أربعينية الإمام الحسين (ع)(20/ صفر / السنة 61 هـ)

قيم هذا المقال
(0 صوت)
أربعينية الإمام الحسين (ع)(20/ صفر / السنة 61 هـ)

لقد سرّ يزيد قتل الحسين(ع) ومن معه وسبي حرم رسول الله(ص) ([1])، وظهر عليه السرور في مجلسه، فلم يبال بإلحاده وكفره، حين تمثل بشعر ابن الزبعرى:

ليت أشياخي ببدر شهدوا

 

جزع الخزرج من وقع الأسل

حتى قال:

لعبت هاشم بالملك فلا

 

خبر جاء ولا وحي نزل

ولم يدم سرور يزيد طويلاً ولا سيما بعدما أحدثته خطبة السيدة العظيمة زينب وخطبة الإمام السجاد(ع) ، من أثر عظيم بين الناس بما وضحته من الحقائق التي سعى يزيد إلى إخفائها فعاب عليه خاصته وأهل بيته ونساؤه ذلك. واستنكر الناس بأجمعهم ما ارتكبه يزيد من جرائم فظيعة في قسوتها وانقلابها على كل مفاهيم الدين العظيم ولا سيما أنها تمت بمرأى من الصحابة، فأقرفتهم الجريمة وضاقوا بيزيد ذرعاً مع ما عليه من فسق وفجور وتحدٍّ لحدود الله.

عندها خشي يزيد الفتنة، وانقلاب الأمر عليه؛ عجل بإخراج السجاد(ع)  والعيال من الشام إلى وطنهم ومقرهم المدينة، وهيأ لهم ما يريدون، وأمر النعمان ابن بشير وجماعة معه أن يسيروا معهم إلى مدينة جدهم مع الرفق([2]).

فلما وصلوا إلى العراق قالوا للدليل: مُرَّ بنا على كربلاء. فوصلوا إلى مصرع الحسين(ع)  فوجدوا جابر بن عبد الله الأنصاري وجماعة من بني هاشم ورجالاً من آل الرسول (ص)  وردوا لزيارة قبر الحسين(ع) ، فتلاقوا بالبكاء والحزن واللطم، وأقاموا في كربلاء ينوحون على الحسين(ع)  ثلاثة أيام([3]).

ووقف جابر الأنصاري على القبر فأجهش بالبكاء وقال: «يا حسين..» ثلاثاً.

ثم قال: «حبيب لا يجيب حبيبه! وأنّى لك بالجواب وقد شحطت أوداجك على أثباجك، وفُرِّق بين رأسك وبدنك، فأشهد أنك ابن خاتم النبيين، وابن سيد المؤمنين، وابن حليف التقوى، وسليل الهدى، وخامس أصحاب الكساء، وابن سيد النقباء، وابن فاطمة الزهراء سيدة النساء..

وما لك لا تكون كذلك وقد غذّتك كف سيد المرسلين، ورُبِّيت في حجر المتقين، ورُضعت من ثدي الإيمان، وفُطمت بالإسلام، فطبت حياً وطبت ميتاً، غير أنّ قلوب المؤمنين غير طيبة بفراقك، ولا شاكة في الخيرة لك، فعليك سلام الله ورضوانه، وأشهد أنك مضيت على ما مضى عليه أخوك يحيى بن زكريا».

ثم جال ببصره حول القبر، وقال: «السلام عليكم أيتها الأرواح التي حلّت بفناء الحسين وأناخت برحله، أشهد أنكم أقمتم الصلاة، وآتيتم الزكاة، وأمرتم بالمعروف ونهيتهم عن المنكر، وجاهدتم الملحدين، وعبدتم الله حتى أتاكم اليقين».

ثم قال: والذي بعث محمداً (ص)  بالحق نبياً، لقد شاركناكم فيما دخلتم فيه.

فقال له عطية العوفي: كيف! ولم نهبط وادياً ولم نعلُ جبلاً ولم نضرب بسيف، والقوم فُرِّق بين رؤوسهم وأبدانهم وأُوتمت أولادهم وأُرملت الأزواج؟!

فقال له: «إني سمعت حبيبي رسول الله(ص)  يقول: من أحب قوماً كان معهم ومن أحب عمل قوم أشرك في عملهم، والذي بعث محمداً بالحق نبياً إن نيتي ونية أصحابي على ما مضى عليه الحسين وأصحابه»([4]).

رأس الحسين(ع)  مع رؤوس أهل بيته وأصحابه تعاد للأجساد

لما عرف زين العابدين(ع)  الموافقة من يزيد طلب منه الرؤوس كلها ليدفنها في محلها، فلم يرفض يزيد رغبة الإمام (ع) ، فدفع إليه رأس الحسين مع رؤوس أهل بيته وصحبه فألحقها بالأبدان.

وقد نصّ على مجيء علي بن الحسين السجاد(ع)  بالرؤوس إلى كربلاء، المصادر التالية من علماء العامة:

1- قال ابن شهر آشوب في (المناقب: 2/200): «ذكر المرتضى في بعض رسائله أن رأس الحسين أعيد إلى بدنه في كربلاء».

2- والقزويني في (عجائب المخلوقات: 67)، قال: «في العشرين من صفر ردّ رأس الحسين(ع)  إلى جثته».

3- وفي (تذكرة الخواص) لسبط ابن الجوزي: 150، قال: «الأشهر أنه رُدَّ إلى كربلاء فدفن مع الحسين».

وبناء على ذلك فإنه لا يعبأ بما يقال خلافه من أن الرأس قد دفن في مكان آخر بعيداً عن الجسد. ولعلّ من الجميل إيراد ما تمثله أبو بكر الآلوسي عندما طُرحت عليه هذه المسألة، فعبّر عن شدّة ولائه وحبه للحسين بغض النظر عن محلّ دفن الرأس، قائلاً هذين البيتين:

لا تطلبوا رأس الحسين
ودعوا الجميع وعرّجوا

 

بشرق أرض أو بغرب
نحوي فمشهده بقلبي

أما من علماء الإمامية فنذكر منهم: الفتال في (روضة الواعظين: 165)، وابن نما الحلي في (مثير الأحزان)، وابن طاووس في (اللهوف: 112) حيث قال: «عليه عمل الإمامية». والطبرسي في (إعلام الورى: 151)، و(مقتل العوالم: 154)، حيث قال: «إنه المشهور بين العلماء».

وأخيراً، يستحب في هذا اليوم زيارة الحسين(ع)  والمعروف بزيارة الأربعين. وقد حثّ عليها الأئمة(ع)، فقد روي عن الإمام العسكري(ع)  قوله:

«علامات المؤمن خمس: صلاة إحدى وخمسين، وزيارة الأربعين، والتختم باليمين، وتعفير الجبين، والجهر ببسم الله الرحمن الرحيم»([5]).

 

([1]) تاريخ الخلفاء للسيوطي: 139.

([2]) إرشاد المفيد.

([3]) رياض الأحزان: 157.

([4]) بشارة المصطفى: 89.

([5]) بحار الأنوار 95: 346.

قراءة 378 مرة