كيف نكون عباداً للرحمن حقّاً؟

قيم هذا المقال
(0 صوت)
كيف نكون عباداً للرحمن حقّاً؟

طرحت سورة الفرقان في آياتها الكريمة مجموعة من الصفات لمن وصفتهم بعباد الرحمن. لتكون هذه الصفات مقياساً لنا، فعلينا أن نضع هذه الصفات نصب أعيننا دائماً، ونجعلها هدفاً لنا نسعى لاكتسابها والتحلّي بها. ولمعرفتهم والاقتداء بهديهم، صوّرهم الله تعالى لنا عبر صفاتهم وهي:

الصفة الأولى: التواضع: ﴿الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا﴾: أي بسكينة ووقار بلا تجبّر وتبختر. وفي المجمع عن الإمام الصادق عليه السلام، هو الرجل يمشي بسجيّته التي جبل عليها لا يتكلّف ولا يتبختر[1]. والتواضع أحد علائم "عباد الرحمن"، التواضع الذي يهيمن على أرواحهم بحيث يظهر حتّى في مشيتهم، التواضع الذي يدفعهم إلى التسليم أمام الحقّ. والمعنى الثاني: التمهّل والتأنّي: أي هم يتمهَّلون في كلّ شيء، لا تأخذهم الأشياء بظواهِرها، هُم يتأمَّلون، يتفكَّرون، يبحثون، يُقَلِّبون الأمر على وجوهه، يتمهّلون في حياتهم العاديّة وفي اختيارهم للصديق، لمكان الدرس، للكتاب، للمدرّس وهكذا. وبعبارة جامعة هم يتحرّكون في كلّ أمورهم من واقع التبصّر والبصيرة في شؤون حياتهم.
 
الصفة الثانية: الحلم: ﴿وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا﴾: "إذا سفه عليهم الجهّال بالقول السيّء لم يقابلوهم عليه بمثله، بل يعفون، ويصفحون، ولا يقولون إلّا خيرًا. بمعنى إذا خاطبهم الجاهلون خطاباً ناشئاً عن جهلهم، ممّا يكرهون أن يخاطبوا به، أو يثقل عليهم، كما يستفاد من تعلّق الفعل بالوصف، أجابوهم بما هو سالم من القول، وقالوا لهم قولاً سلاماً خالياً عن اللغو والإثم.
 
الصفة الثالثة: التهجّد: ﴿وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا﴾: فعباد الرحمن لا يبيتون لاهين غافلين عن ذكر ربّهم، بل يحيون ليلهم في طاعته وعبادته. فهم الذين يدركون الليل حال كونهم ساجدين فيه لربّهم، وقائمين يتراوحون سجوداً وقياماً، ويمكن أن يراد به التهجد بنوافل الليل.
 
الصفة الرابعة: الخوف من عذاب الله: ﴿وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا﴾: الغرام ما يحلّ في الإنسان من شدّة أو مصيبة فيلزمه، لا يفارقه، والباقي ظاهر.
 
﴿إِنَّهَا سَاءتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامً﴾: الضمير لجهنّم، والمستقرّ والمقام اسما مكان من الاستقرار والإقامة، والباقي ظاهر.
 
فهم مع طاعتهم مشفقون خائفون، وجلون من عذاب الله، وهذا الخوف منهم عن علم ودراية، ولذلك علَّلوه بأنّه عذاب لازم لصاحبه غير مفارق له.
 
الصفة الخامسة: الاعتدال في الإنفاق: ﴿وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا﴾:
الإنفاق بذل المال، وصرفه في رفع حوائج نفسه أو غيره، والإسراف الخروج عن الحدّ، ولا يكون إلّا في جانب الزيادة، وهو في الإنفاق التعدّي عمّا ينبغي الوقوف عليه في بذل المال، والقتر بالفتح فالسكون التقليل في الإنفاق، وهو بإزاء الإسراف.
 
فعباد الرحمن ليسوا بمبذّرين في إنفاقهم، فيصرفون فوق الحاجة، ولا بخلاء على أهليهم فيقصرون في حقّهم، فلا يكفونهم، بل عدلٌ خيارٌ، وخير الأمور أوسطها.
 
الصفة السادسة: التوحيد: ﴿وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ﴾: لا يجعلون للَّه سبحانه شريكاً، إنّما يوجّهون عبادتهم إليه وحده. هي التوحيد الخالص الذي يبعدهم عن كلّ أنواع الشرك والثنويّة والتعدّديّة في العبادة.
 
الصفة السابعة: التنزّه عن سفك الدماء: ﴿وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ﴾: طهارتهم من التلوّث بدم الأبرياء ولا يقتلون النفس التي حرّم الله إلّا بالحقّ.
 
الصفة الثامنة: حفظ الفرج عمّا لا يحلّ: ﴿وَلَا يَزْنُونَ﴾: إن عفافهم لا يتلوّث أبداً: ولا يزنون. إنّهم على مفترق طريقين: الطهر والتلوّث: فهم يتخيّرون النقاء والطهر. إنّهم يهيّئون المحيط الخالي من كلّ أنواع الشرك والتعدّي والفساد والتلوث، بجدّهم واجتهادهم. فهم يعلمون قباحة هذه الخصلة، وفحشها فيتنزّهون عنها، بل عن كلّ ما يؤدّي إليها من نظر محرّم، أو خلوة.
 
الصفة التاسعة: عدم شهادة الزور: ﴿وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ﴾: أصل الزور تمويه الباطل بما يوهم أنّه حقّ. فيشمل الكذب وكلّ لهو باطل كالغناء والفحش والخناء بوجه.
 
الصفة العاشرة: الإعراض عن اللغو: ﴿وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا﴾: اللغو ما لا يعتدّ به من الأفعال والأقوال لعدم اشتماله على غرض عقلائيّ ويعمّ - كما قيل - جميع المعاصي، والمراد بالمرور باللغو، المرور بأهل اللغو، وهم مشتغلون به.
 
فالكلام الذي لا خير فيه، ولا فيه فائدة دينيّة ولا دنيويّة ككلام السفهاء ونحوهم ﴿مَرُّوا كِرَامًا﴾ أي: نزّهوا أنفسهم وأكرموها عن الخوض فيه، ورأوا أنّ الخوض فيه، وإن كان لا إثم فيه، فإنّه سفَه ونقص للإنسانيّة والمروءة، فربأوا بأنفسهم عنه.
 
الصفة الحادية عشرة: قبول الموعظة: ﴿وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا﴾: والذين إذا ذكروا بآيات ربّهم من حكمة أو موعظة حسنة، من قرآن أو وحي، لم يسقطوا عليه، وهم صمّ لا يسمعون وعميان لا يبصرون، بل تفكّروا فيها وتعقّلوها فأخذوا بها عن بصيرة فآمنوا بحكمتها واتّعظوا بموعظتها وكانوا على بصيرة من أمر هم وبينه من ربّهم[2].
 
فمن صفات هؤلاء أنّهم إذا ذكروا بآيات الله لم يقابلوها بالإعراض عنها والصمم عن سماعها، وصرف النظر والقلوب عنها كما يفعله من لم يؤمن بها، ولم يصدق، وإنّما حالهم فيها وعند سماعها أنّهم يقابلونها بالقبول والافتقار إليها، والانقياد والتسليم لها، وتجد عندهم آذانًا سامعة وقلوبًا واعية، فيزداد بها إيمانهم، ويتمّ بها إيقانهم، وتحدث لهم نشاطًا، ويفرحون بها سرورًا واغتباطًا.
 


[1] راجع: العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج66، ص260.
[2] انظر: العلّامة الطباطبائيّ، الميزان في تفسير القرآن، مصدر سابق، ج 15، ص 243-244.

قراءة 342 مرة