رجب: شهر الخير والرحمة

قيم هذا المقال
(1 Vote)
رجب: شهر الخير والرحمة

 

بسم الله الرحمن الرحيم


عظمة شهر رجب:

ورد في الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وآله والأئمة المعصومين عليهم السلام:
"إنّ رجب شهر الله العظيم، وأنّه لا يقاربه شهر من الشهور حرمة وفضلاُ"، وأنّه موسم الدعاء والإستغفار والتوبة، وهو شهر أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) حيث ولد في الثالث عشر منه، كما هو شهر الرسالة حيث بُعث رسول الله (صلى الله عليه وآله) بالإسلام في السابع والعشرين منه، وفيه أيضاً ولادة الإمامين الباقر والهادي (عليهما السلام) وغيرها من المناسبات الجليلة، ولذلك كانت عظمته بعظمة هذه المناسبات الجليلة التي حدثت فيه، ويكفيه حرمةً وعظمةً وفضلاً ما ورد فيه من تأكيد على استحباب الدعاء وفضل الإستغفار والتوبة، والرحمة الإلهية المهداة إلى البشرية خلال لياليه وأيامه والتي ينبغي استثمارها بالطاعة والعبادة لله تعالى.

عن الإمام الصادق عليه السلام قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله):
"رجب شهر الإستغفار لأمّتي، فأكثروا فيه الإستغفار فإنّه غفور رحيم، ويسمّى الرجب الأصب لأنّ الرحمة على أمّتي تُصَبُّ صبّاً فيه، فاستكثروا من قول "أستغفر الله وأسأله التوبة".

وعن ثواب الطاعة والعبادة فيه، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله):
"إنّ الله تعالى نَصَبَ في السماء السابعة ملكاً يُقال له (الداعي) فإذا دخل شهر رجب ينادي ذلك الملك كل ليلةٍ منه إلى الصباح: طوبى للذاكرين، طوبى للطائعين، يقول الله تعالى: أنا جليس من جالسني، ومطيع من أطاعني، وغافر من استغفرني، الشهر شهري، والعبد عبدي، والرحمة رحمتي، فمن دعاني في هذا الشهر أجبته، ومن سألني أعطيته، ومن استهداني هديته، وجعلت هذا الشهر حبلاً بيني وبين عبادي فمن اعتصم به وصل إليّ".

وعلى ضوء هذا الحديث يمكن استخلاص عظمة وفضل هذا الشهر بأنه:
شهر الذكر والطاعة والإستغفار والرحمة والدعاء، وشهر الإجابة والهداية، وشهر الإعتصام بحبل الله تعالى وبهذا تتحدّد تكاليف العباد الصالحين في هذا الشهر الكريم، فما هي هذه التكاليف والواجبات التي ينبغي القيام بها؟

واجباتنا وتكاليفنا تجاه شهر رجب:

إذا كان المولى العلي القدير قد وهبنا في شهر رجب الخير والرحمة والهداية فلا بدّ من مبادلته سبحانه وتعالى بما يليق بحقّه علينا، ونعمه وفضله وجوده وكرمه وما وصلنا منه في هذا الشهر الكريم.

وهذه المبادلة ليست مِنّة نتفضّل بها عليه تعالى، بل هي أقل ما يجب القيام به لنيل رضاه، والفوز بالنعيم الدائم والأبدي الذي وعد به عباده يوم القيامة.

فما الذي يمكن أن نتصوّره من حقوق وتكاليف نؤدّيها للمولى تعالى؟

وما هي أهم الوظائف التي ينبغي للعبد القيام بها لأداء حقّ الطاعة وشكر المُنعم؟

أوّلاً: الدعاء
يقول الله تعالى في محكم كتابه الكريم: ﴿ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ﴾1.

والدعاء عبادة يُمارسها الإنسان في جميع حالاته، وهو عبارة عن كلام المخلوق مع خالقه، ويُترجم عمق الصلة بين العبد وربّه، ويعكس حالة الإفتقار المتأصّلة في ذات الإنسان إلى الله سبحانه وتعالى، والإحساس العميق بالحاجة إليه والرغبة فيما عنده.

وإذا كان الدعاء وسيلة العبد النيل ما عند الله تعالى، ومفتاحاً للوصول إلى ساحة رحمته فينبغي التوجه من خلاله بالقلب الصافي الذي لا يرى في الوجود غيره تعالى، ويتعهد له بأن لا يقارب المعصية والذنوب، ولذلك ينبغي أن لا يتوقع الداعي إستجابة الدعاء وهو مصرٌّ على المعصية، فكيف يتوقّع الخير وهو لا ينفكّ عن فعل الشرّ.

عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: "كان رجل من بني إسرائيل يدعو الله تعالى أن يرزقه غلاماً ثلاث سنين، فلمّا رأى أنّ الله لا يُجيبه قال: يا ربّ، أبعيد أنا منك فلا تسمعني، أم قريب فلا تجيبني؟ فأتاه آتٍ في منامه قال: إنّك تدعو الله منذ ثلاث سنين بلسانٍ بذيء وقلبٍ عاتٍ غير نقيّ، ونيّة غير صافية (صادقة)، فأقلع عن بذائك، وليتّق الله قَلبُكَ، ولتحسِّن نيّتك، ففعل الرجل ذلك عاماً فولد له غلام"2.

وقال (عليه السلام): "ترك لقمة الحرام أحبّ إلى الله من صلاة ألفي ركعة تطوّعاً"3.

ثانياً: الخشية من الله تعالى
إنّ استحضار عظمة الله تعالى في قلب المؤمن، والتفكّر بألآئه ونعمه، ومعرفة أهوال يوم القيامة وما ينتظر العباد فيه يورث الحزن والألم والخشية من الله سبحانه وتعالى، وشهر رجب الذي يحاول فيه الإنسان زيادة التواصل مع خالقه هو المضمار الحقيقي لخشية الله تعالى.

عن النبي (صلى الله عليه وآله) في حديث المناهي قال:
"ومن ذرفت عيناه من خشية الله كان له بكلّ قطرة قطرت من دموعه قصر في الجنّة، مكلّل بالدرّ والجوهر، فيه ما لا عين رأت، ولا أُذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر"4.

ثالثا: ذكر الله تعالى
وهذا ما استفاضت فيه الأحاديث حول استحباب ذكر الله تعالى في هذا الشهر، يقول الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا﴾5.

وفي الحديث أنّ جبرئيل (عليه السلام) قال للنبي (صلى الله عليه وآله): "إنّ الله تعالى يقول: "أعطيت أمّتك ما لم أُعطه أمّة من الأمم، فقال صلى الله عليه وآله: وما ذاك يا جبرئيل؛ قال عليه السلام: قوله تعالى: فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ ولم يقل هذه لأحد من الأمم"6.

والذِكر نوع من التواصل الذي أراده الله تعالى أن يكون بينه وبين عباده من دون أن يكون له زمان ومكان معين، ومن آثاره ونتائجه محو السيئات التي يقترفها الإنسان بين مطلع الشمس وغروبها.

رابعاً: القرب من الله تعالى
في شهر رجب الأصب يفتح الله أبواب الدعاء لعباده، ليكون محطّة ينتقل منها الإنسان من رجس الشيطان وإغوائه إلى رحاب الله تعالى، لذا كان من الوظائف التي يلزمنا القيام بها محاولة القرب منه سبحانه وتعالى، فهو قريب يجيب دعوة الداعي، ولا يرد سائلاً.

وليكن لسان حالنا في هذا الشهر لسان أمير المؤمنين ومولى المتقين الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) حيث كان منطقه مع الله تعالى في دعاء كميل:
"وقد أتيتك يا إلهي بعد تقصيري وإسرافي على نفسي، مُعتذراً نادماً، منكسراً مستقيلاً، مستغفراً مُنيباً، مُقِراً مُذعِناً معترفاً...".

وبقدر محاولة الإنسان القرب من الله تعالى، سوف يجد في مقابل ذلك قرب الله منه، فهو الذي أمرنا أن لا نردّ سائلاً عن أبوابنا، وأن لا نطرده، ولذا كان دعاء الإمام علي بن الحسين (عليه السلام):
"ربّ إنّك... أمرتنا أن لا نردّ سائلاً عن أبوابنا، وقد أتيناك سؤّالاً ومساكين وقد أنخنا بفنائك وببابك نطلب نائلك ومعروفك وعطاءك، فامنن بذلك علينا ولا تُخيّبنا..."7.

هذه كانت بعض الواجبات والوظائف التي هي أقل ما يلزم العبد القيام بها تجاه المُنعم المُفضل.

وهذا هو سبيل الصالحين وحليتهم وسماتهم، وباب النجاة للفوز في يوم لا ينفع مالٌ ولا بنون إلّا من أتى الله بقلب سليم.

وليكن دعائنا في هذا الشهر الكريم ما قاله الإمام زين العابدين (عليه السلام) في دعاء أبي حمزة الثمالي:
"اللهم ألحقني بصالح من مضى، واجعلني من صالح من بقي، وخذ بي سبيل الصالحين، وأعنّي على نفسي بما تُعين به الصالحين على أنفسهم...".

والحمد لله ربّ العالمين

* سماحة الشيخ خليل رزق.


1- سورة غافر، الآية 60.
2- وسائل الشيعة، الحرّ العاملي، ج 7، ص 85، ح 3.
3- عدّة الداعي، ابن فهد الحلي، ص 129.
4- وسائل الشيعة، ج 11، باب 15، ح 1.
5- سورة الأحزاب، الآيتان، 41 – 42.
6- مستدرك الوسائل، المحدث النوري، ج 5، ص 286.
7- بحار الأنوار، ج 46، ص 104.

07-05-2014

 

قراءة 2777 مرة