تاسوعاء الإمام الحسين (ع) (9/ محرم / السنة 61 هـ)

قيم هذا المقال
(0 صوت)
تاسوعاء الإمام الحسين (ع) (9/ محرم / السنة 61 هـ)

ذكرنا فيما سبق المراسلات بين عمر بن سعد وعبيد الله، وكان ابن زياد على اطلاع كامل فيما يجري على ساحة كربلاء حيث العيون والجواسيس الذين نشرهم عبيد الله فلا يخفى عليه تحرّك الجند ورأي قيادته، ثم الأوامر القاسية التي كان يصدّرها ابن زياد تجاه قائده عمر بن سعد؛ جعلت من الكتب والرسائل التي كان يبعثها ابن سعد من ساحة الحرب إلى الكوفة تُعدّ وثائق عسكرية وأسراراً حربية تصل تباعاً إلى والي الكوفة.

وقد كتب عمر بن سعد في كتابه الثاني لابن زياد:

“أما بعد، فإنّ الله قد أطفأ النائرة وجمع الكلمة، وأصلح أمر الأمّة، هذا حسين قد أعطاني أن يرجع إلى المكان الذي منه أتى، أو أن نسيّره إلى أيّ ثغر من ثغور المسلمين شئنا فيكون رجلاً من المسلمين له ما لهم وعليه ما عليهم، أو أن يأتي يزيد أمير المؤمنين فيضع يده في يده فيرى فيما بينه وبينه رأيه. وفي هذا لكم رضاً وللأمّة صلاح”.

فلما قرأ عبيد الله الكتاب، قال: هذا كتاب رجل ناصح.. إلى آخر ما تقدم ذكره.

فقام إليه شمر بن ذي الجوشن فقال: أتقبل هذا منه وقد نزل بأرضك وإلى جنبك، والله لئن رحل من بلادك ولم يضع يده في يدك ليكوننّ أولى بالقوة ولتكوننّ أولى بالضعف والعجز، فلا تعطه هذه المنزلة فإنها من الوهن، ولكن ينزل على حكمك هو وأصحابه فإن عاقبت فأنت ولي العقوبة وإن عفوت كان ذلك لك.

فقال له ابن زياد: نعم ما رأيت، الرأي رأيك، أخرج بهذا الكتاب إلى عمر بن سعد.

وكتب إلى عمر بن سعد:

“إني لم أبعثك إلى الحسين(ع)  لتكف عنه ولا لتطاوله ولا لتمنّيه السلامة والبقاء، ولا لتقعد له عندي شافعاً… أنظر فإن نزل حسين وأصحابه على الحكم واستسلموا، فابعث بهم إليّ سلماً، وإن أبوا فازحف إليهم حتى تقتلهم وتمثّل بهم، فإنهم لذلك مستحقون فإن قتل حسين فأوطىء الخيل صدره وظهره! فإنه عاقّ شاق، قاطع ظلوم! وليس دهري في هذا أن يضرّ بعد الموت شيئاً، ولكن عليّ قول: لو قد قتلته فعلت هذا به! إن أنت مضيت لأمرنا فيه جزيناك جزاء السامع المطيع، وإن أبيت فأعتزل عملنا وجندنا، وخلّ بين شمر بن ذي الجوشن وبين العسكر، فإنّا قد أمرناه بأمرنا، والسلام”.

ثم إنّ عبيد الله بن زياد دعا شمر بن ذي الجوشن فقال له: أخرج بهذا الكتاب إلى عمر بن سعد، فليعرض على الحسين وأصحابه النزول على حكمي فإن فعلوا فليبعث بهم إليّ سلماً، وإن هم أبوا فليقاتلهم فإن فعل فاسمع له وأطع وإن أبى فاضرب عنقه وأنت أميرهم([1]).

أخذ شمر الكتاب وأقبل مسرعاً يجدّ في السير حتى وصل كربلاء في اليوم الثامن أو صباح التاسع وسلّم كتاب عبيد الله بن زياد إلى عمر بن سعد، فلما قرأه قال له عمر: ويلك ما لك! لا قرب الله دارك، وقبّح الله ما قدمت به عليّ! والله لأظنّك أنت ثنيته أن يقبل ما كتبتُ به إليه أفسدت علينا أمراً كنّا رجونا أن يصلح، لا يستسلم والله حسين، إن نفساً أبيّة لبين جنبيه.

فقال له شمر: أخبرني ما أنت صانع! أتمضي لأمر أميرك وتقتل عدوّه؟ وإلاّ فخلِّ بيني وبين الجند والعسكر.

قال: لا، ولا كرامة لك، وأنا أتولّى ذلك، فدونك وكن أنت على الرجّالة.

ونهض عمر بن سعد إلى الحسين(ع)  عشية الخميس لتسع مضين من محرم. وجاء شمر حتى وقف على أصحاب الحسين(ع)  فقال: أين بنو أختنا؟

فخرج إليه العباس وجعفر وعبد الله وعثمان بنو علي بن أبي طالب(ع)  فقالوا: ما تريد؟. فقال: أنتم يا بني أختي آمنون.

فقالت له الفتية: لعنك الله ولعن أمانك، أتؤمننا وابن رسول الله لا أمان له.

وفي رواية: فناداه العباس(ع) : تبت يداك وبئس ما جئتنا به من أمانك يا عدو الله أتأمرنا أن نترك أخانا وسيدنا الحسين بن فاطمة  وندخل في طاعة اللعناء وأولاد اللعناء.

فرجع شمر لعنه الله إلى عسكره مغضباً، ثم نادى عمر بن سعد: يا خيل الله اركبي وبالجنة أبشري. فركب الناس ثم زحف نحوهم بعد العصر([2]).

روي عن الإمام الصادق(ع)  فقال: “تاسوعاء يوم حوصر فيه الحسين(ع)  وأصحابه، وأيقنوا أنه لا يأتي الحسين ناصر ولا يمدّه أهل العراق، بأبي المستضعف الغريب”([3]).

فلمّا نادى عمر بن سعد أصحابه بالركوب ركب أصحابه واقتربوا نحو خيم الحسين(ع)  والحسين جالس أمام بيته محتبياً بسيفه، إذ خفق برأسه على ركبتيه وسمعت أخته زينب الضجة، فدنت من أخيها فقالت: يا أخي أما تسمع الأصوات قد اقتربت!.

فرفع الحسين(ع)  رأسه فقال: “إني رأيت رسول الله الساعة في المنام فقال لي: إنك تروح إلينا”.

فلطمت أخته ونادت بالويل، فقال لها الحسين(ع) : “ليس لك الويل يا أخية اسكتي رحمك الله”([4]).

ولما توجّه الجند نحو الحسين(ع)  قال له العباس بن علي(ع) : يا أخي قد أتاك القوم، قال فنهض ثم قال: “يا عباس اركب بنفسي أنت يا أخي حتى تلقاهم وتقول لهم: ما لكم وما بدا لكم وتسألهم عما جاءهم”.

فأتاهم العباس في نحو من عشرين فارساً فيهم زهير بن القين وحبيب بن مظاهر، فقال لهم العباس: ما بدا لكم وما تريدون؟.

قالوا: جاء أمر الأمير أن نعرض عليكم أن تنزلوا على حكمه أو نناجزكم.

قال: فلا تعجلوا حتى أرجع إلى أبي عبد الله فأعرض عليه ما ذكرتم.

فوقفوا وقالوا: إلقه فاعلمه ثم إلقِنا بما يقول لك.

فانصرف العباس راجعاً يركض إلى الحسين(ع)  يخبره الخبر ووقف أصحابه يخاطبون القوم.

ولمّا وصل العباس إلى أخيه الحسين(ع)  أخبره بما قال القوم، فقال: “إرجع إليهم فإن استطعت أن تؤخرهم إلى غدوة وتدفعهم عنا العشيّة لعلنا نصلي لربنا الليلة وندعوه ونستغفره فهو يعلم أني قد كنت أحب الصلاة له وتلاوة كتابه وكثرة الدعاء والاستغفار”.

فمضى العباس إلى القوم ورجع من عندهم ومعه رسول من قبل عمر بن سعد فقام حيث يسمع الصوت، فقال: إنا قد أجلناكم إلى غد فإن استسلمتم سرّحنا بكم إلى أميرنا عبيد الله بن زياد وإن أبيتم فلسنا تاركيكم! ثم انصرف([5]).

 

([1]) الإرشاد للمفيد: 212.

([2]) تاريخ الطبري 7: 317.

([3]) الكافي 4: 147.

([4]) الإرشاد للمفيد: 213، وتاريخ الطبري 7: 318، عن الكلبي عن أبي مخنف الكوفي المتوفى في 157هـ عن الإمام السجاد.

([5]) المصدر السابق.

قراءة 569 مرة