الأدلّة على جواز الصلاة عند القبور

قيم هذا المقال
(0 صوت)

السؤال:

ما هو ردّكم على كلام ابن تيمية حيث قال: لم يقل أحد من أئمّة السلف أنّ الصلاة عند القبور وفي مشاهد القبور مستحبّة أو فيها فضيلة، ولا أنّ الصلاة هناك والدعاء أفضل من الصلاة في غير تلك البقعة والدعاء، بل اتّفقوا كلّهم على أنّ الصلاة في المساجد والبيوت أفضل من الصلاة عند القبور(1).

 

الجواب:

إنّ ما دلّ على جواز الصلاة والدعاء في كلّ مكان، يدلّ بإطلاقه على جواز الصلاة والدعاء عند قبر النبيّ(صلى الله عليه وآله) وقبور سائر الأنبياء والصالحين أيضاً، ولا يشكّ في الجواز مَن له أدنى إلمام بالكتاب والسنّة، وإنّما الكلام هو في رجحانها عند قبورهم.

فنقول في هذا المجال: إنّ إقامة الصلاة عند تلك القبور لأجل التبرّك بمَن دُفن فيها، وهذه الأمكنة مشرّفة بهم، وقد تحقّق شرف المكان بالمكين، وليست الصلاة ـ في الحقيقة ـ إلّا لله تعالى لا للقبر ولا لصاحبه، كما أنّ الصلاة في المسجد هي لله أيضاً، وإنّما تُكتسب الفضيلة بإقامتها هنا لشرف المكان، لا أنّها عبادة للمسجد.

فالمسلمون يصلّون عند قبور مَن تشرّفت بمَن دُفن فيها لتنالهم بركة أصحابها الذين جعلهم الله مباركين، كما يصلّون عند المقام الذي هو حجر شرف بملامسة قدمي إبراهيم الخليل(عليه السلام) لها.

قال الله تعالى: ﴿وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى...﴾(2)، فليس لاتّخاذ المصلّى عند ذلك المقام الشريف سبب إلّا التبرّك بقيام إبراهيم(عليه السلام) عليه، وهم يدعون الله عند القبور لشرفها بمَن دُفن فيها، فيكون دعاؤهم عندها أرجى للإجابة وأقرب للاستجابة، كالدعاء في المسجد أو الكعبة أو أحد الأمكنة، أو الأزمنة التي شرّفها الله تعالى.

والحاصل: أنّه يكفي في جواز الصلاة الإطلاقات والعمومات الدالّة على أنّ الأرض جُعلت لأُمّة محمّد مسجداً وطهوراً.

وأمّا الرجحان فللتبرّك بالمكان المدفون فيه النبيّ أو الوليّ ذي الجاه عند الله، كالتبرّك بمقام إبراهيم، أفلا يكون المكان الذي بورك بضمّه لجسد النبيّ الطاهر مباركاً، مستحقّاً لأن تستحبّ عنده الصلاة وتندب عبادة الله فيه.

والعجب أنّ ابن القيّم جاء في كتابه «زاد المعاد» بما يخالف عقيدته، وعقيدة أُستاذه ابن تيمية، إذ قال: «وأنّ عاقبة صبر هاجر وابنها على البعد والوحدة والغربة والتسليم إلى ذبح الولد، آلت إلى ما آلت إليه، من جعل آثارهما ومواطئ أقدامهما مناسك لعبادة المؤمنين، ومتعبّدات لهم إلى يوم القيامة، وهذه سنّته تعالى فيمَن يريد رفعه من خلقه»(3).

فإذا كانت آثار إسماعيل وهاجر لأجل ما مسّها من الأذى مستحقّة لجعلهما مناسك ومتعبّدات، أفلا تكون آثار أفضل المرسلين الذي قال: «ما أُوذي نبيّ قطّ كما أُوذيت» تستحقّ أن يُعبد الله فيها؟ وتكون عبادة الله عندها والتبرّك بها شركاً وكفراً؟

____________________

 

1_ رسالة القبور 1/28.

2_ البقرة: 125.

3_ زاد المعاد 1/75.

قراءة 3052 مرة