كيف نتعامل مع طفل لا يصغي؟

قيم هذا المقال
(0 صوت)
كيف نتعامل مع طفل لا يصغي؟

تساؤل طالما طرحه الأهل علينا: «كيف نتعامل مع طفل لا يصغي، يدير الأذن الطرشاء، يجب تكرار ما نود قوله له مرات (لا بل مئات المرات)، لا ينتبه إلى شيء..»؟

الطفل الذي لا يصغي أبداً، أو لا يصغي غالباً، أو يصغي قليلاً...،

أكان الأمر يتعلق بالقواعد المفروضة ضمن إطار العائلة أو بالقواعد المدرسية، ليس بالضرورة طفلا سيئ الإرادة: هناك أسباب كي يدير هذا الطفل الأذن الطرشاء للأهل و/ أو للمدرّسين، ومن المهم فهمها لتجاوز مشاعر انشغال البال، الانزعاج، وحتى نفاد الصبر من هذا السلوك الذي قد يثيره، وللتوصل إلى التفاهم مع هذا الطفل الذي يبدو أنه لا يريد أن يفهم، لابدّ لهم من طرح التساؤلات التالية:

لمَ لا يصغي؟ كيف نساعده على الإصغاء؟ كيف تتم إدارة الأزمات؟ هل الأمر أكثر صعوبة خلال المراهقة؟

من شأن تقديم إجابة واضحة عن هذه التساؤلات التي تعني الطفل، منذ الولادة حتى المراهقة، مساعدة الأهل على إثارة اهتمامه ودفعه للإصغاء إذ، أبعد من مسألة الطاعة هناك مسألة الاهتمام الذي يحمله الطفل تجاه العالم والآخرين: فأن نصبح أهلاً، يعني فرحة كبيرة، لكن ليس ذلك فقط بل أيضاً انشغالات بال، الكثير من الأسئلة.. من الغيظ والحنق.

من الغضب، بخاصة حين تفرض الحاجة علينا تكرار الشيء نفسه مائة مرة لأطفالنا من دون الإحساس بأنّنا مسموعون (أو أن الطفل يسمعنا).

 

لمَ لا يصغي الطفل؟

بالنسبة للأهل، الطفل الذي لا يصغي هو دائماً طفل لا يطيع كأن الطاعة هي نتيجة مباشرة للإصغاء، وبالنسبة للمدرّسين، الإصغاء الجيّد يترجم بـ«الحفـظ الجيّد»، «المذاكرة الجيّدة»..

والتساؤل يبقى نفسه: لم لا يصغي الطفل؟ أيتعلق الأمر بصعوبة مؤقتة أم دائمة؟ وكيف يمكن مساعدته؟

لابد هنا من التمييز بين عمليّتي: «الإصغاء»، و«السماع»، فبالمعنى الفسيولوجي، لا يتطلب بداية السماع مشاركة ناشطة، أما الإصغاء فيتطلّب انخراطاً حقيقياً ويفترض نشاطاً تابعاً له قد يكون الطاعة أو التذكّر أو.. إلخ، وبالتالي، يعني الأصغاء «إدارة الأذن لنسمع»، ثم «الاهتمام بما نسمعه»: هناك فرق واضحٍ، مثلاً، بين سماع موسيقي (حيث أكون مسترخياً كفرد، أي بموقف سلبي)، وبين الإصغاء لموسيقى، (حيث أكون بموقف ناشط: منتبه للحن، للأدوات الموسيقية، للانفعال الذي تثيره الموسيقى في داخلي..)، إذن، يتجاوز الإصغاء السمع إذ لابدّ من أخذ مؤشرات إضافية أخرى بالاعتبار، مؤشرات تتعلق بالآخر، بالوضعية.. إلخ.

لكن، مهما يكن من أمر، يبقى انشغال بال الأهل بخصوص واقع عدم إصغاء الطفل حيث عليهم «تكرار الشيء نفسه مائة مرة»، واقعاً جدياً ينبغي منحه الاهتمام اللازم إذ: ماذا سيحدث في المستقبل إن استمرّت الحال على ما هي عليه؟ كيف سيتمكن هذا الطفل من الاندماج في مجتمعه، هذا المجتمع الذي يفرض على أفراده قواعد عليهم التقيد بها؟ وهو (أي المجتمع) سيكون، بالمقارنة مع الأهل المتسامحين نسبياً مع طفلهم، أقل تفهماً بكثير؟ والحوار يبقى ممكناً كما تبقى الوضعية (مهما بلغت درجة تأزّمها) قابلة للتحسن، بشكل عام، إذ تكفي استشارة أخصائي لمعالجة اضطرابات تشكّلت كردود فعل على مواقف عائلية أو مدرسية، وحتى، حين يستتب الاضطراب وتبدو عواقبه خطيرة، إن في المنزل أم في المدرسة، أي حين يصبح الاضطراب مثيراً فعلاً لانشغال البال، يبقى التحسّن والتطوّر ممكنين:

أولاً، شرط أن نتمتع، كأهل، بالصبر لأنّ عمليات الصد والتوقف التي رسخت عند الطفل قد استغرقت سنوات، ولا يمكن التخلص منها خلال أيام.

ثانياً: شرط أن نعمل بقوة مع الطفل و/ أو المراهق، ومن دون استسلام، حتى حين نكون بحالة غضب أو إرهاق أو.. وإلّا، فإن عدم صبرنا وعدم تفهّمنا كبيئة لمشكلات الطفل يشكّلان عناصرتنبّؤ سيئ بالنسبة لتطوّره.

 

بداية المشكلة

هنا، تفرض عام الإجابة عن التساؤل التالي نفسها: متى تبدأ مشكلة الإصغاء عند الطفل؟

قد تظهر أول الأعراض مبكراً، أي منذ السنوات الأولى، وبشكل خاص، في فترات: اللبس، غسل الأسنان، التحضّر للخروج إلى المدرسة، حيث ينبغي على الأهل «تكرار الشيء نفسه مائة مرة» بشكل عام.

لكن هناك، بالنسبة لإصغاء الطفل، مراحل عمرية تبدو حسّاسة أكثر من غيرها:

مرحلة ما بين ۱-۷ سنوات تبدو الأكثر صعوبة، في حين تبدو مرحلة ما بين 7-۱۰ سنوات الأكثر هدوءاً، ثم، انطلاقاً من 11-12 سنة (مرحلة البلوغ والمراهقة)، تظهر مشكلات جديدة على مستوى الإصغاء.

وبالنسبة لإرساء العلاقة مع الطفل، وهي محور عملية الإصغاء، نقول: ليس هناك طريقة واحدة إذ أن طريقة تفكير الأهل بالطفل هي متنوعة وخاصة بكل من الأهل وتاريخيتهم، لذا، ينبغي ألا يشعر الأهل بالذنب، أولئك (الأم، بشكل خاص) الذين، لأسباب مختلفة (مرض عمل، انشغالات عائلية..) لم يتمكنوا من التفكير بالطفل: الشعور بالذنب أمر لا يمكن تجنّبه، لكنه غير مبرر غالباً بخاصة أن كلاً من الأهل يفعل ما يستطيعه لا ما يودّ فعله.

فالتربية أو التأديب، تتكون، عموماً، من لمسات من عمليات ارتجال من تأملات من لحظات هدوء.. من ضحكات.. من بسمات.. لكن، أيضاً، من توترات، لحظات غضب، من تعصيب..إلخ، إذ لا وجود لعلاقة سارّة تماماً بشكل عام، علاقة تخلو من صراعات، فقط حين تكون هذه الصراعات متواترة و/ أو مكثّفة تصبح، حينذاك، مثيرة لانشغال البال.

أكثر من ذلك نقول ، لقد تبين أن عدم استجابة الأم و/ أو المربّي بشكل منهجي ودائم لحاجات الطفل نظراً لانهماكهما اليومي، هو أمر تربوي إذ يدرب الطفل على الانتظار: على تأجيل الإشباع أو اللذة و/ أو التخلي عن طلباته، وذلك أمر مفيد جداً لحياته المستقبلية التي ستكون على هذا النحو.

ثم إن عدم الإصغاء، يرتبط  بشكل شبه دائم، بمهمة غير سارّة أو يعتبرها الطفل كذلك، وهي بدورها، ترتبط بمبدأ اللذة المسير للمراحل الأولى من نموه: فالطفل الذي لا يصغي، لا يتقبل الإكراه (الأمر أو الطلب) لأنه لايزال على مبدأ اللذة المباشرة، ولم يصل بعد لمبدأ اللذة المرجأة التي ترتبط بمبدأ الواقع: مبدأ اللذة المرجأة هذا لا يظهر إلا بشكل متأخر بالنسبة لمبدأ اللذة، ومع ذلك، ما نطلبه منه هو لخيره: لتمكينه من التطور، الآن وفيما بعد، بمزيد من الطمأنينة ولتزويده بمفاتيح قانون اجتماعي يحتاج إليه.

وعلينا، كأهل، تزويده به فيتمكن من إدراكه، ومن ثم احترامه.

من شأن المثال التالي إيضاح ما نود قوله: يتوقف الراشد عند الإشارة الحمراء لأنه،

أولاً: يخشى دفع غرامة إن لم يتوقف.

ثانياً: يعرف أن احترام القانون يؤمن سلامته (لن يتعرّض لحادث قد يودي بحياته، مثلاً)، وبالتالي، أدرك، كراشد، فائدة هذا الاحترام على المستوى العقلي.

يُفهم، إذن، لمَ ليس من السهل على الطفل أن يطيع: فللخوف من الشرطي ومن العقاب دوره، هذا صحيح، لكن فهم القاعدة (احترام الإشارة الحمراء كي لا نعرّض أنفسنا لخطر الموت)، وإدراك الحاجة إليها وإلى تأثيراتها الإيجابية اللاحقة (المحافظة على سلامتنا) يتطلّبان أوليّات أكثر تبلوراً على المستوى العقلي والثقافي الذي لم يمتلكه الطفل بعد.

 

جوهر المشكلة

يشكّل مبدأ «اللذة المرجأة» (إرجاء اللذّة) أو مبدأ اللذّة الثانوية أحد هذه الأوليّات، وعلى الجميع (الأهل والمربّين) الانطلاق منه، كمحور أساسي، لتربية الطفل نظراً لكون الصغير يعمل، على مستوى الوظائفية النفسية، في إطار هنا والآن، أي لا قيمة ولا أهمية بنظره إلا لما يحدث في اللحظة الحاضرة.

بتعبير آخر نقول، لم يمتلك الطفل بعد طاقة الاستباق المرتبطة بمفهوم الزمن (الماضي، الحاضر، المستقبل): هذه الطاقة ليست فطرية بل مكتسبة، ويحتاج الطفل إلى أن يعيشها (يختبرها) ليتمكّن من اكتسابها بشكل تدريجي.

وإن تمّ كل شيء كما ينبغي، قد يمتلكها الطفل عند عمر 6-8 سنوات، والمؤشر على امتلاكه لها قدرته على وضع نفسه زمنياً كالقول مثلاً في أي يوم نحن؟ أي يوم هو غداً؟ وبعد غد؟ هذا المؤشر هو نفسي ويدركه الطفل بالنسبة للوقت الذي يمر حيث يعي الحاضر لكن، أيضاً، الماضي والمستقبل: يشكّل ذلك أحد المكتسبات المهمة جداً خلال السنوات الأولى.

يرتبط هذا المؤشر النفسي بمؤشر آخر يميّز نفسانية الطفل: تمحور الطفل حول نفسه وعدم إدراكه للآخر كفرد له حاجاته الخاصة إلا بشكل تدريجي، أي فيما بعد.

وهذان المؤشران (القدرة على الاستباق ووضع النفس مكان الآخر لفهم حاجاته ومتطلباته) هما معطيان لابد له من اكتسابهما كي يتمكن الطفل من تحقيق الإصغاء.

وبإمكان الأهل إرساء هذه المؤشرات بسهولة إذ هناك الكثير من الأشياء الصغيرة والاعتيادية التي يقومون بها والتي تساهم بتعزيزها عند الطفل، كالقول له -مثلاً- «نم جيداً يا طفلي العزيز إلى الغد»، «أنا والبابا سنأتي لأخذك من الحضانة» (لدى وضعه فيها صباحاً).. إلخ،

من شأن ذلك تعزيز خبرة إيجابية بخصوص الاستباق تعزّز إرساء مفهوم «ما قبل»، و«خلال» و«ما بعد» لأن الأهل هم حاضرون فيما بعد (حين يأتون لأخذه أو حين يستفيق من النوم..)، وهو(أي الطفل) يتعرّض لهذه الخبرة منذ الولادة إذ يتم تنسيق التربية بين إشباع مباشر (استجابة الأم أو البديل عنها لطلبات الطفل ما إن يصرخ لأنه جائع، متّسخ..إلخ) وبين تأجيل هذا الإشباع حيث يتم تقديم «وقعة الغذاء»، مثلاً في أوقات معيّنة: هنا أيضاً تجربة لاواعية لما قبل وما بعد الإشباع.. وهي تجربة ضرورية جداً كأوليات تمهيدية للانتظار، للحرمان، لاستباق إصغاء يثير الرضا عند الرضيع..إلخ.

من شأن الصورة التالية إيضاح أهمية هذا التعلّم: لنتخيل أماً تكون ردود فعلها غير منتظمة، دائمة التأخر بالنسبة لطلب الرضيع (بخاصة في أيامه و/أو أسابيعه الأولى) ومن دون أي اعتبار للطابع الملح في الطلب، ماذا سيحدث؟ قد تتدهور علاقة الثقة، الضرورية، بينه كرضيع وبين أمّه: ستأتي، لن تأتي، تستغرق طويلاً لتستجيب، تأتي حين لا يكون بحاجة إليها.. وفي هذه الحالة، تُعايش الأم كسند غير مستقر وغير مثير للطمأنينة، مع العلم بأن هذا السند يعتبر أحد أهم الدعائم الأولى للنمو السوي عند الطفل.

وهكذا، تكون علاقات الرضيع مع «ما بعد» مشوشة ومضطرية، وقد يبقى كذلك (كطفل وحتى، فيما بعد، أي كراشد)، لأن الخبرات اللاواعية المكّونة لديه عن الأشهر الأولى من حياته قد رسخت لديه هذه الصورة المضطربة.

نتكلم هنا، حتماً، عن مواقف متكررة، معتادة وثابتة وليس عن بعض التأخر الذي فرضته بعض الظروف، وهو تأخر مفيد له كما رأينا، ولأن هذه المواقف ثابتة، فهي تؤسس لحدوث صدمة مرضية عند الطفل.

لكن، تجدر الإشارة هنا إلى إمكانية، لا بل سهولة، رأب الاتصال، فيما بعد، مع الطفل حتى إن كانت الأشهر الأولى مضطربة، قد يكفي، في هذا الإطار، قيام الأم، مثلاً، ببعض السلوكيات مثل وضعه على الركبتين وقول «أتعرف، حين كنت صغيراً، كنت مريضة أو.. ولم أستطع الاهتمام بك كنت أجعلك تنتظر طويلاً في بعض الأحيان..».

 

أسباب فسيولوجية

بالعودة إلى السؤال «لمَ لا يصغي الطفل؟»،

يمكن إضافة حالات عدة ممكنة قد تتمثل بأسباب فسيولوجية، أحياناً، من أهمها: النقص في السمع بسبب آلام في الأذن (وبمجرد الشك بذلك، ينبغي التأكد، وإن لزم الأمر رؤية الإختصاصي).

التعب الفيزيقي (وهو سبب يتم غالباً إهماله بالرغم من أهميته إذ ينعكس على الطاقة النفسية وبالتالي، على قدرة السـمع جهة، ويعزز القلق من جهة أخرى)، عدم احترام أنساق الحياة (عدم احترام ساعات تناول الغذاء أو النوم أو اليقظة أو...إلخ، فعدم احترام ساعة النوم، مثلاً، يتطلب من الجهاز العضوي طاقة للتكّيف قد تتسبب بإحداث التعب لدى الطفل)، للغذاء، نوعاً وكماً، تأثيره على الراحة الفسيولوجية للجسم، الضجة هي، أيضاً، عامل مهم إذ، فضلاً عن الأذى الذي تلحقه بإمكانية تحقيق تواصل جيد مع الآخرين، فإنها تتطلب جهداً كبيراً لتجاوزها، النماء الفسيولوجي (وهو أقل قابلية للملاحظة) حيث يحس الطفل بأنه ليس على ما يرام دون أن يكون هناك أي سبب عضوي (يتلاءم ذلك، مثلاً، مع فترات من التغيير النفسي المكّثف الذي يتعرض له الطفل على المستوى العقلي أو الجسمي أو الذهني..).

وقد تتمثل صعوبات الإصغاء بأسباب نفسيّة: لا وجود لأسباب عضوية أو عقلية.

من المهم جداً البحث عن الأسباب النفسية ويأتي في مقدمتها عدم جهوزية الطفل على المستوى النفسي حيث نسمع غالباً عبارة «إنه في عالم آخر..» الدالة على عجزه عن الانتباه لأن طاقته النفسية ليست حرّة، لا لأنه لا يريد ذلك، بل لأنه غير قادر على القيام بذلك.

في هذه الحالة، لا ينفع الوعيد أو الصراخ أو التهديد.. بل ينبغي التساؤل: ما الذي يمنعه عن أن يكون حراً؟ ولأن هذه الأسباب هي لاواعية، لابد من البحث عنها، هنا، في تاريخيته و/أو في التاريخية العائلية: قد يكون السبب وسيلة دفاعية من قبل الطفل تجاه قلق الأهل، مثلاً لا ضدهم، لذا، من المهم جداً عدم إحساس الأهل بالذنب إذ لا ذنب لهم في القلق الذي يحسّون به، والأمور تعود، غالباً، إلى نصابها لدى انخراط الطفل مجدداً ضمن إطار الأسرة حيث يبقى الصراخ والتهديد والوعود.. قليلة الفاعلية وحيث ينبغي البحث عن الأسباب العميقة الكامنة وراء المشكلة.

وقد يكون الأهل أنفسهم السبب: فشل عاشوه مثلاً، خلال الطفولة ويعكس رغبة لاواعية لديهم في عدم تكرار هذا الفشل من قبل الطفل، مما يدفع للتساؤل: أيؤثر لاوعي الأهل على الصفاء النفسي عند الطفل؟ يبدو أن الإجابة هي «نعم»، لم؟ لأننا أهل تبعاً للنموذج الذي عشناه، ذلك هو نسق «التكرار» الشهير: التكرار بالتماثل مع ما عشناه مع أهلنا، أو، على العكس، بالتناقض معه.

 

كيف نساعد الطفل على الإصغاء؟

قد تتداخل مناسبات عدة، كوضعية اعتيادية (مثل الواجبات المدرسية، ساعة النوم، ساعة اليقظة، ساعة تناول الطعام، الطلب من الطفل ترتيب غرفته.. إلخ)، مع ظاهرات لأواعية معقّدة (إحياء و/ أو إعادة إحياء مشاعر القلق الشخصية)، فينتهي قلق الأهل بإثارة قلق الطفل الذي لا يصغي.

من شأن النصائح العملية التالية مساعدتهم كأهل على تأمين الإصغاء من قبل طفلهم:

- التفكير بالوقت الملائم للقيام بالفروض (تبعا للطفل ولصفائه..).

- اختيار المكان المريح (الأفضل): غرفة الجلوس، المطبخ، غرفة النوم..! المهم أن يكون المكان الأكثر هدوءاً والأكثر بعداً عن أي إغراءات و/أو تشويشات.

- توقع الوقت المطلوب للمهمة،. (إن لم ينته الطفل من واجب معيّن خلال ساعة، على الأكثر فلن يفيد إبقاؤه وقتاً أطول إلا في زيادة الضغط والتوتر..).

- لقاء المدرّس وإعلامه بالصعوبات التي يجدها مع الطفل على مستوى الواجبات وتنسيق الجهود معاً، وهكذا، لن يقول المدرس، مثلاً، «لا يفعل الطفل شيئاً في المنزل»، المسؤول عن سوء الفهم الذي يسود، غالباً، على أجواء الحوار بينه وبين الأهل.

- على كلّ والد (والدة) الاجتهاد لخلق الإطار الفاعلية الأكثر صفاء، تبعاً لنسقه ومكان حياته: ذلك عامل الكامنة مهم، ثم، عليه التركيز على نفسه للتخلص،

أولاً، من مشاعر الذنب،

وثانياً، لإعادة التفكير بتاريخه، كشخص. وإن استمر القيام بالواجبات في جو من الصراخ والبكاء.. من المفضل ربما الطلب من شخص آخر مساعدة الطفل على واجباته.

على مستوى آخر تأتي ممارسة السلطة في رأس هذه الأولويات، كي يكون وجود الأهل إلى جانب طفلهم فعالاً، إنّها ميزة فطرية وغير مكتسبة، وهي تختلف عن التسلّط: فالتسلط يركز على الخضوع في حين تركز السلطة على نقل المعطيات، بمعنى صياغة ممنوعات بأنّه ترفق بتزويد الطفل بالوسائل التي تساعده على فهم هدفها.

حين تكون هذه السلطة طبيعية، فإنّها لا تخلق، توترات، لكن لا يعني ذلك أنّها لا تواجه بمقاومة، بل تديرها بشكل آخر مبني على احترام الآخر، على الثقة، على المصداقية وعلى التواصل، وهي ضرورية لأن الصغير لا يملك الوسائل النفسية تقبل لقياس الخطر الذي يواجهه ويدفع بالآخرين لمواجهته.

ومن يملك احترام الآخر يلغي من قاموسه مصطلحات مثل: السخرية، الرفض، الاحتقار.. حتى وإن كان الآخر لا يملك الطاقات نفسها، الدور نفسه.. إلخ، لأنه موجود كفرد، ككائن بشري، له قيمته كشخص يتّميز بنقاط ضعف لكن، أيضاً، بنقاط قوة خاصة به وينبغي احترامها.

وبالعودة إلى الأهل نقول، بإمكانهم دائماً تأمين لكن هذا الاحترام شرط أن يتساءلوا (كوالد أو كوالدة): هل انا كوالد احترم طفلي؟ ما هي الكلمات التي استخدمها التقييم ما يفعله، وما لا يفعله على وجه الخصوص؟ أأفكر بتهنئته وبتشجيعه حين يصغي جيداً، وكلما قام بعمل جيد.. إلخ؟

ثم ان السلطة تتطلب الثقة بالآخر، الأمر الذي يفترض الثقة بالذات (إحساس يتلاءم مع ذلك الاحساس بالطمأنينة التي نشعر بها والتي ننقلها للاخرين).

وهذه الثقة بالذات هي شديدة الارتباط بتلك التي منحها الأهل لطفلهم والموازية لنظرتهم أليه، هذا من جهة الأهل.

ومن جهة الطفل، فإنه يحتاج إلى أهل يمكنه الاعتماد عليهم معظم الوقت، وكونهم جديرين بالثقة هو أمر يطمئنه كطفل ويجعله يتقبّل الإكراه إذ يعرف، عن طريق خبراته السابقة، أن ما يفرضونه من إكراه (ترتيب أغراضه، القيام بواجباته المدرسية.. إلخ) ليس دائماً وثابتاً، كما أنّه لا يقصد أذيته، لكن ذلك لا يستبعد إمكانات الخطأ من قبلهم (ما من إنسان لا يخطئ).

هناك واقع غاية في الأهمية، لابدّ للأهل من فهمه وتقبّله: ما يخلق عدم التفاهم بينهم وبين الطفل يكمن، غالبا في واقع عيش الطفل في "هنا والآن"، أما هم فيرون الحاضر باستباقهم للمستقبل، مفهوم الاستباق، هذا لن يدركه الطفل سوى أخيراً وبشكل تدريجي، لا يمكنه ، مثلاً، إدراك أن ما يقولونه له بخصوص ترتيب ألعابه سيسمح له، في المستقبل، بإيجاد ألعابه بسهولة، الأمر الذي سيمنحه المزيد من الوقت للعب.

ينبغي الإشارة هنا إلى أن علاقة الثقة هذه ليست خيالية: فهي لا تستبعد المواجهات.

التفسيرات والتوترات المؤقتة، كما أنّها لا تعني ترك الطفل يفعل كلّ ما يحلو له وعلى هواه، بل هناك حقوق لكن، أيضاً، واجبات وقواعد ينبغي التقيّد بها، وفي هكذا مناخ، يمكن للطفل التعبير عن نفسه، ارتكاب الخطأ والتعلم منه من دون خوف من قصاص مرعب ومن دون إعادة النظر بكل شيء.

 خلاصة القول، تمر سلطة الأهل عبر قدرتهم على التواصل مع الطفل، وبشكل خاص عبر قدرتهم على الكلام، على التفسير، وفي هذه الحالة، سيحتفظ الطفل بثقته في والده (والدته)، خصوصاً إن كان هذا الأخير يحترم وعوده أو تهديداته.

 

قراءة 503 مرة