سوريا

قيم هذا المقال
(2 صوت)

سوريا ويكتبها البعض سورية واسمها الرسمي الجمهورية العربية السورية، دولة عربية تقع في غرب آسيا على الساحل الشرقي للبحر الأبيض المتوسط في منطقة تعتبر صلة الوصل بين آسيا وأوروبا وإفريقيا، في الجزء الشمالي من بلاد الشام تحديدا. لها حدود مشتركة مع الأردن جنوبا، العراق شرقا، تركيا شمالا، لبنان غربا، وتحاذي هضبة الجولان في الجنوب الغربي فلسطين المحتلة . ولسوريا ساحل على البحر المتوسط يمتد غرب البلاد. شهدت قيام حضارات عديدة مؤثرة في التاريخ البشري، وتعود أقدم الآثار البشرية في سوريا لمليون عام، وتتالت على أرضها عدد من الحضارات القديمة، بقيت ماثلة من خلال الآثار والأوابد التاريخية الماثلة إلى اليوم، ومن هذه الحضارات السومريين والآشوريين والفينيقيين فضلاً عن السلوقيين والرومان فالبيزنطيين والأمويين والعباسيين والصليبيين فالعثمانيين على ذلك.

تتنوع الثروات والاستثمارات في سوريا، فهناك الزراعة التي تعتبر عنصرًا هامًا من عناصر الدخل القومي، فضلاً عن قطاعات الصناعة والتجارة والخدمات أما السياحة فيساهم انتشار الآثار والقلاع من ناحية ومناخ البلاد المعتدل من ناحية ثانية في تطورها، ويوجد أيضًا عدد من الثروات الباطنية أهمها النفط والغاز الطبيعي والفوسفات والتي يحقق بعضها الاكتفاء الذاتي، في حين تقوم البلاد باستيراد الحاجة مما لا يحقق الاكتفاء الذاتي.

تعتبر سوريا من البلاد النامية، وتصنف في المركز 97 عالميًا والثاني عشر عربيًا من حيث جودة الحياة. والمركز 107 عالميًا من حيث التطور البشري، والمركز 111 حسب تقرير صندوق النقد الدولي لعام 2009 لتقدير الناتج المحلي الإجمالي للفرد، والمركز 64 عالميًا من حيث القوة الشرائية للفرد والمركز 75 عالميًا من حيث حجم موازنة الدولة العامة. كان النظام الاقتصادي السائد في سوريا هو النظام الاشتراكي، غير أن الدولة أخذت تتجه نحو النظام الرأسمالي المعتدل، أو ما يعرف بنظام السوق الاجتماعي.

يبلغ عدد سكان سوريا 23,695,000 مليون نسمة، ويعتبر الشعب السوري من الشعوب النامية بمعدل أربع أطفال لكل امرأة، وتحتل المركز 7 عربيًا و54 عالميًا من حيث عدد السكان، أغلب الشعب السوري متعلم وتكفل الدولة التعليم بشكل مجاني بجميع مراحله، أما من حيث العمالة تحتل البلاد المركز 69 عالميًا من ناحية قوة سوق العمل، ومتوسط عمر السكان 74 عامًا ونصف وبهذه النسبة تحتل سوريا المركز 95 عالميًا والثامن عربيًا في مؤشر الحياة؛ وعلى الرغم من عدم وجود إحصاءات للسوريين المغتربين وذوي الأصول السورية إلا أن عددهم وفق بعض التقديرات حوالي 18 مليون، ويعتنق أغلب السكان الإسلام بطوائف مختلفة، كما أن هناك نسبة مرتفعة من المسيحيين في سوريا وفي الاغتراب السوري، وتعتبر البلاد ذات أهمية دينية ومركزًا لعدد من الطوائف المسيحية والإسلامية على حد سواء. أغلب سكان سوريا هم عرب ويشكلون 90% من السكان، مقابل 8% من الأكراد و2% من الأثنيات والمجموعات العرقية الأخرى، التي تشمل الأرمن والتركمان والشركس.

النظام السوري هو نظام جمهوري رئاسي، والرئيس السوري هو بشار الأسد الذي انتخب في استفتاء عام سنة 2000 وأعيد انتخابه عام 2007، والحزب الحاكم هو حزب البعث العربي الاشتراكي. وهو عضو مؤسس في الأمم المتحدة وانتخبت مرتين كعضو في مجلس الأمن الدولي كما أنها عضو مؤسس في جامعة الدول العربية وعضو مؤسس في منظمة المؤتمر الإسلامي؛ وعضو في لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا والبنك الدولي للإنشاء والتعمير والوكالة الدولية للطاقة الذرية والمنظمة الدولية للطيران المدني ومنظمة الأغذية والزراعة ومجموعة الأربع وعشرون ومجموعة سبعة وسبعون وحركة عدم الانحياز والمنظمات المنبثقة من جامعة الدول العربية مثل الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي ومنطقة التجارة العربية الحرة الكبرى، وغيرهم.

أصل التسمية

دعيت البلاد باسم سوريا خلال العهد السلوقي في القرن الثالث قبل الميلاد، وعلى الرغم من ذلك فلم يرد في أي من الأدبيات العربية القديمة هذا الاسم، وأول من تناوله معجم البلدان لياقوت الحموي حين نسب الاسم على لسان الإمبراطور هرقل لدى مغادرته البلاد؛ أما في الأدب الإغريقي فإن هيرودت وهوميروس سميّا البلاد سوريا.

التفسيرات المقدمة لمعنى الاسم متعددة أبرزها:

  • أنها سميت نسبة إلى الإمبراطورية الآشورية التي أسست حضارة وثقافة واسعة في الهلال الخصيب، مع إبدال حرف الشين بالسين، وهو أمر مألوف في اللغات السامية. كان ثيودور نولدكه أول من اقترح وجود علاقة بين الأسمين. وتلقى هذه الفرضية انتشارا واسعا بين الباحثين، خصوصًا إثر اكتشاف نقوش مكتوبة باللغتين اللوية والفينيقية في قيليقية حيث تشير الفينيقية إلى لفظة آشور بينما تذكر اللوية سوريا في نفس المقطع.
  • أنها سميت نسبة إلى صور الواقعة على شاطئ البحر الأبيض المتوسط، وقد عرفها الإغريق بهذا الاسم نتيجة العلاقات التجارية المزدهرة بين الطرفين.

أما ما سمّى به العرب البلاد فهو الشام، ولا يزال هذا المصطلح يستخدم للإشارة إلى بلاد الشام كما يستخدم في اللهجات المحكية في سوريا للإشارة إلى مدينة دمشق، وقد تعددت النظريات حول أصل تسمية شام أيضًا أبرزها:

  • أن الشام منسوبة إلى سام بن نوح، كما نسبت لغة البلاد القديمة وهي الآرامية إلى ابنه آرام، مع إبدال حرف السين بالشين وهو أمر مألوف في اللغات السامية.
  • أن الشام في العربية تعني اليسار وبالتالي وانطلاقًا من الموقع الجغرافي للحجاز سميت اليمن نسبة إلى اليمين والشام نسبة إلى اليسار والمعروف أيضًا بالشمال.

التاريخ القديم

إن المنطقة التي تشمل حاليًا سوريا، تشير التنقيبات الأثرية أنها كانت مأهولة بالبشر منذ 750 ألف عام، وفق مكتشفات بالقرب من بحيرة طبرية لبقايا إنسان من فصيلة أسترالوبيثكس تمت عام 1959، كما عثر في مناطق مختلفة من سوريا وشمال العراق على بقايا عظمية لإنسان نياندرتال تعود لحوالي 65 ألف عام،[14] ويوجد أيضًا مكتشفات أخرى للإنسان العاقل تعود لحوالي 150 ألف عام أي العصر الحجري القديم.

خلال تلك الفترة كان البشر يقطنون في مغاور على شكل جماعات يؤمنون القوت من جمع الثمار أو الصيد مشكلين خلية اجتماعية بدائية، ولم يحدث أي تطور إلا مع اكتشاف الزراعة حوالي عام 12000 قبل الميلاد ودام العصر الزراعي ستة آلاف عام في سوريا. أبرز موقع لسبر أغوار تلك الحقبة هو وادي النطوف، حيث عثر على بقايا عظام بشرية إلى جانب بقايا عظام حيوانات داجنة ومعاول ومعازق صوانية، لم تكن سوريا المنطقة الوحيدة في الشرق التي عثر فيها على مثل هذه الآثار، إذ اكتشف ما يماثلها في منطقة كسار عقيل في إنطلياس ضمن حدود لبنان وفي منطقة كريم شهر شمال العراق، وآثار أخرى قرب البحر الميت في الأردن. إثر اكتشاف الزراعة ظهرت بوادر الاستقرار الدائم في الأرض بدلاً من التنقل بحثًا عن القوت، وظهرت بالتالي أولى القرى. أقدم مكتشفات حالية تعود لتلك الحقبة ترجع للألف السابع قبل الميلاد في رأس شمرا وتل مربيط والرقة ويعود لهذه الفترة نفسها تأسيس أريحا في فلسطين لتكون أقدم مدينة لا تزال مسكونة حتى الزمان الحاضر.

قرابة الألف الخامس قبل الميلاد وتزامنًا مع اكتشاف المعادن وصنع السوريين القدماء للمحراث ازداد إنتاج المحاصيل الزراعية وتطورت التجارة، فأخذ المجتمع الزراعي يتحول إلى شكل أكثر تنظيمًا فظهرت الطبقات الاجتماعية ودور العبادة ثم السلطة الحاكمة. نشأت خلال تلك الفترة دمشق لتكون أقدم عاصمة مأهولة في التاريخ، أما عن معالم النظام السياسي الذي كان سائدًا فهو نظام المدينة الدولة، إذ إن سكان المدينة وهم غالبًا ما ينحدرون من جد واحد، يسكنون في قلب المدينة حول المعبد بعضهم يعمل في الصناعة وخصوصًا التعدين والبعض الآخر بالزراعة ويقومون باقتسام الناتج، أما آلية اتخاذ القرارات فكانت باجماع وجهاء المدينة، وقد شهد ساحل بلاد الشام وحده على 25 مدينة دولة من هذا النوع، ويمكن تشبيه تلك المدن من حيث حجمها وعدد السكان بالقرى الكبيرة الآن. ابتداءً من الألف الرابع قبل الميلاد أخذ سكان سوريا بتقدير الفن والفنون، ثم شقوا القنوات المائية مطورين بذلك آليات الزراعة والري، وطوروا الكتابة التي بدأت تصويرية في مصر والعراق فأصبحت أبجدية في أوغاريت وجبيل، تزامنت ذلك مع نشوء الحضارة السومرية الحديثة في جنوب العراق والتي أثرت بشكل بالغ على تاريخ سوريا خلال الألف الثالث قبل الميلاد.

ممالك المدن والإمبراطوريات

شهد الألف الثالث قبل الميلاد قيام ممالك وحضارات مزدهرة في سوريا أبرزها مملكة ماري على نهر الفرات والتي امتدت حدودها حتى حلب ومملكة إيبلا ضمن محافظة إدلب اليوم إلى جانب مملكة أوغاريت على الساحل والتي ظهرت بها واحدة من أقدم أبجديات العالم، وصدرت منها ملحمة أقهات التي نالت انتشارًا واسعًا في أدبيات الشرق القديم. وقامت إلى جانب هذه الممالك، ممالك أخرى أقل أهمية كمملكة كانا في الشمال الشرقي قرب نهر البليخ وممالك في حلب ودير الزور.

اكتشفت خرائب مدينة ماري إلى الجنوب الشرقي من دير الزور على يد بعثة فرنسية عام 1933، استمرت في عملها حتى عام 1939، أثبتت التنقيبات أن سكان الممالك السورية القديمة قد أقاموا أحلافًا مع بعضهم البعض وسيّروا القوافل التجارية التي وصلت إلى مصر وبلاد فارس ما أدى إلى تفاعلات حضارية عديدة بحكم العلاقات التجارية. وابتدعوا أسسًا هندسية في البناء والإنارة إلى جانب صناعة المركبات والنسيج، كذلك فقد وضعوا تقويمًا خاصًا وأسسوا المدراس والمكتبات وإلى جانب صك النقد وتنظيم الفائدة مقابل الإقراض والنخاسة ومجاري الصرف الصحي. ويعتبر القصر الملكي المكتشف في مملكة ماري واحدًا من أبرز المكتشفات في آسيا الغربية وهو يحوي ثلاثمائة غرفة وفسحة ودار ولا تزال جدرانه المزينة سليمة ما يساهم في دراسة الفنون في الحضارات السورية القديمة.

تمثال لبعل من البرونز يرقى للقرن الرابع عشر قبل الميلاد وهو من مكتشفات رأس شمرا قرب اللاذقية.

في الممالك الثلاث اكتشفت رقم مكتوبة بالخط المسماري تؤرخ لتلك المرحلة وتصف الحياة والمعتقدات الدينية وحياة الملوك إلى جانب رقم خاصة بموجودات مخازن الدولة وما يصدر عنها ويرد إليها، وقد أفرد السوريون القدماء اهتمامًا خاصًا للمسلات كرمز للالتقاء بين الأرض والسماء، وربما تكون مسلات مملكة ماري أقدم من مسلات الفرعونية في مصر. تصنف الحضارة السورية القديمة على أنها جزء من الحضارة السومرية التي ازدهرت بنوع خاص في جنوب العراق، أما حضارة الساحل السوري وامتداده فتصنف كجزء من الحضارة الفينيقية.

في عام 2350 قبل الميلاد أصبح سرجون الأكادي ملكًا على كيش جنوب العراق، واستطاع أن يوسع ملكه مسيطرًا على العراق بكامله ثم اتجه شمالاً فاحتل غرب إيران وجنوب الأناضول فبلاد الشام برمتها مؤسسًا إمبراطورية شاسعة وجدت آثار لتجارتها في البحرين والهند، واستمرت الإمبراطورية الآكادية تحكم سوريا 120 عامًا وأرست نظامًا فيدراليًا، بيد أنها انهارت بسبب ضعف الملوك الذين خلفوا نارام سين حفيد سرجون الأكادي واجتياح الجوتيين ثم العيلاميون للبلاد عام 2230 قبل الميلاد. وإثر زوالهم أواخر الألف الثالث قبل الميلاد عاد نظام المدينة الدولة من جديد، وبرزت الحضارة الكنعانية في الداخل السوري وامتدادها الساحلي ممثلاً بالحضارة الفينيقية،[33] وعلى الرغم من عدم توجدهم برئاسة ملك واحد وفي إطار دولة واحدة إلا أن الممالك الكنعانية والفينيقية شكلت أحلافًا بين بعضها البعض تحت قيادة مدن كبرى كانت أوغاريت عاصمتها في القرن الثامن عشر قبل الميلاد. إلا أن حمورابي وهو سادس ملوك بابل استطاع إعادة بناء إمبراطورية تشمل الهلال الخصيب برمته، وسببت جيوشه اندراس عدة مدن وحضارات في سوريا أبرزها مدينة ماري.

انهارت الإمبراطورية البابلية في القرن السادس عشر قبل الميلاد وتعرف القرون الخمسة تلت انهيارها باسم القرون المظلمة، إذ توالى على حاكم سوريا إمبراطوريات هندوأوروبية أبرزها الكاشية والحثية ورغم المصريون بالسيطرة على البلاد ونجحوا خلال حكم رعمسيس الثاني في احتلال جنوبها خلال القرن الثالث عشر قبل الميلاد. مع زوال هذه الإمبراطوريات برز في القرن الحادي عشر قبل الميلاد الممالك الآرامية، كبيت آغوشي وآرام دمشق، إلى أن استطاع شلمنصر الثالث في القرن التاسع قبل الميلاد توحيد الهلال الخصيب مجددًا ومؤسسًا بالتالي الإمبراطورية الآشورية والتي أعقب زوالها عام 612 قبل الميلاد قيام نبوخذنصر بالمحافظة على إمبراطورية شاسعة موحدة للهلال الخصيب هي الإمبراطورية الكلدانية.

مع انهيار الإمبراطورية الكلدانية عام 531 قبل الميلاد دخلت سوريا تحت حكم الفرس والذين منحوا البلاد حكمًا ذاتيًا كانت عاصمته دمشق، إلى أن برز الاسكندر المقدوني، وقد تميزت خلال تلك الحقبة اللغة الآرامية كلغة سوريا والهلال الخصيب في التخاطب، إلى جانب نبوغ عدد من العلماء في الطب والرياضيات والفلسفة والفلك، إلى جانب التطور في العبادات الدينية وبروز عدد من الميثولوجيات التي يمكن استشفاف ذلك منها.

العهدان الأموي والعباسي

إثر نهاية حروب الردة في خريف عام 633 أرسل الخليفة الإسلامي الأول أبو بكر ثلاثة ألوية حربية إلى الشام لمحاربة البيزنطيين بقيادة عمرو بن العاص ويزيد بن أبي سفيان والشرحبيل بن حسنة وآزرهم بعد ذلك خالد بن الوليد وأبو عبيدة بن الجراح وعدد من القبائل العربية الإسلامية والمسيحية على حد سواء أبرزها قبيلة بني شيبان وبني تغلب وعموم المناذرة. وإثر وفاة أبو بكر تابع عمر بن الخطاب سياسة الفتوح والحرب، فاستسلمت دمشق بعد حصار دام ستة أشهر، وكان كتاب الأمان المعطى لأهلها نموذجًا لاستسلام سائر المدن السورية، ففتح أبو عبيدة بن الجراح حمص وحماه ومعرة النعمان وأفاميا وطرطوس وبانياس صلحًا دون قتال عام 636، وقد شهد ذلك العام أيضًا معركة اليرموك في 20 أغسطس والتي مني بها البيزنطيون بهزيمة ساحقة شكلت انطلاقًا للمرحلة الثانية للفتح، فاستطاع أبو عبيدة بن الجراح فتح حلب وجوارها ومدن الفرات دون قتال أيضًا.

قلعة جعبر على نهر الفرات، بناها جلال الدولة ملك شاه على أنقاض قلعة أقدم بناها النعمان بن المنذر.

استمر الأمويون بحكم سوريا 132 عامًا، ازدهرت خلالها البلاد وانتعش اقتصادها، إذ شق الأمويون الطرق بين المدن واهتموا بالزراعة وبنوا الحمامات والفنادق وأسسوا نظامًا بريديًا سريعًا إلى جانب نظام إداري فعال تمثل بالدواوين. كما اهتم الأمويون بالعمارة ويبدوا المسجد الأموي في دمشق الذي شيده الوليد بن عبد الملك والمسجد الأموي في حلب دليلاً على تطور فن الزخرفة والرسم والتطعيم بالخشب. أشاد الأمويون أيضًا القصور والقلاع كقصري الحير الشرقي والغربي وقصر أسيس وقصر الرصافة خلال عهد هشام بن عبد الملك، وقد اكتشف في ثلاثينات القرن العشرين ثلاثون قلعة في بادية الشام تعود لزمن الأمويين، كانت كمراكز نزهة واصطياف لهم إلى جانب كونها مناطق استغلها الأمويون زراعيًا لتأمين دمشق أوقات القحط. يقول الباحث عبد العزيز الدروري أنه على الرغم من تطور البلاد خلال العهد الأموي إلا أن الأسرة الأموية مارست التمييز العنصري والطبقي خصوصًا بين العرب وغير العرب، لذلك فقد كانت الثورة العباسية حسب رأيه حركة سياسية ذات أسباب اجتماعية، نادت بالمساواة بين الموالي والعرب في الوظائف ومناصب الجيش والضرائب، وكان قوامها الرئيسي فلاحو الريف وفقراء المدن في الولايات البعيدة عن دمشق. وقد استطاع العباسيون بقيادة أبو العباس السفاح الانتصار على جيش الأمويين بقيادة آخر خلفائهم مروان بن محمد عام 749، فزال بذلك العهد الأموي وبدأ العهد العباسي.

نقل أبو العباس السفاح عاصمة الدولة إلى الكوفة بعد أن قتل العائلة الأموية ونبش قبور خلفائها في دمشق وهدم جزءًا من سورها. لاحقًا في عام 762 بنى أبو جعفر المنصور مدينة بغداد لتكون عاصمة جديدة للدولة. عاشت الدولة العباسية عصرها الذهبي بين عامي 775 و847 تراجعت خلالها مكانة سوريا، غير أن الخلفاء العباسيين قد أدركوا أهمية موقعها كطريق تجاري وصلة وصل فضلاً عن كونها مركز حربي مع الإمبراطورية البيزنطية واستقرار عدد كبير من القبائل العربية ذات القوة والسلطان فيها، لذلك فقد أولوها اهتمامًا خاصًا وغالبًا ما كان أولياء العهد أو كبار قادة الجيش يتولون شؤون مدنها وولاياتها كالمهدي ولي عهد أبي جعفر المنصور والذي كان واليًا على الرقة. ولعل أبرز الشخصيات السياسية السورية في العهد العباسي هو مالك بن طوق والي الرحبة الذي ذاع صيته حتى بات مضربًا للمثل. ويذكر أن هارون الرشيد والمأمون قاما بالاستقرار بدمشق طلبًا للصحة وحسن المنظر على ما يذكر ابن عساكر، ولكونها خط الدفاع المتقدم عن العراق أرض الخلافة قام العباسيون بتشييد عددٍ من القلاع كقلعة جعبر على نهر الفرات خصوصًا إثر امتداد النفوذ الفاطمي نحو بلاد الشام. أما على الصعيد الثقافي فقد برز عدد الأدباء والعلماء السوريين خصوصًا في عهد التراجم وجامعة بيت الحكمة.

قلعة الحصن قرب حمص، التي أعاد بنائها الصليبيون وسيطر عليها فرسان الإسبتارية، ولم ينسحبوا منها نهائيًا حتى عام 1271.

غدا الفرس بدءا من عهد المأمون وزراء الدولة وقوامها، واستبدلهم المعتصم بالله بالأتراك ما شكل بداية أفول الدولة العباسية، ويحدد الباحثون خلافة تاسع الخلفاء العباسيين المتوكل على الله تاريخًا لبدء اضمحلال الدولة وتفككها إلى دول مستقلة تخضع لسيادة بغداد اسميًا، فتوالى الإخشيد والقرامطة والطولونيون والحمدانيون فالمرادسيون والعقيليون على حكم سوريا، واستطاع البيزنطيون استعادة أنطاكية وحلب عام 962 ردحًا من الزمن، ثم برزت الخلافة الفاطمية في مصر والتي تمكنت في احتلال دمشق ومدنًا سوريّة أخرى ردحًا من الزمن بداية القرن الحادي عشر، غير أن السلاجقة قاموا بطردهم وأسسوا دولة في دمشق والجنوب السوري بزعامة تتش بن ألب أرسلان. ترافقت تلك الحقبة بتراجع الوضع الاقتصادي وانتشار الاضطهادات الدينية لمختلف الأقليات فضلاً عن الكوارث الطبيعية التي حاقت بمختلف المدن السورية، كما نشأت إبان تلك المرحلة عدد من الطوائف الإسلامية التي لا تزال مستقرة في سوريا كالدروز والعلويون.

في ظل هذه الأوضاع وصلت الحملة الصليبية الأولى إلى الشرق، ودخلت الرها في 6 فبراير 1098 سلمًا، ثم فتحت أنطاكية في أغسطس 1098 ومنها انتقلت في سربين ساحلي وداخلي نحو الجنوب، فسقطت طرطوس في يناير 1099، وصالح ابن عمار والي طرابلس الحملة التي استمرت على الطريق الساحلي نحو الجنوب حتى استولت على القدس في 12 تموز/يوليو 1099. ضمن حدود سوريا اليوم، فإن إمارة أنطاكية استولت على محافظة اللاذقية وأجزاء من محافظات طرطوس وادلب وحماه، واستولت إمارة طرابلس على قسم من محافظتي طرطوس وحمص في حين احتلت مملكة بيت المقدس أجزاءً كبيرة من الجولان.

نصب صلاح الدين الأيوبي في دمشق، ويظهر في الخلفية برج وسور قلعة دمشق.

برز في سوريا عام 1127 عماد الدين زنكي والتي اتخذ من حلب عاصمة له. استطاع عماد الدين زنكي استعادة إمارة الرها الصليبية برمتها، وحاول الصليبيون كرد على سقوط الرها احتلال دمشق خلال الحملة الصليبية الثانية، بيد أن الحملة قد باءت بالفشل ولم تحقق أهدافها. لاحقًا استطاع نور الدين زنكي ابن عماد الدين ووريثه أن يفتح دمشق التي كانت تحت حكم السلاجقة ثم فتح مصر وقضى على الخلافة الفاطمية. إثر وفاة نور الدين زنكي برز صلاح الدين الأيوبي الذي قبض على الحكم في بلاد الشام ومصر ومناطق متفرقة أخرى، مؤسسًا الدولة الأيوبية كما استطاع استعادة القدس من الصليبيين عام 1187، لكن فتوحه في الساحل السوري قد اقتصرت على بعض القلاع والحصون، غير أن هذه المهمة قد تركت للمماليك الذين خلفوا الأيوبيين في حكم بلاد الشام ومصر عام 1250، فاستطاع الظاهر بيبرس فتح أنطاكية في 21 أيار/مايو 1268 وطرابلس عام 1285 فعكا عام 1291 منهيًا بذلك العصر الصليبي، وقاوم المماليك المغول أيضًا ودحروهم في معركة عين جالوت عام 1260 بعد أن كان المغول قد دمروا حلب وحمص وأحرقوهما، غير أن تيمورلنك أعاد الكرّة على سوريا بعد قرن ونصف، فاحتل حلب عام 1400 وحمص وحماه ودمشق عام 1401، وأحرق المسجد الأموي وسبا العمال والحرفيين إلى عاصمته سمرقند وبلغ عدد القتلى الذين سقطوا على أيدي جنود تيمورلنك في قلعة حلب وحدها عشرون ألفًا، وفي حريق المسجد الأموي والأحياء المحيطة به والذي أشعله تيمورلنك عنوة ثلاثين ألفًا.

استطاع المماليك استعادة سوريا وقسموا بلاد الشام إلى ست نيابات ثلاث منها في سوريا الحالية هي دمشق وحلب وحماه. تميز العهد المملوكي عمومًا بكثرة الانقلابات العسكرية الداخلية والحروب والمجاعات والأوبئة فضلاً عن اندثار الثقافة وانتشار الأمية والفساد في السلطة، وقد انخفض عدد سكان سوريا إلى الثلث خلال حكمهم، ولم يبال السكان بانهيار الدولة المملوكية إثر معركة مرج دابق، وفتح السكان أبواب مدنهم سلمًا للعثمانيين.

العهد العثماني

التقى الجيش العثماني والجيش المملوكي في مرج دابق شمال حلب، وكان الجيش العثماني مكونًا من مائة وخمسين ألف مقاتل ومزودًا بسلاح المدفعية الذي لم يستعمل قط في سوريا قبلاً تحت قيادة السلطان سليم الأول، والذي كان قد استمال سلفًا خير بيك النائب المملوكي في حلب وجان برادلي الغزالي النائب المملوكي في دمشق،، وإثر هزيمة المماليك دخل السلطان إلى حلب ومنها انتقل إلى دمشق فدخلها يوم 26 أيلول/سبتمبر 1516 وأضاف إمام المسجد الأموي عبارة "خادم الحرمين الشريفين" لاسم السلطان الذي أمر بترميم المسجد الأموي، ثم غادر سوريا إلى مصر فملكها ومكث بها شهرًا قبل أن يعود إلى دمشق ليرتب أحوال الولايات وسائر الأمور الإدراية. قسم السلطان سليم الأول سوريا إلى ولايتين هما ولاية سوريا وولاية حلب، ثم استحدثت عام 1520 ولاية طرابلس التي ضمت في سوريا اللاذقية وطرطوس وحمص وحماة والسلمية، واستحدث العثمانيون مطلع القرن السابع عشر ولاية الرقة، لتظل التقاسيم على حالها حتى نهاية القرن التاسع عشر حين أتبعت حمص وحماة لولاية سوريا التي فصل عنها سنجقا عكا ونابلس وضما إلى ولاية بيروت، كما استحدثت متصرفية الزور عام 1904 كهيئة إدارية مرتبطة مباشرة بالباب العالي بسبب الاضطرابات التي كان يسببها البدو.

خان أسعد باشا في دمشق والذي بناه الوالي أسعد باشا العظم عام 1753.

الولايات السورية في الدولة العثمانية.

السلطان الغازي عبد المجيد الأول، شهد عهده استعادة سوريا وقيام الفتنة بين المسيحيين والمسلمين فيها.

إثر وفاة السلطان سليم الأول عام 1520 أعلن جان بردي الغزالي الثورة والاستقلال عن الدولة العثمانية، فما كان من السلطان سليمان القانوني إلا أن أرسل جيشًا بقيادة فرهاد باشا والي حلب قضى على ثورة دمشق وأحرق ثلثها. لاحقًا خلال القرن السابع عشر دخلت أجزاء واسعة من سوريا ضمن إمارة فخر الدين المعني الثاني والذي أقر له السلطان مراد الرابع بحكم جميع الأراضي الواقعة بين حلب والقدس وخلع عليه لقب "سلطان البر". استطاع فخر الدين بحكم سياسته الاقتصادية والاجتماعية المنفتحة أن ينهقض بالبلاد، حتى أطلق المؤرخون على تلك الفترة اسم "بداية عصر النهضة في بلاد الشام"، إذ اهتمّ الأمير بالزراعة وصناعة الحرير وسيّر القوافل التجارية البحرية مع إيطاليا، وفي عام 1630 ضم مدينة تدمر إلى حكمه، غير أن السلطان مراد الرابع تخوف من تنامي نفوذه فقرر التخلص منه، واستطاع والي دمشق اعتقاله وإرساله إلى اسطنبول حيث شنق وثلاثة من أولاده في أحد المساجد بتهمة الزندقة.

أحد المنازل في حلب والتي تعود للحقبة العثمانية، ويدعى هذا النمط المعماي في المدينة "أجقباش".

عمومًا، فإن الوضع الاقتصادي في سوريا طوال العهد العثماني لم يكن جيدًا خصوصًا بعد منح الامتيازات الأجنبية لفرنسا ومن ثم لسائر الدول الأوروبية، إذ قد ملأت الأسواق المحلية بالبضائع الأجنبية، إلى جانب أن تكرار الحروب التي خاضها السلاطين أدت إلى زيادة الضرائب وفقدان البلاد لعناصرها الشابة لفترات طويلة من الزمن. وقد تكررت الثورات الاستقلالية الشبيهة بحركة الأمير فخر الدين خلال القرن الثامن عشر وقد تكون ثورتي ظاهر العمر وعلي بك الكبير أشهرههما. أما القرن التاسع عشر فقد افتتح بمحاولة نابليون بونابرت احتلال سوريا عام 1800 غير أنه قد فشل قبل الوصول إليها على أسوار عكا، غير أن الحملة الفرنسية على مصر ساهمت بتهيئة المناخ السياسي لظهور محمد علي الذي اعترف به السلطان محمود الثاني واليًا عام 1805، لاحقًا وعد السلطان محمد علي بأن يمنحه ولايات بلاد الشام جميعها إذا ما شارك محمد علي في حروب الدولة ضد اليونان عام 1827، وقد استجاب محمد علي لطلب السطلان، لكن جيوش الدولة وجيوش محمد علي لم تقو على الأساطيل الأوروبية مجتمعة في اليونان فمنيوا بخزيمة خلال معركة نافارين. استقلال اليونان إثر هزيمة الدولة العثمانية أدت إلى رفض السلطان محمود الثاني منح محمد علي ولايات بلاد الشام، فقام محمد علي بإرسال جيش بقيادة ابنه إبراهيم باشا بداية عام 1831، واستطاع الانتصار على الجيش العثماني بقيادة حسين باشا في معركة حمص الفاصلة يوم 8 حزيران/يونيو 1832، وقد ساند سكان سوريا إبراهيم باشا وقاتلوا في صفوفه.

كان حكم إبراهيم باشا لسوريا إصلاحيًا، إذ وفر الأمن للطرق التجارية بين المدن، واهتم بالتعليم الذي لم يمنحه العثمانيون أية أهمية، وسمح بتأسيس مدارس البعثات الأوروبية كما قام بتوطين البدو بعد أن بنى القرى لهم، وقام بتوسيع الأراضي الصالحة للزراعة واهتم بصناعة الحرير وخفّض الضرائب وأنشأ نظام بريد فعال داخل سوريا، كما أنشأ لأول مرة في سوريا مجالس المدن لإدارة شؤون الأحياء والمدن من قبل قاطنيها. حكم محمد علي وابنه إبراهيم باشا في سوريا لم يطل، إذ فرضت عليه الدول الأوروبية عام 1840 الانسحاب من بلاد الشام خوفًا من تمدد نفوذه نحو الأناضول، وبعد أن خرج إبراهيم باشا من سوريا انهارت الإصلاحات التي تمت في عهده، إذ انخفض عدد أنوال الحرير من خمسين ألفًا إلى ألفان فقط، وبعد أن كانت البلاد تصدر المنسوجات القطنية أصبحت تستوردها، كما اختفت القرى الجديدة التي أنشئت حول دمشق وحلب وفي وادي الفرات بنتيجة الضرائب الباهضة وفقدان الأمن. ولعل من العلامات الفارقة لتلك المرحلة اندلاع الفتن الطائفية بين المسلمين والمسيحيين في جبل لبنان ومنها انتقلت إلى دمشق وحلب واللاذقية وزحلة وغيرها من المدن، وكانت حصيلتها النهائية اثني عشر ألف قتيلاً، ما جعل سوريا مشرعة الأبواب أمام الدول الأوروبية للتدخل في أدق شؤونها.

طور العثمانيون نمطًا معماريًا فريدًا، وبنوا المساجد والقصور والخانات والأسواق الشعبية، غير أن هذه النهضة المعمارية تمت بشكل رئيسي في المدن الكبرى ومراكز الولايات، وقلّت حتى اختفت في سائر المدن، وكانت ميول الوالي تلعب دورًا في التشجيع على العمارة وتنشيط الاقتصاد، وقد توالى في دمشق وحلب عدد من الولاة الإصلاحيين كولاة آل العظم وأحمد مدحت باشا وغيرهم.

يعرف القرن التاسع عشر في سوريا باسم عصر النهضة القومية والفكرية، إذ تم تأسيس المطابع ودور النشر والمجلات والصحف والمدراس والجامعات، إما عن طريق أبناء البلاد مباشرة أو عن طريق بعثات أوروبية، كما كان لوالي دمشق مدحت باشا دورًا في عملية التنمية الاقتصادية إلى جانب التنمية الفكرية. وقد تأسست في بدءًا من أواخر القرن التاسع عشر العديد من الجمعيات الوطنية والتي تشبه الأحزاب حاليًا كالجمعية السرية عام 1875 وجمعية العهد عام 1909، وجمعية العربية الفتاة عام 1911 وحزب اللامركزية الإدارية وحزب سوريا الفتاة عام 1912. وكانت هذه الأحزاب متباينة في أهدافها بين الحفاظ على الارتباط مع الدولة العثمانية والدعوة للاستقلال عنها، وعقدت في مؤتمر باريس في 18 حزيران/يونيو 1913 واستقر الرأي على المطالبة بمنح حكم لا مركزي واسع لبلاد الشام يكون له جيشه الخاص، وعلى الرغم من مصادقة السلطان محمد الخامس على مقررات المؤتمر في 18 أغسطس 1913 لاحتواء نفوذ الوطنيين الشعبي، غير أن مقررات المؤتمر لم تدخل أبدًا حيّز التنفيذ، بل العكس تمامًا أخذت السلطات باعتقال الرموز الوطنية.

وقد انتشرت خلال أواخر القرن التاسع عشر ظاهرة الهجرة إلى مصر والعالم الجديد هربًا من الفقر واضطهاد الاقطاع في القرى، فضلاً عن المجاعة التي ضربت البلاد بعد أن ظهرت أسراب الجراد في ربيع 1915، فأتت على المحاصيل، وما زاد الأمر سوءًا تلاعب التجارة والموظفين الأتراك بأسعار الطعام ويقول المؤرخ أسعد داغر حول المجاعة: فكان الفقراء يموتون جوعًا، وكنت ترى جثث الموتى على قوارع الطرق، ومات في شمال سوريا وحدها ستين إلى ثمانين ألفًا بالمجاعة.

أحداث القرن العشرين

إثر نشوب الحرب العالمية الأولى عيّن الباب العالي جمال باشا المعروف "بالسفّاح" حاكمًا عسكريًا ومدنيًا على بلاد الشام، وقام بوضع نفسه في مواجهة الأحزاب الوطنية خصوصًا إثر فشل حملته على مصر. أسس جمال باشا ديوانًا للأحكام العرفية في دمشق وآخر شبيه له في عاليه، ثم أخذ ينفي وجهاء سوريا ولبنان إلى الأناضول ويبعد الفرق العربية في بلاد الشام وإحلال فرق تركية محلها تحاشيًا لانقلابها ضده في حال قيام ثورة. وأخيرًا أخذ ديوان الأحكام العرفية يصدر أحكام الإعدام بحق وجهاء الأحزاب والمنظمات الوطنية، وقد بلغ عدد أحكام الإعدام ثمانية وخمسين حكمًا، إلى جانب أحكام أخرى بالنفي أو السجن مدى الحياة. وقد كانت كبرى قوافل الإعدام يوم 6 أيار/مايو 1916 حين أقدم جمال باشا على إعدام أربع عشرة شخصًا من وجهاء بيروت وسبعة من وجهاء دمشق.

خارطة سايكس بيكو التي قسمت الهلال الخصيب بين فرنسا وبريطانيا عام 1916، كشفت عام 1917.

كان الرأي العام في سوريا يميل لإعلان الثورة على الدولة العثمانية، وكذلك كان رأي الشريف حسين بن علي أمير الحجاز بتشجيع من بريطانيا، وبنتيجة ذلك اندلعت الثورة العربية الكبرى في 10 حزيران/يونيو 1916 بدعم الحلفاء، وأدت إلى خروج العثمانيين من دمشق يوم 1 أيلول/سبتمبر 1918 وسائر بلاد الشام، وتشكلت حكومة مؤقتة برئاسة علي رضا الركابي.[103] لم تف بريطانيا بوعودها مع الشريف حسين بن علي حول إقامة دولة عربية واحدة برئاسته، فطالبت الأحزاب والقوى الوطنية في سوريا بنظام ملكي دستوري، وفي غضون ذلك التأم المؤتمر السوري العام كأول برلمان سوري ضمن تسعين عضوًا، اثنان وخمسون منهم من سوريا الحالية وثمانية وثلاثون من الأردن ولبنان وفلسطين. أعلن المؤتمر استقلال سوريا (بحدودها الطبيعية التي تشمل الأقطار السورية الأربعة) ووحدتها تحت اسم المملكة السورية العربية، وبايع فيصل بن الحسين ملكًا وأقرّ دستورًا للبلاد في 8 آذار/مارس 1920، ثم تشكلت حكومة دستورية برئاسة علي رضا الركابي. وبنتيجة التجاذب بين الحكومة والمؤتمر السوري العام حول قبول الانتداب الفرنسي وفق مقررات مؤتمر سان ريمو استقالت حكومة الركابي وشكلت حكومة جديدة برئاسة هاشم الأتاسي في 3 أيار/مايو 1920. وحين وجه قائد الجيوش الفرنسية في شرق الجنرال هنري غورو لائحة مطالب للملك فيصل تشمل قبول الانتداب وسائر مقررات مؤتمر سان ريمو فضلاً عن حل الجيش، مهددًا إياه باحتلال سوريا في حال الرفض. وقد رفض المؤتمر السوري العام في جلسة عقدها يوم 15 تموز/يوليو 1920 إنذار غورو ثم عاد وقبل بها في 17 تموز/يوليو لضعف الجيش والحفاظ على الحكم الذاتي، كما أقرت الحكومة الانتداب رسميًا في 20 تموز/يوليو 1920، غير أن اضطرابات وحالة فلتان أمني أودت بخمسة وعشرين قتيلاً رافقت قرار حل الجيش، ودفعت الحكومة لإعلان نظام الطوارئ، في غضون ذلك اجتاز الجيش الفرنسي بقيادة الجنرال غوابييه مجدل عنجر باتجاه دمشق، وشُكل جيشٌ من المتطوعين المدنيين في دمشق إلى جانب الجيش النظامي بهدف إبداء المقاومة ريثما يتوسط الحلفاء، واشتبك الطرفان في ميسلون يوم 24 تموز/يوليو 1920، وكان الجيش الفرنسي متفوقًا بالعدة والعديد على الجيش السوري بقيادة وزير الحربية يوسف العظمة فمني بهزيمة دخل على إثرها الجنرال غوابيه دمشق في 25 تموز/يوليو. أما الملك فيصل فقد انتقل في دمشق إلى الكسوة حيث أقال وزارة الأتاسي بناءً على طلب الجنرال غوابيه وعهد إلى علاء الدين الدروبي تشكيل الوزارة، ثم غادر سوريا نهائيًا في 28 تموز/يوليو 1920 وبذلك انتهى عهد الاستقلال الأول.

مظاهرة نسائية في دمشق عام 1939 مناهضة لفصل لواء اسكندرون عن البلاد.

في 1 أيلول/سبتمبر أعلن غورو تقسيم سوريا إلى أربع دول على أسس مذهبية، هي دول دمشق وحلب واللاذقية وجبل العرب إضافة إلى سنجق خاص هو لواء اسكندرون. ويضيف البعض من المؤرخين كل من دولة لبنان الكبير وإمارة شرق الأردن وفلسطين. غير أن المظاهرات اندلعت في البلاد، ولعلّ أبرزها ثورتا صالح العلي وإبراهيم هنانو (ثورة الشمال السوري) فضلاً عن الإضراب العام في دمشق والذي أفضى إلى ميلاد الاتحاد السوري برئاسة صبحي بركات.

اندلعت الثورة السورية الكبرى من جبل العرب وامتدت إلى سائر المدن عام 1925، وتم التنسيق بين قيادات الثورة ومن ابرزهم صالح العلي وابراهيم هنانو وعينوا سلطان باشا الاطرش قائدا للثورة السورية الكبرى حيث دارت معارك طاحنة بين الثوار والفرنسيين ولم تفلح القوات الفرنسية أو السلطة السياسية ممثلة برئيس الاتحاد المنتخب أحمد نامي بك بقمعها، حتى أجريت انتخابات جمعية تأسيسية في 10 أبريل 1928 لوضع دستور للبلاد. ماطل الفرنسيون في نشر الدستور حتى 14 أيار/مايو 1930 وقد أفضى نشر الدستور إلى إجراء انتخابات نيابية ثم رئاسية أصبح بموجبها محمد علي عابد أول رئيس للجمهورية. عادت التظاهرات بإيعاز من إبراهيم هنانو في حلب، ثم كانت ذكرى الأربعين لوفاة هنانو في 21 كانون الأول/ديسمبر 1935 سببًا في انطلاق أكبر مظاهرات ضد الانتداب، تطالب بإقرار معاهدة مع فرنسا شبيهة بمعاهدة بريطانيا مع مصر والعراق، تنظم أوجه الانتداب وتحد من تدخلاته. سافر وفد سوري إلى باريس في 21 آذار/مارس 1936 لإجراء المفاوضات التي استمرت أشهرًا، وإثر نجاح الوفد في الوصول إلى صيغة معاهدة وعودته إلى سوريا، أعلن المفوض الفرنسي ضم دولتي جبل العرب واللاذقية نهائيًا لسوريا في 5 كانون الأول/ديسمبر 1936، واستنثى لواء اسكندرون، ثم جرت انتخابات نيابية ورئاسية أصبح بموجبها هاشم الأتاسي رئيسًا للجمهورية.

صعدت قضية لواء اسكندرونة إلى السطح وتأخرت فرنسا في التصديق على المعاهدة مع سوريا، فاستقالت الحكومة برئاسة جميل مردم بك وبعدها بعشرين يومًا فقط استقالة الحكومة الثانية برئاسة لطفي الحفار وفي 4 تموز/يوليو 1939 استقالت الحكومة الثالثة برئاسة نصوح البخاري ثم استقال الرئيس في 7 تموز/يوليو، بعد إعلان فرنسا سحب جيوشها من لواء اسكندرون، فانتشر الجيش التركي فيه، ويضع عدد كبير من المؤرخين الخطوة الفرنسية كجائزة ترضية لتركيا لقاء تحييدها عن التحالف مع المحور في الحرب العالمية الثانية. إثر استقالة الأتاسي أعلن المفوض الفرنسي تعليق العمل بالدستور، وكان انهيار فرنسا سببًا في تعليق العمل بالدستور حتى 1941 حين دخلت قوات حكومة فيشي إلى سوريا معلنة استقلال البلاد، وعين تاج الدين الحسني رئيسًا للجمهورية، ثم جرت انتخابات نيابية ورئاسية أصبح شكري القوتلي بموجبها رئيسًا عام 1943. غير أن فرنسا لم تسحب قواتها بعد نهاية الحرب العالمية الثانية عام 1945 بل عمدت يوم 29 أيار/مايو منه إلى قصف الأحياء الشعبية ومبنى البرلمان بالمدفعية. رفعت القضية إلى مجلس الأمن الدولي ودعمت بريطانيا مطالب الوطنيين، وأدى ذلك إلى إعلان جلاء القوات الفرنسية في 17 نيسان/أبريل 1946، وكانت سوريا قد وقعت عام 1945 على ميثاقي جامعة الدول العربية ومنظمة الأمم المتحدة.

كانت فترة الاحتلال والانتداب الفرنسي على سوريا أليمة، فقد أدت إلى تقلص مساحة سوريا إلى أقل من نصف ما كانت عليه عام 1920. فقد أعطت فرنسا الأقاليم السورية الشمالية إلى تركيا في معاهدة لوزان المعدلة لمعاهدة سيفر التي أنهت الحرب العالمية الأولى ووضعت الحدود بين تركيا وجيرانها. إضافة إلى ذلك، سلمت فرنسا لواء اسكندرون إلى تركيا عام 1939، ثم قسمت بالتعاون مع بريطانيا (عملا باتفاقية سايكس-بيكو) ما تبقى من أراض إلى أربع دويلات هي إضافة إلى سوريا لبنان وشرق الأردن وفلسطين.

دبابات سورية من طراز تي-62 تعتبر الجولان، خلال حرب أكتوبر 1973.

أثرت حرب 1948 على الاستقرار السياسي في سوريا وتمثل ذلك بتتالي ثلاثة انقلابات عسكرية عام 1949، ولم تعد الحياة الدستورية حتى عام 1954 حين تنازل قائد الانقلاب الثالث أديب الشيشكلي عن الحكم تحت ضغط الجيش. شكلت المرحلة اللاحقة تقاربًا سوريًا من المعسكر الاشتراكي خلال الحرب الباردة تمثل بمقارعة حلف بغداد وتوقيع اتفاق التعاون الفني والاقتصادي والعسكري مع الاتحاد السوفيتي في آب/أغسطس عام 1957، فضلاً عن التحالف مع مصر بقيادة جمال عبد الناصر، والذي أفضى إلى ميلاد الاتحاد بين البلدين في شباط/فبراير 1958 تحت مسمّى الجمهورية العربية المتحدة، ولكن انقلابا عسكرياً في سوريا بقيادة عبد الكريم النحلاوي أسفر عن انسحاب سوريا من الوحدة عام 1961. وفي إثر ذلك اندلع الجدل بين الأحزاب الإقطاعية والأحزاب الاشتراكية داخل البلاد، وتأزم الوضع إثر رجوع الحكومة عن عدد من الإصلاحات الاقتصادية التي تحققت خلال عهد الوحدة أبرزها قانون الإصلاح الزراعي المتعلق بملكية الفلاحين لأراضيهم. الجدال بين الطرفين انتهى بقيام ثورة الثامن من آذار عام 1963 بقيادة حزب البعث العربي الاشتراكي، والذي أعاد الإصلاحات الاقتصادية وطورها، وأبرم اتفاقيات التعاون العسكري مع مصر وعدد من الدول العربية الأخرى كالعراق والأردن والمملكة العربية السعودية، ما شكل دافعًا لإسرائيل لقيامها بحرب 1967 والتي خسرت فيها سوريا الجولان.

قامت الحركة التصحيحية في تشرين الثاني/نوفمبر 1970، وفي شباط/فبراير 1971 انتـُخب مجلس الشعب الجديد المكون من 173 نائبًا، ورشّح حافظ الأسد الذي كان يشغل منصب وزير الدفاع لمنصب رئيس الجمهورية، وصادق الشعب في استفتاء عام أجري في 21 آذار/مارس 1971 على انتخاب الرئيس الأسد، والذي وضع دستور سوريا الدائم عام 1973 وشكل الجبهة الوطنية التقدمية التي حوت ممثلين عن الأحزاب الناشطة في سوريا، وتعاون مع مصر في حرب تشرين والتي تلتها حرب الاستنزاف عام 1974 وبموجبها استعادت الجمهورية القنيطرة عاصمة الجولان. كما شهدت تلك الفترة التدخل في الحرب الأهلية اللبنانية عام 1976 بناءً على تفويض جامعة الدول العربية. ولعلّ أبرز ما ميّز تلك الفترة الاهتمام بالناحية الاقتصادية، فقد بنيت المصانع والمنشآت الضخمة كبحيرة الأسد وجامعتي تشرين والبعث، ومحاربة الأمية، وتأميم أغلب المصانع والشركات الكبرى، والتنقيب عن النفط وغيره من الثروات الباطنية، والسعي للتنمية الزراعية فضلاً عن إقامة سكك الحديد وإعادة تأهيل البنية التحتية.[113] وقد أعيد انتخاب الرئيس الأسد لأربع دورات، وإثر وفاته عام 2000 أصبح ابنه بشار الأسد رئيسًا وحصل على ولاية ثانية في استفتاء عام 2007.

الجغرافيا والتضاريس والمناخ

تقع سوريا في الجزء الجنوبي الغربي من قارة آسيا، وتتميز بتنوع تضاريسها. تطل سوريا على البحر الأبيض المتوسط ويبلغ طول الشريط الساحلي 193 كم، أما مجموع الحدود العام يبلغ 2253 كم وهو موزع بين تركيا في الشمال والعراق في الشرق والجنوب، والأردن في الجنوب، أما من ناحية الغرب فإلى جانب البحر الأبيض المتوسط يحد سوريا كل من لبنان وفلسطين المحتلة.

يمتد فوق أراضي سوريا عدد كبير من الجبال والسلاسل الجبلية أبرزها جبال اللاذقية على الساحل والتي تمتد جنوبًا حتى عكار وتعتبر امتدادًا لجبال الأمانوس في لواء اسكندرون وسلسلة جبال لبنان الغربية في لبنان، وتعتبر مركزًا سياحيًا اصطافيًا هامًا كما أنها تفصل الساحل السوري عن منطقة سهل الغاب، وتحوي عددًا من الأنهار الساحلية أبرزها النهر الكبير الشمالي الذي يشطرها إلى قسمين. أما في الداخل فتحد دمشق شمالاً سلسلة جبال القلمون وغربًا جبال حرمون التي تحوي أعلى قمة في سوريا بارتفاع 2814 مترًا. ويتموضع في الجنوب جبل العرب قرب الحدود الأردنية ويبلغ ارتفاع أعلى قممه 1803 مترًا، أما بادية الشام فهي تحوي سلسلة الجبال التدمرية وجبل عبد العزيز، كما تحاط حلب بطبيعة جبلية أشهر معالمها، جبل سمعان إلى الجنوب الغربي منها. تحوي سوريا أيضًا عددًا من الهضاب أبرزها الهضبة التدمرية المقفرة في بادية الشام وهضبتي حوران والجولان في الجنوب، فضلاً عن هضبة حلب في الشمال التي تمتد على مساحة واسعة.

سوريا غنية بالموارد المائية، سواءً أكانت أنهارًا أم بحيرات أم ينابيع جوفية. أكبر الأنهار المارة في سوريا هو نهر الفرات، الذي يدخل سوريا من تركيا ويجتاز منطقتها الشرقيّة باتجاه العراق ويبلغ طول مجراه في أراضي الجمهورية 675 كم، يضاف إليه عدد من الروافد الأساسية أبرزها نهر البليخ بطول 460 كم ونهر الخابور. كما يمر في سوريا نهر دجلة بطول 50 كم في أقصى الشمال الشرقي محاذيًا الحدود العراقية. ثالث الأنهار السورية من حيث الطول هو نهر العاصي الذي يدخل سوريا من لبنان بطول 325 كم ويشكل العصب الرئيسي للمناطق الزراعية في سهل الغاب. كما تتميز المنطقة الساحلية بالأنهار الجبلية القصيرة أبرزها نهر السن ونهر الكبير الشمالي، كما يوجد نهر بردى الذي ينبع من سلسلة جبال لبنان الشرقية مارًا بدمشق وغوطتها قبل أن يصب في بحيرة العتيبة في بادية الشام، ويشكل المحفظة المائية لمدينة دمشق وريفها. أما في الجنوب فهناك نهر اليرموك الذي يتابع طريقه غربًا ملتقيًا بنهر الأردن قبل أن يصب بالبحر الميت.

أقامت الحكومة السورية عددًا من السدود على مختلف الأنهر المارة بالبلاد، أكبرها هو سد الفرات الذي شيد عام 1973 ويحتجز خلفه بحيرة الأسد الصناعية التي تختزن 14.1 مليار متر مكعب من المياه، تعتمد عليها سوريا في ري حوض الفرات الزراعي وتوليد الطاقة الكهربائية لتلك المنطقة ولمنطقة حلب أيضًا. هناك عدد آخر من السدود كسد الرستن على نهر العاصي وسد السادس عشر من نوفمبر على النهر الكبير الشمالي. تحوي سوريا عددًا من البحيرات الطبيعية والاصطناعية المتشكلة خلف السدود أكبرها بحيرة الأسد، والبحيرات السبع قرب اللاذقية، وبحيرة 17 نيسان على نهر عفرين وبحيرة الرستن على نهر العاصي التي أنشئت عام 1960.

البحيرات الطبيعية في سوريا أبرزها بحيرة قطينة قرب حمص وبحيرة زرزر قرب الزبداني، وبحيرة مسعدة في الجولان التي تتميز بمياهها الكبريتية.

الغطاء النباتي في سوريا متنوع في المناطق الوسطى والغربية ويناقض ذلك في مناطق بادية الشام وعموم المنطقة الشرقية. تحوي سوريا على ثلاثين محمية طبيعية وتنظم شؤون المحميات الطبيعية والحراج عمومًا في الوقت الراهن بموجب المرسوم 2010/25 المدعو تنظيم أحراج الدولة واستثمارها والحفاظ عليها. تعتبر محافظة اللاذقية أغنى المحافظات السورية من حيث الغابات والغطاء النباتي بنسبة 31% من مجموع غابات الجمهورية تليها منطقة سهل الغاب بحوالي 12%. ويعيش في سوريا حوالي 3500 نوع من النباتات والأشجار فيها. أما عن الغطاء الحيواني فهو بدوره متنوع غير أن بضع حيوانات كانت تعيش في سوريا كالفيل السوري أو الفهد قد انقرضت تمامًا، ويلعب التصحر دورًا هامًا في القضاء على التنوع النباتي والحيواني في سوريا، ويهدد 18% من مجمل المساحة العامة. وتسعى الحكومة السورية لمكافحة التصحر من خلال خطط خاصة توضع لذلك.

المناخ في سوريا يصنف في شعبتين كبيرتين هما مناخ متوسطي في المنطقة الساحلية والمناطق القريبة منها، وجاف في سائر المناطق. المناخ المتوسطي يتميز بصيف حار وجاف وشتاء بارد وماطر مع وجود فصلين انتقاليين هما الخريف والربيع، أما المناخ الجاف فهو قليل الأمطار قارس البرودة في الشتاء حيث تنخفض درجات الحرارة ما دون الصفر المئوي وشديد الحرارة في الصيف، أما في المناطق الجبلية والمرتفعات تسود درجات حرارة معتدلة صيفًا بحكم الموقع المرتفع.

الديمغرافيا والسكان

بموجب إحصاءات عام 2010 فإن عدد سكان سوريا يقدر بحوالي اثنين وعشرين مليونًا ونصف بنسبة نمو طبيعي تعادل 1.9% سنويًا، أي بزيادة نصف مليون نسمة كل عام. أما نسبة الولادات فهي 32 مولود لكل ألف نسمة مقابل 4 وفيات لكل ألف نسمة أيضًا، وبمعدل أربعة أطفال لكل امرأة سورية. حوالي 90% من سكان البلاد هم من العرب في حين أن الأكراد يشكلون 8% من السكان، وتوزع النسبة الباقية على سائر الأقليات كالأرمن والتركمان والشركس والسريان بمختلف فروعهم، إلى جانب أقليات قومية وافدة أخرى. حوالي 53.5% من مجموع السكان يقيم في المدن، وتعتبر مدينة حلب أكبر المدن السوريّة، أما سائر السكان فهم يعيشون في الريف إلى جانب وجود مجموعات قليلة من البدو في بادية الشام تعمل الحكومة على توطينهم في قرى خاصة على نهر الفرات. تعاني سوريا من تضخم المدن الكبرى كدمشق ومحيطها وحلب فضلاً عن الهجرة من الريف إلى المدينة، ما يؤثر سلبًا على التنمية والأمن الغذائي.

صورة ساتليّة لمدينة دمشق تظهر التضخم العمراني ونشوء الضواحي بشكل واضح.

عمومًا فإن الكثافة السكانية في سوريا، تعتبر عالية في المنطقة الساحلية ومنطقة سهل الغاب إلى جانب دمشق وريفها ومحافظة حلب، وقليلة في منطقة الجزيرة السورية ومنعدمة تقريبًا في بادية الشام. موجات الهجرة من سوريا، بدأت نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين بسبب انهيار الوضع الاقتصادي وجور بعض الإداريين في الدولة العثمانية، ويقدر البعض عدد أصحاب الأصول السورية اليوم بثمانية عشر مليونًا، تعمل الحكومة على تطوير علاقاتها معهم من خلال وزارة خاصة هي "وزارة المغتربين"، وحثهم على الاستثمار في سوريا، كما تنصّ القوانين المعمول بها أن أيّ شخص يتحدر من أصول سورية يحق له اكتساب الجنسية السورية. أغلب المهاجرين ينتشرون في قارة أمريكا اللاتينية خصوصًا في البرازيل والأرجنتين وتشيلي، كما يقدر عدد ذوي الأصول السورية في الولايات المتحدة الإمريكية وكندا بنصف مليون، وبثلاثمائة ألف في أستراليا. في الوقت الراهن، وبنتيجة ازدهار اقتصاد منطقة مجلس التعاون لدول الخليج العربية فإن عددًا وافرًا من الشباب السوري يتجه للهجرة إليها، غير أنها أقل تأثيرًا من الناحية الديموغرافية على الجمهورية، بسبب القرب الجغرافي من جهة وعدم تجنيس المهاجرين في بلدان الاغتراب، على عكس ما حصل في أمريكا الجنوبية. ولا يمكن حصر بشكل دقيق، عدد السوريين العاملين في مجلس التعاون لدول الخليج العربي وذلك بسبب غياب الإحصاءات الدقيقة وعدم الالتزام الكامل بما يتعلق بالتسجيل، غير أن أكبر الجاليات السوريّة هي في الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية وبشكل أقل في الكويت وقطر، وقد بلغ عدد السوريين العاملين في الإمارات العربية المتحدة حسب إحصاء السفارة السورية في أبوظبي مائة وأربعين ألفًا ولا يشمل الإحصاء أفراد أسرهم غير المشتغلين.

أما الهجرة إلى سوريا فقد تمت من الدول المجاورة بسبب الحروب التي ألمّت بها، إذ إن البلاد استقبلت أعدادًا كبيرًا من اللاجئين الفلسطينيين في أعقاب حربي 1948 و1967 يقيمون تسعة مخيمات رسمية أشهرها مخيم اليرموك قرب دمشق، وثلاثة أخرى غير رسمية، ويمكنهم الإقامة أيضًا داخل المدن السورية بشكل طبيعي، ويبلغ عدد اللاجئين المسجلين لدى الأونروا - وكالة غوث اللاجئين 450.000 نسمة، ويحق للاجئين التعليم المجاني في المدارس السورية الرسمية وكذلك العمل والتملك ضمن شروط. كذلك فإن سوريا تحوي على حوالي على 1.700.000 عراقي هاجر إليها إبان الغزو الأمريكي للعراق، ويحق لهم أيضًا التملك والاستفادة من التعليم المجاني والعمل، غير أن التوافد العراقي نحو سوريا خلال فترة وجيزة أدى إلى ارتفاع الأسعار وازدياد معدل غلاء المعيشة في البلاد.

هناك هجرات أقدم تاريخيًا مثل الهجرة الأرمنية التي تمت بشكل قسري أو هربًا من المذابح الأرمنية عام 1915 إلى حلب ودير الزور ومنها إلى مدن أخرى كدمشق واللاذقية، وحاليًا وبعد حوالي قرن على الهجرة الأرمنية يبلغ حوالي الأرمن في سوريا حوالي 100.000 نسمة حسب بعض المصادر و200.000 نسمة حسب مصادر أخرى ويتمتعون بالجنسية السورية وحقوق المواطنة الكاملة.

كما أنه في أعقاب حرب 1967 قامت إسرائيل بتهجير 131.000 نسمة من الجولان نحو الداخل السوري، وقد وصل عدد هؤلاء المهجرين قسريًا عام 1996 بحكم النمو السكاني إلى 450.000 نسمة، ولم يتبق من قرى الجولان المأهولة البالغ عددها 164 قرية عام 1966 سوى ست قرى يبلغ عدد سكانها 19.000 نسمة، في حين قامت إسرائيل بتدمير الباقي بشكل كامل، وبنت على أنقاض 34 قرية مستوطنات يقطنها 15.000 مواطن إسرائيلي.

اللغة

بموجب المادة الرابعة من الدستور السوري تعتبر اللغة العربية لغة البلاد الرسمية، ويترتب على ذلك كونها اللغة الوحيدة في المعاملات الرسمية والوثائق الحكومية فضلاً عن إجبارية تعلمها في المدارس الحكومية والخاصة على حد سواء. إلى جانب اللغة العربية تنتشر اللغات الكردية خصوصًا في حلب والحسكة، واللغة الأرمنية في حلب وكسب واللغة الشركسية كلغة منطوقة بين أفراد هذه القوميات داخل البلاد، كما تستعمل اللغة السريانية بلهجتيها المعروفتين الشرقية والغربية خصوصًا من مناطق الجزيرة السورية، إلى جانب لهجة ثالثة أقرب إلى الآرامية القديمة منها إلى السريانية التي تعتبر تحديثها، ويطلق على هذه اللهجة اسم اللهجة الآرامية السريانية وتنتشر في معلولا وثلاث قرى مجاورة إلى الشمال من دمشق، وإلى جانب كونها لغة مخاطبة، فهي تستخدم كلغة طقوس في الطوائف المسيحية ذات الطقس السرياني في البلاد. كما تنتشر اللغة التركية بين التركمان.

من أقوال الملكة زنوبيا منقوشة على أحد أعمدة تدمر باللغتين اليونانية والآرامية، كانت الأولى لغة الثقافة أما الثانية لغة الشعب.

تفرض دراسة اللغتين الإنجليزية والفرنسية في مدارس البلاد الرسمية والخاصة، ويشترط حديثًا إجادة إحداها على الأقل للحصول على العمل؛ تدير الحكومة أو البعثات الأجنبية في البلاد عددًا من المعاهد العليا للغات في البلاد إلى جانب وجود معهد خاص باللغة الآرامية هو الوحيد من نوعه في العالم، كما يوجد عدد من المعاهد الخاصة. عمومًا فإن سوريا تعتبر من البلاد القليلة التي انتدبت من قبل فرنسا ولم ترسخ فيها اللغة الفرنسية أو تعتبر كلغة ثانية وذلك بسبب سياسة الحكومات المتعاقبة بعد الاستقلال.

على المستوى الشعبي، فإن السوريين لا ينطقون باللغة العربية الفصحى، إنما بلهجة شعبية يطلق عليها اسم اللهجات السورية المشتقة من اللهجات الشامية. تقوم اللهجات السورية باستعمال بعض المفردات القادمة من التركية أو الفرنسية بحكم تواجدهم في سوريا لفترات طويلة، إضافة بعض المعاني المشتقة من السريانية وهي اللغة المنتشرة قبلاً في سوريا ويشمل تأثيرها حوالي نصف المفردات الخاصة باللهجات الشامية، فضلاً عن تحوير بعض المصطلحات والأفعال في العربية. اللهجات السورية مقسومة أيضًا حسب المناطق الجغرافية ويمكن تصنيفها في أربع شعب جانبية، إذ يتحدث على سبيل سكان حلب بلهجة مشددة أكثر من سائر المدن في حين أن سكان الساحل السوري والمناطق الغربية يتحدثون بلهجة هي أقرب إلى اللهجة اللبنانية، ورغم هذا التنوع فإن عموم اللهجات الشامية تعتبر قريبة من اللغة العربية الأصلية ويستطيع الناطق العادي بالعربية فهمها دون الحاجة إلى تعلمها بشكل مخصوص. أما البدو في بادية الشام فهم أيضًا يستعملون لهجة خاصة من لهجات اللغة العربية هي اللهجة البدوية النجدية.

يشرف مجمع اللغة العربية في دمشق على ضبط اللغة وتطويرها في البلاد، ويعتبر المجمع المذكور أقدم مجمع للغة العربية في العالم. كما يحدد في سوريا يوم 1 آذار/مارس سنويًا كيوم للغة العربية.

الديانة

تنص المادة الثانية والأربعين من الدستور السوري على أن الحفاظ على الوحدة الوطنية واجب على كل مواطن، وفي الواقع لم تشهد سوريا في تاريخها الحديث اشتباكات أو صراعات على خلفيات دينية أو مذهبية على عكس العديد من البلدان المجاورة كمصر والعراق ولبنان وإيران. كذلك فإن المادة الخامسة والثلاثين من الدستور كفلت حرية قيام جميع الطوائف والمذاهب بطقوسها وتأسيس دور عبادتها الخاصة، وقد كفلت المادة نفسها حق الحرية الدينية للمواطنين، غير أن قانون الأحوال الشخصية عاد فقيّد هذا الحق من ناحية زواج المسلمة بغير المسلم ومن ناحية بقاء أولاد المسلم الذي اعتنق دينًا آخر على الإسلام حتى لو ولدوا من زواج لاحق لتغيير دينه. بالنسبة لقوانين الأحوال الشخصية، فلا يوجد قانون أحوال شخصية موحد إنما هناك مجموعة قوانين شخصية لكل طائفة من الطوائف توافق أحكام شرعها، وهو ما يثير جدلاً قانونيًا في البلاد كون البعض يراه مخالفًا للفقرة الثالثة من المادة الخامسة والعشرين في الدستور التي تنص على كون جميع المواطنين متساوين أمام القانون، ويطالب عدد من الأحزاب والحركات المدنية بسن قانون للأحوال الشخصية لا يلتفت إلى القواعد الدينية ويشرّع الزواج المدني في البلاد. المادة الثالثة من الدستور السوري أوضحت أن دين رئيس الجمهورية يجب أن يكون الإسلام، كما نصت على اعتبار الفقه أحد مصادر التشريع الرئيسية.

دير الآباء الفرنسيسكان في حلب.

تعتبر سوريا بلدًا متنوعًا طائفيًا، 74% من المواطنين من المسلمين المتمذهبين بالمذهب السنّي، في حين أن 16% من سائر الطوائف الإسلامية خصوصًا الشيعة والعلوية والدروز والإسماعيلية، أما نسبة المسيحيين فتترواح بين 10 إلى 12% باختلاف الإحصاءات، حوالي نصفهم من الروم الأرثوذكس في حين أن سائر الطوائف تشكل النصف الآخر. كانت نسبة المسيحيين في سوريا أواخر الحكم العثماني 25% من مجموع السكان غير أن انخفاضها يعود بسبب رئيسي إلى الهجرة التي تزايدت منذ تلك المرحلة وكانت نسبتها مرتفعة لدى المسيحيين أكثر من سائر الطوائف. تحوي سوريا أقل من ألف مواطن من أتباع الديانة اليهودية في دمشق وحلب والقامشلي. كانت أعداد اليهود أكبر في السابق حتى وصلت إلى ثلاثين ألفًا عام 1954 غير أنها انخفضت نتيجة هجرتهم إلى إسرائيل والولايات المتحدة خصوصًا إثر حربي 1948 و1967. يوجد في سوريا أيضًا بضعة آلاف من اليزيديين.

مقام السيدة زينب قرب دمشق.

خلال التاريخ الإسلامي كانت سوريا مسرحًا لقيام عدد من الدول والأحداث الهامة أبرزها قيام الدولة الأموية والدولة الزنكية، وتدعى دمشق في أدبيات القرون الوسطى "بالشام الشريف" إبرازًا لأهميتها وموقعها. كذلك فإن البلاد تشتهر بالمقامات وقبور الأولياء والصحابة بعضهم اشتهروا في التاريخ أو كانوا من آل البيت، وبضعهم الآخر كانوا ذوي سيرة صالحة لدى سكان قريتهم أو منطقتهم فتحولت قبورهم إلى مناطق يقصدها سكان المنطقة والمناطق المجاورة تبركًا.

لسوريا أهمية كبيرة في تاريخ المسيحية، فهي مقر عدد من الكنائس والبطريركيات المسيحية أبرزها بطريركية أنطاكية وسائر المشرق للروم الأرثوذكس وبطريركية السريان الأرثوذكس وبطريركية الملكيين الكاثوليك وغيرهم، وقامت بها الكثير من كنائس الشرق من شرقها إلى غربها. تعتبر مدينة حلب ثاني مدينة في الشرق الأوسط بعد بيروت من حيث عدد المسيحيين، إلى جانب انتشار عدد كبير من الأماكن المقدسة المسيحية فيها والمهمة في تاريخ المسيحية. تذكر الأناجيل أن يسوع قد قام بزيارة مناطق في الجنوب السوري ومن المعلوم أنه في قيصرية فيلبس والتي تدعى اليوم بانياس الشام قد أعلن أن بطرس سيكون رأس الرسل،[متى 1/16] بل إن القديس بطرس نفسه من مواطني بيت صيدا التي تقع شرقي بحيرة طبرية ما يعني أنها في سوريا، وفي بيت صيدا نفسها اجترح المسيح واحدة من أبرز معجزاته وهي السير على الماء. وقد انتشرت المسيحية سريعًا بعض مناطق البلاد وشهدت استقرار عدد من الرسل السبعون الذين عينهم المسيح شخصيًا كأساقفة لبعض مدنها، وكانت دمشق قاعدة انطلاق القديس بولس في رحلاته التبشيرية وهو واحد من رسل المسيحية ووكذلك لا تزال آثار كنيسة حنانيا الأقدم ماثلة لحقبة هامة من التاريخ المسيحي، وتعتبر كنيسة أم الزنار في حمص من أقدم كنائس العالم وترقى لفترة مبكرة من القرن الأول، وكنائس واديرة كثيرة منتشرة على امتداد الأرض السورية أما أنطاكية فقد لعبت النصيب البارز في حياة المسيحيين الأولى، وقد خرج من سوريا عدد كبير من القديسين إلى جانب كون عدد كبير من آباء الكنيسة هم من السوريين. كذلك هناك العديد من المقدسات المسيحية المهمة مثل صيدنايا ومعلولا وصدد ودير سمعان وسرجيلا وعشرات القرى التاريخية المسيحية التي كانت مراكز القديسين في عصر المسيحية الأولى.

التعليم

ينقسم التعليم في سوريا إلى مرحلتين هما مرحلة التعليم الأساسي وتشمل من الأطفال من عمر ست سنوات وحتى خمسة عشر عامًا وهي مكونة من حلقتين، ومرحلة التعليم الثانوي وتمتد من عمر الخمسة عشر عامًا وحتى الثمانية عشر وتحوي تخصصًا عامًا يشمل فرعين هما الفرع العلمي والفرع الأدبي وتخصصًا مهنيًا يشمل سبعة فروع هي الصناعي والزراعي والتجاري والسياحي والمعلوماتي والفنّي، وينتهي بنيل الطالب شهادة الثانوية العامة، والتي تؤهله بحسب معدله وبناءً على مفاضلة تصدرها وزارة التعليم العالي اختصاصه النهائي في الجامعة. ينص الدستور السوري على كون التعليم حقًا من حقوق كل مواطن، وهو إلزامي في المرحلة الأساسية ومجاني في جميع مراحل التعليم بما فيها التعليم الجامعي. تدير وزارة التربية والتعليم المدارس الحكومية وتشرف عليها وعددها مرتفع. وتقوم الوزارة كذلك بإصدار المنهاج الدراسي المعتمد وتجري تطويرات دائمة عليه، وقد صدرت آخر نسخة منه عام 2010، وهو موحد في المدارس الحكومية والخاصة على حد سواء، غير أنه من حق المدارس الخاصة إضافة بعض المواد إلى المنهاج.

تحرز سوريا تقدمًا في مجال محو الأمية، وقد انخفضت نسبة الأميين من 19% عام 2000 إلى 14.2% عام 2008، وبهذا تحتل سوريا المرتبة التاسعة عربيًا والمرتبة 119 عالميًا في محو الأمية.

أما الجامعات السوريّة فهي ترتبط بوزارة التعليم العالي التي تدير ست جامعات حكومية هي: جامعة دمشق وجامعة حلب وجامعة تشرين وجامعة البعث وجامعة الفرات والجامعة الافتراضية السورية. تتميز الجامعات الحكومية عمومًا بعدد كلياتها المرتفع والمساحات الواسعة التي تغطيها. إلى جانب الجامعات الحكومية، يسمح القانون بإنشاء الجامعات الخاصة غير أنه يقصدها بشكل أساسي الشريحة الأثرى من المجتمع بسبب أقساطها الفصليّة والسنويّة المرتفعة. تشرف وزارة التعليم العالي أيضًا على عدد من معاهد التعليم العالي والمتوسط بشكل مباشر، إلى جانب السماح بتأسيس معاهد خاصة، كما تشرف على البعثات الأجنبية وعمليات التبادل الطلابي مع مختلف الدول. ولكل جامعة الحق بوضع المنهاج الخاص بها، دون وجود تعميم من قبل وزارة التعليم العالي.

صدر في العام 1972 قانون خاص في سوريا يدعى "قانون محو الأمية"، يؤطر للخطط الحكومية لمحو الأمية، وبينما كانت نسبة الأمية أواخر الستينات تزيد عن نصف السكان انخفضت إلى 19% عام 2000 وفق الإحصاءات الرسمية، ثم 14.2% عام 2007 والذي تزامن مع إعلان محافظات طرطوس والسويداء والقنيطرة مناطق خالية من الأمية. تعتبر طبيعة بعض المناطق السوريّة النائية خصوصًا في المحافظات الشرقية، فضلاً عن التسرب المدرسي خلال مرحلة التعليم الأساسي خصوصًا في طبقات المجتمع الفقيرة، العائق الأساسي بوجه التخلص الكامل من الأمية.

الزراعة وتربية الحيوان

سهول قمح، تعتبر سوريا البلد العربي الوحيد الذي يصدر القمح لا يستورده.

تعتبر الزراعة من أهم مقومات الاقتصاد السوري، تبلغ مساحة مجمل الأراضي الصالحة للزراعة 32% وتشكل 26% من مجموع الدخل القومي، ويعمل بالمجال الزراعي فقط دون الصناعات المعتمدة على الزراعة وفق الإحصاءات الرسمية لعام 2007 نحو مليون مواطن. تعتبر سوريا ذات اكتفاء ذاتي من القمح الضروري لصناعة الخبز إلى جانب الشعير والقطن وتعتبر البلاد العاشرة عالميًا في إنتاجه، والأزهار وتقوم بتصدير هذه المنتجات، كذلك فإن البلاد تشتهر بزراعة الزيتون وتعتبر السادسة عالميًا في إنتاجه، إلى جانب العديد من الأشجار المثمرة كالتفاح والكرز والخوح والفستق والتين والمشمش وعسل النحل وسائر أنواع الخضار والفواكه، وتقوم بتصدير الفائض منها خصوصًا إلى دول الخليج العربي، كما تسعى لتحقيق الاكتفاء في ميادين أخرى.

أما تربية الحيوان فهناك عدة نماذج منها، هناك بعض البدو في المناطق الشرقية من البلاد يعتاشون بشكل رئيسي على تربية الماعز والإبل والغنم وبيع منتجاتها، أما في الريف السوري فهناك العديد من مزارع الأبقار أو مداجن الدجاج إلى جانب تربية الأغنام. يقدر عدد الأبقار بحوالي 1.165 مليون رأس تنتج 1.516 مليون طن من الحليب و62 ألف طن من اللحوم، أما عدد الأغنام فيصل إلى حوالي مليوني رأس تنتج 750 ألف طن من الحليب و184 ألف طن من اللحوم و23 ألف طن من الصوف. أما الدجاج فيبلغ عدده حوالي 120 مليون دجاجة تؤمن حوالي 4000 مليون بيضة سنويًا، وينتشر صيد الأسماك في المناطق الساحلية ومناطق الأنهار والبحيرات ويصل الإنتاج السنوي منه إلى 17 ألف طن. وقد رصدت في موازنة الدولة العامة لعام 2010 سبعون مليون دولار لتنمية الثروة الحيوانية.

الصناعة والثروات الباطنية

سوق الخان في حلب، إلى جانب الصناعات الحديثة فإن البلاد تشتهر بعدد من الصناعات والحرف اليدوية التقليدية، والتي تعتبر جاذبة للسياح.

تعتبر سوريا بلدًا صناعيًا من الدرجة المتوسطة، والاستثمار الصناعي مقسوم بدوره إلى قطاعين، الاستثمار في القطاع العام الذي تديره الحكومة والاستثمار في القطاع الخاص الممثل بالمصانع والشركات الصناعية والمساهمة الخاصة أو المشتركة، تبلغ مساهمة القطاع الخاص الصناعي في الناتج المحلي 60%،[230] وهو ما يعتبر نسبة مرتفعة خصوصًا في ظل تحوّل البلاد إلى "نظام السوق الاجتماعي". يعتبر القطاع الصناعي في سوريا في طور النمو، وقد بلغت نسبة النمو عام 2007 6.5% وهو ما يعتبر نسبة مرتفعة. تعود نسبة النمو المرتفعة بشكل أساسي إلى توافر البنية التحتية للإنتاج ممثلة بالمدن الصناعية المقامة في مواقع عديدة في الجمهورية، إلى جانب القوانين المحفزّة للاستثمار، فقد أعفى قانون الاستثمار السوري وقانون تشجيع الاستثمار الصادر عام 2007، المصانع ومنتجاتها من دفع ضرائب لمدة سبع سنوات من تاريخ بدء الإنتاج، كخطوة جاذبة للاستثمار.

أبرز الصناعات السوريّة هي الصناعات النسيجية من غزل وحلج ونسج، إلى جانب الصناعات الهندسية المعتمدة على الإنشاء والتعمير، والصناعات الغذائية والصناعات المتعلقة بالأثاث المنزلي والأخشاب والبلاط والرخام، إلى جانب الصناعات الكيميائية المتعلقة بتكرير النفط أو صناعة الاسمنت واستخراج الفوسفات والغاز الطبيعي. هناك مصنع للسيارات المحلية تدعى "سيارة شام" انطلق عام 2007 ومصنع آخر لتجميع سيارة سابا الإيرانية. تعتبر الصناعات الإلكترونية عمومًا ضعيفة وتستورد البلاد أغلب احتياجاتها منها، رغم وجود الشركة العربية السورية للصناعات الإلكترونية المدارة من قبل الحكومة، وتسعى هذه الشركة لتطوير هذا النوع من الصناعات في البلاد.

بنك الشرق وبقربه فندق "بلو تاور" في دمشق.

يأتي على رأس الثروات الباطنية في سوريا النفط، وتحتل البلاد المركز السابع والعشرين عالميًا بإنتاجه. يتم استخراجه من محافظة الحسكة ويكرر محليًا في مصفاة حمص ومصفاة بانياس ويبلغ معدل الإنتاج 400 ألف برميل يوميًا، غير أن بعض الدراسات تشير أنه سينضب في عشرينات القرن الحادي والعشرين، كما أنه لا يحقق اكتفاءً ذاتيًا من حيث حاجة البلاد للوقود، رغم اكتشاف آبار جديدة في محافظة اللاذقية. أما الغاز فهو مكتشف في الحسكة ومحافظة ادلب ومحافظة حمص ومحافظة دير الزور ويبلغ الإنتاج اليومي منه 28 مليون متر مكعب، يستخدم 80% لإنتاج الكهرباء أما الباقي فلاحتياجات السوق المحلية الأخرى، وهناك اكتشافات أخرى للغاز ما يؤشر إلى تطور مستقبلي داعم للاقتصاد السوري مستقبلاً في هذا المجال.

أما ثالث أهم الثروات الباطنية في الجمهورية فهو الفوسفات، وقد بلغ حجم الإنتاج منه عام 2010 3.6 مليون طن يصدر معظمه، وكمياته قابلة للزيادة مع احتمال وجود المزيد منه في مناطق البادية وخصوصًا شرق تدمر. وقد أدرت عائدات الفوسفات على الخزينة العامة للدولة حوالي 9 مليارات ليرة سورية عام 2010. هناك عدد من الصناعات المرتبطة بالثروات الباطنية كصناعة الأسمدة والاسمنت، غير أنها لا تزال في طور النمو، أما فيما يخص الطاقة، فقد بلغ إنتاج البلاد عام 2010 45.9 مليار كيلوواط ساعي، يستهلك القسط الأكبر محليًا ويصدر الباقي إلى لبنان.

التجارة والخدمات

يشكل قطاع الخدمات حوالي 42% من الناتج المحلي الإجمالي و39% من مجموع القوى العاملة في البلاد. الخدمات المصرفية تقسم بين القطاعين العام والخاص وأغلب المصارف الكبرى في الشرق الأوسط تملك فرعًا أو أكثر في سوريا، أفي حين تدير الحكومة ستة مصارف بعضها تخصصي كالمصرف الزراعي والمصرف الصناعي والمصرف العقاري ومصرف التسليف الشعبي، إلى جانب مصرف سورية المركزي الذي يدير مجمل العملية المالية في الدولة. كانت القيود على حركة انتقال رؤوس الأموال من وإلى سوريا تشوبها العديد من العوائق، أخذت تضمحل تدريجيًا بنتيجة السياسة الاقتصادية الجديدة للحكومة السورية التي تهدف إلى انفتاح أكبر على الأسواق العالمية، وقد تمثل ذلك بشكل رئيسي بالسماح بتأسيس المصارف وشركات التأمين الخاصة، بعد أن كانت حكرًا فقط على الحكومة،[242] وتأسيس سوق دمشق للأوراق المالية عام 2009 والتي تعتبر أول بورصة في البلاد.

يقدر حجم العمالة في البلاد بحوالي 5.5 مليون شخص يزدادون بمقدار مائتي ألف شخص سنويًا، وتبلغ نسبة البطالة 8.4% من مجموع القوى العاملة، وحوالي 70% من العاطلين هم من الشباب. وأمام عجز السوق عن خلق فرص عمل جيدة لهذه العمالة، يتجه عدد كبير من الشباب السوري إلى الهجرة خصوصًا نحو دول الخليج العربي. في نفس الوقت، تسعى الحكومة السورية من خلال خططها إلى خفض نسبة البطالة من خلال تسهيل الاستثمار خصوصًا في القطاع الخاص والذي من شأنه أن يؤدي إلى خلق فرص عمل جديدة، وهو ما أخذ ينال تجاوبًا في السوق. فبينما سجلت نسب البطالة 12.3% عام 2007 انخفضت إلى 8.4% عام 2010 طبقًا للإحصاءات الرسمية.

بلغت قيمة الصادرات السوريّة عام 2010 حوالي 10.5 مليار دولار نصفها تقريبًا مع الأقطار العربية وعلى رأسها العراق والمملكة العربية السعودية وحوالي 30% من الصادرات إلى دول الاتحاد الأوروبي أما سائر النسب توزعت على كوريا الجنوبية والصين والولايات المتحدة الإمريكية. أما واردات البلاد بلغت قيمتها 15 مليار دولار حوالي 16% منها من الدول العربية على رأسها مصر والمملكة العربية السعودية وحوالي ربع الواردات جاءت من دول الاتحاد الأوروبي في حين كان نصيب الدول الأوروبية الأخرى نسبة 18% وتوزعت سائر النسب على الصين وتركيا والولايات المتحدة الأمريكية وكوريا الجنوبية والبرازيل. وعمومًا فإن الواردات السورية تنتمي إلى القطاع التقني والمعدات والآليات الصناعية الثقيلة إلى جانب بعض المواد الخام.

نظام الحكم

صدر الدستور السوري المعمول به حاليًا في 27 فبراير 2012 وينصّ على كون نظام الحكم جمهوريًا رئاسيًا، يتمتع رئيس الجمهورية بصلاحيات تنفيذية وإجرائية واسعة يساعده في أدائها مجلس الوزراء المعين من قبله، في حين يتولى مجلس الشعب المكون من 250 عضوًا منتخبين لدورة أربع سنوات على أساس دائرة انتخابية هي المحافظة، مهام السلطة التشريعية، كما يقوم بالرقابة على عمل الحكومة وإقرار موازنة الدولة العامة والتصديق على المعاهدات؛ بيد أن لرئيس الجمهورية إصدار التشريعات التي تعامل معاملة القانون وذلك خارج أوقات انعقاد مجلس الشعب على أن يكون من حق هذا الأخير مراجعتها في أولى جلساته، وتتولى المحكمة الدستورية العليا الرقابة على مجمل العملية التشريعية في البلاد ولها محاكمة الرئيس، وتعين من قبله. رئيس الجمهورية ينتخب لمدة سبع سنوات، من قبل الشعب.

الحزب الحاكم في سوريا هو حزب البعث العربي الاشتراكي ويشكل مع ثمانية أحزاب أخرى جميعها يساريّة، تآلفًا يدعى الجبهة الوطنية التقدمية ولها ثلثا مقاعد البرلمان، كان النظام السياسي مناطًا بحزب البعث الذي اعتبره دستور 1973 "القائد للدولة والمجتمع" لكن دستور 2012 عاد وفتح المجال أمام التعددية السياسيّة في البلاد.

العلاقات الخارجية

تعتبر سوريا من البلدان ذات التأثير في السياسات العامة للشرق الأوسط؛ تقف البلاد ضمن ما يعرف "محور الصمود العربي" الذي يرفض أي تسوية مع إسرائيل قبل استعادة الأراضي التي احتلت خلال حرب 1967، وبنتيجة هذا الموقف لا تعتبر العلاقات مع الولايات المتحدة الإمريكية جيدة، وإن شهدت انفراجًا تمثل في إعادة السفير الإمريكي إلى دمشق وتبادل الزيارات الرسمية، في أعقاب تولي باراك أوباما الرئاسة في الولايات المتحدة.

فيما يخصّ الصراع العربي الإسرائيلي أيضًا، فإن سوريا دخلت أول مفاوضات مع إسرائيل عام 1991 خلال مؤتمر مدريد للسلام، وقد تمّ خلال المؤتمر بلورة مبدأ "الأرض مقابل السلام" أي استعادة الجولان مقابل السلام مع إسرائيل شرط التزامها بعودة اللاجئين والاعتراف بحقوق عرب 1948 الكاملة؛ لم تدخل نتائج مؤتمر مدريد للسلام حيّز التنفيذ مطلقًا، وقد تمّ إعادة التأكيد عليها من خلال المبادرة العربية للسلام التي طرحت في بيروت عام 2000 ونصت على قبول السلام مع إسرائيل مقابل الانسحاب إلى الحدود كما كانت عليه قبل حرب 1967 واحترام اللاجئين وحقوق عرب 1948، غير أن هذه المبادرة لم تلق القبول لدى الجانب الإسرائيلي، أخيرًا فقد نقلت الخارجية السوريّة حصول مفاوضات غير مباشرة مع إسرائيل عن طريق وسيط تركي غير أن المفاوضات تعثرت في أعقاب حرب غزة. سوريا تدعم حركات المقاومة بشكل رسمي وصريح، وتمثّل حركات المقاومة بحركة حماس في فلسطين وحزب الله في لبنان.

لسوريا علاقات مميزة مع إيران وكذلك مع تركيا، تنعكس على العلاقات الاقتصادية بين البلدين بشكل كبير. كما أن لها علاقات مميزة مع روسيا والصين، وقد سعت السياسة الخارجية للتوجه نحو بلدان أوروبا الشرقية وأمريكا اللاتينية خلال المرحلة الأخيرة، لتطوير العلاقات الثنائية وتحسين التبادل الاقتصادي تمثل ذلك بشكل رئيسي في الزيارات المتبادلة وتوقيع برتكولات تعاون على مختلف الصعد.

الجيش والقوات المسلحة

جندي سوري يضع قناعًا واقيًا من الأسلحة النووية ويستخدم بندقية إيه كيه -47، خلال حرب الخليج الثانية.

الجيش السوري هو الجهاز النظامي الرسمي للدفاع عن البلاد، وبموجب الدستور السوري فإن رئيس الجمهورية هو القائد الأعلى للجيش والقوات المسلحة، في حين يعتبر وزير الدفاع نائبه ويعين من قبله رئيسًا للأركان. يعتبر الجيش السوري الجيش السادس عشر عالميًا من حيث الحجم ويحل ثانيًا على المستوى العربي بعد الجيش المصري. الخدمة العسكرية إلزامية بموجب الدستور السوري لكل ذكر له أشقاء ذكور تجاوز الثامنة عشرة من عمره ويمكن تأجيلها لأسباب دراسية، وتبلع مدتها عامًا ونصف العام.

شارك الجيش السوري في عدد من الحروب أبرزها ضد إسرائيل منها حرب 1948 وحرب 1967 وحرب أكتوبر وتلتها حرب الاستنزاف عامي 1973 و1974 والتي أفضت إلى استعادة القنيطرة عاصمة الجولان الذي احتلته إسرائيل، إبان حرب 1967. كذلك فقد تدخل الجيش بناءً على تفويض جامعة الدول العربية عام 1976 في الحرب الأهلية اللبنانية، وشارك خلال الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982 في المعارك ضد إسرائيل، كما كان طرفًا في بعض المعارك الأخرى التي دارت خلال الحرب كحربي التحرير والإلغاء التي وضعت حدًا للحرب الأهلية اللبنانية، وقد شاركت عدة فصائل منه في حرب تحرير الكويت عام 1991.

ترسانة الجيش مستوردة من الاتحاد السوفيتي ومن ثم من روسيا إضافة إلى الصين وإيران، وهي تشمل صورايخ سكود -س وسكود - د القادرة على أن تطول إسرائيل، إضافة إلى صوايخ اس -300 المضادة للطائرات الحربية ومقاتلات ميج 31 التي تعتبر البديل عن طائرات إف-15 الإمريكية الصنع؛ كما يملك الجيش العديد من الدبابات والأسلحة الفردية المختلفة.

الصحة

النظام الصحي في سوريا يقوم على التكامل بين القطاع العام والقطاع الخاص، تقوم الدولة بإدارة 85 مشفى في الجمهورية أغلبها تخصصي كبير الحجم إلى جانب حوالي 800 مستوصف صحي في المناطق الريفية. يضاف إلى هذه المشافي التابعة لوزارة الصحة، 12 مشفى جامعي يتبع لوزارة التعليم العالي و18 مشفى عسكري يتبع وزارة الدفاع. أما المشافي الخاصة فقد بلغ عددها عام 2008 حوالي أربعمائة مشفى، إلى جانب عدد كبير من العيادات الصحية الخاصة التي يقوم بإدارتها الأطباء السوريين، وتخضع بمجملها لرقابة وزارة الصحة.[253] أغلب المشافي الخاصة صغيرة الحجم وتخصصية بإطار معيّن، وتبلغ نسبة مشاركتها في القطاع الصحي بشكل عام بحوالي 25%، غير أنها ترتفع عمّا كانت عليه سابقًا، بسبب تخفيف القيود حول الاستثمار في المجال الصحي. تقتطع الحكومة جزءًا من رواتب الموظفين العاملين في القطاع العام، كتأمين صحي في المنشآت الصحية التابعة لها، وتنص القوانين المرعيّة أنه على شركات القطاع الخاص أيضًا تسجيل عمالها في التأمينيين الصحي والاجتماعي سواءً أكان ذلك في مؤسسات القطاع العام والخاص.

يبلغ متوسط عمر المواطنين السوريين 74 عامًا، وهو متقارب مع سائر الدول في منطقة الشرق الأوسط. يعتبر التدخين في سوريا محظورًا في الأماكن العامة المغلقة منذ أبريل 2010 حفاظًا على الصحة العامة.

كما يوجد 65 معملاً للأدوية تتركز معظمها في ريف دمشق وحلب، وتحتل سوريا المركز الثاني عربيًا من حيث الصناعة الدوائية وتقوم بالتصدير لدول الخارج، أما بعض أنواع الأدوية التي لا تقوم المعامل السورية بإنتاجها تستورد وتشكل 20% فقط من مجموع حاجات سوريا للدواء.

السياحة

فندق الفور سيزون في دمشق.

مناظر طبيعية جاذبة للسياحة في بانياس الحولة.

بلغت نسبة عائدات سوريا من السياحة عام 2007 14.4% من مجمل الدخل القومي السوري، وتوفر السياحة عمالة لحوالي 13% من مجموع القوى العاملة في البلاد إلى جانب 31% من احتياطي النقد الأجنبي، وبلغ عدد السياح في عام 2007 4.6 مليون سائح حسب إحصاءات وزارة السياحة دون احتساب السوريين المقيمين في الخارج، ويبدي الحكومة السورية اهتمامًا خاصًا بالسياحة من خلال رفع نسبة الإنفاق عليها في الموازنة العامة للدولة عام 2007 بنسبة 350% عما كانت عليه في السابق، ووفق خطط وزارة السياحة السورية فإن عدد السيّاح بحلول عام 2015 يجب أن يكون بحوالي عشرة ملايين سائح. كما بلغت قيمة الاستثمار في المجال السياحي من قبل القطاعين العام والخاص 6 مليار دولار. بموجب التسهيلات في قانون الاستثمار، فإن حصة القطاع الخاص تزيد عن حصة القطاع العام في الاستثمار السياحي، وقد شهدت البلاد منذ بداية القرن الحادي والعشرين زيادة واضحة في عدد الفنادق العالمية والمقاهي والمرابع الليلية والمجمعات التجارية التي تشكل عواملاً هامة من عوامل جذب السيّاح.

اهتمام السوّاح بسوريا، يعود لاحتوائها على العديد من القلاع والمواقع الأثرية لحقبات تاريخية مختلفة ويزيد عدد المواقع المكتشفة في سوريا والتي تعود إلى العصر الحجري القديم إلى 700 موقع أثري، إضافة إلى المواقع الأثرية التي تعود للحقبتين السلوقية والرومانية وانتهاءً بالعهود الأموية والعباسية والعثمانية. هناك العديد من المدن التاريخية لا تزال تحتفظ بالكثير من هيئتها الأولى كأوغاريت وماري وسرجيلا، فضلاً عن تدمر وأفاميا والمدينة القديمة في دمشق والمدينة القديمة في حلب، المبنيتين على الطراز العثماني من ناحية الأسواق الشعبية الطويلة والمقببة، والمساجد الكبيرة. كما يوجد العديد من المواقع الدينية التي تقوم بجذب عدد من السياح، إلى جانب انتشار المصايف والغابات ذات الحرارة المعتدلة والمناظر الطبيعية في مناطق واسعة منها. كما إن تكلفة إقامة السوّاح في سوريا تعتبر أقل بكثير مما يدفعه السائح في بلدان مجاورة كتركيا أو لبنان، وهي من عوامل الجذب أيضًا.

تماثيل أصلية من تل كلف قرب البليخ، تزين مدخل متحف حلب.

تتميز سوريا بوجود عدد كبير من المهرجانات التي تنظم خصوصًا في الصيف وتتوزع على مختلف المدن والمحافظات السورية، كمهرجان تدمر السياحي ومهرجان المحبة والسلام الذي يقام في اللاذقية، ومهرجان بصرى الدولي ومهرجان الربيع الذي يقام في حماه، ومهرجان القلعة والوادي الذي يقام في حمص والكرنفال السنوي في مرمريتا وغيرهم.

تحوي البلاد أيضًا على عدد كبير من المتاحف التي تعتبر جاذبة للسياح والدارسين، وعمومًا فإن كل مركز محافظة أو مدينة كبرى يحوي متحفًا. الجدير ذكره أن عددًا من الآثار والتحف الأثرية نقلت خلال أواخر العهد العثماني أو خلال عهد الانتداب إلى الخارج خصوصًا إلى فرنسا، غير أن المتاحف الوطنية لا تزال تحوي على أعداد كبيرة من التحف والآثار، ويعود ذلك بشكل أساسي إلى استمرار عمليات اكتشاف المزيد دون توقف. أكبر متاحف سوريا هو المتحف الوطني بدمشق الذي تأسس عام 1919، ونقلت إليه العديد من الآثار المكتشفة في المحافظات لأهميتها. يعتبر متحف دير الزور ومتحف حلب من المتاحف الهامة أيضًا في البلاد. إلى جانب وجود عدد آخر من المتاحف كالمتحف الحربي والمتحف الزراعي ومتحف التقاليد الشعبية إلى جانب متحف بانوراما حرب تشرين.

المسرح والسينما والدراما التلفزيونية

ملصق دعائي لمسلسل باب الحارة، وقد صنفته الواشنطن بوست كواحد من الأعمال العشرة الأكثر متابعة حول العالم.

تعتبر بداية المسرح السوري مبكرة، إذ انطلق المسرح السوري على يد أبو خليل القباني عام 1871، الذي أسس مسرح دمشق أحد أقدم المسارح العربية. وقد توالت من بعد تأسيس المسرح الدمشقي افتتاح المسارح ونشاط حركة التأليف والإعداد المسرحي، وقد برز خلال القرن العشرين عدد من نجوم المسرح السوري كدريد لحام وياسر العظمة وهمام الحوت، علمًا أن عددًا كبيرًا من وجهاء المسرح السوري يمارسون نشاطًا في الوقت نفسه في الدراما التلفزيونية أو السينمائية، وعلى الرغم من عراقة المسرح السوري وأعماله، إلا أنه لا يعتبر حاليًا في صدارة المسارح العربية إذ يتقدم عليه على سبيل المثال المسرح المصري. ينال المسرح دعمًا من وزارة الثقافة وتخصص له جزءًا من ميزانيتها، كما يحتفل بيوم خاص للمسرح سنويًا.

أما السينما السوريا فتعود لعام 1927، وتوالت العديد من الأفلام الطويلة والقصيرة والتسجيلية والوثائقية منذ ذلك الحين، ويقام سنويًا مهرجان دمشق السينمائي الدولي كما تنظم عدد من المهرجانات السينمائية المحلية، غير أن انعكاف أغلب شركات الإنتاج عن تمويل الأعمال السينمائية مفضلةً تمويل المسلسلات التلفزيونية ذات الانتشار الأوسع والمردود المالي الأفضل أدى إلى ركود وتراجع الحركة السينمائية. أما الدراما التلفزيونية السورية فهي حسب بعض النقاد الأفضل عربيًا، كما أن نجوم الدراما السورية باتوا ذو انتشار عربي والبعض استطاع الوصول إلى العالمية. وتنظم سنويًا عدد من المهرجانات وحفلات توزيع الجوائز لعلّ أبرزها "جائزة أدونيا".

الإعلام والأدب

تسمح القوانين المرعية في سوريا بحرية تأسيس الصحافة والمجلات ودور النشر إضافة إلى تأسيس إذاعات وقنوات تلفزيونية خاصة، بشرط أن تخضع السياسة منها لرقابة مسبقة. تدير الحكومة صحيفتان يوميتان هما تشرين والثورة كما تدير سلسلة محطات تلفزيونية محليّة وفضائية هي قنوات الفضائية السورية. من الصحف الخاصة الوطن والمستقلة، ومن القنوات السورية الخاصة تلفزيون الدنيا وتلفزيون المشرق. تدير الحكومة أيضًا إذاعة "صوت الشعب" والتي تبث من دمشق، إلى جانب وجود عدد من الإذاعات الخاصة كصوت الشباب وإذاعة شام إف إم.

على الصعيد الأدبي، فقد برزت العديد من الأسماء السورية على المستويين العربي والعالمي ومن أبرز الأسماء السورية في مجال الشعر نزار قباني وأدونيس وعمر أبو ريشة ومحمد الماغوط وفي مجال الكتابة غادة السمان وحنا مينه وكوليت خوري التي باتت المستشارة الثقافية للرئيس الأسد، إلى جانب آخرين، أما على صعيد الإخراج فقد برز حاتم علي والليث حجو,، كما نبغ جاك وردة ومحمود جلال وغيرهما في مجال الفن التشكيلي وفي مجال النحت برز سعيد مخلوف. هناك مساهمات عالمية أخرى لسوريين في مجال البحث العلمي كالياس سعيد وعدنان قبرطاي وغيرهم.

ينظم في البلاد سنويًا عدد كبير من المهرجانات الثقافية ومعارض الكتب أبرزها "معرض دمشق للكتاب"، وتدير الحكومة عددًا من المكتبات وقاعات المطالعة، ولعلّ أبرز المكتبات العامة هي مكتبة الأسد الوطنية. كذلك تحوي المدن مراكز المحافظات ومراكز المناطق على ددور ثقافية ومسارح تديرها وزارة الثقافة، وتحوي مكتبات عامّة صغيرة الحجم، وتنظم من خلالها المهرجانات وسائر الأيام الثقافية. اختيرت دمشق عام 2008 كعاصمة للثقافة العربية، وكانت حلب قد اختيرت عام 2007 كعاصمة للثقافة الإسلامية.

الرياضة

استاد حلب الدولي لكرة القدم، ويتسع لحوالي 75.000 ألف متفرج.

تعتبر رياضة كرة القدم الأكثر شعبية في سوريا، وقد دخلت إلى البلاد بداية القرن العشرين وتأسس الاتحاد السوري لكرة القدم عام 1936 وفي العام التالي انضم إلى الاتحاد العالمي لكرة القدم. يحوي الدوري السوري لكرة القدم مائة وعشرين ناديًا يتنافس أربع عشرة منها في الفئة الأولى الممتازة، ولعلّ أبرز الأندية السورية لكرة القدم هي نادي الجيش والذي يعتبر النادي الأكثر إحرازًا لبطولة الدوري، ونادي الكرامة والذي استطاع الوصول إلى المباراة النهائية في دوري أبطال آسيا عام 2006، ونادي الاتحاد الذي فاز بكأس الاتحاد الاسيوي عام 2010.

تعتبر كرة السلة الرياضة الثانية في سوريا، كذلك فإن رياضة الفروسية وركوب الخيل تحتل موقعًا بارزًا في الخارطة الرياضية وينظم سنويًا في اللاذقية دورة عالمية لهذه الرياضة. إلى جانب الرياضات المائية المنتشرة في الساحل كالتزلج على الماء والغوص والسباحة، وقد قام فراس معلا بقطع المسافة بين قبرص واللاذقية سباحة محققًا بذلك رقمًا قياسيًا.

سائر الرياضيات ورياضات الصالات، متوافرة أيضًا في سوريا غير أن شعبية انتشارها قليلة للغاية، ولعل أبرزها كرة اليد والرماية وكرة الطائرة والملاكمة، فضلاً عن الراليات وينظم سنويًا رالي اكتشف سورية الدولي وقد شارك في نسخته الأخيرة حوالي مائتي مشترك من حول العالم، وتنظم بعض المدن بالتعاون مع هيئات المجتمع المدني أيضًا مارثونات سنوية في المدن، تكون عادة للتوعية لأهمية الصحة أو دعم قضية إنسانية معينة.

تدير الحكومة عددًا من الملاعب لمختلف الرياضات، كما تقوم بإدارة المدينة الرياضية في اللاذقية والتي تشمل على ملاعب وصالات مجهزة لمختلف الرياضيات، وكانت دورة ألعاب البحر المتوسط العاشرة عام 1987 قد قامت فيها، على صعيد الألعاب الأولمبية فإن رياضيو سوريا حققوا ميداليات بمعدل مدالية في كل دورة.

التقسيمات الإدارية

تعتبر سوريا دولة مركزية الحكم ومقر الحكومة هو العاصمة دمشق، أما عن التقسيمات الإدارية فإن الجمهورية مقسمة حاليًا لأربع عشرة محافظة، وتقسم كل محافظة بدورها إلى عدد من المناطق؛ ويوجد أيضًا تقسيمات ثالثية ورابعيّة داخل المناطق هي النواحي ومجالس المدن أو البلديات. تنظم التقسيمات الإدارية في سوريا بموجب قانون الإدارة المحلية الصادر في 11 أيار/مايو 1971، وتتولى شؤون تنظيم العلاقة بين المحافظات والحكومة من جهة وبين الحكومة والمحافظات من جهة ثانية "وزارة الإدارة المحلية".

أقدم التشريعات المختصة بشؤون التقسيمات الإدارية يعود لعام 1946 وشمل التقسيم تسعة محافظات فقط هي دمشق وحلب وحماه وحمص والفرات والجزيرة وحوران وجبل الدروز واللاذقية، وقد عدل عام 1954 اسم "محافظة الجزيرة" لتصبح "محافظة الحسكة" و"محافظة حوران" لتصبح "محافظة درعا" كما عدل اسم "محافظة جبل الدروز" ليصبح "محافظة السويداء". وبنتيجة زيادة عدد السكان استحدثت عام 1960 محافظة إدلب عن محافظة حلب، وشطرت محافظة الجزيرة إلى محافظتي دير الزور والرقة، ثم عام 1962 شطرت دمشق إلى محافظتي دمشق وريف دمشق التي استحدثت منها محافظة القنيطرة عام 1964، وأحدث المحافظات السورية عهدًا هي محافظة طرطوس التي قسمت عن محافظة اللاذقية عام 1972.

يرأس المحافظة، المحافظ وهو معين من قبل رئيس الجمهورية بمرسوم ويعاونه مجلس المحافظة المعين ثلثه والمنتخب ثلثاه بموجب المادة 14 من قانون الإدارة المحلية، أما رؤساء المدن والبلدات وأعضاء مجالسهم وكذلك المخاتير في القرى فهم ينتخبون كل أربع سنوات مباشرة من قبل سكان المدينة أو المحافظة. وقد حددت المادة 11 من قانون الإدارة المحلية مهام مجلس المحافظة ومجالس المدن وهي في ثمانية عشر تصنيفًا. أكبر المحافظات السورية هي محافظة حلب أما أصغرها فهي محافظة القنيطرة ولا يتجاوز عدد سكانها الخمسين ألفًا نتيجة هجرة الكثير من أبناء الجولان إلى الداخل السوري.

قراءة 8180 مرة
المزيد في هذه الفئة: « ماليزيا الأردن »