شهادة الإمام الحسن المجتبى (ع) (على رواية الطبـرسي)(28/ صفر / السنة 50 هـ)

قيم هذا المقال
(0 صوت)
شهادة الإمام الحسن المجتبى (ع) (على رواية الطبـرسي)(28/ صفر / السنة 50 هـ)

لمحات من سيرته

 عدّدت الروايات حول تاريخ شهادة الإمام الحسن(ع) كن المشهور هو الثامن والعشرون من شهر صفر على رواية الشيخين المفيد والطوسي، وهو المعمول به في الجمهورية الإسلامية الإيرانية وبعض الدول العربية.

كان عمره الشريف عند شهادته سبعاً وأربعين سنة وأشهراً، أقام منها مع جده رسول الله(ص)  سبعاً، أو ثماني سنين، وقام بالأمر بعد أبيه علي بن أبي طالب(ع)  وله سبع وثلاثون سنة.

وأقام في خلافته ستة أشهر وثلاثة أيام، وصالح معاوية بن أبي سفيان سنة إحدى وأربعين، وإنما صالحه وهادنه خيفة على نفسه وأهل بيته وشيعته، لأن جماعة من رؤساء صحابته كاتبوا معاوية وضمنوا له تسليم الحسن(ع) ، ولم يكن فيهم من يأمن غائلته، إلا فرقة قليلة من أهل بيته وشيعته لا تقوم بقتال أهل الشام([1]) فاضطرّ(ع)  للمصالحة.

وبعث إليه معاوية في الصلح، وشرط عليه الإمام (ع)  شروطاً كثيرة منها: أن يرفع السبّ عن علي(ع) ، وأن يؤمن شيعته ولا يتعرض لأحد منهم، فأجابه معاوية إلى ذلك، وكتب كتاب الصلح بناءً عليه، ولم يلتزم الفاسق بأي شروط.

ثم خرج الحسن إلى المدينة، وأقام بها عشر سنين، حتى دسّ إليه معاوية السم على يد زوجه جعدة بنت الأشعث، فانتقل إلى رضوان الله تعالى.

قصة استشهاد الإمام الحسن(ع)

لما تم الأمر لمعاوية عشر سنين، عزم أن يجعل ابنه يزيد ولي عهده، فنظر في نفسه فرأى أثقل الناس عليه مؤونة هو الحسن بن علي بن أبي طالب، وسعد ابن أبي وقاص الزهري، أما الحسن(ع)  فلن تعدل الناس عنه إلى يزيد، لأنه ابن بنت رسول الله(ص) ، وأما سعد فإنه من الصحابة الستة أصحاب الشورى، فسعى إلى التخلّص منهما بكل شكل ووسيلة حتى يخلو له الأمر عن منازع ينازعه في ذلك. فأرسل إلى سعد رجلاً فدسّ إليه سماً فمات، ثم عزم على التخلص من الحسن(ع) ، فأرسل إلى الأشعث بن قيس، وهو قبل ذلك من حزب علي(ع) ، وكان علي ولاّه على أذربيجان فاقتطع من فيء مال المسلمين مالاً وهرب إلى معاوية وبقي عنده، فاستشاره معاوية في قتل الحسن، فقال: الرأي عندي؛ أن ترسل إلى ابنتي جعدة، فإنها تحت الحسن وتعطيها مالاً جزيلاً، وتعدها أن تزوجها من ابنك يزيد وتأمرها أن تسم الحسن، فقال معاوية: نعم الرأي، ولتكن أنت الرسول إليها، فقال: لا بل يكون الرسول غيري، لأني إذا سرت إليها يستوحش الحسن من ذلك.

وهكذا كان، ووعدها بالمال الجزيل وأن يزوجها يزيد إذا قتلت الحسن(ع) ، فرضيت بالمهمة وسُرّت بها، وبقيت تتحيّن الفرص حتى كان ذلك اليوم الذي قدم فيه الإمام (ع)  إلى منزله وكان صائماً في يوم صائف شديد الحر، فقدَّمت إليه طعاماً فيه لبن ممزوج بعسل قد ألقت فيه سُمّاً، فلما شربه الحسن أحسّ بالسم، فالتفت إلى جعدة وقال لها: «قتلتيني يا عدوّة الله، قتلك الله، وأيم الله لا تصيبين مني خلفاً، ولقد غرك وسخر بك فالله مخزيه ومخزيك»([2]).

ودخل عليه أخوه الحسين(ع) ، فرأى وجهه قد تغيّر وقد مال بدنه إلى الخضرة من أثر السمّ، فقال له الحسين(ع): بأبي أنت وأمي ما بك؟

فقال (ع): «صحّ يا أخي حديث جدي رسول الله فيّ وفيك!» فقال له الحسين(ع): ما حدثك به جدك؟ وماذا سمعته منه؟

فبكى الحسن ومدّ يده إلى أخيه الحسين واعتنقا طويلاً وبكيا بكاءً شديداً، ثم قال: أخبـرني رسول الله(ص): «مررت ليلة المعراج على منازل أهل الإيمان وبروضات الجنان، فرأيت قصرين عاليين متجاورين على صفة واحدة، لكن أحدهما من الزبرجد الأخضر، والثاني من الياقوت الأحمر..» إلى آخر الحديث الذي فيه إشارة إلى كيفية شهادة كل منهما أحدهما بالسم والآخر بالسيف.

ثم إن الحسن قام في مرضه أربعين يوماً، فلما تحقق من دنوّ أجله، دعا بالحسين ونصبه علماً للناس، ودفع إليه كتب رسول الله(ص)  وسلاحه، وكتب أمير المؤمنين(ع)  وسلاحه، وأوصاه بوصاياه. ولما حضره الموت وكان الحسين(ع)  عنده جعل يجود بنفسه، حتى قال الحسن(ع) : «أستودعكم الله، والله خليفتي عليكم»، ثم غمض عينيه ومد يديه ورجليه، ثم قضى نحبه وهو يحمد الله ويقول: «لا إله إلا الله..»([3]).

ودفن في البقيع عند جدته فاطمة بنت أسد، كما أوصى، لأنه علم أنه لن يسمح له أن يدفن في جوار جده رسول الله(ص). وخاف أن تراق الدماء عند دفنه.

ذكر شيء من مناقبه (ع)

وللحسن(ع)  من الفضائل والمناقب ما لا يخفى على أحد من العامة أو الخاصة وبما لا يدع لذي لب ريباً في أن الذي ناصب الحسن العداء ودسّ له السم، إنما خرج من ربقة الإسلام وحارب الله ورسوله، وإليك بعض فضائله مع أخيه الحسين(ع)  من الكتاب والسنّة. فأما من الكتاب: فيكفي أن نذكر الآيات التالية والسور التالية:

1- آية التطهير، 2- آية المباهلة، 3- آية المودة، 4- سورة الدهر. والتي اتفق المسلمون على أنها نزلت في الخمسة أهل الكساء.

وأما فضائلهما من السنة فقد اتفق عليها الفريقان:

1- حديث الثقلين: «إني تارك فيكم الثقلين؛ كتاب الله وعترتي أهل بيتي، ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي، إنهما لن يتفرقا حتى يردا عليّ الحوض»([4]).

2- حديث السفينة: «مثل أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلّف عنها غرق»([5]).

3- قول النبي(ص): «النجوم أمان لأهل السماء وأهل بيتي أمان لأهل الأرض».. أو أمان لأمتي([6]).

4- قول النبي لعلي وفاطمة والحسن والحسين: «أنا حرب لمن حاربكم وسلم لمن سالمكم»([7]).

5- قول النبي(ص): «والذي نفسي بيده، لا يبغضنا أهل البيت أحد إلا أدخله الله النار». قال الحاكم في (المستدرك) عن هذا الحديث: «صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه»([8]). وهناك أحاديث غيرها كثيرة، وفي ذلك كفاية لمن له عقل أو قلب.

فسلام عليك يا سيدي يا أبا محمد الحسن(ع)  يوم ولدت، ويوم استشهدت مسموماً مظلوماً، ويوم تبعث حياً.

 

([1]) وفيات الأئمة: 124.

([2]) وفيات الأئمة: 116.

([3]) نفس المصدر: 118.

([4]) صحيح مسلم4: 1873 (باب فضائل علي بن أبي طالب)، وسنن الترمذي 5: 329، وصحيح شرح العقيدة الطحاوية للنووي: 654، صحيح الجامع الصغير 1: 482.

([5]) انظر الحديث في (فضائل الصحابة) لأحمد بن حنبل 2: 785، والمعجم الكبير للطبراني 3: 44. والمستدرك للحاكم 2: 343 و3: 151.

([6]) المستدرك على الصحيحين 2: 448، و3: 149، و3: 457، والصواعق المحرقة: 351.

([7]) مسند أحمد 2: 442، وسنن ابن ماجه 1: 52.

([8]) سنن الترمذي 5: 35، مسند أحمد 1: 77.

قراءة 1310 مرة