رأس السنة الهجرية (1/ محرم / من كل سنة)

قيم هذا المقال
(0 صوت)
رأس السنة الهجرية (1/ محرم / من كل سنة)

مناسبات شهر محرم الحرام

عندما يحلّ شهر محرم الحرام، يستذكر محبي أهل البيت(عليهم السلام) ملحمة كربلاء الخالدة، عندما استشهد الإمام أبو عبد الله الحسين(ع) مع ثلة من أهل بيته الأطهار وأنصاره الأخيار، في سبيل الدفاع عن مبادئ الإسلام الحقة ورسالته السماوية المقدسة.

وتعبيراً عن الحزن على تلك الفاجعة الأليمة، وتأسياً بالمعصومين(ع) في تعاملهم معها، ينبغي أن يستشعر التفجع في قلبه ويظهر الأسى في وجهه، ولذا فقد ورد في الحديث عن الإمام الرضا(ع):

“كان أبي صلوات الله عليه إذا دخل شهر المحرم لم يُرَ ضاحكاً وكانت كآبته تغلب عليه حتى يمضي منه عشرة أيام، فإذا كان اليوم العاشر كان ذلك اليوم يوم مصيبته وجزعه وبكائه، ويقول هو اليوم الذي قتل فيه الحسين”([1]).

وبناءً على ما سبق لا ينبغي لهذا البعد العاطفي الجيّاش، على أهميته، أن يطغى على غيره من الأبعاد، بل يجب أن يكون دافعاً، وهو كذلك، لتفعيل الجوانب والأبعاد الأخرى في شخصيته وحياته نحو الأفضل اقتداءً بأبي عبد الله الحسين(ع) ، ولاسيما الجوانب العبادية والروحية التي تشدّه إلى الله (عز وجل)، من خلال أداء بعض العبادات والأعمال المخصوصة لهذا الشهر الفضيل، ومنها:

1- الصلاة: حيث يستحب في الليلة الأولى أداء صلاة ركعتين، يقرأ في الأولى الحمد والأنعام ويقرأ في الثانية الحمد و يس.

وكذلك صلاة ركعتين، يقرأ في كل منهما الحمد، والإخلاص (إحدى عشرة مرة).

2- الصيام: إذ ورد في رواية الريان بن شبيب عن الإمام الرضا(ع) ، أنه قال: “من صام هذا اليوم ودعا الله، استجاب الله دعاءه كما استجاب لزكريا(ع) ([2]).

فيستحب صيام تسعة أيام من الأيام الأولى من هذا الشهر، والإمساك في اليوم العاشر منه عن الطعام والشراب إلى وقت العصر.

3- زيارة سيد الشهداء أبي عبد الله الحسين(ع)  من قريب أو بعيد، والسعي لإحياء ليلة عاشوراء بجوار ضريحه الطاهر، إن أمكن، بالدعاء والمناجاة والذكر، وزيارته في يوم عاشوراء، والعمل لخدمة زوار مرقده الشريف.

4- إقامة مجالس العزاء، والسعي لنشر الثقافة الإسلامية الصحيحة من خلالها ولاسيما في أوساط الشباب، والتعريف بحقيقة ثورة الحسين(ع)  وأهدافها السامية.

بالإضافة إلى غيرها من الأعمال التي ذكرت في كتب الدعاء والزيارة.

أما فيما يتعلق بأهم الأحداث التي وقعت في هذا الشهر، فسنستعرضها فيما يلي:

 (1)

رأس السنة الهجرية

(1/ محرم / من كل سنة)

يصادف هذا اليوم رأس السنة الهجرية القمرية.

وقد اتفق المسلمون بمختلف مذاهبهم على جعل حدث هجرة الرسول (ص) مبدءاً لتأريخهم حيث جعله النبي(ص) مبدأ لتأريخ الحوادث والمناسبات([3])، وروى ابن عساكر في (تاريخ دمشق) عن أنس، قال: كان التأريخ من مقدم رسول الله(ص) المدينة([4]).

وذكر المؤرخون وبعض الرواة على أن وقوع الهجرة كان بتاريخ أول ربيع الأول أو يوم الثاني عشر من ربيع الأول بحسب الاختلاف في النقل، وذلك عندما خرج (ص) من مكة متوجهاً إلى المدينة، وقصة الهجرة بإختصار فيما يلي:

لما علم مشركوا قريش بأمر بيعة العقبة الثانية بين النبي(ص) وأهل المدينة الذين عاهدوه على أن يحفظوه ويحرسوه كما يحفظون أنفسهم ويدافعوا عنه وعن أهل بيته، أثار ذلك حقد المشركين وغيظهم، فدعوا إلى اجتماع في دار الندوة لاتخاذ الإجراءات اللازمة لمنع هذا الخطر، وقد حضره أربعون من كبارهم وقادتهم، فاتفقوا على أن يختاروا من كل قبيلة رجلاً ويسلّحوه حساماً قاطعاً، فيهجموا عليه بغتة ويقتلوه، فيذهب دمه بين القبائل فلا يستطيع بنو هاشم وبنو عبد المطلب مناهضتها كلّها، مما يضطرهم لقبول الدية، وبدؤوا تنفيذ خطتهم في أول ليلة من شهر ربيع الأول([5]) حيث اجتمعوا حول دار النبي(ص) ليهجموا عليه ويقتلوه في فراشه، فهبط عليه جبرائيل وأخبره بمكرهم.

فأبقى (ص) علياً (ع)  نائماً مكانه في الفراش، ليغطي خروجه إلى المدينة، فقال (ص) لعلي (ع) : إنّ الروح هبط عليّ يخبرني أن قريشاً اجتمعت على قتلي، وأمرني ربّي أن أهجر دار قومي، وأن أنطلق إلى غار ثور، وإنه أمرني أن آمرك بالمبيت على مضجعي، تخفي بمبيتك عليه أثري. فما أنت قائل وصانع؟

فقال علي (ع) : أو تسلمنّ بمبيتي هناك يا نبي الله؟

قال: نعم، فتبّسم علي (ع)  ضاحكاً وأهوى إلى الأرض ساجداً شكراً. فكان أوّل من سجد لله شكراً. فلما رفع رأسه قال: امض لما أمرت، فداك نفسي، ومرني بما شئت أكن فيه بمشيّتك وما توفيقي إلاّ بالله، ثم ضمّه النبي(ص) إلى صدره وبكيا معاً.

فأخذ جبرائيل يد النبي (ص) وأخرجه من الدار وقرأ النبي(ص): (وَجَعَلْنَا مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدّاً ومِنْ خَلْفِهِمْ سَدّاً فَأغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ)([6]).

ونثر التراب على وجوههم وقال: شاهت الوجوه.

وتوجه إلى غار ثور.

أما أمير المؤمنين(ع) ، فإنه بات تلك الليلة على فراش النبي(ص) وتغشّى ببرده الأخضر الحضرمي، وقد أحاط المشركون بالدار منتظرين حلول الصباح، فلما أصبحوا دخلوا الدار فوثب علي(ع)  في وجوههم، فقالوا له: أين محمد؟، قال: أجعلتموني عليه رقيباً، ألستم قلتم نخرجه من بلادنا؟ فقد خرج عنكم، فنزلت هذه الآية في حق علي(ع)  بعد ذلك في المدينة: (وَمِنَ النّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَآءَ مَرْضَاتِ اللهِ وَاللهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ(([7]).

ومكث رسول الله(ص) ثلاثة أيّام في الغار، ثم اتجه في اليوم الرابع إلى المدينة، فنزل قرية (قُبا) قبل المدينة في الثاني عشر من شهر ربيع الأول للسنة الثالثة عشر من البعثة، فصارت هذه الهجرة مبدأ تاريخ المسلمين([8]).

من خلال هذه القصة، يتضح بشكل جلي أن الهجرة حدثت في الأول من شهر ربيع الأول، وتوجد شواهد في كتب التاريخ والسيرة، على أنّ رسول الله(ص) والصحابة استمروا بتأريخ الحوادث من ربيع الأول.

 

([1]) وسائل الشيعة 14: 505.

([2]) وسائل الشيعة 10: 469.

([3]) راجع: تاريخ الطبري، ومناقب آل أبي طالب، والتنبيه والأشراف، والبحار، والكامل لابن الأثير و...

([4]) تاريخ مدينة دمشق، لابن عساكر الدمشقي.

([5]) ذلك لأن شهر صفر من تلك السنة كان شهراً حراماً بالنسئ المعمول لديهم، كما صرّح بذلك القرآن الكريم.

([6]) سورة يس: الآية 8.

([7]) سورة البقرة: الآية 217.

([8]) لمزيد من التفاصيل راجع كلاً من: بحار الأنوار 58: 366، وتاريخ الخميس 1: 337. وغيرها من الكتب التاريخية.

قراءة 719 مرة