولِ اللهِ (صلى الله عليه وآله) في علي (عليه السلام) : إنَّ اللهَ تَعالى عَهِدَ إلَيَّ عَهدا في عَلِيٍّ، فَقُلتُ: يا رَبِّ بَيِّنهُ لي. فَقالَ: اِسمَع، فَقُلتُ: سَمِعتُ. فَقالَ: إنَّ عَلِيّا رايَةُ الهُدى، وإمامُ أولِيائي، ونورُ مَن أطاعَني، وهُوَ الكَلِمَةُ الَّتي ألزَمتُهَا المُتَّقينَ، مَن أحَبَّهُ أحَبَّني، ومَن أبغَضَهُ أبغَضَني (الأمالي، الشيخ الصدوق: ص565)
لشخصية الامام علي عليه السلام أبعاد كثيرة فعندما ولي أمر الأمة وأصبحت رقعة جغرافية واسعة تحت حكمه وسيطرته لم يستغل موقعه لا ليعزز ثروة لا ليملك نفوذًا لا ليظلم لا لينتقم لا ليتجبر بل سعى بكل جهده وهو يحمل قيم الإسلام وأخلاق الإسلام ليحقق العدل ويقيم الحق في واقع الأمة مواجهًا كل المعاناة والشدائد والمشاق والصعاب والعوائق الكبيرة التي كانت أمامه وبخوفٍ كبير من أن يظلم أي ظلم وقال كلمته المشهورة : ((والله لو أعطيت الأقاليم السبعة بما تحت أفلاكها على أن أعصي الله في نملةٍ أسلبها جلب شعيرةٍ ما فعلت)) ما فعلت.
فهذه هي روحية الإسلام، فهو من موقعه في السلطة، وهو يلي أمر الأمة، يخاف كل الخوف وبعيدٌ كل البعد ويحذر كل الحذر من أي ظلم ولو بهذا المقدار.
الأفلاك والأقاليم السبعة بما تحت أفلاكها وما يكون من مكاسب مادية أو سياسية، عندما تكون الوسيلة إليها والسبيل للوصول إليها هو القليل القليل من الظلم فهذا ليس مقبولاً في أخلاق علي ولا مستساغًا ولا الغاية تبرر الوسيلة.
عندما نأتي إلى الكثير من القيادات ولو سمت نفسها بالاسلامية نجد بأنهم مستعدون أن يهلكوا الأمة وأن يصادروا الأمة وأن يلحق بالأمة أي شيء مهما كان من الظلم، مقابل أن يحصلوا على القليل القليل من المكاسب السياسية والمكاسب المادية، والإمام علي عليه السلام بروحيته العظيمة المتميزة يرفض الأقاليم السبعة بما تحت أفلاكها بقليلٍ من الظلم.
فقد دخل عليه ابن عباس وهو أحد أنصاره وأحد قادته، بذي قار وهو في طريقه إلى حرب الجمل وهو يخصف نعله بنفسه فقال (عليه السلام) يخاطب ابن عباس ((ما قيمة هذه النعل)) فقال ابن عباس لا قيمة لها فقال (عليه السلام): ((والله لهي أحب إلي من إمرتكم إلا أن أقيم حقًا أو أدفع باطلاً)).
فالإمرة والسلطة والموقع الأعلى في القيادة ليس له أي قيمة عند علي (عليه السلام) إذا لم يكن لإحقاق حق وإذا لم يكن لدفع باطل وإذا كان فقط لمجرد التحكم والسيطرة والتسلط.
فالاقتدار الذي يكسبه الإنسان من موقعه في السلطة هي بقدر ما تقيم من الحق وبقدر ما تدفع من الباطل وبقدر ما تقيم من العدل وتحققه من العدل، فهكذا هو علي (عليه السلام) في عدله وكان فعله مصداقًا لقوله، وسيرته تشهد، وتاريخ حكمه برغم ما واجه من المشاق والعوائق الكبيرة متميز.
حقّا إنّ هذه الأخلاق أخلاق الأنبياء العظام وأوصيائهم، وقد مثّلها بسيرته وسلوكه سيّد الأوصياء وإمام المتّقين والأخيار.
وماذا نقول عن حلمه وصبره وشجاعته وكرمه ومواساته للأيتام والفقراء و... فقد قال الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم ((من أحبّ أن يحيى حياتيَ، ويمُوتَ مماتيَ، ويدخُلَ الجنّة، فليتولّ علي وذريتهُ من بعدهِ)) (المناقب، الخوارزمي: ج1، ص76) .
فمناقب الامام علي (ع) وذريته المعصومين (ع) هي مناقب محمدية (ص) وسيرتهم نبويه، فطوبى لمن تمسك بهذا الحبل الالهي المتين والعروة الوثقى والصراط المستقيم.
المصدر: مواقع اسلامية
النصّ الكامل لكلمة الإمام الخامنئي في لقاء رمضاني مع مسؤولي البلاد
بسم الله الرحمن الرحيم،[1]
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الطاهرين، ولعنة الله على أعدائهم أجمعين.
نشكر الله المتعالي جزيلاً أنْ جعل هذا اللطف بحقّنا حتى نتمكن من الحضور مرة أخرى في هذه الأيام المباركة، شهر رمضان المبارك، بينكم أيها المسؤولون والمتصدّون والقيّمون على النظام وإن كان ذلك على نحو محدود. وإن شاء الله، ببركة إخلاصكم وصفائكم ودعائكم، نستطيع الحصول على البركات الإلهية وأن تشملنا الألطاف الإلهية. كما أشكر جزيلاً السيد رئيس الجمهورية. لقد كان تقريراً جيداً ما قدّمه، وإن شاء الله، فسيكون قادراً على المضي قُدماً بالأعمال على هذا النحو نفسه والسرعة المناسبة في الوقت المناسب، إن شاء الله.
الكَلمة التي أعددتها لأحدّثكم بها، أيها الأعزاء، هي بِضع جُمل من التذكيرات المعنوية بمناسبة شهر رمضان، وهي في الحقيقة تذكير لهذا العبد الذليل بالمقام الأول. أقولها، فربما يتأثر بها قلبي، إن شاء الله، لأنني بحاجة إلى هذه التذكيرات أكثر منكم جميعاً. وجزءٌ هو التوصيات المتعلقة بعملكم وروحيتكم وإحساسكم، أنتم المسؤولين عن أجزاء مختلفة من البلاد. الجزء الآخر هو التوصيات العملية والعملياتية بشأن عدد من القضايا، وفق التجربة والنظرة إلى القضايا.
النّيّة الصّادقة والقدرة والمساعدة على التحرّك الصّادق والحاسم دون تعب
بخصوص تلك التذكيرات أوّلاً إن أحد طلباتنا في هذا الشهر، المنعكسة من الأدعية المأثورة، هو النيّة الصادقة، فقد جاء في دعاء أيام شهر رمضان المبارك: «والقوّة والنشاط والإنابة والتوبة... والنية الصادقة»[2]. هذه النية الصادقة مهمّة جدّاً. فلنجعل عهداً صادقاً مع أنفسنا وإلهنا أن نسير على الطريق الصحيح - الطريق الذي نُؤمن بأنه الطريق الصحيح - بحسم ودون الشعور بالتعب. هذه هي النيّة الصادقة.
أوجدوا هذه النية الصادقة في أنفسكم وعززوها في هذا الشهر النوراني إن شاء الله، فستكون عوناً، وستكون قدرة على الاستمرار في الطريق خلال دورة مسؤوليتكم، وهذه النية الصادقة ستساعدكم على الحركة والمضي قُدماً.
الاستغفار يجلب الرّحمة والبركة الإلهيّة
من الأمور التي تتكرر مرات ومرات هذا الشهر وفي أدعية هذا الشهر - دعاء «السحر»، أدعية اليوم، أدعية الليل - مسألة طلب المغفرة الإلهية، وطلب المغفرة من الله، والاستغفار. جاء في تعابير الأدعية: «هذا شَهرُ المَغفِرَة»[3]. يتكرر طلب الاستغفار مرات عدة في هذه الأدعية، فهو كثير التكرار. إذن، ماذا يعني الاستغفار؟ يعني الاعتذار. نطلب المعذرة من الله المتعالي. ينبغي لنا أن نطلب المعذرة من الله المتعالي على أعمال كثيرة، وعلى كثير من أفعالنا وغفلتنا. هذا الاعتذار الذي تصحبه بطبيعة الحال تلك النية الصادقة يخلق فيكم صفاءً وطهارة، وهذا الصفاء وهذه الطهارة يجلبان الرحمة الإلهية. يجب أن يكون سعينا هو أن نستجلب الرحمة والبركة الإلهية. نقرأ في الدعاء: «اللهم إني أسألك موجبات رحمتك»[4]. هناك موجبات توجد الرحمة الإلهية وتوجهها نحو الإنسان. هذا الاستغفار له تأثير في ميادين الحياة كافة. الآن بشأن قضايا الحياة الحالية، [يقول الله المتعالي] في سورة هود: {وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا}، أي الله المتعالي ينزل عليكم البركات السماوية. ثم: {وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ} (هود، 52)، أيضاً يزيد طاقتكم وقوتكم. هذه مهمة جداً. إنها ليست قضية شخصيّة؛ إنها قضية عامة ووطنية.
تأثير الاستغفار في الانتصار في مجالات الحياة المختلفة
ما أجلى وأوضح هذه الآية! تأثير الاستغفار في أحد أصعب مجالات الحياة، أيْ ميدان الصراع العلني مع العدو، إذْ قال في هذه الآية الشريفة من سورة آل عمران: {وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ (146) وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا... (147)}، أيْ هؤلاء الذين كانوا يجاهدون في ميدان الحرب [مع] الأنبياء – طبعاً هنا تتضح أيضاً جهة حركة الأنبياء، فلا يُتَصَوّرُ أن الأنبياء كانوا جالسين في البيوت أو مثلاً كانوا في المساجد والمعابد دائماً وما إلى ذلك... كلا! – كان دعاء هؤلاء الربيين أو الربانيين وعباد الله ومحاور عبادة الله: {وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} (147). إذن، هذه هي علاقة الاستغفار بالحرب والثبات والنصر. الاستغفار هو كذلك. إذا استغفر الإنسان الله المتعالي بالمعنى الحرفي للكلمة وطلب المغفرة عن الأخطاء والتقصيرات وما إلى ذلك واعتذر عنها، فإن الله المتعالي سيجيب طبعاً، وهذا صريح الآية القرآنية. في ذلك الحين، هكذا كان جواب الله المتعالي لهؤلاء الذين استغفروا وقالوا لله المتعالي انصُرنا: {فَآتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الْآخِرَةِ} (148). قبل الآخرة أجابهم في الدنيا بسبب الاستغفار الذي فعلوه. لذلك إن درس القرآن هو طلب العون من الاستغفار من أجل النصر في مختلف الميادين، فلا ينبغي أن تكون نظرتنا إلى الاستغفار مثلاً أن الاستغفار يكفي للذنوب الشخصية وغسل قلوبنا فقط. لا، الاستغفار في الميادين الوطنية والاجتماعية الكبيرة له فاعلية وتأثير ويوصلنا إلى توفيقات عظيمة.
أسباب الاستغفار: الذّنوب الظّاهريّة، الذّنوب الباطنيّة، ترك الأفعال
حسناً، من أيّ شيء نستغفر؟ مجموعة من التخلّفات التي ارتكبناها هي - وفق تعبيري - «الذنوب الرعويّة»[5] (الظّاهرية) [مثل] الكذب والغيبة والنظر الحرام واللمس الحرام والغصب ونحو ذلك. قسم منها هو هذه، وقسم آخر هو الذنوب الباطنية: {وَذَرُوا ظَاهِرَ الْإِثْمِ وَبَاطِنَهُ إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الْإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِمَا كَانُوا يَقْتَرِفُونَ} (الأنعام، 120). طبعاً تلك الذنوب الباطنية لها نقاش آخر. هناك مجموعة أخرى من الذنوب تعني ترك الفعل. هي ليست فعلاً وإنما ترك الفعل؛ كان يجب أن نفعل عملاً [لكن] لم نفعله. أعزائي، كثيرون منا مبتلون بهذه بالأخيرة. كان علينا أن نفعل كثيراً من الأعمال، وأن نقول كلاماً، وكان علينا اتخاذ إجراء، وأن نوقّع شيئاً، وفي مكان ما كان علينا فعل حركة [لكن] لم نفعل ولم نؤدِّ واجبنا بسبب الكسل أو الكلل أو قلة الاهتمام بالواجب. هذا ذنب. وهذا يُساءل عليه. لذلك [جاء] في دعاء «مكارم الأخلاق»: «واستعملني بما تسألني غداً عنه»[6].
دروس من قصّة النّبيّ يونس (ع)
من الأمور التي أهتم بها دائماً وقد قلتها أحياناً، وهي من الأمور الصادمة في القرآن، قصة النبي يونس (ع)، هذا النبي الإلهي العظيم: {وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا} (الأنبياء، 87). حسناً، لماذا كان مُغاضباً؟ لأن قومه كانوا كفاراً، ومهما كان يقول، لم يستمعوا. لسنوات - لا أعرف كم - كان يدعو بين هؤلاء القوم [لكن] لم يؤثّر، فغضب وحزن وتركهم. حسناً، إذا قارنّا ذلك بترك الأفعال التي نفعلها، فلا يبدو أنه أمر كبير إطلاقاً، لكن الله المتعالي يؤاخذ عمله هذا: {فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ} (الأنبياء، 87). كان يتصوّر أننا لن نتشدد معه. بلى! سنتشدد. كان التشدد أنه ذهب و[سُجن]، ثم في موضع آخر يقول القرآن: {فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ (143) لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (144)} (الصافات). ما الخطب! إنه بسبب ترك الفعل. فإذا لم يقل هذا التسبيح وهذا التضرّع و[الذِّكْر]: {سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ}، فلا بد أن يبقى مسجوناً ومحبوساً حتى يوم القيامة. طبعاً هناك بشارة تتبع تلك الآية أيضاً: {فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (87) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ (88)} (الأنبياء) هذه العبارة: {وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ} بشارة لي ولكم. أي نحن أيضاً نستطيع تحقيق النجاة بالتسبيح والتحميد والاستغفار والإقرار بالذنب والاعتذار من الله. حسناً، الاستغفار يكون من ارتكاب فعل محظور إذن، ومن التقصير وترك الفعل وسوء الإدارة أيضاً. إنه ضروري لكليهما.
أهميّة المساءلة الإلهيّة والشّعور بحضور الله أعلى من مساءلة النّاس
القضية هي أننا نطلق على القيّمين على الأمور في نظام الجمهورية الإسلامية اسم «المسؤول». نقول مسؤول. ماذا يعني المسؤول؟ هذا يعني أننا نقع تحت المساءلة. عن ماذا؟ نقع تحت مساءلة عما فعلناه وما لم نفعله.
بالطبع، هذا «السؤال» يسمى «سؤال الناس» في العرف والأدبيات السياسية في العالم، ولكن ما هو أعلى من هذا وأهم منه «سؤال الله». هذا أكثر أهمية في الجمهورية الإسلامية. وبالطبع سؤال الناس مهم أيضاً وهو أحد أركان السيادة الشعبية الدينية، فالإحساس بالمسؤولية تجاه الناس من أركان الجمهورية الإسلامية والسيادة الشعبية، ولكن الأهم بمراتب هو الإحساس بالمساءلة تجاه الله. «إلهي ارحمني إذا انقطعت حجتي وكَلَّ عن جوابك لساني وطاش عند سؤالك إياي لُبّي»[7]. في يوم القيامة، يكون [المشهد] على هذا النحو: يسألون، وليس لدينا جواب. لقد قدمنا بعض الاستدلالات إلى أنفسنا. نقولها، فيُبطلون الاستدلالات، وهناك ندرك أن الاستدلال كان غير صحيح. [مثلاً، إذا سألوا]: لماذا فعلت هذا؟ لماذا لم تفعل؟ لدينا استدلال لأنفسنا نطرحه هناك [لكن] لا يوجد جواب. «انقطعت حجتي وكَلَّ عن جوابك لساني وطاش عند سؤالك إياي لُبّي» - في دعاء «أبو حمزة» - هكذا هو [المشهد].
حتى عندما يكون الشخص المسؤول بعيداً عن طائل مساءلة الناس له وإشرافهم عليه يكون الله هناك. كذلك العمل الذي تفعلونه والخدمة التي تقومون عليها على هذا النحو أيضاً. لقد قلت مراراً لمجموعات الخدمة في مختلف أجهزة إدارة الدولة عندما قابلوني، قلت «نصف الساعة» تلك التي تضيفونها إلى مدة المسؤولية لن يعرف بها أحد، ولن يطلع عليها رئيسكم، ولن يقولوا لكم حتى كلمة «شكراً»، يراها الله. والأمر على النحو نفسه بالنسبة إلى الأفعال المتروكة، والأفعال الخاطئة أيضاً.
هذه الكلمة لإمامنا [الخميني] العظيم (قده)، أن «العالَم محضر الله»[8]، كلمة مهمة للغاية! حقاً نسأل الله المتعالي أن يعطي علو الدرجات لذلك القلب المفعم بالمعرفة. العالَم هو محضر الله ومكان حضور الله. «محضر» يعني مكان حضور الله. الله موجود في كل مكان وأين ما نكون، وحين نكون وحدنا، أو بين الجمع، وفي قلوبنا وتصوّراتنا وتخيّلاتنا ونيّاتنا... كلها في حضور الله المتعالي.
أساس المسؤولية هو: الحضور الإلهي. هذا هو أساس المسؤولية الاجتماعية والمسؤولية السياسية. اعلموا أن القرار الذي تتخذونه، والتوقيع الذي توقّعونه، وحتى الذي لا توقّعونه، والعمل الذي تعملون به والذي لا تفعلونه، كلّه أمام عين حضرة الحق: «وكنت أنت الرقيب عليّ من ورائهم والشاهد لما خفي عنهم»[9].
زيادة المراقبة [للنّفس] خلال فترة المسؤوليّة والقيمومة على الأمور
هناك نقطة أرى من الضروري قولها في هذا الاجتماع الودّي والأخوي والجيّد، وهي أنّ من المفترض أنْ نكون، أنا وأنتم الذين لدينا مسؤوليات في الجمهورية الإسلامية، حتى لو افترضنا أننا في حياتنا الشخصية كنا كذلك - قد يكون المرء في بعض الأحيان ليس لديه تقييدات كثيرة - عندما ندخل مجال القيمومة على الأمور، ينبغي أن تزيد مراقبتنا [أنفسنا]. مثلاً كنتم لا تولون أهمية لصلاة الليل ونافلة الليل والنهوض عند الفجر ونحو ذلك [لكن] الآن بعدما صرتم مديرين يجب أن تبذلوا الهمّة. عليكم زيادة ما يربطكم بالله في وقت المسؤولية. يجب أن نشعر، أنا وأنتم، بحضور الله في ما نفعل ونترك. إذا حدث هذا، فحينئذ ستنزل البركات الإلهية، أيْ كما تلك الآية الشريفة من سورة هود وفيها أنّ بركات السماء ستنزل علينا. بركات السماء ليست المطر فقط. كل شيء [بما فيه] الرحمة الإلهية: «خيرك إلينا نازل»[10]. إن اهتمامنا هذا مفيد للناس ولنظام الجمهورية الإسلامية وللبلاد ولأنفسنا أيضاً، ويُقرّب قلوبنا من الروحانية ومن الحياة الطيّبة الإلهية. طبعاً هذه التذكيرات التي قدّمتها أنا محتاج إليها أكثر منكم جميعاً. نسأل أن يوفّقنا الله ويساعدنا، إن شاء الله، حتى تؤثّر هذه التذكيرات في قلوبنا، إن شاء الله.
بعض التّوصيات للقيّمين على الأمور
بشأن بالتوصيات لديّ بعض التوصيات لكم، أيها الإخوة والأخوات الأعزاء الذين دخلتم ميدان القيمومة على الأمور - سواء في المجلس (الشورى الإسلامي) أو الحكومة أو الأجهزة المختلفة، إذْ دخلت مجموعة بنَفَس جديد إلى الميدان وبخاصة الشباب - وبخاصة الشباب الذين صار لهم لحسن الحظ حضور كبير نسبياً في جسم أقسام النظام، وهو أمر يبعث جداً على السرور، وأمر مفرح إذا كان مصحوباً بهذه المراقبة.
1- مراقبة آفة الغرور ومناشئها
التوصية التي أريد أن أقدمها اليوم هي الانتباه إلى آفتين: الآفة الأولى هي الغرور، وآفةٌ [ثانية] هي الانفعال. هاتان آفتان يجب أن تكونوا حذرين للغاية منهما. الغرور هو أداة الشيطان. الغرور والاغترار أداة الشيطان. له مناشئ مختلفة ولا يهم ما يكون منشؤه. تارة منشؤه هو هذا المنصب نفسه والمقام الذي حصلتم عليه. افرضوا أنكم كنتم تعملون في نقطة نائية والآن أتيتم وصرتم في إدارة عليا... على سبيل المثال في المجلس أو الحكومة أو المؤسسات الثورية أو القوات المسلحة. إنه يجعل الإنسان مغروراً بأنه وجد مكانة. هذا أحد مناشئ الغرور. وأحد مناشئه النجاحات. تنجحون وتحرزون تقدماً في العمل الذي تفعلونه، وهنا يصير الإنسان مغروراً بنفسه، فقد تمكّنا من فعل ذلك العمل! أحد مناشئ الغرور هو الاغترار باللطف والاهتمام الإلهي، وهو ما ورد في كثير من الأدعية وحتى في القرآن: {وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِالله الْغَرُورُ} (لقمان، 33/ فاطر، 5). الغَرور - هو الشيطان - لا ينبغي أن يغرّكم بالله. ماذا يعني الاغترار بالله؟ يعني أن الإنسان يشعر بالاطمئنان المطلق إلى الله فلا يبقى عنده أي مراعاة. [يقول مثلاً:] «نحن جزء من جموع أصدقاء أهل البيت (ع) والله ليس لديه حساب معنا!» هذا الاغترار بالله؛ «وَالشَّقاء الأشقى لِمَنِ اغتَرَّ بِك»، وهو دعاءٌ من الصحيفة السجادية - أعتقد أنه الدعاء السادس والأربعون - وفي دعاء يوم الجمعة: «وَالشَّقاء الأشقى لِمَنِ اغتَرَّ بِك»[11]. إلهي، من اغترّ بك، فإن شقاءه أعلى من الجميع. هذا هو الاغترار. هذا هو الغرور.
آثار الغرور وعواقبه
أ- مقدّمة لسقوط الإنسان وإخفاق الحركات الاجتماعيّة من حوله
لا تصيروا مغرورين. لا تصيروا مغرورين! هذا الغرور إذا وُجد، فهو مقدمة للفشل وللسقوط. هذا الغرور إذا وُجد من أيّ المناشئ التي ذكرناها، فهو مقدمة لسقوط الإنسان. عندما يجد الإنسان مثل هذا الغرور، يسقط في نفسه وفي المجتمع أيضاً وتنهار الحركة الاجتماعية التي نشأت من حوله وتسقط. هذه الآية الشريفة: {لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ} (التوبة، 25) [حول هذا]. كانت حنين أول معركة دخلها الرسول (ص) بعد فتح مكة. وقد كان مع الرسول (ص) حشد كبير أيضاً، على عكس معركة بدر حين كانوا 313 شخصاً، وإنما هنا ذهب آلاف من الذي دخلوا الإسلام حديثاً ومن المهاجرين والأنصار المُنتصرين من فتح مكة وما إلى ذلك نحو الطائف [من أجل] معركة حنين. [عندما] نظروا، رأوا حشداً كبيراً، فصاروا مغرورين. فكسرهم الله المتعالي بسبب ذلك الغرور. {وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ}؛ الأرض بكل وسعها ضاقت عليكم، {ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ} (التوبة، 25)، أي هربتم. كانت معركة حنين من المواضع التي فرّ فيها الحشد من حول الرسول (ص) ولم يبقَ حوله إلّا أمير المؤمنين (ع) وبعض الأشخاص الآخرين، مثل معركة أُحد. إذن، هذه هي [نتيجة] الاغترار. طبعاً نصرهم الله المتعالي لاحقاً واستطاعوا أن ينتصروا ولكن هذه هي [ثمرة] الاغترار بالنفس وما إلى ذلك، فهو يسقط الإنسان. إنه يسقطنا ويسقط شخوصنا أيضاً ويسقط ويدمر المجموعة التي تتحرك حول محور حركتنا.
لذلك من الأمور التي تقرؤونها في دعاء «كميل» وتطلبونها من الله المتعالي «أن تجعلني بقسمك راضياً قانعاً وفي جميع الأحوال متواضعاً»[12]. لا تصيروا مغرورين، وكونوا متواضعين في الأحوال كافة. التواضع يعني «الاتضاع»، النقطة المقابلة للاغترار. الإنسان يطلب هذا الشيء من الله في دعاء «كميل».
ب- إبعاد المرء عن النّاس
من إشكالات الغرور إذا نشأ فينا أنه يبعدنا عن الناس. الغرور والاغترار بالنفس يبعداننا عن الناس. الناس يصغرون في عيوننا، فنحتقرهم ونبتعد عنهم بطبيعة الحال.
ج- استصغار الأخطاء وترك تصحيحها
[الاغترار] يجعلنا واهمين بأنفسنا فنظن ونتصور أنفسنا أكثر مما نحن عليه. هذه هي آفة الغرور. عندما نرى أنفسنا أكثر مما نحن عليه، تصير أخطاؤنا أصغر في أعيننا. طبعاً كلنا لدينا أخطاء ونعترف جميعاً في قلوبنا أننا لدينا أخطاء. هناك بعض الحالات التي نعرف فيها بالضبط أننا ارتكبنا خطأ في القضية الفلانية والقضية الفلانية والقضية الفلانية... لكن هذه الأخطاء تصير صغيرة في أعيننا، في حين أنه إذا كانت هذه الأخطاء نفسها عند الآخر، تبدو كبيرة في أعيننا. أما خطؤنا، فيصغر في أعيننا! عندما نستصغر الخطأ، نغفل عن تصحيحه فلا نصححه ونستمر ونبقى عليه. هذه توابع الغرور، وما أكثر الإشكالات فيها!
د- تجنّب سماع النّقد النابع عن نيّة خيّرة
إنه يحرمنا سماع النقد النابع عن نيّة خيّرة. تارة يقول لنا شخص شيئاً لغاية ما، وافرضوا مثلاً أننا قد لا نستطيع تحمّله فنغضب، ولكن تارة أيضاً عندما ينتقدوننا بنية خيّرة، لن يكون لدينا أُذُن للاستماع. حسناً، هذه هي الآفة الأولى، أي الغرور.
2- الالتفات إلى آفة الانفعال وآثارها
ما الآفة الثانية؟ الانفعال. الانفعال هو النقطة المقابلة للغرور الذي هو مرضٌ أيضاً، وهو آفة مهلكةٌ أيضاً. ماذا يعني الانفعال؟ يعني الروحية الضعيفة والشعور والإحساس بالعجز وبأنه لم يعد بإمكانهم [فعل شيء]. إنّ الشعور بانسداد الطريق في الأمور وغياب الشعور بإمكان الفرج هما انفعال. اليأس من الرحمة الإلهية من آثار هذا [الانفعال] وهو من أكبر الذنوب. {لَا تَيْئَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ} (يوسف، 87). من الذنوب التي يذكرونها كأحد الذنوب الكبيرة اليأسُ من الرحمة الإلهية. هذا بسبب الانفعال حين يشعر الإنسان بالوصول إلى طريق مسدود ويقول إنه لا يمكن فعل أي شيء. إنه سمّ خطير. بالنسبة إلى مدير المجموعة ومسؤولها إنّه سمٌّ حقّاً أن يشعر بانسداد الأفق. والأعداء أيضاً يحاولون جاهدين تحقيق هذا المعنى وبثّه فينا جميعاً [بطرق] وعناويين مختلفة: بالاجتماع والحوار والشعار والمقابلة والأخبار، وبعض الأنشطة العملياتية، فيحاولون زرع اليأس والانفعال وسدّ الأفق وأمثال ذلك أمام الطرف المقابل أيّاً كان.
الصّبر والتّقوى طرقُ مواجهة الانفعال
بالطبع أيدينا ممتلئة في مواجهة هذه الآفة الثانية، الانفعال. فبحمد الله لدينا طريقة لمواجهة هذا الانفعال في نظام الجمهورية الإسلامية. أولاً هناك الوعود الإلهية والآيات القرآنية التي فيها وعد الله الذي لا يُخلف. في سورة آل عمران المباركة، بعد أن يُظهر أحاسيس العدو تجاهنا، يقول [المتعالي]: {إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا (120)}. يبين لنا القرآن طريق مواجهة العدو: «الصبر» و«التقوى». الآن سأقول ما تعنيه التقوى في مثل هذه الحالات. لذلك نحن على يقين بأن وعد القرآن وعد صادق، أي لا يوجد أدنى شكّ وتردّد فيه؛ {إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا}، أي كيدهم لن يؤثّر فيكم أبداً، ولن يعيدكم إلى الخلف. هذا وعد إلهي.
الاستقامة ورفض التّعب هما معنى الصّبر
أولاً ماذا يعني الصبر في {إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا}؟ الصبر يعني رفض التعب. في عدد من هذه الترجمات الفارسية، عرّفوا الصبر بمعنى الاستقامة مثلاً. هذا صحيح، ويعني رفض الشعور بالتعب. وإذا قالوا التحمّل، فهذا يعني رفض التعب. الصبر يعني ألّا تتعب. الصبر في العبادة هو نفسه، والصبر عن المعصية هو نفسه – إنّ معصية ما تجذب الإنسان وتشدّه باستمرار والإنسان يقاومها دائماً، فهذه المقاومة تجعل المرء متعباً ثم يستسلم لهوى النفس، لكن الصبر يعني رفض التعب – والأمر عينه في مواجهة المصيبة والعدو. هذا معنى الصبر. البقاء في الميدان ورفض تركه هما صبر.
المراقبة الكاملة هي معنى التّقوى
ماذا تعني التقوى؟ تعني المراقبة الكاملة. هذا ما تعنيه التقوى في كل مكان. {فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى} (البقرة، 197). والتقوى أينما وردت في القرآن، تعني المراقبة التامّة، مثل مراقبة ذلك الشخص الذي يرتدي لباساً طويلاً – مثل لباسنا [العلماء] – ويتحرّك في حقل أشواك. حسناً، إنه حريصٌ على ألّا يعلق في الشوك، فيلتفت إلى كلّ خطوة من خطواته خطوةً بخطوة. إنّه ينظر تحت قدميه وأيضاً إلى المكان الذي يكون فيه الشوك أقل ويذهب في ذاك الاتجاه. ينظر تحت قدميه ويكون لديه رؤية أيضاً. هذه هي التقوى. حينئذ يكون معنى «تقوى اللّه» الذي يُعبّر عنه بأن يخاف الإنسان من الله وأمثال ذلك بهذا المعنى نفسه. هذا ما يعنيه الخوف من الله. يعني المراقبة بدقّة لتجنب التصرف بما يخالف حكم الله أو أمر الله المتعالي ونهيه. هذه هي التقوى. في مثل هذه المواضع التي يذكر فيها {إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا} هناك خصوصية: هذه التقوى هي التقوى مقابل العدو، أي الحذر، الحذر من العدو والانتباه إلى تحرّكاته، والانتباه إلى حركاتكم أمامه، وإلى مناوراته وتحرّكاته، وإلى العمل الذي يصدر عنكم والذي قد يشير إلى غفلتكم. هذا ما تعنيه التقوى. وهو ما قاله أمير المؤمنين (ع): «إنَّ أخَا الحَربِ الأرِقُ وَمَن نامَ لَم یُنَم عَنه»[13]، فيعني الصحوة وأن تكون متيقّظاً. التقوى هنا تعني ذلك. إنه المعنى العام للتقوى نفسه لكنّ صورته هنا على هذا النحو: احذروا العدو. في أيّ مسألة الأمر كذلك، فالتقوى ضرورية في الدبلوماسية والشؤون الاقتصادية وقضيّة الأمن... التقوى ضرورية في هذه الأمور كلّها وفي مختلف الأمور. في كل واحدة منها، تتناسب التقوى مع المسألة نفسها. وبالطبع أمر الله هو طلب العون من الله المتعالي والمراقبة الدقيقة. تجربتنا تظهر الشيء نفسه. كان هناك وقت نقرأ فيه هذه الآيات، وكانت تجربتها في التاريخ، وكنّا نذكرها كتجربة في صدر الإسلام [لكن] اليوم الأمر ليس كذلك. اليوم اختبرناها بأنفسنا ورأيناها في مجالات مختلفة: إذا صبرنا واتّقينا، فسننتصر. في اليوم الذي بدأت الحرب - مرحلة «الدفاع المقدس» - اعتقدنا أن الحرب ستستمر أسبوعاً أو عشرة أيام أو عشرين مثلاً [لكنها] استغرقت ثماني سنوات. استغرقت ثماني سنوات! كان الإمام [الخميني] مطمئنّاً منذ اليوم الأوّل. لم يكن يصرّح بأننا سننتصر. لا! [لكن] لم نرَ أيّ قلق لديه. كان يسأل ويستوضح ويسأل عن التفاصيل في الاجتماعات التي أجريناها مع مسؤولي السلطات الأخرى. يسأل: ماذا حدث ولماذا – كان هناك مثل هذه الأشياء - لكن لم يكن هناك أي اضطراب إطلاقاً في وجه الإمام وموقفه وبياناته. لقد كان قلبه مطمئناً وحاسماً أنّه سيصل إلى وضع مناسب. لقد ثبت، ثبت في قضايا مختلفة.
الآن يشتكي بعضهم منذ ذلك اليوم أنّه لماذا لم يُتخذ هذا القرار في ذاك الحين. حسناً، لم يكونوا حاضرين ولا يعرفون وغير مطّلعين على القضايا وجوانبها. ربما حدثت بعض الأخطاء في تفاصيل تلك الأعمال التي جرت في ذلك الوقت – الأعمال عامة إذ لا نريد الخوض في التفاصيل - لكن الحركة العامة كانت حركة الصبر والتقوى، ووصل الأمر في النهاية إلى انتصارنا، بحمد الله. القضيّة كذلك في مختلف الأمور.
بعض مؤشّرات الاقتدار والتّقدّم وعلاماتهما
رغم كلّ هذه التجربة الناجحة التي نمتلكها في مختلف القطاعات، فإنه في الحقيقة يكون جفاءً مع الناس والبلاد ومع الثورة أيضاً إذا ما أراد أحد اليوم أن يبثّ اليأس بين الناس ويُشعرهم أنّ الطريق مسدود، وأنْ يسعى إلى تحطيم معنويات الناس وإضعاف إرادة المسؤولين.
1- الاقتصاد
بالطبع، في بعض الحالات تكون مؤشراتنا سلبية. في المجال الاقتصادي المؤشرات ليست جيدة. كلنا نقبل هذا. المسؤولون والمديرون السابقون والحاليون والجميع يعلمون أن المؤشرات ليست مرغوبة في السنوات المختلفة التي تؤدي إلى [يومنا]. الآن هذا كله يمكن إصلاحه طبعاً. هذه المشكلات الاقتصادية كافة يمكن علاجها، إن شاء الله، وسوف تُعالج أيضاً. لكن مؤشرات الاقتدار والتقدّم والنجاح في البلاد ليست قضية الاقتصاد فحسب، فهناك مؤشرات أخرى أيضاً ينبغي الالتفات إليها. حتى في مجال الاقتصاد هناك إشارات نجاح في مختلف القطاعات سأذكر بعضها الآن.
2- المرونة الاقتصاديّة وتجنّب الإفلاس
أوّلاً رغم الحظر الذي فُرض على بلدنا - حسناً إن الحظر الذي فُرض علينا ولا يزال لم يسبق له مثيل، وهم أنفسهم قالوا إنه لم يُفرض مثل هذا الحظر على أي بلد منذ بداية التاريخ –، لم يُفلس اقتصادنا، بل على العكس من توقعات الأجانب الذين قالوا إن إيران ستُفلس - لا - بقي الاقتصاد قائماً. المرونة الاقتصادية هي نجاح كبير.
3- استخدام الحظر لتحقيق الاكتفاء الذّاتيّ
إضافة إلى ذلك استفدنا من الحظر نفسه. إنّ شعبنا ومسؤولينا ومديرينا استخدموا الحظر نفسه، ووصلنا في حالات كثيرة إلى الاكتفاء الذاتي. لو لم يكن الحظر علينا، لكنّا في قضيّة كورونا مثلاً سنذهب لاستيراد اللّقاحات من أجزاء مختلفة من العالم، ولن نفكر في إنتاج اللقاحات. اليوم يجري إنتاج اللقاحات في خمسة مراكز أو ستة، كما قال رئيس الجمهورية. هذا فخر للشعب الإيراني. إنه فخر للشعب الإيراني. نعم، استخدمنا لقاحات الآخرين وكان يجب أن نفعل ذلك ولم يكن في ذلك خطأ، لكن حقيقة أننا كنا قادرين على التحرّك بأنفسنا [فهذا نجاح].
في حالات كثيرة، وصلنا إلى هذا الاكتفاء الذاتي وإلى الابتكار. يُعرض على التلفاز حالات كثيرة قد اجتمع فيها أربعة شباب أو خمسة معاً وأنتجوا شيئاً ما، أي أوجدوا شيئاً في الداخل كان سبباً لدخول العملة الصعبة، وجودته أفضل من ذلك [المنتج] الأجنبي. إنّهم يعرضون هذا أمام أعين الجميع، وإننا نراه. هذا نجاح للشعب وتقدّم له. الأمر كذلك في مجال الاقتصاد.
4- تجنّب المديونيّة
في المجال الاقتصادي، لم تقع بلادنا في الديون رغم الحظر والقيود. انظروا إلى عدد من البلدان - جيراننا وغير جيراننا - التي رغم أنها لم تكن خاضعة للحظر وليس لديها كلّ هذا العداء، فإنّها تدين بـ300 مليار و400 مليار [دولار] للبنك الدولي ولصندوق النقد الدولي ولبلد ما. ديوننا قريبة من الصفر. ليست صفراً لكنها قريبة منه. هذا ليس إنجازاً صغيراً؛ إنه مهم جدّاً. أي حتى في مجال الاقتصاد حيث يوجد عدد من المؤشرات السلبية، ثمة هذه المؤشرات [الإيجابية] أيضاً.
التقدّم العلميّ والصّناعيّ
من الإنجازات الأخرى التي حققناها، والتي تعد بحد ذاتها مؤشراً ويجب أخذها بالاعتبار، تقدُّمنا العلمي والصناعي والتقني. تمكنا في مراحل مختلفة من الضغط الدولي، وفي مختلف الأوقات، من التقدم في مجالات متنوّعة في العلوم والصناعة. هذا ليس شيئاً صغيراً، إنّه مهم جداً. بعض المؤسسات الشعبية - المجموعات الاستثمارية الشعبية - نفّذت أعمالاً بارزة، إذ قبل أسابيع كان هناك لقاء[14] في هذه الحسينية نفسها، وقد عُرض على التلفاز - لا بدّ أنّكم شاهدتموه - وجاء الناشطون الاقتصاديون وقدّموا تقريراً، ولم تكن تقارير شفوية بل مصوّرة وتم عرضها بالكامل هنا، وقد أوضحَت أنّهم أنجزوا أعمالاً عظيمة، فالشركات الناشطة في المجالات الإنتاجية وغير الانتاجية قدمت أعمالاً [عظيمة].
التّيّار الشّعبيّ لإدارة البلاد
مؤشر آخر يمكننا الاعتماد عليه هو أن التدفق الشعبي لإدارة البلاد سار بسلاسة. انظروا إلى ما تعانيه بعض الدول الأخرى من مشكلات في قضاياهم الإدارية وانتخاباتهم: الانتخابات المبْكرة، وإلغاء الانتخابات، وما شابه. الأمر ليس كذلك عندنا. هنا، رغم الأعمال العدائية كلها، سارت الأمور بشكل قانوني وبالطريقة الصحيحة وحققت ثمارها. هذه مؤشرات مهمة لأعمال البلاد. قارنوها مع بعض البلدان الأخرى، ليتّضح مدى أهميتها.
أودّ أن أؤكد على نحو قاطع أن هذه الإنجازات وعدداً من الأشياء الأخرى، مثل العمق الإستراتيجي والتأثير الروحي في البلدان وما شابه، جعلت من الجمهورية الإسلامية أنموذجاً جذّاباً. تشكل الجمهورية الإسلامية اليوم بالتأكيد أنموذجاً جذّاباً لعدد من الدول. دعايتنا محدودة بالطبع، والآخرون يبثّون الدعاية ضدنا كثيراً، أي الدعاية ضد الجمهورية الإسلامية أكبر بمرّات من الدعاية الخاصة بنا. لذلك إن العديد من الشعوب والبلدان ليس لديها اطّلاع. بحمد الله، إن الجمهورية الإسلامية هي أنموذج جذّاب لمن هم على صلة واطلاع ومعرفة.
حسناً، لذلك يجب أخذ هذه المؤشرات بالاعتبار، أي أولئك الذين يريدون الحكم على حالة البلاد عليهم ألا ينظروا إلى الاقتصاد فقط؛ الاقتصاد مؤشر [واحد]. هناك مؤشر الأمن ومؤشر التقدم العلمي، وهناك مؤشر استخدام الحظر من أجل الابتكار والمؤشرات المرتبطة بالدبلوماسية. هذه كلها مؤشرات، فليلتفتوا إليها. إنّ قوّة البلاد هي منظومة ومجموعة من العوامل المختلفة المترابطة ببعضها بعضاً. فترك الرؤية أو الفهم لهذه المنظومة وشكلها من القوة والاعتبار يؤدي إلى أحكام غير صائبة. لذلك لا بدّ رؤية المنظومة بأكملها. فعندما ينظر الإنسان إلى المنظومة، يشعر بالسرور.
حسناً، العدو لديه جشع بالطبع. إنه يطلق كلمات غير ذات صلة وملوّثة باليأس أيضاً. قال ذلك من قبل، وهو يقولها الآن. في بداية الثورة، عندما هاجم صدام حسين إيران، أجرى مقابلة بالقرب من حدودنا بالقرب من إيلام، وهناك قال: «المقابلة التالية الأسبوع المقبل في طهران!» قال هذا. لقد وعد نفسه ومستمعيه بأنهم سيأتون إلى طهران الأسبوع المقبل لفتحها وإجراء المقابلة التالية فيها. رأيتم ما حدث له في الحرب وبعدها. خلال إحدى عمليات الحرب، وصل وضع صدام حسين إلى نقطة كان على وشك أن يُلقي شباب «حرس الثورة» القبض عليه، أي في عملية «الفتح المبين»، لو وصل الشباب قبل نصف ساعة، لكان قد أُلقيَ القبض على صدّام حقّاً. لقد فرّ وكان محظوظاً... لاحقاً مع تلك المذلّة والبؤس وقبول شروط إيران، وبعدها أيضاً اللجوء إلى إيران. في القضايا اللاحقة، أرسل طائراته واحدة تلو أخرى دون إذن. كان الأمر كذلك. في المدّة الأخيرة - العام الماضي على ما يبدو - قال مهرّج أمريكي إنه سيحتفل بعيد الميلاد في طهران.[15] يقولون هذه الكلمات لكن الواقع بعيد عما يريدون ويسعون إليه.
حسناً، حين ترون أن الأمريكيين يقولون صراحة إن [سياسة] «الضغط الأقصى» على إيران أخفقت إخفاقاً ذريعاً، هذا الأمر قضيّة كبيرة ومهمّة جداً. إنّها قضيّة مهمّة جدّاً أن تعترف أمريكا المتكبّرة، أمريكا المتعجرفة، أمريكا المستكبرة، بأن «الضغط الأقصى» على إيران أخفق إخفاقاً ذريعاً. لذلك، يا أعزائي، دعونا لا نغترّ أو ننفعل، ولا نفقد معنوياتنا، ولا نغترّ بأنفسنا. هاتان هما التوصيتان اللتان أشير إليهما.
إمكانيّة خلق فرص العمل وجعل الأعمال الاقتصاديّة قائمة على المعرفة
هناك بعض التوصيات العملية أيضاً التي [سأقولها] إن شاء الله، إن لم تكن طويلة جدّاً. إحدى القضايا هي شعار العام نفسه الذي قلناه حول الإنتاج بتلك الخاصيتين: الأولى هي كونها معرفيّة وقائمة على المعرفة، والثانية هي خلق فرص العمل. لقد أشكلوا علينا وقالوا لا يمكن أن نجمع بين الخاصيتين. ما يقولونه صحيح. هذه هي الحال في بعض الحالات، أي كلما كانت التكنولوجيا أكثر تقدّماً، قلّت الحاجة إلى الموارد البشرية. هناك من بعثوا رسالة مفادها: كيف يكون هذا؟ لدي الجواب عن ذلك. نعم، يكون الأمر كذلك في بعض الحالات لكنه ليس هكذا في حالتنا لأن لدينا كثيراً من المصانع والشركات المغلقة أو شبه المغلقة في القطاعات التحويليّة. إنها كثيرة جدّاً. لذلك إنّ جعل الشركات قائمة على المعرفة يمكن أن يشمل هذه الشركات، أي يمكن أن تتضاعِف وتزيد فرص العمل على هذا النحو. لذا يمكننا [خلق فرص عمل]. بالإضافة إلى ذلك إن التكنولوجيا الجديدة نفسها لديها حالة توسع طبيعية، فكلّما تقدم الإنسان في الأمور التكنولوجية، تنفتح المجالات أمامه. ولذا إن خلق فرص العمل لا يتضرّر بالتأكيد، فيمكن للإنتاج المعرفي أن يكون محط اهتمام، وفي الوقت عينه أن يكون هناك خلقٌ لفرص العمل أيضاً.
الارتقاء بجودة الموارد البشريّة
نقطة أخرى تتبادر إلى الذهن حول الإنتاج القائم على المعرفة، وفي معرض الإجابة عن هذا الإشكال أننا إذا جعلنا إنتاجنا قائماً على المعرفة، نحن في الواقع نرتقي بالموارد البشريّة العاملة. من يأتي للعمل في المجموعات القائمة على المعرفة؟ هم شبابنا المتعلّمون. اليوم هناك العديد من الشباب الجامعيين لدينا الذين يشكلون نسبة عالية جدّاً - لقد قالوا رقماً، لكن بما أنّني لم أتابع الموضوع لا يمكنني أن أقدّم رقماً، لكنها نسبة عالية - يعملون في المجالات التي لا علاقة لها أبداً بمجال دراستهم. الأمر كذلك، وهذا عيب كبير. هذا في الواقع نوع من البطالة. لقد عمل بجدٍّ ودرس وتكلّفت الحكومة عليه وأمضى عمراً لكن لا يُستفاد منه؛ هذا نوع من البطالة. عندما نكون قادرين على تطوير شركات قائمة على المعرفة، سيُجذب هؤلاء الشباب كلهم للعمل وسترتفع جودة الموارد البشرية في جهاز العمل لدينا، وسوف تأتي النّخب [للعمل] ولن تعود مضطرة إلى التوجّه نحو المشاغل الخدمية الأقلّ أهميّة.
تحديد المعايير الكيفيّة للشّركات القائمة على المعرفة
من الواجب أن أذكّر بنقطة حول هذه الشركات القائمة على المعرفة والإنتاج القائم على المعرفة - بالطبع، تمت الإشارة إلى بعض الملاحظات من قبل لكنني سأضيف عليها أيضاً - هي أنّه يجب وضع معايير كيفيّة للشركات القائمة على المعرفة. لا ينبغي أن يكون الأمر على نحو تأتي فيه الشركة التي تعمل بالتكنولوجيا التي تعود إلى ما قبل أربعين عاماً للتسجيل كشركة قائمة على المعرفة للاستفادة من المزايا والمرافق والتسهيلات الموجودة مثلاً. هذا غير صحيح. يجب أن يكون هناك ابتكار في الشركات [القائمة على المعرفة] بالمعنى الحقيقي للكلمة، وسوف أوجز الآن بعض الميزات الأخرى... أو شركة التجميع الفلانية، أي المُجمّعين، فالتجميع في الحقيقة هو الاستيراد المفرط نفسه بشكل آخر، وهذا ليس إنتاجاً ولا يسمى خلق منتج؛ هذا نوع من الاستيراد، فيأتي ويُعرَّف باسم شركة قائمة على المعرفة! الأمر ليس كذلك. لهذا من الضروري أن يحدّدوا المؤشرات الدقيقة والكيفيّة ويأخذوها على محمل الجدّ، وأعتقد أن [هذا] العمل مرتبط بالمستشار العلمي [لرئيس الجمهورية] أو أيّ مكان يتصدّى للموافقة على هذه الشركات.
مؤشّرات تقييم الشّركات القائمة على المعرفة
نقطة أخرى هي أن عدد الشركات القائمة على المعرفة وحده لا يكفي بالنسبة إلينا لتقييم هل إنتاج البلد قائم على المعرفة أو لا. حسناً، ركّزت في أول خطاب لي من هذا العام على الأرقام، فعلى سبيل المثال، قالوا مقداراً معيّناً، فقلنا: لا، [يجب] أكثر من هذا. قالوا قد يزيد ثلاثين في المئة. قلنا: لا، على الأقل خمسين أو مئة في المئة زيادةً. هذا هو الرقم. حسناً، هذا مؤشر لكنه ليس كافياً. يجب أن تتمتع الشركات التي تتأسّس بخصوصيات، وهذه الخصوصيات حيوية وأساسية ومهمة.
1- الابتكار
إحدى هذه الخصوصيات أن يكون فيها ابتكار، وأخرى هي الحدّ من خروج العملات الصعبة. نحن الآن، في بعض الحالات، ننفق كثيراً من العملات الصعبة لاستيراد منتج ما. إذا كانت هذه الشركة القائمة على المعرفة تنتج هذا [المُنتج] أو تجعله أقرب إلى الإنتاج، فإنها تخفّض خروج العملة الصعبة أو تقضي عليه تماماً. هذا أحد المعايير.
2- خلق فرص العمل، والتّصدير
خلق فرص العمل من المؤشرات، أي أنْ تخلق الشركات فرص العمل بالمعنى الحقيقي للكلمة، وأن تكون لديها القدرة على التصدير، أي قادرة على المنافسة في مواجهة المنتجات العالمية والدولية. هذه المؤشرات يجب تحديدها واتباعها، إن شاء الله.
3- «محوريّة حلّ المشكلة»
نقطة أخرى مهمة هي وضع الأولويات لتطوير الشركات القائمة على المعرفة. من أهم الأولويات أن تتوجّه هذه الشركات نحو حلّ المشكلات. لدينا قضايا اقتصادية محددة في البلاد. يجب أن تتوجّه هذه الشركات إلى حل المشكلة، وأن تعمل على فك العقد، وأن يكون إيجادها وفقاً للحاجة، أي إجراء تقييم للاحتياجات حول هذه الشركات. هناك مجالات يعتمد فيها الأمن الاقتصادي على هذه الشركات. لنفترض على سبيل المثال القطاع الزراعي الذي تصادف أن قلت في ذلك اليوم، في أول خطاب من العام، إن أحد أكثر قطاعاتنا اعتماداً على الواردات والخارج قطاعُنا الزراعي مع أنّه مرتبط بأمننا الغذائي. [هذه] قضية مهمة.
يجب أن تلحظ الشركات القائمة على المعرفة أن الأمن الاقتصادي للبلد مرهون بها... أو أن لديها قابلية عالية لجذب القوى المتخصّصة والمتعطّلة عن العمل، أو في القطاعات التي تُصدّر فيها الشركات المواد الخام مثل التعدين. للأسف، لدينا في بلدنا مشكلات كثيرة في قطاع التعدين، ومنها مشكلة بيع المواد الخام. أمّا النفط، فهو أمرٌ له حصته. في ما يخصّ النفط نحن في الحقيقة ليس لدينا أيّ قيمة مضافة، وبشأن الغاز [المشكلة] موجودة إلى حدّ ما، فيما يقول الخبراء إنه من الممكن إنتاج وخلق قيمة مضافة كبيرة في قطاع النفط إذا ما أولينا اهتماماً لقطاع المصبّ في النفط. الغاز أيضاً على هذا النحو، وفي قطاع المعادن الأخرى الأمر كذلك أيضاً: المعادن، والأحجار الثمينة في البلاد... وكم لدينا من مقالع الأحجار الثمينة في البلاد، وكيف يجري تصديرها دون أي قيمة مضافة أو دون العمل عليها. هذه الأقسام مهمة وعلينا أنّ نوجّه الشركات المعرفية نحوها.
دعم الحكومة والدّوائر الحكوميّة الشّركاتِ القائمة على المعرفة
شيء آخر حول هذا الإنتاج القائم على المعرفة هو أن ندعم حقّاً الشركات القائمة عليها، وأن تدعمها الدوائر الحكومية. أهم مستهلك للمنتجات في البلاد هي الحكومة. حسناً، يمكن للحكومة استخدام المنتجات القائمة على المعرفة، وهذا يعني منع الاستيراد المفرط الذي ذكرناه مراراً وتكراراً وأحد عناوينه ومصاديقه التامّة هنا دعمُ هذه الشركات ومنتجاتها.
التّوجّه نحو تصدير المنتجات لا الموادّ الخامّ
من القضايا الاقتصادية المهمّة هذا الموضوع الذي ذكرناه: بيع المواد الخام. نحن نصدّر المواد الخام بأسعار رخيصة ونستورد المنتجات النهائية من الخارج بأسعار مرتفعة. لقد كتبوا نسبة هذين السعرين لي، كما ذكرها أصدقائي المتخصصون في هذه الأعمال، والنسبة كبيرة للغاية. نصدّر المواد الأولية بأسعار رخيصة ونستورد المنتج النهائي بأسعار مرتفعة، مع أن علينا [تصدير] المنتج النهائي. [ينبغي] أن تذهب صادرات البلاد في هذا الاتجاه، وأن تسير المنتجات فيه، وأن يسير الإنتاج القائم على المعرفة فيه حتى نتمكن من تصدير المنتج النهائي في مختلف المواد المتنوّعة.
وضع الخطّة التّنمويّة السّابعة بناءً على السّياسات العامّة
من القضايا المهمة للبلاد التي ذكرتها للمسؤولين - الحاضرين الآن هنا من الحكومة والمجلس – مسألة خطة التنمية السابعة التي كان لا بدّ من الموافقة عليها العام الماضي لتكون منشأً للخطة السنوية لعام 1401. حسناً، لم يتمّ هذا العام الماضي، فاعملوا هذا العام لإيصاله إلى مكان ما، إن شاء الله. ابذلوا الجهد لتنظيم هذا البرنامج على أساس هذه السياسات العامّة وإنهاء هذا الموضوع في الحكومة والمجلس، إن شاء الله.
أهميّة أن يصير المسؤولون شعبيّين وأن يبقوا كذلك
من القضايا المهمة موضوع كون المرء شعبياً، وهو ما أشار إليه رئيس الجمهورية، وهذا صحيح. إنّ هذا الحضور بين الناس وهذه الزيارات إلى المحافظات عمل قيّم للغاية وجيّد وحلّال للمشكلات. هناك أشياء لا يستطيع المرء فهمها ما لم يشاهدها في المجال الميداني، أو ما لم يرَ بنفسه، أو ما لم يسمع من الأشخاص الحاضرين في الميدان، أو ما لم يُنقل إليه أخبار موثوقة من الأشخاص الذين يذهبون ويرون، فما لم يكن هذا، فلا تمكن معرفة الحقائق والتخطيط بناءً عليها. كون المرء شعبياً أمرٌ مهم للغاية ولكن من أهم الأشياء في كون المرء شعبياً هو أن يبقى كذلك، فابقوا شعبيين ولا تكلّوا. الصبر الذي قصدته... هنا أحد مواضعه. لا ينبغي أن نكون في أول العمل شعبيين ثم نتعب تدريجياً. لا، ابقوا شعبيين حقاً. ليس قصدي أنه تجب متابعة هذه الزيارات إلى المحافظات حتى نهاية الدورة [الرئاسية]. لا، قد يتوقف الأمر في مكان ما ولا إشكال، لكن كون المرء شعبياً لا يقتصر على الزيارات إلى المحافظات. التواصل مع الناس والاستماع منهم والإنصات إلى القضايا... إذْ أحياناً يُسمَعُ من الناس العاديين قضايا لا نسمعها من المستشارين المقرّبين للمرء وذوي الخبرة والتجربة، فيستفيد المرء منها أكثر. التواصل مع الناس والتقارير الشعبية فيها هذا [الحُسن].
الحاجة إلى التّنفيذ الكامل لسياسات المادّة 44
هناك نقطة أخرى أوصي بها بشدة هي قضية سياسات المادة 44، التي تم إبلاغها[16] قبل بضع سنوات وأشاد الجميع وأثنوا: «كم هي سياسات جيّدة!» لكن لم يُعمل بها. حقاً لقد تم التشديد على الحكومات المختلفة دائماً، وقالوا أيضاً إننا نريد أن نعمل أو إننا نعمل ولكن لم يتم تنفيذ سياسات المادة 44 بالمعنى الحقيقي للكلمة. لا بدّ أن يصير اقتصاد البلاد على عاتق الشعب بالمعنى الحقيقي للكلمة وأن تؤدي الحكومة دورها الحكومي الخاص وألا تتصدى بنفسها. هذا أمر مهم جداً. أحياناً تحملون حمولة على كتفكم وتريدون أن تمشوا سيراً على الأقدام مع كل هذه المشكلات من مدينة إلى مدينة، وأحياناً تركبونها في وسيلة نقل فعّالة أنتم مَن يقودها. [الخيار] الثاني هو الصائب. وسيلة النقل الفعّالة هم الناشطون الاقتصاديون في البلاد. فعّلوا هؤلاء ولكن أشرفوا على عملهم، وضعوا السياسة واحرصوا على منع أي تخلّف أو خطأ ولكن دعوهم يعملون. هم ينتفعون والناس أيضاً وأنتم تنتفعون بصفتكم مسؤولي الدولة. كانت هذه أيضاً مسألة [مهمة].
التّحرّك نحو اقتصاد غير معتمد على النّفط
هناك قضية أخرى مهمة للغاية أيضاً، وهي على المدى البعيد طبعاً، هي قضية النمو الاقتصادي الخالي من النفط... مثل هذه البلدان التي ليس لديها نفط، ولديها نمو وتقدم اقتصادي، وهي ليست قليلة. النفط، هذه المادة المخدّرة التي جعلتنا مدمنين عليها - للأسف - منذ مئة عام حتى الآن... إنه إدمان صعب للغاية حقاً. وبالطبع هذا الأمر غير ممكن على المدى القصير وسيتحقق على المدى البعيد، وهو ليس عمل يوم وغد وعمل حكومة فقط. أي إذا بذلت الحكومات الهمم، فقد يتحقق ذلك، وعلى سبيل المثال خلال حكومتين من ثماني سنوات. بالطبع، لقد طرحت هذا ذات يوم منذ سنوات عدة. [17]لو كان الأمر قد بدأ من ذلك اليوم، لكان الوضع اليوم مختلفاً بلا شك. لكنه لم يُتّبع.
استخدام عائدات البلاد من العملات الصّعبة لأعمال البنية التّحتيّة
قضية أخرى هي مسألة موارد العملات الصعبة: أين ننفق موارد هذه العمولات الصعبة وكيف نستخدمها. لا بد أن نكون متنبهين أنه لو حدث انفراج للعملات الصعبة مثلاً من ناحية ما ألّا يتم إنفاق موارد هذه العملات على واردات غير مضبوطة، بل على أعمال البنية التحتية للبلاد. البلد بحاجة إلى أعمال البنية التحتية.
قضية النقل، قضية النقل بالسكك الحديدية، القضايا المختلفة المتعلقة بالشركات القائمة على المعرفة، قضية طرق الارتباط مع الدول المجاورة... هذه هي أعمال البنية التحتية التي يجب تنفيذها، فالبلاد بحاجة إليها. التحديث الصناعي [أيضاً]، فكثير من صناعاتنا قديمة جداً لدرجة أن تحديثها يتطلب عائداتٍ من العملات الصعبة. لا بد أن تُنفق على هذه الأشياء. وليس الأمر أنه بمجرد أن نحصل على بعض المال - افتراضاً على سبيل المثال - يُفتح باب استيراد السلع الكمالية مرة أخرى، ويُقال الآن أن كثيراً منها يأتي عبر التهريب. حسناً يجب إيقاف التهريب أيضاً. هذا حقاً أحد الأعمال العظيمة والمهمة. يستوردون طعام الكلاب من الخارج ومستحضرات التجميل بأسعار باهظة وغالية الثمن! لا ينبغي إنفاق عملة واحدة على هذه الأشياء ناهيكم بالكثير من المال. الغرض: لدينا كثير من أعمال البنية التحتية. مشكلة المياه في البلاد أيضاً، مشكلة المياه هي من أعمال البنية التحتية، والحل ممكن تماماً لكنه يتطلب المال.
الآن، لحسن الحظ، نعلم ونحن مطلعون أن هذه الحكومة قد فعلت وتفعل أعمالاً جيدة للغاية في هذا الصدد، و[أخرى] قيد الإنجاز. يجب إنجاز هذه الأعمال، والمياه من القضايا المهمة.
الاستفادة من قابليّة «مجلس التّنسيق الاقتصاديّ» لحلّ مشكلات البلاد
الفرصة المهمة المتاحة لمسؤولي البلاد هي «مجلس التنسيق الاقتصادي» لرؤساء السلطات [الثلاث] الذي تم إقراره وبدؤه في الحكومة السابقة وأدى أعمالاً كبيرة. طبعاً كانت المسؤولية الأولية والمهمة لهذا المجلس تتمثل في ثلاث مهمات أساسية أو أربع كانت إحداها الإصلاح الأساسي للموازنة وأخرى مسألة المصارف، أيْ كان ينبغي متابعتها من أجل إصلاح هيكل الموازنة. توجد مشكلات في هيكل الموازنة. ومنذ البداية تحددت إحدى مهمات هذا المجلس في إدارة مواجهة الحظر. تجب الاستفادة من هذه القابلية على نحو كامل - إن شاء الله - وعلى مسؤولي السلطات الثلاث متابعتها بتعاون كامل وبمودة كاملة. طبعاً هي موجودة بحمد الله، وهناك مودة بينهم. حسناً كانت هذه القضايا الاقتصادية، وقد أخذت هذه القضايا معظم وقتنا، واستغرقَت وقتاً طويلاً أيضاً.
المجاهَدة الذّكيّة في قضيّة الثّقافة
قضية الثقافة المصيرية مهمة جداً، وهناك حاجة إلى مجاهَدة ذكية في مجال العلم والثقافة وفي الاتجاه الصحيح. إن المراكز المتعهّدة الرسمية مثل وزارة الإرشاد ومنظمة «التبليغات» ومكتب «التبليغات» والإذاعة والتلفزيون و«المجلس الأعلى للثورة الثقافية» هم المخاطب بالدرجة الأولى لهذا الطلب، وفي الدرجة الثانية - طبعاً لا يمكن القول [حرفياً] بالدرجة الثانية - بطبيعة الحال الناشطون الثقافيون المنتشرون على نطاق واسع في البلاد، وبحمد الله هم ليسوا قليلين بل كثيرين. لا بدّ للجميع حقاً من متابعة هذه القضية الحيوية للثقافة والاهتمام بها. لكن هذا يجب أولاً أن يكون على هيئة مجاهدة ومثابرة ليلاً ونهاراً. ثانياً يجب أن تكون ذكية لا معصوبة العينين وعلى العميَان وما إلى ذلك، فعليهم أن يتحركوا في الاتجاه الصحيح. كانت هذه [قضية] أيضاً.
منع جعل دبلوماسيّة البلاد متعطّلة بسبب المحادثات النوويّة
بحمد الله، تخطو الدبلوماسيّة في اتجاه جيّد. وما يحظى بالاهتمام اليوم في الشؤون الدبلوماسيّة هو القضيّة النوويّة، وأنتم بالطّبع تتابعون أخبار القضيّة النوويّة ومطّلعون على مسار القضايا. كما قلت سابقاً وقال المسؤولون الحكوميّون أيضاً، وأكّد السيّد رئيس الجمهوريّة هذا الأمر مكرَّراً أيضاً، لا تنتظروا في تخطيطكم للأعمال المفاوضاتِ النوويّة إطلاقاً. إطلاقاً! أنجزوا عملكم وانظروا إلى أوضاع البلاد الجارية وخطّطوا وفق الأوضاع الحاليّة. قد تصل المفاوضات إلى مواضع معيّنة، مواضع إيجابيّة، مواضع نصف إيجابيّة، سلبيّة... مهما حدث، أدّوا أعمالكم ولا تربطوها بها. حسناً، لحسن الحظّ أنّ وزير الخارجيّة المحترم والمسؤولين في الفريق المفاوض يُقدّمون إلى رئيس الجمهوريّة و«المجلس الأعلى للأمن القومي» تقاريرهم الدّقيقة ويُطلعونهم على المستجدّات ويتّخذون القرارات ويُفكّرون ويدرسون جوانب القضيّة.
شروط انتقاد المسؤولين
لا مشكلة في انتقاد أعمال هؤلاء المسؤولين أيضاً، ولا مشكلة في إبداء الرأي، لكن عليكم أوّلاً أن تحرصوا ألا تكون الآراء والانتقادات مشوبة بسوء الظنّ. طبعاً، لطالما كنت ألفت انتباه المسؤولين في الحكومات كلها إلى أن النظرة تجاه من يكون في الميدان ومشغولاً بالعمل في الخطوط الأماميّة لا تنبغي أن تكون مشوبة بسوء الظنّ. حسناً، الأشخاص المؤمنون والثوريّون والمفعمون بالجد والاجتهاد والمثابرة في العمل يعملون في هذا المجال. وإذا تمّ توجيه انتقاد، فليكن نابعاً من حُسن الظنّ لا مشوباً بسوء الظنّ. ثانياً ينبغي ألّا يؤدّي إلى تضعيف هؤلاء المشغولين في هذا الميدان بالسعي والعمل، وألّا يجري إضعاف أمل النّاس أيضاً، أي لا يجري الكلام [المحبِّط].
غياب طريق مسدود في أوضاع البلاد
طبعاً صمد الفريق المفاوض حتّى اللحظة أمام تجبّر الطرف المقابل وجشعه بالتوفيق الإلهي، وسوف يستمرّ في صموده دون شكّ، بحمد الله. الذي نكث العهد هو الطّرف المقابل، وهم أنفسهم الآن عَلِقوا في نكثهم هذا العهد، أي الطّرف المقابل الذي نكث العهد ومزّق ذاك الاتّفاق وفق قولهم هو نفسه عَلِق فيه الآن وبات يشعر أكثر بأنّه وصل إلى طريقٍ مسدود. نحن، بحمد الله، لا نشعر بالوصول إلى طريق مسدود. لقد استطعنا تحمّل الصّعوبات وتخطّيها. تخطّينا كثيراً من المشكلات وسوف نتخطّى المشكلات الأخرى أيضاً بتوفيق من الله.
فلسطين حيّة والشّباب الفلسطينيّون يقظون
القضية الأخرى هي قضية فلسطين، وأودّ أن أقول كلمة. بحمد الله، تثبتُ فلسطين أنّها حيّة. فلسطين حيّة خلافاً لسياسات أمريكا وأتباعها الذين أرادوا لقضيّة فلسطين أن تُنسى وأن يودعوا القضيّة غياهب النّسيان، فينسى النّاس أساساً وجود أرض تُدعى فلسطين وشعب يُسمّى الشّعب الفلسطينيّ. [لكن] خلافاً لإرادتهم تبرز قضيّة فلسطين يوماً بعد يوم. اليوم، الشّباب الفلسطينيّون في أراضي الـ48، لا الأراضي البعيدة، بل في مركز فلسطين المحتلّة، استيقظوا، وهم يتحرّكون ويعملون ويبذلون الجهود، وهذا سوف يتواصل وسوف يستمر دون شكّ، وبتوفيق من الله وطِبقاً للوعد الإلهي سيكون النّصر أيضاً حليف شعب فلسطين.
نصيحة إلى الحكّام السّعوديّين من أجل إنهاء حرب اليمن
القضية اليمينة على هذا النحو أيضاً. في قضيّة اليمن لديّ كلمة نُصح أوجّهها إلى السادة السعوديّين، وهي حقّاً نابعةٌ من النصح ونيّات خيّرة: لماذا تواصلون حرباً توقنون بأنّكم لن تنتصروا فيها؟ أصلاً، هل هناك احتمالٌ أن تنتصر السعودية في حرب اليمن؟ الاحتمال معدومٌ أيضاً. مع هذه الهمّة التي يتمتع بها الشّعب اليمني وهذه الشّجاعة التي يخرج بها قادتهم، ومع حيازتهم زمام المبادرة في مختلف القطاعات، يصير احتمال الانتصار معدوماً. حسناً، فلماذا تستمر حربٌ لا يوجد فيها احتمال لتحقيق النّصر؟ اعثروا على سبيل تُخرجون به أنفسكم من هذه الحرب. حسناً، جرت أخيراً بعض المفاوضات، وإن كانوا قد أعلنوا على الورق أو شفهياً توقفاً للحرب حتى لشهرين، فإنّ ذلك جيّدٌ جدّاً. لو كان هناك إيقافٌ فعليّ للحرب بالمعنى الحقيقيّ للكلمة وإن كان لشهرين، فإنّ هذا مغتنم وجيّدٌ جدّاً. يجب أن يستمرّ هذا الأمر. الشّعب اليمنيّ هو أيضاً شعبٌ صبور وقد ظُلم في هذه القضيّة بالمعنى الحقيقيّ للكلمة، والله المتعالي يمدّ المظلومين بالعون أيضاً، وطبعاً سوف يشمل الله المتعالي الشّعب اليمنيّ المقاوم والشعب الفلسطينيّ المقاوم بلطفه الإلهيّ، إن شاء الله.
توصية للمسؤولين بـ: اغتنام فرصة المسؤوليّة،
وتجنّب العمل من أجل الاستعراض، وتقديم مصالح البلاد على المصالح الخاصّة
كلمتي الأخيرة هي: أيها الإخوة والأخوات الأعزاء، فرصة المسؤولية تعبُرُ سريعاً. تمرّ سريعاً جدّاً وتنتهي. اغتنموا هذه الفرصة. استفيدوا من كلّ ساعة منها.
التوصية الثانية: لا تعملوا من أجل الاستعراض. لا يكن توجّهكم لجعل الناس الذين اختاروني في تلك المنطقة أو مثلاً الأشخاص الذين يستمعون لي وأنا أتحدث على التلفزيون متفائلين تجاهي. هذا سوف يقضي على بركة العمل. أنّكم تفكّرون في أن يفرح الناس منكم ولا تهتمون بأهميّة العمل والعمل نفسه والرضا الإلهي، فهذا سيذهب ببركة العمل، وغالباً لا يُثمر.
القضية الثالثة هي تضارب المصالح. الآن أرى أنّ كلمة تضارب المصالح هذه تتكرر باستمرار في «مجلس الشورى الإسلامي». تضارب المصالح ليس في الاقتصاد فقط، فهناك تضارب للمصالح في أمور أخرى. إذا كان لديّ ولديك مصلحة في توجّهنا إلى الناس، وهناك مصلحة أيضاً هي المصلحة العامة للبلد، هنا يحدث تضارب في المصالح. أيّهما سنقدّم؟ إذا قدّمَنا سمعتنا واهتمام الناس بنا على ما هو في مصلحة البلد، فهذا مثال على تضارب المصالح. يجب أن نلتفت إلى الله. هذا في ما يخص هذا الموضوع.
المحافظة على المسافة وخطوط العمل بين الحكومة و«مجلس الشورى الإسلامي»
للمجلس والحكومة أيضاً مسؤوليات محددة في القانون. لقد قلت هذا سابقاً في اجتماع آخر، أنْ حافِظوا على هذه الخطوط الفاصلة، وأن يكون ذلك على نحو تتحمّل فيه الحكومة مسؤوليتها حتى يتمكن الإنسان من مساءلتها ومن مساءلة المجلس ومن الحُكم على المجلس. إذا اختلطت الأمور، يصير من الصعب الحُكم.
إلهي، بمحمد وآل محمّد، اجعل نياتنا صادقة، واجعل ما قلناه وما فعلناه وما نفعله وما نقوله من أجلك وفي سبيلك. إلهي، املأ قلوبنا بالإخلاص في العمل من أجلك. إلهي، بمحمد وآل محمد، احشر إمامنا [الخميني] العظيم الذي فتح هذا الطريق أمام هذا الشعب، وأدخلنا هذا الميدان وهذا الطريق، واحشره مع أنبيائك وأوليائك وأرضِ روحه الطاهرة عنا، وأرضِ عنّا الأرواح الطاهرة للشهداء الأعزاء، وأنزل على عائلاتهم أجرَك وصبرك ولطفك ورحمتك.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
[1]. في بداية هذا اللقاء، قدّم تقريراً حجة الإسلام والمسلمين السيد إبراهيم رئيسي (رئيس الجمهورية).
.[2] مصباح المتهجد وسلاح المتعبد، ج. 2، ص. 611.
.[3] مصباح المتهجد وسلاح المتعبد، ج. 2، ص. 610.
[4]. مصباح المتهجد وسلاح المتعبد، ج. 1، ص. 60.
[5] استخدم سماحته كلمة «چارواداری» والتي تعني تربية الكائنات التي تمشي على أربع، ويقصد الذنوب التي لها طبيعة حيوانيّة.
[6] الصحيفة السجادية، الدعاء 20.
[7] مصباح المتهجد وسلاح المتعبد، ج. 2، ص. 592، دعاء «أبو حمزة الثمالي».
[8] من جملتها صحيفة الإمام، ج. 8، ص. 388، وخطابه في جمع من قادة «حرس الثورة الإسلامية»، 3/7/1979.
[9] مصباح المتهجد وسلاح المتعبد، ج. 2، ص. 849، دعاء «كميل».
[10] مصباح المتهجد وسلاح المتعبد، ج. 2، ص. 586.
[11] الصحيفة السجادية، الدعاء 46.
[12] مصباح المتهجد وسلاح المتعبد، ج. 2، ص. 845.
[13]. نهج البلاغة، الرسالة 62.
.[14] لقاء مع المُنتجين والمسؤولين في مجالَي الصناعة والاقتصاد، 30/1/2022.
[15] جون بولتن (المستشار السابق للأمن القومي).
[16] إبلاغ السياسات العامة للمادة 44 من الدستور، 22/5/2005.
[17] من جملتها كلمته في لقاء جمع من العمال والمعلمين، 3/5/1994.
نظرات وعبرات ،هل نشهد قريبا "سيف القدس 2″؟
محمود عبد الهادي
(يكرر مستوطنون إسرائيليون اقتحاماتهم لساحات المسجد الأقصى بالقدس المحتلة بحراسة مشددة من الشرطة )
المواجهات التي يشهدها المسجد الأقصى هذه الأيام، في أعقاب العمليات الاستشهادية المتتابعة التي قام الشباب الفلسطيني في مدن الكيان الصهيوني وأسفرت عن مقتل وإصابة العشرات، جعلت الأنظار في فلسطين والشارع العربي والإسلامي خاصة تتجه من جديد صوب المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، وفي مقدمتها كتائب عز الدين القسام، الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية (حماس)، ترقبًا لبدء معركة "سيف القدس 2". فهل تعيد المقاومة الفلسطينية سيناريو معركة "سيف القدس" خصوصا وأن سياق الأحداث الحالية يشبه كثيرا سياق الأحداث التي سبقتها؟ وماذا لدى الفلسطينيين من خيارات غير ذلك؟
المقاومة هي الورقة الرابحة التي يمتلكها الشعب الفلسطيني منذ 80 عاما، وهي ورقة الضغط الأقوى التي تزعزع استقرار الكيان الصهيوني، وتفند ادعاءاته، وتهدم أساطيره التي يشغل بها العالم. والشعب الفلسطيني لن يتنازل عن هذه الورقة مهما طال الزمن، ومهما بلغت التضحيات.
في مثل هذه الأيام من العام الماضي، اندلعت المواجهات الفلسطينية في القدس والمسجد الأقصى بسبب قضية حي الشيخ جرّاح، انتهت بتصعيد عسكري نوعي قامت به المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة لأول مرة في تاريخها، وذلك في العاشر من مايو/أيار من العام الماضي، إذ أمطرت فيها الكيان الصهيوني بزخات من الصواريخ محلية الصنع في معظمها، أصابت العديد من مدنه ومناطقه، فيما أطلقت عليه حركة المقاومة الإسلامية (حماس) اسم معركة "سيف القدس"، وبعد 11 يوما توقفت المواجهة، بوساطة مصرية، بعد أن فقد فيها الفلسطينيون في قطاع غزة أكثر من 200 شهيد، وتكبّد الكيان الصهيوني أكثر من 13 قتيلا.
عام من الفشل
قبل أن ينتهي العام الأول على مرور معركة "سيف القدس" التي تحتاج إلى استعدادات خاصة للاحتفال بها، فلسطينيا وعربيا وإسلاميا، وقبل أن نشهد حدوث "سيف القدس 2″، لا بد من عملية جرد حساب لما تحقق في أعقاب "سيف القدس 1" على مدار عام، فرغم استثنائية المعركة، ونوعية النتائج المباشرة التي أسفرت عنها، ورغم الفرص الكبيرة التي أتاحتها للشعب الفلسطيني، ورغم الوعود والآمال والمكاسب التي كان الشعب الفلسطيني ينتظرها في الداخل والخارج، فإن شيئا منها لم يتحقق، وخاصة على المستويات التالية:
الانقسام الفلسطيني
ما زال الانقسام على حاله، رغم كل النتائج السلبية التي يتركها على الواقع السياسي والتنظيمي للشعب الفلسطيني، وخاصة بين أكبر تنظيمين في الساحة الفلسطينية: حركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح)، وحركة حماس. وقد أدى ذلك إلى استمرار فشل الجهود الرامية إلى إجراء انتخابات رئاسية ونيابية قد تؤدي إلى تحريك الوضع السياسي الفلسطيني قليلاً إلى الأمام، أو على الأقل تزحزحه من مكانه الذي تجمّد فيه منذ سنوات.
تعاون السلطة الفلسطينية مع الكيان الصهيوني
ما زالت السلطة الفلسطينية بقيادة الرئيس محمود عباس (أبو مازن) تصر على التعاون سياسيا وأمنيا مع حكومات الكيان الصهيوني، الذي لا يقدّر مطلقًا هذا الدور للسلطة الفلسطينية، فعنف المواجهات والاعتقالات والاقتحامات والاستيطان ومصادرة الأراضي والاعتداء على المزارع وارتفاع عدد ضحايا المواجهات.. كل ذلك لم يتغير منه شيء تقديرا من الكيان الصهيوني لإصرار السلطة الفلسطينية على الوقوف إلى جانبه. ولو أن السلطة الفلسطينية تعاملت في موضوع الانقسام الداخلي والمصالحة مع حركة حماس بالروح نفسها التي تتعامل بها مع الكيان الصهيوني، لانتهى الانقسام منذ سنوات.
غياب المشروع السياسي الفلسطيني الوطني
ما زالت السلطة الفلسطينية متمسكة بوهم حل الدولتين الذي لا يعترف به الكيان الصهيوني، وكنتيجة حتمية للانقسام بين حركتي فتح وحماس، فإن كافة المحاولات والجهود التي تبذل لإصلاح المؤسسات السياسية الفلسطينية، والتوافق على مشروع سياسي فلسطيني وطني مشترك لتحرير فلسطين، جميعها -للأسف الشديد- باءت بالفشل، وقد أدى ذلك إلى أن يستمر الحراك الفلسطيني بكل تضحياته على غير هدى.
استمرار تقدم مشروع "أبراهام"
يستعد أصحاب مشروع "اتفاقيات أبراهام" الصهيوني للاحتفال بانضمام وجبة جديدة من الدول العربية والإسلامية إلى المشروع، في حين قطعت الدول التي التحقت بالاتفاقية، كالإمارات والبحرين والمغرب، أشواطا متقدمة، تجاوزت حدود التصورات، في إجراءات وفعاليات واتفاقيات التطبيع مع دولة الكيان الصهيوني في كافة المجالات، دونما اعتبار لأثر ذلك على القضية الفلسطينية، التي بدت بالنسبة لهم وكأنها لم تكن موجودة في يوم من الأيام.
الفشل الفلسطيني الإقليمي والدولي
حالة الانقسام السياسي التي يعاني منها المشهد الفلسطيني، أدت إلى فشل الاستفادة من نجاحات "سيف القدس" في تعزيز الموقف السياسي، وزيادة الضغط على الكيان الصهيوني، والدول الغربية المساندة له، وبالتالي لم نشهد أي حراك سياسي مؤثر ضمن هذا الإطار، مما أدى إلى إهدار فرصة رائعة ونادرة من صور انتصارات المقاومة الفلسطينية.
الخيار الثالث
في ظل هذا الفشل السياسي الذريع للسلطة الفلسطينية ومن بعدها القوى الفلسطينية السياسية والنقابية والاجتماعية والمدنية، لم يبق أمام الفلسطينيين من خيار سوى الاستمرار في المقاومة، وتصعيدها دون حدود، كخيار ثالث، لفشل حل الدولتين، وانعدام الفرصة حاليا لحل الدولة الواحدة. هذا الخيار الثالث سيحقق للشعب الفلسطيني العديد من المكاسب، وفي مقدمتها ما يأتي:
- تأكيد أن الطرف الرئيسي في الصراع العربي الفلسطيني هو الشعب الفلسطيني، الذي لن يتنازل عن حقوقه المشروعة مهما بلغ حجم الإجحاف الدولي والتخاذل العربي، وأنه لن يسمح بمرور أي مشروعات تسوية أو تصفية على حساب حقوقه.
- تأكيد أن المقاومة هي الورقة الرابحة التي يمتلكها الشعب الفلسطيني منذ 80 عاما، وأنها ورقة الضغط الأقوى التي تزعزع استقرار الكيان الصهيوني، وتفند ادعاءاته، وتهدم أساطيره التي يشغل بها العالم. وأن الشعب الفلسطيني لن يتنازل عن هذه الورقة مهما طال الزمن، ومهما بلغت التضحيات.
- وضع العصا في عربة التطبيع، والوقوف في وجه المراحل التالية من مشروع "اتفاقات أبراهام"، وتأكيد أن مصير هذه الاتفاقات هو الفشل، مهما بلغت جهود الدول الراعية والشريكة في هذا المشروع، وتأكيد أن المشروع لن يمر إلا على أجساد الشعب الفلسطيني.
- التنبيه المستمر للمجتمع الدولي بأن القضية الفلسطينية على رأس الأولويات، وأن الشعب الفلسطيني لم ينس قضيته، ولم يتنازل عن حقوقه، وأنه سيواصل مقاومته للكيان الصهيوني وجرائمه مهما بلغ دعمهم له، وتسترهم عليه.
اقترحت في مقال سابق، بعد معركة "سيف القدس"، قبل حوالي عام، دخول الشعب الفلسطيني في انتفاضة ثالثة مفتوحة، وإذا كانت بعض القيادات الفلسطينية التي أكلها الصدأ، قد خذلت الشعب الفلسطيني، فإن الدماء الحارة التي تجري في عروق الشباب المتجدد قادرة على إشعال هذه الانتفاضة، التي لن تكون ضد الاحتلال الصهيوني ومستوطنيه فقط، وإنما ضد كافة المعوقات الداخلية والخارجية التي تمنع التوصل إلى حلول نهائية لمأساة الشعب الفلسطيني.
هذه الانتفاضة الثالثة ستكون ضد اتفاقيات "أوسلو" وحل الدولتين، وضد السلطة الفلسطينية التي أكلها الصدأ وشلّها الفساد والمكتسبات الوهمية، وضد الانقسام الفلسطيني الذي أصبح عارا لا يمكن السكوت عنه أكثر من ذلك، وضد التخاذل العربي والعجز الرسمي الإجرامي، وضد المجتمع الدولي ومؤسساته وتخاذلها في حق القضية الفلسطينية، وازدواجيتها في محاباة الكيان الصهيوني، وضد "اتفاقيات أبراهام" ومشروعاتها المستقبلية.
ربما تعيق الحسابات السياسية ومكتسباتها مثل هذه الخطوات، ولكن انسداد الأفق، وصعوبة البدائل والخيارات، لا تترك أمام الشعب الفلسطيني وقواه الحقيقية الكثير من الوقت للتفكير، وخصوصا وأن الشعب الفلسطيني في جميع الأحوال يقدم يوميا من أبنائه ودمه وعمره ثمن التخاذل والتردد والتراجع والخيارات الخاطئة.
المصدر :الجزيره
نصائح رمضانية
هلّ علينا شهر رمضان المبارك ضيفاً عزيزاً على جميع المسلمين، ومنذ بعض السنوات فإن هذا الضيف العزيز يحلّ علينا في فصل الصيف، لهذا وجب علينا الاهتمام ببعض النصائح والوصايا للاهتمام بها خلال أيام وليالي رمضان حتى يكون شهر خير وبركة وسعادة للجميع:
ومن أهم هذه النصائح:
1- الابتعاد عن المأكولات المالحة التي من شأنها زيادة الشّعور بالعطش.
2- تناوُل الطّعام ببطء والمضغ جيّداً حتّى الوصول إلى الشّعور بالشّبع قبل أن يتناول كمّيات كبيرة من الطّعام.
3- تناول الكثير من مصادر الألياف الغذائيّة في وجبتي الفطور والسّحور.
4- تجنّب تناول الأطعمة الجاهزة.
5- تناوُل الأطعمة التي تحتوي على نسبة عالية من الماء، مثل الفواكه، والخضروات، والشّوربات، والبقوليّات.
6- ممارسة الرّياضة خلال شهر رمضان بعد وجبة الإفطار.
كيف نتعامل مع طفل لا يصغي؟
تساؤل طالما طرحه الأهل علينا: «كيف نتعامل مع طفل لا يصغي، يدير الأذن الطرشاء، يجب تكرار ما نود قوله له مرات (لا بل مئات المرات)، لا ينتبه إلى شيء..»؟
الطفل الذي لا يصغي أبداً، أو لا يصغي غالباً، أو يصغي قليلاً...،
أكان الأمر يتعلق بالقواعد المفروضة ضمن إطار العائلة أو بالقواعد المدرسية، ليس بالضرورة طفلا سيئ الإرادة: هناك أسباب كي يدير هذا الطفل الأذن الطرشاء للأهل و/ أو للمدرّسين، ومن المهم فهمها لتجاوز مشاعر انشغال البال، الانزعاج، وحتى نفاد الصبر من هذا السلوك الذي قد يثيره، وللتوصل إلى التفاهم مع هذا الطفل الذي يبدو أنه لا يريد أن يفهم، لابدّ لهم من طرح التساؤلات التالية:
لمَ لا يصغي؟ كيف نساعده على الإصغاء؟ كيف تتم إدارة الأزمات؟ هل الأمر أكثر صعوبة خلال المراهقة؟
من شأن تقديم إجابة واضحة عن هذه التساؤلات التي تعني الطفل، منذ الولادة حتى المراهقة، مساعدة الأهل على إثارة اهتمامه ودفعه للإصغاء إذ، أبعد من مسألة الطاعة هناك مسألة الاهتمام الذي يحمله الطفل تجاه العالم والآخرين: فأن نصبح أهلاً، يعني فرحة كبيرة، لكن ليس ذلك فقط بل أيضاً انشغالات بال، الكثير من الأسئلة.. من الغيظ والحنق.
من الغضب، بخاصة حين تفرض الحاجة علينا تكرار الشيء نفسه مائة مرة لأطفالنا من دون الإحساس بأنّنا مسموعون (أو أن الطفل يسمعنا).
لمَ لا يصغي الطفل؟
بالنسبة للأهل، الطفل الذي لا يصغي هو دائماً طفل لا يطيع كأن الطاعة هي نتيجة مباشرة للإصغاء، وبالنسبة للمدرّسين، الإصغاء الجيّد يترجم بـ«الحفـظ الجيّد»، «المذاكرة الجيّدة»..
والتساؤل يبقى نفسه: لم لا يصغي الطفل؟ أيتعلق الأمر بصعوبة مؤقتة أم دائمة؟ وكيف يمكن مساعدته؟
لابد هنا من التمييز بين عمليّتي: «الإصغاء»، و«السماع»، فبالمعنى الفسيولوجي، لا يتطلب بداية السماع مشاركة ناشطة، أما الإصغاء فيتطلّب انخراطاً حقيقياً ويفترض نشاطاً تابعاً له قد يكون الطاعة أو التذكّر أو.. إلخ، وبالتالي، يعني الأصغاء «إدارة الأذن لنسمع»، ثم «الاهتمام بما نسمعه»: هناك فرق واضحٍ، مثلاً، بين سماع موسيقي (حيث أكون مسترخياً كفرد، أي بموقف سلبي)، وبين الإصغاء لموسيقى، (حيث أكون بموقف ناشط: منتبه للحن، للأدوات الموسيقية، للانفعال الذي تثيره الموسيقى في داخلي..)، إذن، يتجاوز الإصغاء السمع إذ لابدّ من أخذ مؤشرات إضافية أخرى بالاعتبار، مؤشرات تتعلق بالآخر، بالوضعية.. إلخ.
لكن، مهما يكن من أمر، يبقى انشغال بال الأهل بخصوص واقع عدم إصغاء الطفل حيث عليهم «تكرار الشيء نفسه مائة مرة»، واقعاً جدياً ينبغي منحه الاهتمام اللازم إذ: ماذا سيحدث في المستقبل إن استمرّت الحال على ما هي عليه؟ كيف سيتمكن هذا الطفل من الاندماج في مجتمعه، هذا المجتمع الذي يفرض على أفراده قواعد عليهم التقيد بها؟ وهو (أي المجتمع) سيكون، بالمقارنة مع الأهل المتسامحين نسبياً مع طفلهم، أقل تفهماً بكثير؟ والحوار يبقى ممكناً كما تبقى الوضعية (مهما بلغت درجة تأزّمها) قابلة للتحسن، بشكل عام، إذ تكفي استشارة أخصائي لمعالجة اضطرابات تشكّلت كردود فعل على مواقف عائلية أو مدرسية، وحتى، حين يستتب الاضطراب وتبدو عواقبه خطيرة، إن في المنزل أم في المدرسة، أي حين يصبح الاضطراب مثيراً فعلاً لانشغال البال، يبقى التحسّن والتطوّر ممكنين:
أولاً، شرط أن نتمتع، كأهل، بالصبر لأنّ عمليات الصد والتوقف التي رسخت عند الطفل قد استغرقت سنوات، ولا يمكن التخلص منها خلال أيام.
ثانياً: شرط أن نعمل بقوة مع الطفل و/ أو المراهق، ومن دون استسلام، حتى حين نكون بحالة غضب أو إرهاق أو.. وإلّا، فإن عدم صبرنا وعدم تفهّمنا كبيئة لمشكلات الطفل يشكّلان عناصرتنبّؤ سيئ بالنسبة لتطوّره.
بداية المشكلة
هنا، تفرض عام الإجابة عن التساؤل التالي نفسها: متى تبدأ مشكلة الإصغاء عند الطفل؟
قد تظهر أول الأعراض مبكراً، أي منذ السنوات الأولى، وبشكل خاص، في فترات: اللبس، غسل الأسنان، التحضّر للخروج إلى المدرسة، حيث ينبغي على الأهل «تكرار الشيء نفسه مائة مرة» بشكل عام.
لكن هناك، بالنسبة لإصغاء الطفل، مراحل عمرية تبدو حسّاسة أكثر من غيرها:
مرحلة ما بين ۱-۷ سنوات تبدو الأكثر صعوبة، في حين تبدو مرحلة ما بين 7-۱۰ سنوات الأكثر هدوءاً، ثم، انطلاقاً من 11-12 سنة (مرحلة البلوغ والمراهقة)، تظهر مشكلات جديدة على مستوى الإصغاء.
وبالنسبة لإرساء العلاقة مع الطفل، وهي محور عملية الإصغاء، نقول: ليس هناك طريقة واحدة إذ أن طريقة تفكير الأهل بالطفل هي متنوعة وخاصة بكل من الأهل وتاريخيتهم، لذا، ينبغي ألا يشعر الأهل بالذنب، أولئك (الأم، بشكل خاص) الذين، لأسباب مختلفة (مرض عمل، انشغالات عائلية..) لم يتمكنوا من التفكير بالطفل: الشعور بالذنب أمر لا يمكن تجنّبه، لكنه غير مبرر غالباً بخاصة أن كلاً من الأهل يفعل ما يستطيعه لا ما يودّ فعله.
فالتربية أو التأديب، تتكون، عموماً، من لمسات من عمليات ارتجال من تأملات من لحظات هدوء.. من ضحكات.. من بسمات.. لكن، أيضاً، من توترات، لحظات غضب، من تعصيب..إلخ، إذ لا وجود لعلاقة سارّة تماماً بشكل عام، علاقة تخلو من صراعات، فقط حين تكون هذه الصراعات متواترة و/ أو مكثّفة تصبح، حينذاك، مثيرة لانشغال البال.
أكثر من ذلك نقول ، لقد تبين أن عدم استجابة الأم و/ أو المربّي بشكل منهجي ودائم لحاجات الطفل نظراً لانهماكهما اليومي، هو أمر تربوي إذ يدرب الطفل على الانتظار: على تأجيل الإشباع أو اللذة و/ أو التخلي عن طلباته، وذلك أمر مفيد جداً لحياته المستقبلية التي ستكون على هذا النحو.
ثم إن عدم الإصغاء، يرتبط بشكل شبه دائم، بمهمة غير سارّة أو يعتبرها الطفل كذلك، وهي بدورها، ترتبط بمبدأ اللذة المسير للمراحل الأولى من نموه: فالطفل الذي لا يصغي، لا يتقبل الإكراه (الأمر أو الطلب) لأنه لايزال على مبدأ اللذة المباشرة، ولم يصل بعد لمبدأ اللذة المرجأة التي ترتبط بمبدأ الواقع: مبدأ اللذة المرجأة هذا لا يظهر إلا بشكل متأخر بالنسبة لمبدأ اللذة، ومع ذلك، ما نطلبه منه هو لخيره: لتمكينه من التطور، الآن وفيما بعد، بمزيد من الطمأنينة ولتزويده بمفاتيح قانون اجتماعي يحتاج إليه.
وعلينا، كأهل، تزويده به فيتمكن من إدراكه، ومن ثم احترامه.
من شأن المثال التالي إيضاح ما نود قوله: يتوقف الراشد عند الإشارة الحمراء لأنه،
أولاً: يخشى دفع غرامة إن لم يتوقف.
ثانياً: يعرف أن احترام القانون يؤمن سلامته (لن يتعرّض لحادث قد يودي بحياته، مثلاً)، وبالتالي، أدرك، كراشد، فائدة هذا الاحترام على المستوى العقلي.
يُفهم، إذن، لمَ ليس من السهل على الطفل أن يطيع: فللخوف من الشرطي ومن العقاب دوره، هذا صحيح، لكن فهم القاعدة (احترام الإشارة الحمراء كي لا نعرّض أنفسنا لخطر الموت)، وإدراك الحاجة إليها وإلى تأثيراتها الإيجابية اللاحقة (المحافظة على سلامتنا) يتطلّبان أوليّات أكثر تبلوراً على المستوى العقلي والثقافي الذي لم يمتلكه الطفل بعد.
جوهر المشكلة
يشكّل مبدأ «اللذة المرجأة» (إرجاء اللذّة) أو مبدأ اللذّة الثانوية أحد هذه الأوليّات، وعلى الجميع (الأهل والمربّين) الانطلاق منه، كمحور أساسي، لتربية الطفل نظراً لكون الصغير يعمل، على مستوى الوظائفية النفسية، في إطار هنا والآن، أي لا قيمة ولا أهمية بنظره إلا لما يحدث في اللحظة الحاضرة.
بتعبير آخر نقول، لم يمتلك الطفل بعد طاقة الاستباق المرتبطة بمفهوم الزمن (الماضي، الحاضر، المستقبل): هذه الطاقة ليست فطرية بل مكتسبة، ويحتاج الطفل إلى أن يعيشها (يختبرها) ليتمكّن من اكتسابها بشكل تدريجي.
وإن تمّ كل شيء كما ينبغي، قد يمتلكها الطفل عند عمر 6-8 سنوات، والمؤشر على امتلاكه لها قدرته على وضع نفسه زمنياً كالقول مثلاً في أي يوم نحن؟ أي يوم هو غداً؟ وبعد غد؟ هذا المؤشر هو نفسي ويدركه الطفل بالنسبة للوقت الذي يمر حيث يعي الحاضر لكن، أيضاً، الماضي والمستقبل: يشكّل ذلك أحد المكتسبات المهمة جداً خلال السنوات الأولى.
يرتبط هذا المؤشر النفسي بمؤشر آخر يميّز نفسانية الطفل: تمحور الطفل حول نفسه وعدم إدراكه للآخر كفرد له حاجاته الخاصة إلا بشكل تدريجي، أي فيما بعد.
وهذان المؤشران (القدرة على الاستباق ووضع النفس مكان الآخر لفهم حاجاته ومتطلباته) هما معطيان لابد له من اكتسابهما كي يتمكن الطفل من تحقيق الإصغاء.
وبإمكان الأهل إرساء هذه المؤشرات بسهولة إذ هناك الكثير من الأشياء الصغيرة والاعتيادية التي يقومون بها والتي تساهم بتعزيزها عند الطفل، كالقول له -مثلاً- «نم جيداً يا طفلي العزيز إلى الغد»، «أنا والبابا سنأتي لأخذك من الحضانة» (لدى وضعه فيها صباحاً).. إلخ،
من شأن ذلك تعزيز خبرة إيجابية بخصوص الاستباق تعزّز إرساء مفهوم «ما قبل»، و«خلال» و«ما بعد» لأن الأهل هم حاضرون فيما بعد (حين يأتون لأخذه أو حين يستفيق من النوم..)، وهو(أي الطفل) يتعرّض لهذه الخبرة منذ الولادة إذ يتم تنسيق التربية بين إشباع مباشر (استجابة الأم أو البديل عنها لطلبات الطفل ما إن يصرخ لأنه جائع، متّسخ..إلخ) وبين تأجيل هذا الإشباع حيث يتم تقديم «وقعة الغذاء»، مثلاً في أوقات معيّنة: هنا أيضاً تجربة لاواعية لما قبل وما بعد الإشباع.. وهي تجربة ضرورية جداً كأوليات تمهيدية للانتظار، للحرمان، لاستباق إصغاء يثير الرضا عند الرضيع..إلخ.
من شأن الصورة التالية إيضاح أهمية هذا التعلّم: لنتخيل أماً تكون ردود فعلها غير منتظمة، دائمة التأخر بالنسبة لطلب الرضيع (بخاصة في أيامه و/أو أسابيعه الأولى) ومن دون أي اعتبار للطابع الملح في الطلب، ماذا سيحدث؟ قد تتدهور علاقة الثقة، الضرورية، بينه كرضيع وبين أمّه: ستأتي، لن تأتي، تستغرق طويلاً لتستجيب، تأتي حين لا يكون بحاجة إليها.. وفي هذه الحالة، تُعايش الأم كسند غير مستقر وغير مثير للطمأنينة، مع العلم بأن هذا السند يعتبر أحد أهم الدعائم الأولى للنمو السوي عند الطفل.
وهكذا، تكون علاقات الرضيع مع «ما بعد» مشوشة ومضطرية، وقد يبقى كذلك (كطفل وحتى، فيما بعد، أي كراشد)، لأن الخبرات اللاواعية المكّونة لديه عن الأشهر الأولى من حياته قد رسخت لديه هذه الصورة المضطربة.
نتكلم هنا، حتماً، عن مواقف متكررة، معتادة وثابتة وليس عن بعض التأخر الذي فرضته بعض الظروف، وهو تأخر مفيد له كما رأينا، ولأن هذه المواقف ثابتة، فهي تؤسس لحدوث صدمة مرضية عند الطفل.
لكن، تجدر الإشارة هنا إلى إمكانية، لا بل سهولة، رأب الاتصال، فيما بعد، مع الطفل حتى إن كانت الأشهر الأولى مضطربة، قد يكفي، في هذا الإطار، قيام الأم، مثلاً، ببعض السلوكيات مثل وضعه على الركبتين وقول «أتعرف، حين كنت صغيراً، كنت مريضة أو.. ولم أستطع الاهتمام بك كنت أجعلك تنتظر طويلاً في بعض الأحيان..».
أسباب فسيولوجية
بالعودة إلى السؤال «لمَ لا يصغي الطفل؟»،
يمكن إضافة حالات عدة ممكنة قد تتمثل بأسباب فسيولوجية، أحياناً، من أهمها: النقص في السمع بسبب آلام في الأذن (وبمجرد الشك بذلك، ينبغي التأكد، وإن لزم الأمر رؤية الإختصاصي).
التعب الفيزيقي (وهو سبب يتم غالباً إهماله بالرغم من أهميته إذ ينعكس على الطاقة النفسية وبالتالي، على قدرة السـمع جهة، ويعزز القلق من جهة أخرى)، عدم احترام أنساق الحياة (عدم احترام ساعات تناول الغذاء أو النوم أو اليقظة أو...إلخ، فعدم احترام ساعة النوم، مثلاً، يتطلب من الجهاز العضوي طاقة للتكّيف قد تتسبب بإحداث التعب لدى الطفل)، للغذاء، نوعاً وكماً، تأثيره على الراحة الفسيولوجية للجسم، الضجة هي، أيضاً، عامل مهم إذ، فضلاً عن الأذى الذي تلحقه بإمكانية تحقيق تواصل جيد مع الآخرين، فإنها تتطلب جهداً كبيراً لتجاوزها، النماء الفسيولوجي (وهو أقل قابلية للملاحظة) حيث يحس الطفل بأنه ليس على ما يرام دون أن يكون هناك أي سبب عضوي (يتلاءم ذلك، مثلاً، مع فترات من التغيير النفسي المكّثف الذي يتعرض له الطفل على المستوى العقلي أو الجسمي أو الذهني..).
وقد تتمثل صعوبات الإصغاء بأسباب نفسيّة: لا وجود لأسباب عضوية أو عقلية.
من المهم جداً البحث عن الأسباب النفسية ويأتي في مقدمتها عدم جهوزية الطفل على المستوى النفسي حيث نسمع غالباً عبارة «إنه في عالم آخر..» الدالة على عجزه عن الانتباه لأن طاقته النفسية ليست حرّة، لا لأنه لا يريد ذلك، بل لأنه غير قادر على القيام بذلك.
في هذه الحالة، لا ينفع الوعيد أو الصراخ أو التهديد.. بل ينبغي التساؤل: ما الذي يمنعه عن أن يكون حراً؟ ولأن هذه الأسباب هي لاواعية، لابد من البحث عنها، هنا، في تاريخيته و/أو في التاريخية العائلية: قد يكون السبب وسيلة دفاعية من قبل الطفل تجاه قلق الأهل، مثلاً لا ضدهم، لذا، من المهم جداً عدم إحساس الأهل بالذنب إذ لا ذنب لهم في القلق الذي يحسّون به، والأمور تعود، غالباً، إلى نصابها لدى انخراط الطفل مجدداً ضمن إطار الأسرة حيث يبقى الصراخ والتهديد والوعود.. قليلة الفاعلية وحيث ينبغي البحث عن الأسباب العميقة الكامنة وراء المشكلة.
وقد يكون الأهل أنفسهم السبب: فشل عاشوه مثلاً، خلال الطفولة ويعكس رغبة لاواعية لديهم في عدم تكرار هذا الفشل من قبل الطفل، مما يدفع للتساؤل: أيؤثر لاوعي الأهل على الصفاء النفسي عند الطفل؟ يبدو أن الإجابة هي «نعم»، لم؟ لأننا أهل تبعاً للنموذج الذي عشناه، ذلك هو نسق «التكرار» الشهير: التكرار بالتماثل مع ما عشناه مع أهلنا، أو، على العكس، بالتناقض معه.
كيف نساعد الطفل على الإصغاء؟
قد تتداخل مناسبات عدة، كوضعية اعتيادية (مثل الواجبات المدرسية، ساعة النوم، ساعة اليقظة، ساعة تناول الطعام، الطلب من الطفل ترتيب غرفته.. إلخ)، مع ظاهرات لأواعية معقّدة (إحياء و/ أو إعادة إحياء مشاعر القلق الشخصية)، فينتهي قلق الأهل بإثارة قلق الطفل الذي لا يصغي.
من شأن النصائح العملية التالية مساعدتهم كأهل على تأمين الإصغاء من قبل طفلهم:
- التفكير بالوقت الملائم للقيام بالفروض (تبعا للطفل ولصفائه..).
- اختيار المكان المريح (الأفضل): غرفة الجلوس، المطبخ، غرفة النوم..! المهم أن يكون المكان الأكثر هدوءاً والأكثر بعداً عن أي إغراءات و/أو تشويشات.
- توقع الوقت المطلوب للمهمة،. (إن لم ينته الطفل من واجب معيّن خلال ساعة، على الأكثر فلن يفيد إبقاؤه وقتاً أطول إلا في زيادة الضغط والتوتر..).
- لقاء المدرّس وإعلامه بالصعوبات التي يجدها مع الطفل على مستوى الواجبات وتنسيق الجهود معاً، وهكذا، لن يقول المدرس، مثلاً، «لا يفعل الطفل شيئاً في المنزل»، المسؤول عن سوء الفهم الذي يسود، غالباً، على أجواء الحوار بينه وبين الأهل.
- على كلّ والد (والدة) الاجتهاد لخلق الإطار الفاعلية الأكثر صفاء، تبعاً لنسقه ومكان حياته: ذلك عامل الكامنة مهم، ثم، عليه التركيز على نفسه للتخلص،
أولاً، من مشاعر الذنب،
وثانياً، لإعادة التفكير بتاريخه، كشخص. وإن استمر القيام بالواجبات في جو من الصراخ والبكاء.. من المفضل ربما الطلب من شخص آخر مساعدة الطفل على واجباته.
على مستوى آخر تأتي ممارسة السلطة في رأس هذه الأولويات، كي يكون وجود الأهل إلى جانب طفلهم فعالاً، إنّها ميزة فطرية وغير مكتسبة، وهي تختلف عن التسلّط: فالتسلط يركز على الخضوع في حين تركز السلطة على نقل المعطيات، بمعنى صياغة ممنوعات بأنّه ترفق بتزويد الطفل بالوسائل التي تساعده على فهم هدفها.
حين تكون هذه السلطة طبيعية، فإنّها لا تخلق، توترات، لكن لا يعني ذلك أنّها لا تواجه بمقاومة، بل تديرها بشكل آخر مبني على احترام الآخر، على الثقة، على المصداقية وعلى التواصل، وهي ضرورية لأن الصغير لا يملك الوسائل النفسية تقبل لقياس الخطر الذي يواجهه ويدفع بالآخرين لمواجهته.
ومن يملك احترام الآخر يلغي من قاموسه مصطلحات مثل: السخرية، الرفض، الاحتقار.. حتى وإن كان الآخر لا يملك الطاقات نفسها، الدور نفسه.. إلخ، لأنه موجود كفرد، ككائن بشري، له قيمته كشخص يتّميز بنقاط ضعف لكن، أيضاً، بنقاط قوة خاصة به وينبغي احترامها.
وبالعودة إلى الأهل نقول، بإمكانهم دائماً تأمين لكن هذا الاحترام شرط أن يتساءلوا (كوالد أو كوالدة): هل انا كوالد احترم طفلي؟ ما هي الكلمات التي استخدمها التقييم ما يفعله، وما لا يفعله على وجه الخصوص؟ أأفكر بتهنئته وبتشجيعه حين يصغي جيداً، وكلما قام بعمل جيد.. إلخ؟
ثم ان السلطة تتطلب الثقة بالآخر، الأمر الذي يفترض الثقة بالذات (إحساس يتلاءم مع ذلك الاحساس بالطمأنينة التي نشعر بها والتي ننقلها للاخرين).
وهذه الثقة بالذات هي شديدة الارتباط بتلك التي منحها الأهل لطفلهم والموازية لنظرتهم أليه، هذا من جهة الأهل.
ومن جهة الطفل، فإنه يحتاج إلى أهل يمكنه الاعتماد عليهم معظم الوقت، وكونهم جديرين بالثقة هو أمر يطمئنه كطفل ويجعله يتقبّل الإكراه إذ يعرف، عن طريق خبراته السابقة، أن ما يفرضونه من إكراه (ترتيب أغراضه، القيام بواجباته المدرسية.. إلخ) ليس دائماً وثابتاً، كما أنّه لا يقصد أذيته، لكن ذلك لا يستبعد إمكانات الخطأ من قبلهم (ما من إنسان لا يخطئ).
هناك واقع غاية في الأهمية، لابدّ للأهل من فهمه وتقبّله: ما يخلق عدم التفاهم بينهم وبين الطفل يكمن، غالبا في واقع عيش الطفل في "هنا والآن"، أما هم فيرون الحاضر باستباقهم للمستقبل، مفهوم الاستباق، هذا لن يدركه الطفل سوى أخيراً وبشكل تدريجي، لا يمكنه ، مثلاً، إدراك أن ما يقولونه له بخصوص ترتيب ألعابه سيسمح له، في المستقبل، بإيجاد ألعابه بسهولة، الأمر الذي سيمنحه المزيد من الوقت للعب.
ينبغي الإشارة هنا إلى أن علاقة الثقة هذه ليست خيالية: فهي لا تستبعد المواجهات.
التفسيرات والتوترات المؤقتة، كما أنّها لا تعني ترك الطفل يفعل كلّ ما يحلو له وعلى هواه، بل هناك حقوق لكن، أيضاً، واجبات وقواعد ينبغي التقيّد بها، وفي هكذا مناخ، يمكن للطفل التعبير عن نفسه، ارتكاب الخطأ والتعلم منه من دون خوف من قصاص مرعب ومن دون إعادة النظر بكل شيء.
خلاصة القول، تمر سلطة الأهل عبر قدرتهم على التواصل مع الطفل، وبشكل خاص عبر قدرتهم على الكلام، على التفسير، وفي هذه الحالة، سيحتفظ الطفل بثقته في والده (والدته)، خصوصاً إن كان هذا الأخير يحترم وعوده أو تهديداته.