ولدت السيدة نفيسة بمكة المكرمة في يوم الأربعاء الحادي عشر من شهر ربيع الأول سنة خمس وأربعين ومائة من الهجرة النبوية (145هـ) وسماها أبوها نفيسه على اسم عمتها وبعد خمسة سنوات هاجرت مع أبيها إلى مدينة جدها رسول الله(ص) .
أبوها هو الحسن الأنور([1]) ابن زيد الأبلج ابن الحسن السبط ابن علي بن أبي طالب ، كان عالماً جليلاً يعد من التابعين وهو مجاب الدعوة، ويقال: مرّت به امرأة وهو في الأبطح ومعها ولدها فاختطفه عقاب فسألت الحسن أن يدعو الله لها برده، فرفع يديه إلى السماء ودعا ربه، فإذا بالعقاب قد ألقى الصغير من غير أن يضره بشيء فأخذته أمه([2])، وأمّا أم السيدة نفيسة فهي أم ولد.
تزوجت نفيسة بإسحاق المؤتمن ابن الإمام جعفر الصادق(ع) في سنة (161هـ) وبزواجها هذا اجتمع في بيتها نوران: نور الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة، فالسيدة نفيسة جدها الإمام الحسن والسيد إسحاق جده الإمام الحسين(ع) ، وكان إسحاق من أهل العلم والفضل والورع والصلاح وروى عنه بعض الأحاديث والأخبار، وقد ولدت نفيسة من إسحاق ولدين هما القاسم وأم كلثوم، وعاشت السيدة نفيسة في المدينة مع أبيها وزوجها إلى أن هاجرت إلى مصر ودخلتها في يوم السبت الموافق (26 من شهر رمضان/ سنة 193هـ) وقيل وفي طريقها إلى مصر زارت المسجد الأقصى والأنبياء والأولياء المدفونين في فلسطين، ثم زارت بغوطة دمشق السيدة زينب(عليها السلام)، ومن ثم زارت قبر عمتها فاطمة بنت الإمام الحسن(ع) ، وفضة جارية جدتها فاطمة الزهراء(عليها السلام)، وغير أولئك المدفونين في مقبرة باب الصغير.
نفيسة العلم والتقوى
بدأت السيدة نفيسة في سن مبكرة في تلاوة القرآن وحفظه، حتى تم لها حفظ القرآن خلال سنة واحدة، وكانت تؤدي الصلوات الخمسة بانتظام مع والديها في المسجد الحرام، وحتى في السادسة من عمرها([3])، وقد شغفت بحديث جدها المصطفى (ص) ، وروت من الحديث والآثار الكثير من أبيها وآل بيتها وعلماء عصرها بحيث عدت من المحدّثات، ومن بين من التقت بهم في المدينة الإمام مالك بن أنس، الذي كان حديث الفقهاء وقرأت كتابه (الموطأ) وناقشته، وفي مصر التقت السيدة نفيسة بالإمام الشافعي الذي نزل مصر بعدها بخمس سنوات، ومع جلالة قدر الإمام الشافعي كان يزورها في بيتها ويسمع عنها الحديث ويسألها الدعاء فتدعو له فيستجاب، ولما مرض مرضه الذي مات فيه أرسل لها على جاري العادة يلتمس منها الدعاء فقالت للقاصد: متعه الله بالنظر إلى وجهه الكريم، فعلم الإمام الشافعي أنه ميت وأوصى أن تصلي عليه فلما توفى سنة أربع ومائتين مرّوا به على بيتها فصلت عليه، مأمومة وكان الذي صلى بها للإمام أبو يعقوب البويصلي([4]).
وفاتها:
استقرت السيدة نفيسة(عليها السلام)، في الدار التي وهبها لها أمير مصر السرى بن الحكم في خلافة المأمون العباسي، وانتقلت إليها سنة إحدى ومائتين، وقد حضرت السيدة نفيسة جدها في دارها، وكانت تنزل فيه للتعبد والتذكر بالآخرة وكانت تصلي فيه النوافل العديدة.
كما قالت زينب بنت أخيها: تألمت عمتي في أول من رجب وكتبت إلى زوجها إسحاق المؤتمن كتاباً، وكان غائباً بالمدينة تطلب إليه المجيء إليها لدنو أجلها وفراقها لدنياها وإقبالها على أخراها، وكانت صائمة فأشاروا الأطباء عليها بالإفطار لحفظ قوتها ولتتغلب على مرضها وضعفها، فقالت: واعجباه إن لي ثلاثين سنة وأنا أسأل الله عز وجل أن يتوفاني وأنا صائمة أفأفطر؟! معاذ الله تعالى، ثم أنشدت تقول:
أصرفوا عني طبيبي |
|
ودعوني وحبيبي |
وقالت زينب: ثم إنها بقيت كذلك إلى العشر الأواسط من شهر رمضان، فاشتد بها المرض واحتضرت، فاستفتحت بقراءة سورة الأنعام، فلا زالت تقرأ إلى أن وصلت إلى قوله تعالى (فَقُلْ سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبّكُمْ عَلَىَ نَفْسِهِ الرّحْمَةَ)([5]) ففاضت روحها الكريمة، وقيل إنها قرأت (لَهُمْ دَارُ السّلاَمِ عِندَ رَبّهِمْ وَهُوَ وَلِيّهُمْ بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ)([6]) فغشي عليها وقبضت واختارها الله لجواره ونقلها إلى دار كرامته وكان ذلك في سنة ثمان ومائتين (208هـ)([7]) وذلك بعد موت الإمام الشافعي بأربع سنين رحمهم الله جميعاً.
ولما توفيت اجتمع الناس ووصل زوجها في ذلك اليوم وأراد حملها إلى المدينة لدفنها بالبقيع فاجتمع أهل مصر إلى أمير البلد واستجاروا به إلى زوجها ليدفنها عندهم فقبل ذلك بعد الإصرار الكثير، فدفنها في مصر (القاهرة) ولذلك كان المصريون يسمونها بنفيسة المصرية.
فسلام عليها يوم، ولدت ويوم ماتت، ويوم أدّت رسالتها، ويوم تبعث حيّة شافعة لزوارها إن شاء الله.
كراماتها:
لا شك إن السيدة نفيسة تعد من أولياء الله المقربين لعلمها ومعرفتها بالله، وكثرة عبادتها ولشدة زهدها وتقواها ولذا صدرت منها كرامات في حياتها وبعد مماتها بحيث عدّ لها ابن حجر العسقلاني نحواً من مائة وخمسين كرامة، وقد ذكرها ابن حجر على سبيل المثال لا الحصر، وهذا دفع الناس قديماً وحديثاً للتوسل بها إلى الله لقضاء حوائجهم وقد اشتهرت بسرعة استجابة، دعاء من توسل بها، وإنّا لنذكر بعضاً منها لنكشف قبساً من ساطع نورها.
1- عن سعيد بن الحسن قال: توقف النيل بمصر في زمن السيد ة نفيسةIفجاء الناس إليها وسألوها الدعاء فأعطتهم قناعها، فجاءوا به إلى النهر وطرحوه فيه، فما رجعوا حتى زخر النيل بمائه وزاد زيادة عظيمة([8]).
2- قال أبو موسى دخلت إلى ضريحها فوضعت يدي على الضريح فسمعت قائلاً: أهكذا تدخل على أهل البيت النبوة؟!.
([1]) المدني الهاشمي، وهو والد جدّ عبد العظيم الحسني المدفون بطهران.
([2]) حكاه الشبلنجي في كتابه نور الأبصار: 137.
([3]) مجموعة آل البيت النبي(ص): ط مصر 79.
([4]) تحفة الأحباب وبغية الطلاب، 157.
([6]) سورة الأنعام: الآية 127.
([7]) وقيل توفيت في الثالث من شهر صفر سنة (208هـ).
([8]) نقله المقريزي في خططه: ح4 - 326، والسخاوي في تحفة الأحباب: 159.