من الذي جعل الهجرة مبدأً للتاريخ؟

قيم هذا المقال
(0 صوت)
من الذي جعل الهجرة مبدأً للتاريخ؟

على العكس مما هو مشهور بين المؤرخين من أن الخليفة الثاني جعل هجرة النبيّ صلّى اللّه عليه وآله مبدأً للتاريخ باقتراح وتأييد من الامام أمير المؤمنين علي عليه السلام وامر بأن تؤرخ الدواوين، والرسائل والعهود وما شابه ذلك بذلك التاريخ، فان الامعان في مراسلات النبيّ صلّى اللّه عليه وآله ومكاتباته التي هي مدرجة في الأغلب في كتب التاريخ والسيرة والحديث والسنة، وكذا غير ذلك من الادلة التي سوف نذكرها في هذه الصفحات يثبت أن النبيّ صلّى اللّه عليه وآله هو نفسه أول من اعتمد تلك الحادثة الكبرى كمبدأ للتاريخ، وكان يؤرّخ رسائله، وكتبه إِلى امراء العرب، وزعماء القبائل وغيرهم من الشخصيات البارزة بذلك التاريخ (أي التاريخ الهجري).

وها نحن ندرج هنا نماذج من تلك الرسائل النبوية المؤرخة بهذا التاريخ، ثم نعمد بعد ذلك الى استعراض الدلائل الاُخرى على هذا الأمر، ونحن نحتمل ان تكون هناك أدلة اُخرى غير ما سنذكره هنا- أيضاً- لم نقف عليها.

نماذج من رسائل النبيّ المؤرخة:
1- طلب سلمان من النبيّ صلّى اللّه عليه وآله ان يكتب له ولأخيه (ماه بنداذ) ولأهله وصية مفيدة ينتفع بها، فاستدعى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله عليّاً وأملى عليه اُموراً، وكتبها علي عليه السلام ثم جاء في آخر تلك الوصية: "وكتب علي بن أبي طالب بأمر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله في رجب سنة تسع من الهجرة".1

2- أدرج المؤرخُ الشهير "البلاذري" في كتابه "فتوح البلدان" نصَّ معاهدة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله مع يهود "المقن" وذكر أن مصرياً رأى نص هذه المعاهدة في جلدٍ أحمر اللون عتيقٍ وكان قد استنسخها، فقرأها لي. ثم نقل البلاذري نص تلك المعاهدة وقد جاء في نهايتها: "وليس عليكم امير الا من انفسكم أو من اهل بيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم وكتب علي بن أبو طالب في سنة تسع"2 ومع أن "أبا طالب" يجب أن يكتب حسب القواعد الادبية في المقام "أبي طالب" لكونه مضافاً اليه فقد كتب: "علي بن أبو طالب" ولكن مع ذلك ذكر المحققون ان قبيلة قريش كانت تتلفظ لفظة أب في جميع الموارد (أي في حالة النصب والرفع والجرّ) ب: "أبو" وتكتبها كذلك أيضاً، وقد صرح الاصمعيّ بهذا من بين الادباء. ويقول البروفيسور "محمّد حميد اللّه" مؤلف كتاب "الوثائق السياسية": اني لما كنت في المدينة المنورة في شهر محرم سنة 1358 وجدت في الكتابة القديمة التي في جنوبي جبل سلع في المدينة المنورة "أنا علي بن أبو طالب".3

3- جاء في معاهدة الصلح التي نظمها "خالد بن الوليد" لاهل دمشق، ونص فيها على احترام دمائهم، واموالهم وكنائسهم: "وكتب سنة ثلاث عشرة".4 وكلنا نعلم أن دمشق فتحت في أواخر حياة الخليفة الأوّل. فما يدعيه البعض من ان التاريخ الهجري قد اتخذ في عهد الخليفة الثاني بارشاد وتأييد من الامام علي عليه السلام غير صحيح فان تاريخ ذلك يرتبط بالسنة السادسة عشرة او السابعة عشرة من الهجرة، والحال ان هذه المعاهدة قد نظّمت ودُوّنت واُرخت بالتاريخ الهجري قبل ذلك بأربع سنوات.

4- ان كتاب الصلح الذي كتبه الامام علي عليه السلام بأمر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله لنصارى نجران مؤرَّخٌ بالسنة الهجرية الخامسة. فقد جاء في هذه الرسالة: "وأمر علياً ان يكتب فيه انه كتب لخمس منالهجرة".5 ان هذه الجملة تفيد بوضوح ان النبيّ الاكرم صلّى اللّه عليه وآله هو واضع التاريخ الهجري ومؤسسه الاوّل وهو الذي أمر علياً عليه السلام بان يؤرخ ذلك الكتاب بالتاريخ الهجري في ذيلهوهناك نماذج أخرى كثيرة دالة على ما أثبتناه.6


1- اخبار اصفهان تأليف ابي نعيم: ج 1 ص 52 و53.
2- فتوح البلدان: ص 72.
3- مكاتيب الرسول: ص 289 نقلاً عن شرح ملا علي القاري لشفاء القاضي عياض، وكذا الوثائق السياسية.
4- الاموال: طبعة مصر ص 297.
5- التراتيب الادارية: ج 1 ص 181 نقلاً عن السيوطي.
6- سيد المرسلين / المحقق السبحاني ج2_ مبدأ التأريخ.

قراءة 102 مرة