وهي حادثة مشهورة وقعت في عام 63 هجرية، استباح فيها يزيد بن معاوية مدينة الرسول (ص) ، والواقعة حدثت في حرّة واقم، وهي الحرّة الشرقية من المدينة وهي: «أطم من آطام المدينة تنسب إليه الحرّة»([2])، وكانت أول واقعة يتمرّد فيها أهل المدينة على حكومة يزيد بن معاوية بعد واقعة الطف، استنكاراً لمقتل الحسين بن علي(ع) ورفضاً للسيادة الأموية على مقدّرات المسلمين، وانتهت الواقعة بسيطرة جيش الشام واستباحته المدينة ثلاثة أيام فكثر القتل والنهب والسلب والاعتداء على الأعراض، خلافاً لتحذيرات رسول الله(ص) المتكررة من الاعتداء على أهل المدينة.
قال (ص) : «من أخاف أهل المدينة أخافه الله، وعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين»([3])، ولما مرّ رسول الله(ص) بالحرّة وقف فاسترجع وقال: «يُقتل في هذه الحرة خيار أمتي»([4]).
العوامل والأسباب القريبة للواقعة:
كان لمعاوية سياسة خاصة تختلف عن سياسة ابنه يزيد، فكان يستخدم الشدّة مع اللين في سياسته مع أهل المدينة، كما وكان مدارياً للأنصار بأساليب عديدة من إغراء وخداع وترغيب وإذا لم تنفع هذه فيأتي دور الترهيب، فأبقى أحقادهم وكراهيتهم لحكمه في نطاق المعارضة السلمية، ولم تظهر منه موبقات كالتي ظهرت في عهد يزيد، فتحولت المعارضة السلمية الى معارضة مسلحة أفرزتها الممارسات السلبية التي ارتكبها يزيد في سنوات حكمه القليلة منها:
أولاً: نشر الفسق والفجور والفساد.
اشتهر يزيد بولعه بالمعازف وشرب الخمر والغناء واتخاذ الغلمان والقيان والكلاب، والنطاح بين الكباش والدباب والقرود، وما من يوم إلاّ ويصبح فيه مخموراً، وكان يشدّ القرد على مسرجة ويسوق به ويلبسه قلانس الذهب([5]).
«كما كان فاسقاً قليل الدين مدمن الخمر.. وله أشياء كثيرة غير ذلك غير أنني أضربت عنها لشهرة فسقه ومعرفة الناس بأحواله»([6])، وانتقل الفسق والانحراف من يزيد الى كثير من ولاته، ولم ينحصر ذلك بين الحاكم وولاته بل عملوا على: «تشجيع حياة المجون في المدينة من جانب الأمويين الى حد الإباحية.. لأجل أن يمسحوا عاصمتي الدين (مكة والمدينة) بمسحة لا تليق بهما ولا تجعلهما صالحتين للزعامة الدينية»([7]).
فوجد أهل المدينة أن الإسلام بدأ ينحسر عن التأثير وتنطمس معامله وأسسه التي شيدها رسول الله(ص) والتي شيدوها بمؤازرته ومناصرته، وإن الجاهلية عادت من جديد ودبّ الانحراف واستشرى في عاصمة الإسلام مصحوباً بإلغاء دور المدينة في سير الأحداث وإصلاح الأوضاع الطارئة، فلم يبق لهم إزاء هذه التطورات الخطيرة إلا التخطيط لإعادة الأمور الى مجاريها التي أرادها رسول الله(ص) فأعدّوا العدّة لاسترجاع مكانة المدينة، واسترجاع المفاهيم والقيم الإسلامية الى ما كانت عليه قبل حكم الأمويين بتحكيم الإسلام وتقرير مبادئه في العقول والقلوب والمواقف، وتأجّل الموقف الثوري الى وقته وظرفه المناسب.
ثانياً: مقتل الإمام الحسين(ع) وأهل بيته.
كان مقتل الإمام الحسين(ع) وأهل بيته وخيرة الصحابة والتابعين معه ذا أثر كبير على نفوس أهل المدينة؛ لأن الإمام الحسين(ع) يمثل القيادة الحقيقية للمسلمين، والأمل المنشود في إعادة الإسلام الى ما كان عليه في عهد رسول الله(ص) مضافاً الى الحب والتكريم الذي يكنّه أهل المدينة له باعتباره ابن بنت رسول الله(ص) وابن أمير المؤمنين علي(ع) الذي وقف أهل المدينة معه في جميع أدوار مسيرته التاريخية، فازدادت كراهية أهل المدينة خصوصاً والمسلمين عموماً للحكم الأموي بمقتل الحسين(ع) تلك القتلة المأساوية، من قتل الكبار والصغار وقتل بعض النساء، وما رافقها من تمثيل بجثث القتلى واقتياد بنات رسول الله(ص) سبايا الى الكوفة ثم الى الشام، وحمل رؤوس الشهداء على الرماح، وضرب عبيد الله بن زياد لوجه الحسين بالقضيب([8]).
فوجدوا أن هتك حرمة الإسلام بمقتل سبط رسول الله(ص) لم يبق لأحد حرمة بعده، ومما زاد في كراهيتهم ليزيد وتحريك ضمائرهم باتجاه التمرد على حكم يزيد قيام الإمام علي بن الحسين(ع) وعمته زينب (س) وزوجة أبيه الرباب بإثارة المظلومية وإبراز تفاصيل الظلم الذي تعرض له الإمام الحسين(ع) وأهل بيته، فحرّكت تلك المظلومية كوامن الغضب والكراهية وتحولت من طور القوة الى طور الفعل والتحدي العسكري، فتظافرت جميع الوقائع في إنضاج الموقف الثوري، كما قال المسعودي: «ولما شمل الناس جور يزيد وعمّاله وعمهم ظلمه، وما ظهر من فسقه من قتله ابن بنت رسول الله(ص) وأنصاره ما أظهر من شرب الخمور وسيره سيرة فرعون، بل كان فرعون أعدل منه في رعيته، وأنصف منه لخاصته وعامته.. أخرج أهل المدينة عامل يزيد..»([9]).
وقال الدياربكري: «إن أكابر أهل المدينة نقضوا بيعة يزيد لسوء سيرته، وأبغضوه لما جرى من قتل الحسين»([10]).
ثالثاً: الاستهانة بالمفاهيم والقيم الإسلامية.
لم يكتف يزيد بقتل الحسين(ع) وأهل بيته، بل تسافل في موبقاته ليعلن بصراحة ما يختلج في خاطره من مفاهيم واعتقادات ومن أهداف أراد تحقيقها فتحققت أولى خطواتها بمقتل الحسين(ع) ، فحينما شاهد يزيد رؤوس الشهداء على المحامل لم يتمالك خواطره وأفصح عن سريرته في شعره الذي يقول فيه:
لما بدت تلك الحمول وأشرفت |
|
تلك الرؤوس على شفا جيرون |
فأثبت يزيد أن دوافع قتل الحسين دوافع جاهلية تعود إلى طلب ثأر المشركين الذين قتلهم رسول الله(ص) وأمير المؤمنين علي(ع) ، وتأسف يزيد على قتلى المشركين في معركة بدر وتمنّى حضورهم لمشاهدة أخذ الثأر فأنشد شعراً له أو لغيره متمثلاً به:
ليت أشياخي ببدر شهدوا |
|
جزع الخزرج من وقع الأسل |
وقد أضاف ابن العماد الحنبلي بيتاً آخر ليزيد:
لعبت هاشم بالملك فلا |
|
ملك جاء ولا وحي نزل([13]) |
ومن خلال هذه الأشعار أفصح يزيد عن متبنياته الفكرية والعاطفية والسلوكية، وأعلن تحديه الواضح لأفكار المسلمين وعواطفهم، فأيقن أهل المدينة انحراف الحكم الأموي عن الإسلام وتخطيطه لعودة الجاهلية الى مسرح الأحداث من جديد، فوجد أهل المدينة أن إصلاح الأوضاع القائمة لا يتحقق من خلال المعارضة السلمية الهادئة، فلا جدوى للقول ولا معوّل على الكلام، ما لم يُتخذ موقف يتناسب وحجم التحدي، حجم المخاطر المحيطة بالإسلام وبالكيان الإسلامي، فكان الموقف هو الثورة المسلحة في أوانها.
رابعاً: السخط العام على الحكم الأموي.
واجه الحكم الأموي سخط عام من قبل المسلمين جميعاً وفي جميع الأمصار، واستشرى السخط العام ليمتد إلى الأسرة الحاكمة نفسها والموالين لها، فتبرأت أم عبيد الله بن زياد من ابنها لإصدار أوامره بقتل الإمام الحسين(ع) وساندها في البراءة أحد أبنائها، ولاقى يزيد استنكاراً شديداً من قبل نسائه ومن قبل أخواته، واستنكر يحيى بن الحكم أخو مروان مقتل الإمام الحسين(ع) وأصاب الندم الغالبية العظمى من قادة الجيش وجنوده الذين شاركوا في مقتل الحسين كعمر بن سعد وشبث بن ربعي([14]).
كما استنكر البقية من صحابة رسول الله(ص) مقتل الحسين(ع) ومنهم زيد بن أرقم وواثلة بن الأسقع، وندم الكثير من المسلمين لعدم اشتراكهم في المعركة إلى جنب الحسين(ع) ، خصوصاً أهل الكوفة والبصرة والمدائن، وأخذوا يعدّون العدّة للوثوب على الحكم الأموي في ثورة مسلحة، وقد اعترف يزيد بالسخط العام على حكومته، وحاول التنصّل عن جريمة قتل الحسين وإلقاء اللوم على عبيد الله بن زياد فقال: «بغّضني بقتله إلى المسلمين، وزرع في قلوبهم العداوة، فأبغضني البر والفاجر»([15]).
وقد اضطرّ يزيد الى إكرام الإمام زين العابدين، وإرساله مع نساء الحسين الى المدينة بتبجيل واحترام ملقياً باللوم على ابن زياد، وهذه الأحداث جعلت أهل المدينة يشعرون بضعف الحكم الأموي وانحسار شعبيته في داخل الشام وحدها، خصوصاً أنه لم يتخذ موقفاً حازماً من تمرّد عبد الله بن الزبير في مكة وجمعه للأتباع والأنصار، فازداد شعور أهل المدينة بضعف الحكم الأموي، مما دفعهم للتخطيط الى القيام بثورة مسلحة.
العوامل والأسباب الفعلية للواقعة
أولاً: الاعتداء على بعض أهل المدينة.
جعل والي المدينة عمرو بن سعيد الأشدق على شرطته عمرو بن الزبير، فأرسل بدوره الى نفر من أهل المدينة فضربهم ضرباً شديداً منهم المنذر بن الزبير وابنه محمد، وعبد الرحمن بن الأسود بن عبد يغوث، وعثمان بن عبد الله بن حكيم، ومحمد بن عمار بن ياسر وغيرهم، مما أثر هذا الموقف في نفوس أهل المدينة من بقية المهاجرين وأبنائهم والأنصار وأبنائهم، واعتبروا ذلك بداية للاستهانة بهم والاعتداء على كرامتهم وأرواحهم، وأيقنوا أن الحكم الأموي الذي تجرأ على قتل ابن بنت رسول الله(ص) ، سيكون أكثر جرأة وإقداماً على قتلهم وهو يعلم بكراهيتهم لحكمه، فأيقنوا أن الهجوم على المدينة بات وشيكاً فتهيأوا للمواجهة المسلحة.
ثانياً: التحولات الإدارية.
عزل يزيد عمرو بن سعيد الأشدق عن ولاية المدينة، وأعاد الوليد بن عتبة إليها، ثم عزله فولّى مكانه عثمان بن محمد بن أبي سفيان، وهو فتى حدث صغير السن قليل التجربة في الإدارة وفي التعامل مع أهل المدينة، وفيهم بقايا المهاجرين والأنصار، ورافق كل التحولات تغيير في الأجهزة الحكومية العاملة في المدينة مما أضعف السيطرة عليها وأصبحت الفرصة مناسبة للخروج من قبضة الحكومة الحالية.
ثالثاً: الإطلاع المباشر على ممارسات يزيد.
أرسل عثمان بن محمد وفداً من أهل المدينة الى يزيد ومنهم عبد الله بن حنظلة غسيل الملائكة، وعبد الله بن أبي عمرو بن حفص المخزومي وبعض الأشراف فأكرمهم يزيد بالأموال والعطايا لشراء ذممهم، ولكن ذلك لم يثنهم عن عزمهم بعد أن اطلعوا اطلاعاً مباشراً على ممارسات يزيد المخالفة للمنهج الإسلامي، فلما رجعوا أظهروا شتم يزيد وعيبه وقالوا: «..قدمنا من عند رجل ليس له دين يشرب الخمر ويضرب بالطنابير ويعزف عنده القيان ويلعب بالكلاب».
وقال ابن حنظلة موضحاً دوافع الثورة: «.. فوالله ما خرجنا على يزيد حتى خفنا ان نرمى بالحجارة من السماء، إنه رجل ينكح أمهات الأولاد والبنات والأخوات، ويشرب الخمر ويدع الصلاة»([16])، وقد أخذوا العطايا من يزيد لتعينهم على التمرّد المسلّح في وقته المناسب.
رابعاً: مصادرة الأموال وردود الأفعال الحكومية.
منع أهل المدينة من وصول الحنطة والتمر إلى الشام، واعتبروا ذلك حقاً لهم في ظرف الفقر الذي خيّم عليهم والذي فرضه الحكم الأموي عليهم، فأخبر المسؤول عن إيصالها الوالي عثمان بن محمد فأرسل الى رؤوس أهل المدينة وكلمهم بكلام غليظ وتأزم الموقف فأعلنوا الخروج عليه، وحينما سمع يزيد بالحدث كتب إليهم كتاباً شديد اللهجة جاء فيه: «... وأيم الله لئن آثرت أن أضعكم تحت قدمي لأطأنكم وطأة أقلّ منها عددكم، وأترككم أحاديث تتناسخ كأحاديث عادٍ وثمود، وأيم الله لا يأتينكم مني أولى من عقوبتي فلا أفلح من ندم».
ولما قُرئ الكتاب وأيقن عبد الله بن مطيع ورجاله معه أن يزيد باعث الجيوش إليهم أجمعوا على الخلاف والخروج عن طاعته([17]).
وهكذا «كان تحرك المدينة استنكاراً مباشراً لمقتل الحسين ورفضاً للسيادة الأموية التي حادت برأيهم عن الشرعية وانحرفت عن روح الإسلام»([18]).
واستثمر يزيد موقفهم لإبراز موقفه الانتقامي منهم بدافع الثأر لما حدث في بدر، لأن غزوة بدر (التي كانت غالبيتها من الأنصار.. قد أثار حقد قريش على هؤلاء مُلقية عليهم مسؤولية الهزيمة التاريخية التي ظلّت تتفاعل أجيالاً في نفوس بني أمية ([19]).
سير الأحداث
ولّى يزيد عثمان بن محمد بن أبي سفيان المدينة وهو فتى حدث، لم يمر بتجربة في التعامل مع الأفراد أو التعامل مع الأحداث، فأرسل وفداً من أهل المدينة إلى يزيد ومنهم عبد الله بن حنظلة غسيل الملائكة، وعبد الله بن أبي عمرو بن حفص المخزومي فأكرمهم يزيد بالعطايا، ولكن ذلك لم يمنعهم من إظهار مساوئه التي اطلعوا عليها، فلما وصلوا إلى المدينة اتفقوا على خلع يزيد، ومنعوا من وصول الحنطة والتمر إلى الشام، فلما سمع يزيد بالخبر بعث الجيوش إليهم، فأعلنوا العصيان المسلح وتهيأوا للمقاومة وحصروا بني أمية ومواليهم وكانوا ألفاً ثم أخرجوهم بعدما أخذوا منهم المواثيق أن لا يظاهروا عدوّهم عليهم.
أوصى يزيد قائد الجيش مسلم بن عقبة: «أدع القوم ثلاثاً فإن أجابوك وإلا فقاتلهم فإذا ظهرت عليهم فانهبها ثلاثاً».
وقام أهل المدينة بحفر خندقٍ حولها، وحين وصول جيش الشام؛ خان مروان وأبناؤه الميثاق، وظاهروا الجيش على قتال أهل المدينة، وأقنعوا بني حارثة بإدخال جيش الشام من جهتهم، فدخل الى جوف المدينة، فكان الهجوم على أهلها من الأمام ومن الخلف ثم من الجهات الأربع، فحوصرت المدينة، لكن أهلها استبسلوا بالقتال واستطاع عبد الله بن حنظلة أن يهزم كل من توجه إلى قتاله إلى أن قُتل أخوه وأبناؤه العشرة، وبعد مقتلهم انهزم أهل المدينة، واستطاع الجيش الأموي إخماد حركتهم وأباح قائدهم المدينة ثلاثاً يقتلون الناس ويأخذون المتاع والأموال، ودعى ابن عقبة أهل المدينة إلى البيعة على أنهم عبيد ليزيد يحكم في دمائهم وأموالهم وأهليهم فمن أبى البيعة بهذه الصورة قُتل، واستثنى من ذلك الإمام علي بن الحسين(ع) واستطاع(ع) أن يشفع لبقية أهل المدينة، وأنقذهم من القتل([20]).
نتائج الحقد الأموي على المدينة وأهلها:
أولاً: عدد القتلى.
استمرّ الجيش الشامي بإبادة أهل المدينة وإكثار القتل فيهم ثلاثة أيام، حتى بلغ العدد الذي أحصي يومئذٍ «من قريش والأنصار والمهاجرين ووجوه الناس ألفاً وسبعمائة، ومن سائر الناس عشرة آلاف سوى النساء والصبيان».
«وقتل من أصحاب النبي(ص) ثمانون رجلاً، ولم يبق بدريّ بعد ذلك»([21]).
وفي رواية الزهري: «سبعمائة من وجوه الناس، ومن لا يعرف من عبد وحر وامرأة عشرة آلاف»([22]).
وفي رواية ابن أعثم (6500) ورواية المسعودي (4200)([23]).
والظاهرة البارزة في هوية القتلى تُظهر التركيز على أبناء الصحابة وبقية الصحابة من حملة القرآن ومن المشاركين في بدر، حتى كانت الحرّة نهاية للبدريين جميعاً وقتل فيها (سبعمائة من حملة القرآن)([24]).
ومن الوجوه البارزة التي قتلت في الواقعة: عبد الله بن حنظلة غسيل الملائكة وأبناؤه العشرة وأخوه لأمه محمد بن ثابت بن قيس وزيد بن عبد الرحمن بن عوف، وعبد الله بن زيد بن عاصم، ومحمد بن عمرو بن حزم، وعبد الله بن عبد الرحمن بن حاطب، ومعقل بن سنان الأشجعي، وإبراهيم بن نعيم النحّام، ومحمد بن أبي كعب، وسعد وسليمان وإسماعيل وسليط وعبد الرحمن وعبد الله أبناء زيد بن ثابت، وعون وأبو بكر ابنا عبد الله بن جعفر بن أبي طالب، وجعفر بن محمد بن الحنفية والفضل بن العباس بن ربيعة، وحمزة بن عبد الله بن نوفل بن الحارث، والعباس بن عتبة بن أبي لهب، ومحمد بن أبي الجهم.
ثانياً: الاعتداء على النساء والأطفال.
لم يرع الجيش الشامي أية حرمة للنساء والأطفال، فاستقبلوا أوامر الإباحة باندفاع منقطع النظير، وحولوها إلى واقع ملموس، فبعد هزيمة أهالي المدينة (افتض فيها ألف عذراء) وأنه «حبلت ألف امرأة في تلك الأيام من غير زوج»([25]).
فقد خالف الجيش المسلّمات الأساسية في الشريعة الإسلامية وفي الأعراف القائمة، فمهما كان ذنب الرجال فلا ذنب للنساء وهنّ مؤمنات مسلمات لا يجوز سبيهنّ أو الاعتداء عليهنّ، ودخلت الجيوش الشامية أحد البيوت فلم يجدوا فيها إلا امرأة وطفلاً ليس لديها مال أخذوا طفلها وضربوا رأسه بالحائط فقتلوه([26]). وقام أحد جنود الشام بتكرار العملية حينما ضرب ابناً لابن أبي كبشة الأنصاري بالحائط فانتشر دماغه في الأرض([27]).
ثالثاً: النهب والسلب.
أول دور انتهبت والحرب قائمة دور بني عبد الأشهل، فما تركوا في المنازل التي دخلوها شيئاً إلا نهبوه من أثار وحلي وفرش حتى الحمام والدجاج كانوا يذبحونها، ودخلوا على أبي سعيد الخدري. فقال لهم: أنا صاحب رسول الله(ص). فقال له جنود الشام: ما زلنا نسمع عنك، ولكن أخرج إلينا ما عندك، فلما لم يجدوا عنده شيئاً نتفوا لحيته وضربوه، ثم أخذوا ما وجدوه من مواد عينية لا قيمة لها، وأرسلت سعدى بنت عوف المري الى مسلم بن عقبة المري تطلب منه عدم التعرض لإبلها باعتبارها ابنة عمٍّ له، فقال: «لا تبدأوا إلا بها»، واستمر جيش الشام بالنهب والسلب ثلاثة أيام فما تركوا مالاً او ممتلكات عينية إلا أخذوها([28]).
رابعاً: انتهاك المقدسات.
لم يرع جيش الشام أي حرمة للمقدسات الإسلامية فكان همّه إرضاء يزيد بن معاوية بأي أسلوب كان، وكانت طاعته مقدمة على كل شيء، فكان الجيش يخاطب بقايا المهاجرين والأنصار (يا يهود)([29]).
وسمّى ابن عقبة المدينة Sنتنة وقد سماها رسول الله(ص) طيبة ([30]).
وعطلت الشعائر الإسلامية ثلاثة أيام، قال أبو سعيد الخدري: «فوالله ما سمعنا الأذان بالمدينة.. ثلاثة أيام إلا من قبر النبي(ص) »([31]).
وحينما وصلت الأخبار الى يزيد وفي رواية حينما ألقيت الرؤوس بين يديه جعل يتمثل بقول ابن الزبعري:
ليت أشياخي ببدر شهدوا |
|
جزع الخزرج من وقع الأسل |
وسبق ليزيد أن تمثل بهذه الأبيات حينما وصل إليه رأس الإمام الحسين(ع) .
وهكذا كانت الواقعة تعبيراً عن الحقد الذي يكنّه الأمويون للأنصار منذ واقعة بدر، والذي ظهر في توجيهات يزيد لابن عقبة قبل الواقعة: «فإذا قدمت المدينة فمن عاقك على دخولها أو نصب لك الحرب، فالسيف السيف، أجهز على جريحهم وأقبل على مدبرهم وإياك أن تبقي عليهم»([33]).
وقد نفّذ ابن عقبة تلك التوجيهات وشجّع على الإبادة الجماعية فكان مناديه ينادي: «من جاء برأس فله كذا وكذا ومن جاء بأسير فله كذا وكذا»، فلم يبق بدري إلا قتل([34]).
فأخذ يزيد ثأر المشركين الذين قتلوا ببدر يوم الحرّة فانتقم من بقايا المهاجرين والأنصار وأبنائهم انتقاماً متناسباً مع درجة الحقد التي يكنّها لهم.
([1]) راجع الكامل في التاريخ ج3 وتاريخ الخلفاء للسيوطي: 209.
([2]) معجم ما استعجم: عبد الله الأندلسي 1: 438، عالم الكتب 1403هـ الطبعة الثالثة.
([3]) تاريخ الإسلام، الذهبي: 26، دار الكتاب العربي ط1. 1412هـ.
([4]) الإمامة والسياسة، الدينوري 1: 219، القاهرة 1388هـ.
([5]) البداية والنهاية، ابن كثير 8: 235.
([7]) الإمام الحسن، لعبد الله العلايلي: 26، منشورات الشريف الرضي ط1. 1415هـ.
([8]) الكامل في التاريخ 4: 79-80، تاريخ الطبري 5: 456.
([9]) مروج الذهب: للمسعودي 3: 69، دار الهجرة، ط 2. 1397هـ.
([10]) تاريخ الخميس، لحسين الدياربكري 2: 300، مؤسسة شعبان.
([11]) روح المعاني، للآلوسي 26: 73، دار إحياء التراث العربي.
([12]) البداية والنهاية 8: 192، المنتظم 5: 343.
([13]) شذرات الذهب، لابن العماد الحنبلي 1: 69، دار الآفاق - بيروت.
([14]) الكامل في التاريخ 4: 86-90.
([15]) البداية والنهاية 8: 232.
([16]) تاريخ الإسلام، للذهبي: 27، تاريخ الخلفاء، للسيوطي: 167.
([17]) الإمامة والسياسة 1: 207.
([18]) التوابون، للدكتور إبراهيم بيضون: 82.
([19]) الأنصار والرسول، د. إبراهيم بيضون: 29.
([20]) الكامل في التاريخ، تاريخ الطبري، الإمامة والسياسة، مروج الذهب.
([21]) الإمامة والسياسة 1: 215- 216.
([23]) الفتوح 5: 181. مرج الذهب 3: 70.
([24]) تاريخ الإسلام، للذهبي: 30.
([25]) تاريخ الخلفاء: 167، البداية والنهاية 8: 221، تاريخ الإسلام: 26.
([26]) المحاسن والمساوئ، للبيهقي 1 :104.
([27]) الإمامة والسياسة 1: 215.
([28]) م. ن: 1- 213، المنتظم 6: 15.
([29]) أنساب الأشراف: قسم 4، 1، 327.
([31]) الفتوح، ابن أعثم 5: 182. دار الكتب العلمية ط1. 1406هـ.
([32]) أنساب الأشراف: 4-1-333، الأخبار الطوال: 267، العقد الفريد 5: 139.