لماذا البكاء على الإمام الحسين (ع)

قيم هذا المقال
(0 صوت)
لماذا البكاء على الإمام الحسين (ع)

الملخص

لقد جسدت ملحمة عاشوراء أروع سلسلة من الأحداث البطولية التي مرت عبر التاريخ والعصور؛ جمعت فيها أسمى الأثر الإنسانية في التضحية، والشجاعة، والعطاء في هذه النهضة الحسينية، ومما لا شك فيه أن الشيعة الامامية أصحاب مذهب أهل البيت (عليهم السلام) متهمين بالتمادي والإفراط في حب الإمام الحسين (عليه السلام) وعلى كثرة إقامة التعازي ومجالس الذكر لمصيبة الإمام الحسين (عليه السلام) كل عام .

والسؤال يفرض نفسه هنا : لماذا نبكي حسينا؟

– ولماذا البكاء على الإمام الحسين (عليه السلام) بالذات دون غيره من الأئمة الأطهار(عليهم السلام)؟

– ما كل هذا التعظيم، مع ان هنالك شخصيات إسلامية كثيرة، لها دور وشأن كبير عبر مرور التاريخ، ولهم دروس وعبر، فما هي الخصوصية؟

– هل نحن نبكي حسينا كشخص؛ أو نبكي على ضياع الحكومة الإسلامية؟

– هل نبكي على الحسين كالمظلوم الوحيد في العالم – وهناك ملايين أمام اعيننا – أم نبكي الظلم ، والجور، والهوان بشكل عام والحسين ليس إلا أبرز نموذج لكل ذلك؟

هذا ما نود بيانه في هذا المقال مع بيان الأسباب الحقيقية، والمغزى من البكاء على الإمام الحسين بن علي (عليه السلام) بالذات، والاستمرار بتخليد هذه الذكرى، ورفع الاتهامات التي طرحها المخالفين  لمذهب أهل البيت (عليهم السلام) وإجلاء الصورة الحفية عن هذه الحقيقة بصورة جديدة، لتبلور لنا محور الواقعة، والأسباب التي جعلت منها ذكرى خالدة بين أهل الأرض والسماء.

الكلمات الرئيسية: الإمام الحسين(عليه السلام)، البكاء، الشرك، المشروعية، عاشوراء

المقدمة

عاشوراء يطلق على اليوم العاشر من محرم في السنة الهجرية الإسلامية، ويطلق أيضا على واقعة شهادة الإمام الحسين (عليه السلام) في كربلاء، في السنة الواحدة والستين الهجرية، وما يرتبط بهذه الأيام التسعة الأولى من شهر محرم – فهي أيام حزن تقام فيها مراسيم الحزن والعزاء – تذرة بتلك الواقعة الأليمة، وتطل علينا هذه الذكرى الخالدة عاما بعد عام.

عندما يتذكر المسلم ما جرى في ذلك اليوم من مصائب على ذرية رسول الله (عليه السلام) من عطش الحسين (عليه السلام) وأهله وأصحابه، ورؤية الحسين(عليه السلام) لأهله وأحباه صرعى أمامه وبقائه وحيدا، وذبح الحسين كما يذبح الكبش وهو سبط النبي (صلى الله عليه واله) وريحانته وسيد شباب أهل الجنة… ورفع رأس الحسين ورؤوس القتلى على الرماح… وحرق الخيام وإيذاء النساء والأطفال وسبيهم وكأنهم ليسوا ذرية رسول الله (صلى الله عليه واله)… عندما يتذكر المؤمنون كل ذلك، فإنه من الطبيعي أن ينبعث من قلوبهم ما لا يتمالكون أنفسهم… فتحترق قلوبهم ألما وتسيل دموعهم حزنا على هذا المصاب الجليل الذي لم يشهد التاريخ مثله…

البكاء على الإمام الحسين (عليه السلام)

لقد جسدت ملحمة عاشوراء أروع سلسلة من الأحداث البطولية التي مرت عبر التأريخ والعصور؛ جمعت فيها أسمى المآثر الإنسانية في التضحية، والشجاعة، والعطاء في هذه النهضة الحسينية، وهو ما أشار اليه الإمام الحسين(عليه السلام) بقوله:

( إني لم أخرج أشرا ولا بطرا ولا مفسدا ولا ظالما وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر وأسير بسيرة جدي وأبي علي بن أبي طالب ).

يقول الإمام الحسين (عليه السلام) : مخاطبا أعدائه: ” لا والله لا أعطيكم بيدي ُعطاء الذليل ولا أفر فرار العبيد”.

وقال الحسين (عليه السلام) في موقف آخر:

الموت أولى من ركوب العار              والعار أولى من دخول النار

فعندما تتمزق الأمة عن مسارها، والسلطان عن منهج الحق، والنظام السياسي عن الطريق السوي؛ حينئذ لا بد على الأنسان المسؤول أن ينهض بواجبه ليصحح الانحراف، ويدعو الأمة الى الصراط المستقيم.

ومما لا شك فيه ولا ريب؛ أن الشيعة الإمامية أصحاب مذهب أهل البيت (عليهم السلام)

متهمين بالتمادي والإفراط في حب الإمام الحسين، وعلى كثرة إقامة التعازي ومجالس الذكر لمصيبة الإمام الحسين (عليه السلام) كل عام.

والسؤال  يفرض نفسه: لماذا نبكي حسينا؟!

وهل أن البكاء مشروع في الإسلام؟

البكاء على الإمام الحسين(عليه السلام) بالذات دون غيره من الأئمة الأطهار(عليهم السلام). يثير التسائل عن شأن هذا التعظيم، وهذه الخصوصية المحصورة في هذه الشخصية العظيمة دون غيره.

علما ان أباه علي بن أبي طالب(عليه السلام) أعظم شأنا، وأفضل درجة منه، ومن غيره.

وماذا يجدي البكاء والحزن طول هذه السنين المريرة، ولماذا هذا التمادي والإفراط، مع أن هنالك شخصيات ُسلامية كثيرة، لها دور وشأن كبير عبر مرور التاريخ، ولهم دروس وعبر فما هي الخصوصية؟

هذا ما نود بيانه وتوجيه كلامنا نحوه، والتعرض اليه بشيء من التفصيل. وكذلك بيان الأسباب الحقيقية، أو المغزى من البكاء على الإمام الحسين(عليه السلام) بالذات، والاستمرار بتخليد هذه الذكرى، ورفع الاتهامات التي طرحها المخالفين لمذهب أهل البيت(عليهم السلام) وجلاء الصورة الخفية عن هذه الحقيقة، بصورة جديدة، تبلور لنا محور الواقعة، والأسباب التي جعلت منها ذكرى خالدة بين أهل الأرض والسماء.

حرمة البكاء على الميت

في البدء نود أن نسلط الضوء على المزاعم التي طرحت من قبل المخالفين، والمعادين لمذهب أهل البيت (عليهم السلام) وتوجيه التهم والافتراءات، أو تأويل الآيات القرآنية، والأحاديث وتوجيهها بشكل يؤيد مزاعمهم، وصدق ادعائاتهم الباطلة كما هي العادة.

ذهب بعض المسلمين الى أن البكاء على الميت حرام، وغير مشروع؛ لأن الخليفة عمر بن الخطاب روى عن رسول الله(صلى الله عليه وآله) : “إن الميت يعذب ببكاء أهله عليه” .

وروى مسلم عن عبد الله بن عمر أن حفصة بكت على عمر، فقالت: مهلا يا بنية! ألم تعلمي أن رسول الله قال: “إن الميت يعذب ببكاء أهله عليه” .

وروى البخاري ومسلم عن ابن أبي مليكة قال: توفيت ابنة لعثمان بمكة، وجئنا لنشهدها، وحضرها ابن عمر وابن عباس  وإني لجالس بينهما فاذا صوت من الدار.

فقال عبد الله بن عمر لعمرة بن عثمان: ألا تنتهي عن البكاء؟ فإن رسول الله قال: “إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه:

فقال ابن عباس: قد كان عمر يقول بعض ذلك. ثم حدث قال: لما أصيب عمر دخل صهيب يبكي يقول: وا أخاه وا صلحباه! فقال عمر: يا صهيب ! لا تبكي علي! وقد قال رسول الله :”إن الميت يعذب ببعض بكاء أهله عليه” .

وقد أنكرت عائشة أن يكون النبي قال هذه الأحاديث، لظنها أنها تتعارض مع قوله تعالى: قوله تعالى: ” ولا تزر وازرة وزر أخرى” .

وقالوا وهذه بعض الأحاديث الواردة في هذا، مع بيان معناها الصحيح الذي لا يتعارض مع هذه الآية، وجواب العلماء على اعتراض أم المؤمنين عائشة.

قال النووي: وأجمعوا كلهم على اختلاف مذاهبهم على أن المراد بالبكاء هنا بصوت ونياحة لا مجرد دمع العين. أما رد عائشة رضي الله عنها هذه الأحاديث، فهو اجتهاد منها، حيث ظنت أن عمر وابنه قد وهما وأخطأ، وأن هذه الأحاديث معارضة لقول الله تعالى:” ولا تزر وازرة وزر أخرى” .

قال القرطبي: إنكار عائشة ذلك وحكمها على الراوي بالتخطئة أو النسيان أو أنه سمع بعضا ولم يسمع بعضا بعيد، لأن الرواة لهذا المعنى من الصحابة كثيرون وهم جازمون فلا وجه للنفي مع أمكان حمله على محمل صحيح.

فأن قيل: كيف حلفت بناء على غلبة ظنها أن عمر وابنه عبد الله وهما، والحلف على غلبة الظن جائز. قاله النوري رحمه الله بمعناه.

فقالوا بعدم جواز البكاء على الميت والنياحة ورفع الصوت إلى غير ذلك من الأحاديث.

مشروعية البكاء على الميت في الإسلام

إن الحزن والبكاء ليسا أمرين اختياريين؛ يستطيع الإنسان الاتيان بهما ساعة يشاء، ويمتنع عنهما ساعة يشاء؛ بل هما أمران خارجان عن الإرادة المباشرة للإنسان. فإذا أردناهما كان عليه أن يهيأ نفسه لهما باستذكار ما يولد في قلبه من مشاعر الحزن ودواعي البكاء.

والبكاء ظاهرة إنسانية ينفس الإنسان مما يختزنه من هموم وأحزان ومشاعر، وما يساوره من انفعالات تملك أحاسيسه ومشاعره؛ فيعبر عنها بالدموع، وهذه الدموع قد تكون فرح، أو خوف، أو حزن، أو خشية والاسباب كثيرة.

هنالك روايات ذكرت ضمن كتب المخالفين، وفي الصحاح، والتي يقرون بصحتها، وروايات كثيرة؛ روايات تبين مشروعية البكاء على الميت، منها:

ذكر النسائي في سننه في كتاب الجنائز قوله: أن رسول الله زار قبر أمه آمنة بنت وهب فبكى عند القبر وأبكى من حوله.

أقول: إذا كان رسول الله قد بكى على الموتى فكيف يكون البكاء على الميت محرما، وغير مشروع؟

وقد صنعه الرسول بنفسه، وفعل الرسول(صلى الله عليه وآله) يعتبر إقرارا، والإقرار سنه؛ لأن فعل الرسول، أو حتى سكوته عن الفعل إقرار منه وسنة فعلية.

روي في صحيح البخاري في كتاب فضائل الصحابة قال: صعد رسول الله (ص) المنبرـ وذكر واقعة مؤته، وقال: “لقد أخذ الراية زيد بن حارثة وأصيب، ثم أخذ الراية جعفر بن أبي طالب وأصيب، ثم أخذ الراية عبد الله بن رواحه وأصيب، ثم بكى رسول الله ودموعه تذرف على خديه”.

السؤال هو:

-إذا كان البكاء على الميت غير مشروع أو حرام فلماذا بكى رسول الله(صلى الله عليه وآله)؟

روى البخاري في “كتاب الجنائز” عن عبد الله بن عوف أنه قال: أدخلنا على رسول الله وولده إبراهيم يجود بنفسه، فرأينا رسول الله يبكي، قلنا: ما يبكيك يا رسول الله؟

قال: إنها رحمة العين تدمع، والقلب يحزن، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، وإنا لفرقك يا إبراهيم لمحزونون.

فالرسول في هذه الرواية يبكي على ولده إبراهيم، واما الحديث الذي رواه الخليفة عمر بن الخطاب، فإن السيدة عائشة ترفض هذا الحديث كما بينا.

وفي رواية أخرى في صحيح البخاري، في كتاب الجنائز إنه قال: لما أصيب الخليفة عمر بن الخطاب، دخل صهيب يبكي فقال الخليفة: يا صهيب لا تبك، فاني سمعت رسول الله يقول:” إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه”، فلما مات عمر بلغ كلامه عائشة، فقالت: لا، ما هكذا قال رسول الله، وإنما قال رسول الله: “إن الكافر ليزيده الله عذابا ببكاء أهله عليه” .

ثم قالت عائشة: حسبنا كتاب الله، القرآن يقول: “ولا تزر وازرة وزر أخرى”

فالبكاء على الميت مشروع، وهنالك روايات كثيرة وردت في بكاء الرسول(صلى الله عليه وآله) على فاطمة بنت أسد، أم أمير المؤمنين.

والدليل على مشروعية البكاء، والحزن ما ورد في القرآن الكريم قوله تعالى: وتولى عنهم وقال يا أسفي على يوسف وأبيضت عيناه من الحزن فهو كظيم قالوا تالله تفتأ تذكر يوسف حتى تكون خرضا أو تكون من الهالكين” .

روى الزمخشري عن رسول الله(ص) أنه سأل جبرائيل: “ما بلغ من وجد يعقوب على يوسف؟

قال: وجد سبعين ثكلى.

قال: فما كان له من الأجر؟

قال: أجر مائة شهيد وما ساء ظنه بالله ساعة قط” .

وعلق الزمخشري على الحديث قائلا: فإن قلت كيف جاز لنبي الله أن يبلغ به الجزع ذلك المبلغ؟

قلت: إن الإنسان مجبول على أن لا يملك نفسه عند الشدائد من الحزن، ولذلك حمد صبره، وان يضبط نفسه حتى لا يخرج الى ما لا يحسن، ولقد بكى رسول الله على ولده إبراهيم.

وقال: القلب يجزع، والعين تدمع، ولا نقول ما يسخط الرب، وإنا عليك يا إبراهيم لمحزونون.

كذلك قوله تعالى: “قل لا اسئلكم عليه أجرا إلا المودة في القربى”

وإن أبرز مصاديق مودة قربى النبي (صلى الله عليه وآله) هو البكاء والحزن على ما أصابهم من ظلم وغدر وأذى.

قال السيد الديباجي: ” وقد ورد في الأخبار عن النبي وعن الأئمة الأطهار انه يستحب في تسلية المصاب أن يظهروا عند صاحب المصيبة الحزن والكآبة، حيث أن ذلك من السنة المؤكدة.

فكيف إذا أردنا أن نسلي صاحب الرسالة وهو شاهد علينا بنص القرآن، ونعزيه في مصاب قرة عينه وفلذة كبده في مصابه الجلل التي ما أتت مصيبة كمثلها من أول الدنيا ولا تأتي إلى آخر الدهر، وهي مصيبة ما أعظمها وأعظم رزيتها في الإسلام وفي السماء والأرض.

لم بكاء وليس الضحك إذا كان الحسين قد نال سعادته؟

ردا على السؤال، لا بد من القول بأن البكاء-على الرغم من ظاهره- أساسا تلميع لمشاعر الإنسانية والسيطرة على القلوب.

فمن السهل جدا أن تضحك الناس الملايين برسالة نصية غضون ثوان، لكن الإبكاء أمر شاق ويحتاج إلى تمهيدات معينية، لأن البكاء يكمن في طبقات أعمق من القلب والتي لا يمكن التوغل فيها بسهولة. الناس لا يبكون لأحد إلا إذا تأثرت قلوبهم من حاله بشدة، فيبكي الرجل في وفاة أمه أو طفله ليس إلا، ولكن مثل وفاة ابن عم صديق فلا.

فإذا كان مؤسسة ما قادرة على السيطرة على عبرات شعب، فهي في الواقع، أستلمت مفاتيح قلوبهم وأنفسهم. وبالتالي فمن أفضل الطرق للحفاظ على مأساة عاشوراء في أعماق قلوب الأمة الاسلامية وإحياء قيمها هو البكاء، فلا يمكن تحقيق أي شيء من هذا القبيل بواسطة الضحك والسرور.

بالإضافة إلى ذلك، انه لأمر جيد التنويه إلى أننا حتى لو نظرنا من وجهة السعادة والسرور، فإن البكاء لا يعني الشعور باليأس والاكتئاب. وخلافا لظاهر البكاء فإن تأثيره الإيجابي والمتفائل، ودوره في التوسع والانبساط الروحي أعمق بكثير من الضحك والدعابة، وربما هذا هو السبب انه يشعر الإنسان بعد البكاء بخفة وتوسع روحيا، بخلاف الضحك والتنكيت حيث يثير الملل والكآبة أخيرا.

لماذا نبكي حسينا؟

-أولا:

إن الشيعة عندما يظهرون العزاء ويجددون هذه الفجيعة، فإنهم أيضا يتعلمون منها دروسا جمة. فمن كربلاء تعلمنا اباء الضيم والظلم، والشهامة والشجاعة، وحرية الرأي والفكر، والتنفر من الأخلاق الدنيئة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والوقوف مع الحق والتضحية بكل شيء من أجله، ولإيثار… وغيرها من الدروس والعبر.

-ثانيا:

البكاء على الإمام الحسين (عليه السلام) وتجديد مصابه يعتبر نوع من التأييد لنهضته والإقرار بهدفه.

يقول الإمام الحميني (قدس سره): إن البكاء على الشهيد يعد إيفاء على اتقاد جذوة الثورة وتأججها، وما ورد في الروايات من أن من بكى أو تباكى أو تظاهر بالحزن فأن أجره الجنة، إنما يفسر بكون هذا الشخص يساهم في صيانة نهضة الإمام الحسين (عليه السلام).

والسر في تكرار هذا الحداد كل عام انه ملحمة تنتمي للبشرية جمعاء، ويجب أن تتكرر كل عام لتكون محفوظة للناس من جميع الأعمار والأعصار؛ لأن الشعارات والأهداف والدروس التي يمكن استخراجها من قيام أبي عبد الله (عليه السلام) تستهدف جميع الشعوب والطوائف والأعراق من المسلمين وغير المسلمين، فإن شعارات وأهداف الإمام الحسين (عليه السلام) في ملحمة عاشوراء هي ما يتفق مع طبيعة كل إنسان خر في وجه هذه المعمورة.

أورد الشيخ محمد جواد مغنية في كلمة قيمة للسيد محسن الأمين العاملي حيث قال: أما الحسين فقدم نفسه وأبناءه حتى ولده الرضيع، وقدم إخوته وأبناء أخيه وأبناء عمه قدمهم جميعا للقتل، وقدم أمواله للنهب وعياله للأسر ليفدي دين جده.

إن الحسين معظم، حتى عند الخوارج أعداء أبيه، فأنهم يقيمون له مراسم الذكرى والحزن يوم عاشوراء في كل عام. ولو أنصف المسلمون ما عدوا طريقة الشيعة في إقامة الذكرى لسيد الشهداء.

فهل كان الحسين دون جاك دارك التي يقيم لها الفرنسية الذكرى في كل عام؟ وهل عملت جان دارك لفرنسا ما عمله الحسين لأمة جده؟

فلقد سن لهم نهج الحرية والاستقلال، ومقاومة الظلم، ومعاندة الجور، وطلب العز، ونبذ الجور، وعدم المبالاة بالموت في سبيل الغايات السامية.

هذا، الى ما يرجوه المسلم من الثواب يوم الحساب على الحزن والبكاء لقتل الحسين، فلقد نعاه جده لأصحابه، وبكى لقتله قبل وقوعه، وبكى معه أصحابه، وفيهم أبو بكر وعمر، فيما رواه الماوردي الشافعي في ” أعلام النبوة” .

وقد حث أئمة أهل البيت الطاهر شيعتهم وأتباعهم على البكاء وإقامة الذكرى والعزاء لهذه الفاجعة الأليمة في كل عام، وهم نعم القدوة، وخير من اتبع، وأفضل من اقتفى أثره، وأخذت منه سنة رسول الله(صلى الله عليه وآله) لأنهم أحد الثقلين، وباب حطة الذي من دخله كان آمنا، ومفتاح باب مدينة العلم الذي لا يؤتى إلا منه.

-ثالثا:

إننا لا نبكي حسينا، بل نبكي الإسلام

إن الإمام الحسين (عليه السلام) ليس هو الإمام الحسين بن علي (عليه السلام) لشخصه بل إنه يتمثل بالإسلام ذاته.

إنه نور الله في أرضه؛ لأنه تبارك وتعالى أعزنا بنوره بالإسلام دينا، وهذا الدين الذي حمله جده المصطفى محمد  (صلى الله عليه وآله) وأدى أمانة التبليغ، وأتمها بولاية أمير المؤمنين (عليه السلام).

إذ لا يعقل أن يترك الدين سدى بعد وفاة النبي محمد(صلى الله عليه وآله) فلا بد من خليفة وإمام بعده، والإمامة تتطلب العصمة، والعصمة تقتضي النص، وهي أمر خفي لا يعلمها إلا الله سبحانه وتعالى، فيجب أن يكون تنصيبه من قبل الله سبحانه، لأنه العالم بأفعال الإنسان، وعصمته من الخطأ دون غيره، لذلك أنزلت آية الولاية: “إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون”.

 الاستنتاج

نحن أساسا لا نحزن ولا نأسف لقيام الإمام الحسين (عليه السلام) وشهادته في سبيل الله، لأننا نعتقد انه قد حقق مهمته الإلهية بأحسن وجه، وحصل على أعلى المقامات الإنسانية. فلم يكن هنالك خسران للإمام الحسين (عليه السلام)، ولكن المجتمع الإسلامي تكبد خسائر كبيرة في هذا الصدد.

في الواقع، نحن نقيم حدادا على أنفسنا قبل أن نقيم حدادا على الحسين. لماذا آل أمر المسلمين إلى مثل هذه الكارثة في المجتمع الإسلامي؟

إذن استشهاد الإمام الحسين (عليه السلام) على الرغم من انه سعادة فردية له ولأصحابه الكرام، إلا أنه كارثة بالنسبة للمجتمع الإسلامي، ومأساة بالنسبة للإنسان بما هو إنسان.

ويحق لنا أن نسال ماذا كان هدف الحسين(عليه السلام) وماذا كانت القضية التي يعمل من اجلها؟

أما لو كان هدفه شخصيا يتمثل في رغبته في إسقاط يزيد ليتولى هو بنفسه الخلافة التي كان يطمع اليها، ما وجدنا فيه هذا الإصرار على التقدم نحو الكوفة رغم وضوح تفرق الناس من حوله، واستسلامهم لابن زياد، وحملهم السلاح في أعداد كثيرة لمواجهته والقضاء عليه.

إن أقصر الناس نظرا كان يدرك أن مصيره لن يختلف عما آل إليه فعله، ولو كان الحسين بهذه المكانة من قصر النظر لعاد إلى مكة ليعمل من جديد للوصول إلى منصب الخلافة.

فالهدف إذن ليس هدفا شخصيا، وإنما الأمر أمر الأمة، والقضية كانت للحق، والإقدام إقدام الفدائي الذي أراد أن يضرب المثل بنفسه في البذل والتضحية، ولم يكن إصرار الحسين على التقدم نحو الكوفة بعد ما علم من تخاذل أهلها ونكوصهم عن الجهاد إلا ليجعل من استشهاده علما تلتف حوله القلة التي كانت لا تزال تؤمن بالمثل وتلتمس في القادة من ينير لها طريق الجد في الكفاح، وتحريكا لضمائر المتخاذلين القاعدين عن صيانة حقوقهم ورعاية صوالحهم.

فنحن نبكي الظلم، والجور، والهوان، نبكي ونذكر دائما جور الحكام وتسلطهم في حكم الجاهلية، والأحكام العرفية وإهمال الناس لحكم الله في الأرض. لم يمنع الإمام الحسين(عليه السلام) عن إقامة حكومة الله في الأرض فحسب، بل قيل له: يا حسين اخضع لأمر الخليفة أمير المؤمنين يزيد بن معاوية !!!

هذه هي المأساة، وهذه هي الأزمة التي مرت بها الأمة الإسلامية.

إنما أراد الإمام الحسين(عليه السلام) إقامة حكومة جده رسول الله (صلى الله عليه وآله) إقامة نور الله في الأرض، فمنع من هذا الحق. فكانت شهادته خالدة، وكان انتصار الدم على السيف، وانتصار الفضيلة على الرذيلة، وغلبة الإسلام الأصيل على الإسلام المزور.

حقا إن الدماء الطاهرة التي روت أرض كربلاء قد أنبتت منارا للشرفاء الذين يؤمنون بالإسلام منهجا وعقيدة.

قراءة 358 مرة