عيد الفطر المبارک (1/ شوال/ من کلِّ عام )

قيم هذا المقال
(1 Vote)
عيد الفطر المبارک (1/ شوال/ من کلِّ عام )

معنى العيد لغةً واصطلاحاً

العيد في اللغة،([1]) مأخوذ من عاد بمعنى العود أي عاد إليه، فهو كل يوم يحتفل فيه بذكرى كريمة أو حبيبة، وفي الاصطلاح الإسلامي: هو الذكرى الّتي يجتمع المسلمون فيها ويبرزون إلى الله تعالى فيحمدونه على ما منّ عليهم من الرحمة فيه والمغفرة، وليس العيد في الإسلام للعب والتلهي، وارتداء أفخر الثياب وأغلاها ثمناً، والتلذذ بأصناف الطعام، وألوان الشراب، وعدم المبالاة بالأحكام والحدود الشرعية، كما درج على ذلك الناس في هذه الأزمنة، فالعيد في التشريع المقدس وإن كان لا يمنع من فرح المؤمن فيه، بل يدعو إليه، ولا يمنع من ارتداء الجديد، وأكل الطيبات، لكن لا يعني ذلك أن يرضى بجعل الطعام واللباس والسرور في العيد إلى درجة التفاخر والتباهي وبذل المال الكثير في تحصيله، بل لعل هذا العمل بداية لانحراف الكثير من الفقراء الّذين لا يتمكنون من جلب ما تراه أطفالهم من الطعام والثياب عند أطفال الأغنياء، فيقدم رب الأسرة ـ لما يداخله من رحمة بأطفاله ـ على جلب المال ولو من غير حلّه، أو إذا كان كثير التحفظ والتدين، فيقترض مبلغاً لعله يرهقه وفاؤه ويوجب التقصير على بيته وعياله، وقد لا يتمكن من وفائه، ويتنازع مع صاحبه فتفسد العلاقات الاجتماعية، ويمنع الإحسان ويسود التفكك في المجتمع الإسلامي. ولذا علينا جميعاً السعي لفهم المعنى الحقيقي للعيد، وما هي الواجبات الملقاة علينا تجاهه؟ وما هي أعياد الدين الإسلامي وفلسفتها؟ وقبل ذلك كله ينبغي أن نتعرف على مشروعية الأعياد في الإسلام، فنقول:

العيد حكم تشريعي خاص

ذكر العلماء المحققون أن الأحكام الإلهية لا يجوز الزيادة فيها أو النقيصة، فمثلاً الصلاة فرضها الله تعالى بالكيفية الّتي نعرفها، فلا يجوز أن نضيف عليها شيئاً، وإن كان مستحسناً، إذا كان ذلك الشيء الّذي تضيفه مما يخلّ بالهيئة التشريعية للصلاة، كإضافة ركعة إليها، فمثلاً أصلي الظهر خمسة ركعات، أو أضيف في كل ركعة ركوعين أو غير ذلك مما يخل بالكيفية المشروعة، نعم إذا كانت الاضافات غير مخلة بها فلا يضر، كما لو أكثرت الدعاء فيها، أو أطلت في سجودها وركوعها وقيامها على نحو لا يخلّ بالكيفية المشروعة، إذاً فالزيادة أو النقيصة في الأحكام الإلهية إذا كانت فهي غير جائزة، وهذا ما يصطلح عليه في عرف الفقهاء: أن الصلاة توقيفية، بمعنى أن تشريعها، بأجزائها وشرائطها وموانعها ومقدماتها موقوفٌ على إذن الشارع المقدس، فما لم يأذن به لا يجوز الادخال فيها أو الاخراج، وما نريد أن نعرفه الآن هو هل أن الأعياد توقيفية؟ أو أن كل إنسان أو مجتمع، أو قبيلة، يمكنهم تشريع العيد في يوم أو أيام يختارونها؟ ظاهر الفقهاء العظام أن الأعياد في التشريع الإسلامي توقيفي، بمعنى لا يحق لأحد أن يؤسس للمسلمين عيداً، وينسبه إلى الإسلام إلاّ أن يأذن به الشارع المقدس، مهما كان ذلك اليوم عظيماً عند الناس، نعم لو اعتبر عيداً باسم الوطن، أو المجتمع كيوم الانتصار، أو يوم أعد تكريماً لعظيم كالأم أو العالم الفلاني، أو ما شاكل ذلك، فلا يضر، ولكن لا يمكننا تحميله على الإسلام، بأن ينسب إلى الإسلام، ويعتبر من ضمن طقوسه، وممارساته، واختياراته. وهذه المسألة على مقدار من الأهمية ينبغي أن يلتفت إليها المجتمع المسلم، إذ كثيرا ًما نجد تأثير هذه الأعياد الّتي لم ينص عليها الإسلام إلى درجة، قد يتغافل عن مناسبة إسلامية تتعارض مع ذلك اليوم، لشدة شيوع عيد ذلك اليوم في مجتمع ما، فكم رأينا بعض المسلمين في مجتمع ما يحتفلون بيوم على أنه عيد متعارف عليه، في حين يعتبر ذلك اليوم ذكرى محزنة في الإسلام، وينبغي للمؤمن المسلم اظهار الحزن فيه لا الفرح والسرور.

الأعياد الإسلامية الأربعة

قال تعالی : (اللهُمَّ رَبَّنا أَنْزِلْ عَلَيْنا مائِدَةً مِنَ السَّماءِ تَكُونُ لَنا عِيداً لأَوَّلِنا وَآخِرِنا وَآيَةً مِنْكَ وَارْزُقْنا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ ) ([2])

يستفاد من النصوص الإسلامية الروائية، أنّ أعياد المسلمين أربعة وهي :

1- عيد الفطر، وهو اليوم الأول من شوال، وهو عيد الافطار، وحلية الطعام والشراب في النهار، بعدما كان محظوراً في أيام شهر رمضان.

2- عيدالأضحى، وهو اليوم العاشر من ذي الحجة بعد ما يقضي الحاج من المزدلفة إلى منى وهويوم النحر.

3- يوم الجمعة في كل اسبوع.

4- عيد الغدير، وهو اليوم الثامن عشر من ذي الحجة، يوم نصب أمير المؤمنين (عليه السلام) إماماً للمسلمين.

وقد وردت الروايات الكثيرة في إثبات هذه الأعياد، أما الفطر والأضحى فهما محل إجماع واتفاق بين المسلمين جميعاً، وأما الجمعة، فقد ورد عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) : «عن رسول الله(ص) أنه قال: أن جبرئيل أتاني بمرآة في وسطها كالنكتة السوداء، فقلت له: يا جبرئيل ما هذه؟ قال: هذه الجمعة، قال: قلت، وما الجمعة؟ قال: لكم فيها خير كثير، قال: قلت، وما الخير الكثير؟ فقال: تكون لك عيداً ولأمتك من بعدك إلى يوم القيامة، قال (ص): قلت وما لنا فيها؟ قال: لكم فيها ساعة لا يوافقها عبد مسلم يسأل الله مسألة فيها وهي لـه قسم في الدنيا إلاّ أعطاها، وإن لم يكن لـه قسم في الدنيا ادُّخِرت لـه في الآخرة أفضل منها، وأن تعوّذ بالله من شرّ ما هو عليه مكتوب صرف الله عنه ما هو أعظم منه»([3]).

وأما مشروعية عيد الغدير، فقد ورد في جملة من النصوص ما يدل عليه، نذكر منها رواية واحدة فقط، فقد سئل أبو عبد الله الصادق (عليه السلام): هل للمسلمين عيد غير يوم الجمعة والأضحى والفطر؟ قال (عليه السلام):« نعم أعظمها حرمة»، قلت: وأي عيد هو جعلت فداك؟ قال: «اليوم الّذي نصب فيه رسول الله (ص)  أمير المؤمنين (عليه السلام) ، وقال: من كنت مولاه فعلي مولاه، قلت: وأي يوم هو؟ قال: وما تصنع باليوم إنّ السنة تدور ولكنّه يوم ثامن عشر من ذي الحجة، فقلت: وما ينبغي لنا أن نفعل في ذلك اليوم؟ قال: تذكرون الله عز وجل فيه بالصيام والعبادة والذكر لمحمد وآل محمد، فإن رسول الله (ص)  أوصى أمير المؤمنين (عليه السلام) أن يتخذ ذلك اليوم عيداً، وكذلك كانت الانبياء (عليهم السلام)  تفعل، كانوا يوصون أوصياءهم بذلك فيتخذونه عيداً»([4]).

 

فلسفة الأعياد الإسلامية

بعدما عرفنا أن أعياد المسلمين أربعة: الفطر والأضحى والغدير والجمعة، ينبغي لنا أن نتعرف على معنى العيد في هذه الأيام، حيث أن العيد في الإسلام يحمل عناوين متعددة في حالات معينة، وهي كالآتي:

 

1ـ العيد هوالفرح بقبول الأعمال وغفران الذنوب

 لا شك في أن جميع الأعياد الأربعة لابد وأن تعبر عن فرح وسرور لكل فرد مسلم، ولكن ليس المراد بفرحة العيد لذات العيد، بل ما يحمله العيد من معان ومفاهيم عظيمة في الإسلام، فعيد الفطر يعني أن يفرح الإنسان الصائم القائم برضا الله عنه وقبوله لأعماله، لأن ذلك إن تحقق فيحقق للمؤمن فرحة ليس بعدها ولا قبلها فرحة، فهو ينعم بحنان الله عليه، أن لم يضيع لـه ما قدّمه في ذلك الشهر من الصيام والقيام والدعاء والمناجاة والصلاة، فعن علي (عليه السلام)  أنه قال في بعض الأعياد: « إنما هو عيد لمن قبل الله صيامه، وشكر قيامه ..وكل يوم لا يُعصى الله فيه فهو عيد »([5])

 فالفرح بغفران الله تعالى هو عيد الصائم القائم، وليس الفرح بالزينة والثياب وحلّ الطعام والشراب، يروى أنَّ سويد بن غفلة دخل على أمير المؤمنين (عليه السلام)  في يوم عيد فإذا عنده خوان عليه خبز السمراء ـ أي الحنطة ـ وصحيفة فيها خطيفة وملبنة، فقال له: يا أمير المؤمنين يوم عيد وخطيفة؟! فقال (عليه السلام) : «هذا عيد من غفر لـه»([6])، لقد كان يظن سويد أنه لا تناسب بين الخطيفة ـ وهي اللبن الّذي يطبخ ويختطف بالملاعق بسرعة ـ وبين العيد، حيث إن معنى العيد كما يفهمه الناس توفير الطعام الجيد والثياب الفاخرة الجديدة، فأفصح الإمام (عليه السلام)  عن مكنون العيد وحقيقته، وأنه عيد المغفرة والقبول، لا عيد اللبس والطعام والشراب، وكما أن هذا المعنى قد سجلته النصوص في عيد الفطر، كذلك في عيد الأضحى، فهو عيد غفران ذنوب الحاج، وقبول حجه وسعيه، وقبول الرضا عليه.

فاللعب واللهو والانشغال في اللذائذ يفقد العيد قدسيته وعظمته ووقاره، ولهذا يروى أنه مرّ الإمام الحسن (عليه السلام)  في يوم فطر بقوم يلعبون ويضحكون، فوقف على رؤوسهم، فقال:« إن الله جعل شهر رمضان مضماراً لخلقه، فيستبقون فيه بطاعته إلى مرضاته، فسبق قوم ففازوا، وقصّر آخرون فخابوا، فالعجب كل العجب من ضاحكٍ لاعب في اليوم الّذي يثاب فيه المحسنون، ويخسر فيه المبطلون، وأيم الله لو كشف الغطاء لعلموا أنّ المحسن مشغول بإحسانه، والمسيئ مشغول بإساءته، ثم مضى»([7]).

وأما عيد الغدير فهو عيد البيعة، عيد إكمال الدين وإتمام النعمة، وقبول الإسلام ديناً خالداً، كما ورد ذلك بقوله تعالى: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِيناً)([8]).

 

2ـ العيد هو العودة إلى الله تعالى

 ومن المعاني العميقة الّتي يحملها العيد أنه يعبّر عن تحقق العودة إلى الله تبارك وتعالى، وأن أهل اللغة يقولون بأن معنى العيد من عاد ويعود، وهو ما يتناسب مع العودة إلى الله تعالى والرجوع إليه ذلك أن العابد إنما يقوم بطقوسه العبادية من الصيام والصلاة والدعاء والمناجاة لكي يعود إلى ربه ويرجع إليه بعد أن كان هارباً منه تاركاً لمراضيه، عازفاً عن الطاعة، ففي شهر رمضان يبدأ العبد بتطهير نفسه وقلبه وعقله حتى يرفع تمام الحجب المظلمة الّتي صنعها لنفسه مع ربه، وبالعيد يتحقق العود إلى الله والرجوع إليه، وكذا الحاج، فإنه بما يقوم به من فروض الطاعة من الاحرام والطواف والسعي والوقوف في عرفات والمزدلفة... يرجع ويعود إلى ربه تبارك وتعالى، ليعود الله عليه بالرحمة والمغفرة.

 

3ـ يوم العيد هوتذکار ليوم القيامة

 فقد ورد أن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)  خطب في يوم الفطربعد صلاة العيد فقال: «أيّها الناس، إنّ يومكم هذا يثاب فيه المحسنون ويخسر فيه المبطلون، وهو أشبه بيوم قيامكم، فاذكروا بخروجكم من منازلكم إلى مصلاّكم خروجكم من الأجداث إلى ربّكم، واذكروا بوقوفكم في مصلاّكم وقوفكم بين يديّ ربّكم، واذكروا برجوعكم إلى منازلكم رجوعكم إلى منازلكم في الجنة،...عباد الله إن أدنى ما للصائمين والصائمات أن يناديهم ملك في آخر يوم من شهر رمضان: أبشروا عباد الله فقد غفر لكم ما سلف من ذنوبكم، فانظروا كيف تكونون فيما تستأنفون؟!([9]).

وعلى العموم فإن العيد في الإسلام يعتبر شعاراً من شعائر الله تعالى، فالفرح والسرور للتوفيق في العبادة، ولغفران الله تعالى الذنوب، ومن هذا المنطلق يعطي أمير المؤمنين بعداً عميقاً للعيد، فيعتبر أن الفرحة ليست منحصرة بالأعياد الأربعة، بل يمكن أن يحصل ذلك في كل يوم لا يعصى الله فيه، قال  الإمام علي(عليه السلام):  …«وكل يوم لا نعصي الله فيه فهو عيد»([10]).

 

صلاة العيد

من جملة أعمال يوم عيد الفطر وکذلک عيد الأضحی هو إقامة صلاة العيد يقول الإمام الخميني في تحرير الوسيلة: (صلاة عيد) الفطر و الأضحی واجبة مع حضور الإمام(عليه السلام)  ، وبسط يده وإجتماع سائر الشروط، ومستحبة في زمن الغيبة، والأحوط إتيانها فرادی في ذلک العصر،ولابأس بإتيانها جماعة رجاءً لا يقصد الورود،ووقتها من طلوع الشمس إلی الزوال، ولاقضاء لها لوفاتت، وهي رکعتان في کل منها يقرأ الحمد وسورة، والأفضل أن يقرأ في الأولی سورة الشمس وفي الثانية سورة الغاشية، أو في الأولی سورة الأعلی وفي الثانية سورة الشمس، وبعدالسورة الأولی خمس تکبيرات وخمسة قنوتات بعد کل تکبيرة قنوت ، ويجزي في القنوت کل ذکرودعاء کسائر الصلوات، ولوأتی بما هو المعروف رجاء الثواب لابأس به وکان حسناً، وهو:« اللهم أهل الکبرياء والعظمة ،.........إلی آخر الدعاء    ([11]).

 

([1])  معجم الوسيط: 635،و لسان العرب: مادة عيد.

([2]) سورة المائدة: 114 .

([3])  جامع الأحاديث: 146.

([4])  الكافي 4: 149 ح 3.

([5]) شرح نهج البلاغة 20: 73.

([6])  بحار الأنوار 40: 326 ،ح 7.

([7])  تحف العقول: 236.

([8]) سورة المائدة: 3.

([9]) الأمالي للصدوق:100، المجلس 21،مجموعة ورَّام2: 157، بحار الأنوار 92: 361،الباب36.

([10])شرح نهج البلاغة 20: 73، وسائل الشيعة 14: 460 باب 49 .

([11])  للتعرف علی کيفية إقامة صلاة العيد وأحکامها تفصيلاً راجع تحرير الوسيلة1: 241، کتاب الصلاة. 

قراءة 3518 مرة